انجازات مجيدة لرجال المهندسين يوم العبور
بمناسبة الذكرى الأربعين على حرب 6/ أكتوبر/1973
بقلم - عقيد \ركن فكري محمد راوح المنطقة العسكرية الرابعة – الجمهورية اليمنية
أن حرب رمضان أن نشبت في أكتوبر 1973 , ألا أن بدايتها لم تقع في السادس من ذلك الشهر , بل سبقته بأكثر من ست سنوات من الجهد والعرق والدم ,عن طريق النضال الطويل التي تلت الخامس من يونيو 1967 . فقد احتلت أعمال التامين الهندسي دورا هاما في التحضير للعملية ألهجوميه , وتشعبت تلك ألأعمال وتعددت أنواعها واستغرقت وقتا طويلا واستنفدت جهدا كبيرا .
وكانت أهم تلك ألأعمال هى إجراءات التجهيز الهندسي في منطقة الجبهة وفي باقي المناطق العسكريه ,التي بدأت منذ يونيو 1967 , واستمرت حتى انطلقت الشرارة الأولى لحرب رمضان يوم 6 أكتوبر 1973.
وتمت أعمال التجهيز الهندسي على مراحل , فقامت قوات المهندسين العسكريين مع استغلال طاقات الشركات ألمدنيه للإنشاءات , وشركة استصلاح الأراضي , وكذا الهيئات التابعةلوزارة الري .
وكانت أبرز تلك الاعمال هى انشاء ساترا ترابيا على الضفة الغربيه لقناة السويس لتوفير الوقاية القوات المصريه من نيران ومراقبة العدو الاسرائيلي , وإنشاء هيئات حاكمة تعلو الساتر الترابي على الضفة الشرقيه للقناة بحوالي 4-6 مترا , وذلك لاحتلالها بالدبابات والأسلحة القوية المضادة للدبابات , وتجهيز شبكة من الطرق والمدقات لتسهيل مناورة القوات أثناء الاسقاط لمعدات الكباري .
وأستمر تنفيذ الأعمال النهائيه في تلك الهيئات حتى بدأت المدفعية المصريه في تنفيذ التمهيد النيراني يوم االسادس من اكتوبر 1973.. وكان هذا من مقتضيات خطه الخداع ..
أقامة شبكة الطرق والتحصينات :
ولتسهيل مناورة القوات المصرية أثناء الاقتحام والعبور تم أنشاء شبكة مطور من الطرق والمدقات في منطقة الجبهة, كما تم اقامة ستائر على أجناب تلك الطرق وفي مواجهتها لإخفاء تحركات القوات المصرية عليها , وتم أيضا تجهيز عدة عشرات من المخاضات على ترعه الاسماعيليه وترعة السويس للربط بين شرق الترعه وغربها , وذلك بالإضافة ألى الكباري التي كان يعيـبها تعرضها للقصف الجوي والتدمير بفعل ألعدو واستعدادا لإقامة الكباري على القناة فقد تم تجهيز ساحات الاسقاط لوحدات الكباري على الضفة الغربيه للقناة , وكذا المنازل اللازمة لاستخدام المعدات , وذلك على طول المواجهة من السويس الى شمال القنطرة , على مسافات متساوية , حتى لا يتمكن العدو من تحديد قطاعات العبور مبكرا فيركز جهوده ضدها بما قد يفسد عملية العبور أو يحبطها ..
ولم تقتصر اعمال التامين الهندسي على تلك الاجراءات التى سبق شرحها فحسب , بل قامت قوات المهندسين والشركات المدنية من القطاعين الخاص والعام بأعمال مجيدة ضخمة شملت أراضي مصر كلها فدائما يأتي المهندسون مع البداية . وكل عمل عسكري يتطلب تأمينا هندسيا , ودائما تفرض ظروف المعركة السياسيه والعسكرية أين يعمل المهندسون , , وتحدد لهم الأرض والميدان , ويصبح على المهندس العسكري أن يطوع علمه ومعداته للتجاوب مع الفروض التي أعطيت له وقررت إمامه. والمهندسون العسكريون لا يملكون حلا وحيدا لمسالة واحدة , وإنما يجب عليهم امتلاك مفاتيح متعددة لكل موقف , وهو أمر يحتمه وجود عدو يحاول وضع العراقيل في وجه كل حل , فضلا عن نقص المعلومات الدقيقة في بعض المواقف وخاصة عن الارض التي تتغير طبيعتها من مكان لأخر .
أما عن الظروف التي عاصرها المهندسون بعد 10 يونيو 1967 . فلقد انتهى العدو الى مانع مائى هو قناة السويس, وعلى الضفة التي يسيطر عليها من القناة وجد امتيازا , فعلى مدى مائة وعشرة اعوام هي عمر القناة حتى ذلك التاريخ لم تتوقف أعمالتطهير القناة , وكانت الحفارات تحمل الاتربة من قاع القناة لتلقيها على البر الشرقي حيث الصحراء ممتدة , ولم يكن أمامها اختيار فالبر الغربي مزروعة وعليها طريق القناة وغيره من الإنشاءات .
ووجد العدو – علاوة على ستائر الصلب والحوائط الحجرية الساندة لمجرى القناة – أتربة سهلة التشكيل في انتظاره , فقام بتعلية هذه الأكوام من الأتربة وحولها الى ساتر ترابي يرتفع من نحو ثمانية أمتار الى نحو عشرين مترا وأكثر في بعض القطاعات , ودفعه الى حافة القناة مباشرة بميوله الحادة التي تعجز مركبات القتال عن تسلقها , وصنع منة ومن الأرض خلفة نقطا قوية تعمل معا في نظام متكامل يعتمدأساسا على دشم للأسلحة المضادة للدبابات والرشاشات وزود الدشم الخرسانية بمزاغل قوية التحصين تسيطر بنيرانها على الشاطئ الغربي للقـناة , وعلى مياه القناة لمنع أيةمحاولة لعبورها .
واستمر العدو يعمل بكامل قوته من أرض مرتفعة صالحة للتجهيز , ضد القوات المصريه على الضفة الغربية المنخفضة , في أرض تنتشر بها مزارع وقرى عامرة بالموطنين المدنيين , والعدو يحاول منع القوات المصرية –بإصرار وعناد – من تنفيذ أي عمل من أعمال تحصين المواقع .
وكان على المهندسين أن يقيموا التحصينات لوقاية الأفراد وقطع السلاح والمعدات , وأن تحفر الخنادق ومرابض نيران المدفعيه , وأن تنشئ مواقع للدفاع الجوي , وأن تجهز مراكز القيادة على جميع المستويات حتى يستطيع القادة أن يسيطروا على رجالهم وأسلحتهم .
ثم كان على المهندسين أن تنشئ نقطا قوية مشكلة من سواتر ترابية ومرابض ونيران وملاجئ وغير ذلك من التجهيزات الهندسية التي تستطيع منها القوات المصرية أن ترد على نيران العدو بالمثل , بل وأن تبدأه بقصفات رادعة اذا أبلغت نقط المراقبة عن نية مبيتة له للعدوان .
تم كان على المهندسين أن تقيم نظاما من الموانع المضادة للدبابات والمضادة للأفراد في تنسيق كامل مع خطة النيران.
كل هذا الجهد تم ونيران العدوالاسرائيلي وقنابل طائراته تنهمر في محاولات متكررة لتعـويق العمل الهندسي الذي استمر برغم ذلك - ليلا ونهارا- لتحقيق صمود القوات في تلك الفترة .
النماذج المتخده : وهنا يذكر نموذجين يحققان صدق معالجة المهندسين للمواقف المختلفة تبعا لما تفرضه ظروف المعركة .
*النموذج الأول – أن جزءا من سيناء بقى في قبضة القوات المصرية بعد يونيو 1967, وهو منطقة بور فؤاد التي تتصل بمناطق سيطرة العدو بشريطين من الأرض , أحدهما يصل الى مدينة القـنطرة شرق مارا برأس العش والثاني يسير بحذاء ساحل سيناء الشمالي .
وأعد المهندسون الشريط الأول بمواقع متتالية يعتمد كل منها على سواتر ترابية ومرابض نيران وأحزمة من الموانع.
ولكن الثاني كان أكثر قسوة فرجال بمدافعهم وأسلحتهم ينتظرهم شتاء تشتد فيه نوات البحر .
وحمل المهندسون مهمتهم واتجهوا الى البحر حيث قاموا بإنشاء المواقع الدفاعية وحواجز الأمواج لحمايتها , وربطها جميعا بطريق ذى تصميم خاص يكفل له الحماية من أمواج البحر .
وفي الوقت الذي كانت الحجارة والمواد الأخرى تنقل الى نقط العمل على طول الشريط بجميع الوسائل بحرا وبرا كانت نيران العدو لاتهدأ فوق رءوس الرجال .
*النموذج الثاني – حيث قام العدو بضرب ترعة الاسماعيلية في فرعها المتجه الى بورسعيد بهدف قطع المياه عن نحو خمسين الفا من الرجال والعاملين المدنيين في المدينة الباسلة ..
فبين القٌـناة وترعة الأسماعيليه لسان ضيق من الأرض ما أيسر قطعه بقنابل الطائرات الثقيلة حتى تتدفق المياه العذبة من الترعة الى مياه القـناة المالحة , والأرض كلها مابين القـناة وبحيرة المنزلة لسان محدود العرض يسميه الرجال (رقبة الأوزة ) وعلى المهندسين أن يتحركوا بما أعدوه من خطط ومعدات لانقاد المياه ,وتتحرك دبابات العدوان لحماية ما صنعته من خراب ودمار ولتمنع يد الاصلاح , ولكن المهندسين – في كل مرة – كانوا سرعان ما ينجحون في الاصلاح ويبحث المهندسون عن طرق أخرى لضمان امدادات المدينة من المياه , فينشئون خطوط أنابيب طاقتها عدة آلاف من الأمتار المكعبة في اليوم , مع انشاء خزانات للمياه بالمدينة تكفي الاستهلاك عدة أيام .
ويقدم المهندسون مفتاحا اخر للموقف , وذلك بتجهيز صنادل عائمة تحمل المياه من مدينة المنزلة الى بورسعيد عبر البحيرة .
ويقصف العدو المجرى الملاحي في بحيرة المنزلة بالقنابل الموقوتة , ويقوم المهندسون بتطهير المجرى أولا بأول.
اتجه العدو بعد ذلك الى ضرب منشآت الصيانة والتحكم في مناسيب مياه الترعة الحلوة في ساقها المتجه من القاهرة الى الاسماعيلية وفرعيها المتجهين من الاسماعيلية الى كل من السويس وبورسعيد .
فقصف بوابات مياه مدينة القنطرة الذي يتحكم في منسوب المياه المتجهه الى بورسعيد لتحقيق هدفين اولهما قطع المياه عن بورسعيد وثانيهما تحويلها الى الأرض الواطئة لإغراق المواقع والرجال حول مدافعهم بالمياه الغزيرة المنصرفة من الترعة . وكان هذا أمرا متوقعا ومحسوبا .
وسرعان ما تحكم رجال الري في فيض المياه من بوابات الاسماعيلية بينما سعي المهندسون لإصلاح نتيجة القصف المتكرر وإنشاء السدود المؤقتة.
وقصف العدو سحارة أبو صوير حيث تنساب مياه الصرف أسفل الترعة , ودارت دوامة رهيبة تشفط مياه الترعة الى المصرف .
وقام المهندسون ابتداء – وفق تخطيط مسبق – بمحاولة سد السحارة , ولكن الدوامة البشعة التهمت كل ما ألقى فيها من دبش ورمال .
وأسرع رجال الري بخفض مناسيب المياه في البوابات من شبرا الى الاسماعيلية , بينما أسرع المهندسون بسد الترعة ذاتها بحجارة كانت معدة لهذه المهمة حتى تم اصلاح المجرى المائي ومنشآته .
ولم يحقق العدو هدفه في اغراق الأرض بما عليها من مزروعات وما تحتـضنه من رجال وسلاح .
وتشهد بورسعيد الخالدة للمهندسين بأن المياه لم تنقطع عنها يوما واحدا , وبأ نهم كانوا الأبناء المخلصين لمدينة الأبطال .
المهندسون وتأمين القوات الجوية والدفاع الجوي
أن تطوير وبناء الدفاع الجوي في مصر قد ألقي بمشكلات ومسئوليات جديدة على عاتق المهندسين , فقد قاموا مابين عامي 68 و 73 بأعمال ضخمة لصالح الدفاع الجوي اذ بنوا للقوات الجوية حوالي 500 ملجاء من ملاجئ محصنة للطائرات من الخرسانة المسلحة في حوالي 20 قاعدة جوية عسكرية وذلك علاوة على ملاجئ الطيارين وغرف العمليات والمستشفيات وجميع الخدمات الآخرى داخل تلك القواعد الجوية .
كما تم تجهيز ملاجئ الطائرات ببوابات من الصلب بأسلوب علمي مبتكر , وتصميم هندسي مصري بحت يعد مفخرة للمهندسين المصريين – عسكريين ومدنيين - الذين تكامل علمهم معا في انجاز هذا التصميم الرائع .
وقام المهندسون بتشكيل وحدات هندسيه لكل مطار تتضمن عناصر قادرة على توفير حاجته من الأعمال الهندسية خلال المعركة , واستعادة كفاءته في حالة تعرضه للقصف الجوي في أسرع وقت ممكن , بما في ذلك عناصر ازالة القنابل الموقوتة والتى لم تنفجر .
وفي اطار توفير التأمين الهندسي للقوات الجوية الذي سار جنبا الى جنب مع كل الأعمال الخاصة بالقوات البرية , فقد درس المهندسون المشكلتين اللتين تنجمان عن كل قصف جوي.
كانت المشكلة الأولى هى كيفية اصلاح الممرات بعد قصفها بقنابل الطائرات , في وقت محدود , يسترد المطار بعده كفاءته , ويطلق طائراته نحو السماء , وتم التنسيق مع وزارة البحت العلمي , واستغرق الجهد المشترك نحو ستة شهور , الى ان انتهى الدارسون الى خلطة تستخدم في رصف المساحات المدمرة من الإسفلت والأسمنت سريع التصلب بنسب محددة .
ولم يلبث الرجال المصريين – في متابعتهم للبحث والتطور العلمي - ان عثروا على ألواح صلب تصلح لهذا الغرض , وأمكن تصنيعها في المصانع المصريه .
وكانت المشكلة الثانية هي ازالة القنابل التي لاتنفجر لدى ارتطامها بالأرض , وتحتوي على أجهزة تفجير موقوتة , بهدف منع الرجال من أصلاح ما تم تدميره , وإبقاء المطار في حالة شلل انتظارا لانفجارها , وتم تشكيل وحدات هندسيه كاملة لهذا الغرض صار تزويدها بأحداث الأجهزة .
ولتوضيح مدى نجاح تلك الأعمال التحضيرية يجدر بنا ان نستبق الحوادث قليلا فنذكر ان التجهيز الذي تم للمطارات والقواعد الجوية قد اثبت كفاءته , وصمدت الدشم الخرسانية التي صممها ونفذها مهندسون مصريون لهجمات العدو الجوية بجميع انواع القنابل والصواريخ , وكان صمودها دليل نجاح المهندسين وقدرتهم على التصميم والتنفيذ , فلم تحدث أي إصابة تذكر لطائرات وهى داخل الدشم , كما ان شبكة الممرات التبادليه التي تم انشاؤها بكل مطار وقاعدة جوية فوتت العدو فرصة اغلاق أي مطار , أو منع الطائرات المصرية من مغادرته أو العودة اليه .
أما رجال وحدات إزالة القنابل فقد اثبتوا أنهم من خيرة رجال المهندسين في البدل والفداء.. ونجحوا في رفع القنابل من الاهداف التي تعرضت للقصف الجوي .. ونظرة على كشف حساب الرجال المهندسين العسكريين خلال حرب رمضان تكفي لتبيان أنهم رفعوا نحو خمسة الأف لغم مضاد للدبابات , وما يزيد على عشرة الأف لغم مضاد للأفراد , وأكثر من الف قنبلة ثقيلة من أوزان الألف رطل .. وجميعها من أنواع مختلفة , ومزودة بأحدث ما اكتشفه العلم من شراك خداعية .
ونعود مرة أخرى لنستأنف الحديث عن أعمال التجهيزات الهندسية في مجال الأعداد ليوم العبور ..
في نهاية عام 1969صدرت الأوامر بتركيز جميع الجهود والإمكانيات لإنشاء شبكة مواقع وحدات صواريخ الدفاع الجوي . وكان للمهندسين العسكريين أيضا خبرتهم الخاصة في تصميم المنشآت الوقائية بهذه المواقع , وبدا العمل بشكل مكثف في يناير 1970 , تحت قصف جوي شديد استمر نهارا وليلا , ليقين الجميع بأن اتمام انشاء مواقع الدفاع الجوي واحتلالها هو بداية النهاية بالنسبة لتفوق العدو الجوي
ضفاف القـناة ومسألة العبور:
كان على المهندسين أن يعدوا أنفسهم للاشتراك في تنفيذ قرار العبور مهما كانت الصعاب التي تقابلهم .
فبدأوا بشبكة للطرق بلغت جملة أطوالها في منطقة الجبهة بمفردها اكثر من الفى كيلو متر , أي ثلاثين مرة طول القـناة نفسها , لتأمين تقدم القوات المصرية الى القناة , ومعها وحدات الكباري.
وتلا ذلك تجهيز ساحات ومنازل اسقاط مهمات العبور في مياه القناة بطول المواجهة من السويس جنوبا حتى شمال القنطرة .
وكان التجهيز يتم على مسافات متقاربة مما يحرم العدو من تحديد القطاعات الحقيقية المخططة لإنشاء المعابر كما يعطي القوات الحرية في مناورتها من اتجاه لأخر حسب الموقف .
ولتأمين عبور القوات في عملية هجومية شاملة كان لابد من اعداد الحجم الكافي من معدات العبور ومهماته .
وتمت دراسات على أعلى مستوى من الفكر الهندسي لتحويل أنواع قديمة من الكباري العادية التي يستغرق انشاؤها يوما كاملا الى كباري اقتحام لا تستغرق أكثر من بضع ساعات .
وجرى تنفيذ هذه الأعمال الفنية وغيرها محليا في الورش والمصانع المصرية بما حقق زيادة في كمية وسائل العبور تعادل نصف الكمية التي وردت من الاتحاد السوفيتي .
كما تم بناء كباري هيكلية لغرض استخدامها خلال حرب رمضان تماثل تماما الكباري الحقيقة فيما عدا أن حمولتها كانت 4أطنان بدلا من 80 طنا , ولخلق الحياة على هذه الكباري الحقيقية فيما قامت باستخدامها في عمليات العبور الخفيف أي العربات الخفيفة التي يقل وزنها عن 4 أطنان , وبالتالي قامت بواجبها على الأكمل وقام العدو بتركيز هجومه عليها بالدرجة نفسها التي كان يهاجم بهاء الكباري الأصلية .
تأمين عبور المشاة :
أما عبور المشاة في المرحلة الأولى من العملية لحماية الكبارى وتأمين رءوس الجسور فكانت تستلزم تدبير ألفين وخمسمائة قارب .
وقد أمكن للمهندسين اعداد هذه الكمية بفضل تصنيع نصفها محليا في المصانع المحلية ايضا .
ولمعاونة المشاة في تسلق الساتر الترابي لخط بارليف ابتكر المهندسون سلالم من الحبال وزلاقات من الصاج وغيرها انتجت في ورش المهندسين.
ورغم بساطة هذه المهمات فأنها حققت نجاحا كبيرا اذ مكنت القوات المصرية خلال الفترة من بدء العبور حتى بدء تشغيل الكباري والمعديات أن تنقل أعداد كبيرة من المدافع الخفيفة المضادة للدبابات والرشاشات المضادة للطائرات وصناديق الذخيرة وغيرها من الأسلحة والإمدادات اللازمة للقوات في الساعات الاولى من المعركة .
الصعوبات التي جابهت لفتح ممرات
وقد كانت أعقد المشاكل التي قابلت المهندسين , هي الوصول الى أنسب أسلوب لفتح الممرات في الساتر الترابي الهائل الذي أنشأه العدو على حافة الضفة الشرقية , وذلك حتى يتمكن رجال الكباري من انشاء وتشغيل الكباري والمعديات , وحتى تجد مركبات القتال – من عربات ودبابات وجرارات تحمل قطع المدفعية والصواريخ الثقيلة – ميولا رأسية تستطيع صعودها الى خلف الساتر الترابي .
وعلى امتداد خمس سنوات أجريت مئات من التجارب على فروع النيل جهزت بحيث تمثل الواقع تماما على القناة , وقد استخدمت طرق متعددة في التجارب منها النسف بالمفرقعات , والقصف بالطيران , والرمي بالمدفعية والصواريخ , إلا أنها لأسباب مختلفة لم تحقق النتائج المطلوبة .
الى جاء الحل من احد الضباط المهندسين الذي اقترح فتح الثغرة في الساتر الترابي بأسلوب ضغط المياه كان قد رآها في مشروع السد العالي ابان انتدابه هناك.
انها طريقة التجريف وبعد عدة تجارب اتضح للقيادة العسكرية المصريه أن كل متر مكعب من المياه يزيح مترا مكعبا من الرمال , وان العدد المثالي في كل ثغرة هو خمس مضخات وفي يوليو1971 تقرر ان يكون أسلوب فتح الثغرات في الساتر الترابي هو أسلوب التجريف (ضغط المياه) وقرر شراء 450 مضخة منها 300 مضخة مياه انجليزية و150مضخة المانيه الصنع وأكثر قوة من المضخات الانجليزية , وبتخصيص 3 مضخات انجليزية ومضختين المانيتين لكل ثغرة كان من الممكن ازاحة 1500متر مكعب من الاتربة خلال ساعتين فقط وبعدد من الافراد يتراوح مابين 10-15 فردا فقط.
كان هذا حلا رائعا وسهلا ويتلافى جميع العيوب التي كان يتسم بها الاساليب السابقة .
ونتطرق الى مسائل التدريب على العبور فنجدها تشمل – بالنسبة لوحدات المهندسين القائمة بالتنفيذ - مسائل ثلاثة , تدريب وحدات العبور على انشاء وتشغيل الكباري والمعديات والناقلات البرمائية , وتدريب القوات على العبور بالقوارب والكباري ووسائل العبور الاخرى , وتدريب نحو ثمانين وحدة صغرى من وحدات المهندسين على فتح الممرات في الساتر الترابي تدريبا مشتركا مع وحدات العبور , وذلك لتحقيق مستوى عال من الكفاءة في انشاء المعابر المتكاملة , سواء كانت معابر كبارى , أو معابر معديات , أو معابر ناقلات برمائية .
ولعل اعقد برامج التدريب التي قابلت المهندسين هو انتخاب وتجهيز اجزاء من المجاري المائية تتوفر فيها طبيعة قناة السويس من حيث العرض والعمق وسرعة التيار وتغير منسوب المياه , ثم تجهيز شواطئها بالتكسيات والسواند المشابهة للقناة , وإنشاء سواتر ترابية ونقط قوية تطابق التى انشاها العدو على الضفة الشرقية للقناة .
كذلك كان يلزم توفر المسافات الكافية من حيث مواجهات وأعماق الأرض على كلا الشاطئين بحيث تماثل طبيعتها تلك الموجودة على جانبي القناة , ثم امكان استخدام الذخائر الحية بجميع أنواع الاسلحة والطائرات مع التقليل الى أدنى حد من الخسائر المحتملة في الأرض المزروعة والممتلكات الأخرى القريبة .
كل هذه العوامل كانت حيوية حتى يسير التدريب بصورة واقعية.
ولا بأس من ان نذكر بعض الأرقام حتى نقرب الى الذهن ما تطلبه التدريب على فتح الممرات في الساتر الترابي من جهد وتكاليف .
فلإعداد وحدة المهندسين لفتح ممر في الساتر الترابي كان يلزم تدريبها على الأقل مرتين نهارا ومرتين ليلا .
ولإتمام تدريب ثمانين وحدة كان يلزم القيام بنقل أتربة في حدود مليون ونصف مليون متر مكعب , في حين أن ما سيتم تجريفه منها في العمليات لن يزيد على مائة وعشرين ألف متر .
هذا بخلاف أعمال نقل الأتربة التى تمت أثناء اجراء مئات التجارب التي جرت للوصول الى أنسب أسلوب لهذه العملية , والتى لا تقل عن نصف مليون متر مكعب أخرى .
هكذا غطت اعمال التامين الهندسي التى قامت بها قوات المهندسين العسكريين والشركات المدنية من القطاعين الخاص والعام أراضي الجمهورية كلها .. استعدادا ومساهمة منهم في المعركة ألوشيكة .. حرب اكتوبر .
تحضيرات المهندسين العسكريين لمعركة العبور :
تنفيذا لخطة العبور قامت جماعات من الصاعقة وأفراد من المهندسين بغلق فتحات مواسير قاذفات اللهب تحت الماء ليلة 5/6أكتوبر , ومن قبيل التأكد اندفعت بعض جماعات الصاعقة قبل بدء الاقتحام مباشرة بالسباحة تحت سطح القناة للتأكد من غلق هذه المواسير . وكانت بداية موفقة لدرء اكبر خطورة تحبط اقتحام قناة السويس .
وكان أسلوب اسرائيل في استخدام هذه القوذاف قد أعد منذ فترات سابقة ونجح نجاحا باهرا وكانت القذفة الواحدة مشتعلة 30-40 دقيقة بدرجة حرارة تصل الى 700درجة مئوية ولهيبها يصل الى ارتفاع 4 أقدام مؤثرا جدا من الناحية المعنوية ضد المقاتلين الذين يحاولون اقتحام قناة السويس
اقتحام قناة السويس :
1- كان عبور 200 طائرة مقاتلة / قاذفة قناة السويس سعت 1400 على ارتفاع منخفض جدا هى علامة بدء اقتحام القوات المصريه . وقامت بتوجيه ضربة ابتدائية مفاجئة على مواقع العدو الحيوية في العمق حتى مسافة 100 كم .
2- سعت 1405 بدأت المدفعية المصرية تصب قذائفها على النقط الحصينة في خط بارليف في تمهيد نيراني بعدد 2000 مدفع وهاون ولمدة 53 دقيقة .
3- سعت 1420 بدأت الموجات الأولى من المشاة التجديف تجاه الشاطئ الشرقي ( الموجة حوالي 4000 رجل 720 قاربا مطاطا ) ووصلت الى الشاطئ الشرقي للقناة سعت1430 .
4 - سعت 1430 بدأت عناصر المهندسين بالعمل في فتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام اجهزة المياه (70 فصيلة معها 350 مضخة مياه ) . وخلال ساعتين كان حجم قوات المهندسين التي عبرت القناة , والتي راحت تعمل قد جاوزت 15 الف مقاتل من المهندسين العسكريين من مختلف التخصصات .
5 - سعت 1830 تمكنت وحدات المهندسين من فتح اول ثغرة في الساتر الترابي
6 - سعت 2230 يوم 6 / اكتوبر اتم المهندسون الأعمال الهندسية التالية :
أ- فتح 60 ثغرة في الساتر الترابي , وذلك بتجريف 90000 متر مكعب من الرمال .
ب - اتمام تركيب 8 كباري ثقيلة
ج- اتمام بناء 4 كباري خفيفة هيكلية
د- اتمام بناء وتشغيل 31 معدية .
مما سمح وسائل العبور الثقيل جميعها ان تعمل بأقصى طاقة لها .
والمهندسون يقومون باصلأح الكباري التي تتعطل نتيجة قصف المدفعية والطيران الاسرائيلي ويعيدون تشغيلها بعد فترة وجيزة .
وحتى صباح 7/ اكتوبركان قد تم تركيب 4 كباري ثقيلة اخرى وبذا تخصص 2 كوبري لكل فرقة .
ولم يقتصر دور المهندسين العسكريين على انشاء المعديات والكباري , بل قاموا ببذل مجهود كبير في الاستيلاء على رؤوس الكباري وتعزيزها , وذلك بالتعاون مع باقي الاسلحة المشتركة في صد هجمات دبابات العدو , برص الألغام في مواجهات مدرعات العدو لحصر مناورتها وإيقاف تحركاتها ... كما عبرت الى رؤوس الكباري مئات القطع من المعدات الهندسية المتنوعة لتعاون القوات في تجهيز مواقعها بحفر خنادق ومواقع الدبابات والمدفعية , وإنشاء السواتر , وغيرها من الأعمال الاخرى .
ويكفي أن نذكر ان القوات المهندسين العسكريين قد رصت حوالي مليون لغم مضاد للدبابات خلال حرب رمضان معركة العبور :
معركة العبور هى قمة الأعمال الميدانية التي حدثت في معارك أكتوبر1973 م , والتي استغرقت 48 ساعة فقط , من وجهة النظر العسكرية البحتة .
نجحت فيها القوات المصرية نجاحا باهرا بأقل جهد ممكن وبأقل خسائر أيضا .
ان السهولة واليسر في معركة العبور لم يكونا متوقعين لأحد . حتى ان القائد العام نفسه قال بعد نجاحها مباشرة :( أنني تصورت أننا نجري بيانا عمليا في وقت السلم ) .
لقد حققت القوات المصرية نجاحا حاسما في معركة القناة , فقد عبرت اصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة .
وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في التاريخ البشرية , وقد تم ذلك بأقل خسائر ممكنة .
وتم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة وأصبحت أسطورة خط بارليف التي كان تتغنى بها الاسرائيليون في خبر كان .
لقد كانت الوحدات الهندسية المكلفه بمهمات العبور بمختلف تخصصاتها , هى المفاجأة والضربة الرئيسية للعدو في استراتيجيات المعركة بشكل عام , وهذا لعدة اسباب :
- دول العالم الصديقة والمعادية اجمعت باستحاله التغلب على مشكلات العبور وتنفيذ هذه المهمات مجتمعه – مذكرات رئيس اركان الجيش الاسرائيلي – ( الجنرال اليعازر ) ذكر فيها أن مناقشات القيادة الاسرائيلية لدراسة احتمال عبور المصريين القناة بحضور وزير الحربية (موشي ديان) قد عبر عن ستبعاد وتجاهل وجود قطاع هندسي مؤثر في الجيش المصري , وصرح ديان مباشرة على أن المصريين يحتاجون لعبور قناة السويس الى سلاح المهندسين الامريكي والسوفيتي مجتمعين للمساعدة في ذلك .
- أن عبور مانع مائي شبيه بقناة السويس هو عملية بالغة التعقيد وتحتاج الى اجراءات دقيقة وتفصيلية , وإذا لم تتم هذه الاجراءات طبقا لنظام دقيق وتحت سيطرة حاسمة من الانضباط فان العملية بأكملها قد تتحول الى فوضى عارمة . لقد قسمت وحدات المشاة المكلفة بالعبور اى مجموعتين : المجموعه الاولى ( المترجلين )يقتحمون القناة في قوارب مطاطية , أما المجموعة الثانية ( الوحدات والأطقم ذات الاسلحة الثقيلة ) يعبروا القناة بواسطة المعديات والكباري وكان يتم لأهمية كل مركبة ومدى حاجة المشاة اليها , ومن اجل ذلك تم تقسيم مركبات كل فرقة مشاة الى 6 أسبقيات .
أن معركة العبور من وجهة النظر العسكرية البحتة .
تعتبر عملية تكتيكية يغلب عليها الطابع الفني , وتمثل التعاون والتنسيق بين عدة أسلحة متعاونة لها الفضل الأكثر في نجاحها وهى – الدفاع الجوي – المهندسون العسكريون – وحدات المدفعية المضادة للدبابات الطويلة الصاروخية.
وهي وبذلك استحقت دون منازع أو تشكك أوسمة نصر (وسام نجمة سيناء) , اذ يرجع لها الفضل الأكبر في نجاح عملية العبور بل جعلتها من وجهة النظر العسكرية البحتة عملية فنية مثالية .
وأخيرا وليس بأخر لاننسى الذين قدموا ارواحهم الطاهرة على جانبي وسطح القناة , ومنهم اللواء مهندس اركان حرب / أحمد حمدي قائد المهندسين بالجيش الثاني الذي استشهد يوم 13 اكتوبر بينما كان يشارك وسط جنوده في اعادة انشاء كوبري , وغيرهم من شهداء ابناء مصر العظام سائلين المولى أن يتغمد أرواحهم الطاهرة ويسكنهم فسيح جناته.
((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)) صدق الله العظيم
المجموعة 73 مؤرخين