أورق الأمل في نفوس ذوي الأسرى والمفقودين العراقيين بعد توارد أنباء عن وجود أسرى ما زالت تحتجزهم السلطات الإيرانية. إيران نفت ذلك وتساءلت عن المصلحة المتحققة في اعتقالهم كل هذا الوقت، لكن مبادرة مسيحية تسعى لفك الطلسم.
تاريخ حروب العراق يمتد إلى عشرات السنين، ومعها يمتد تاريخ الألم وتستمر مآس وأحزان في بيوت من قتلوا أو أُسروا أو فقدوا أو أُصيبوا بعاهات مستديمة.
لكن هناك حديثا يتعالى مرة أخرى اليوم عن وجود أعداد غير معلومة من الأسرى والمعتقلين في إيران. فقد أطلقت لجنة المجلس الشعبي العراقي الكلداني السرياني الآشوري ( وهي منظمة مجتمع مدني مقرها الدانمارك) حملة للبحث عن 600 أسير ومفقود في الحرب العراقية الإيرانية تعتقد اللجنة أنهم ما زالوا في سجون إيران.
وهناك من يتحدث عن طيارين عراقيين لجأوا إلى إيران عقب غزو الكويت عام 1990 ، ثم اعتقلوا وبقوا في السجن حتى اليوم، وليس بوسع المرء إلا أن يسأل:لماذا يبقى العراقيون مسجونين في إيران، رغم وجود تقارب سياسي حاليا بين البلدين؟
الإيرانيون يقولون من جانبهم أنهم سلموا كل الأسرى للعراق ، ويتساءلون ماذا عساها أن تفعل إيران بالأسرى في هذا الوقت؟
فيما يرد خصوم إيران بشواهد وأمثلة يقولون إنها تدل على وجود أسرى لدى إيران، مستعينين بأدلة ومعطيات وروايات نقلت شفاها عبر أجيال من الأسرى أطلق سراحهم بشكل دفعات على مدى عقد الثمانينات ( تبادل الأسرى المعاقين )، والتسعينات (عقب غزو العراق للكويت)، والعقد الأول من الألفية الثالثة.
من مآسي الأسرى العراقيين: “ 21 سنة اعتقال لأسير معاقب "
د.نزار السامرائي الباحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية ، كان نفسه أسيرا لنحو 21 عاما في أقفاص أسر متباعدة نائية متعددة بإيران، وقد روى قصة العقدين وعام التي قضاها لبرنامج العراق اليوم من DW عربية مبينا أنه لم يكن الوحيد الذي قضى هذه المدة ، ومؤكدا أن مئات من الأسرى المعاقبين قضوا مددا مماثلة " لست وحدي من بقي في المعسكرات الإيرانية المعاقبة، فقد توقف التبادل يوم 15 سبتمبر/ أيلول 1990، وقد جرى خلال هذا الشهر تبادل نحو 36 ألف أسير من كل جانب ".
وكشف السامرائي، أن العدد المذكور مثّل كل الأسرى الذين كان العراق يحتجزهم فيما" احتفظت إيران بألوف من الأسرى العراقيين " المعاقبين" بتهم مختلفة والمحتجزين في معسكرات متباعدة لم يزرها الصليب الأحمر في الغالب، مصرة على أنّ العراق يحتفظ بأسرى إيرانيين ولا يعترف بوجودهم، وأنهم يجب أن يعودوا
ونقل السامرائي تقديرات إيرانية عن عدد الأسرى العراقيين لديها بأنه ( 75- 85 ألف أسير) وهذا يعني أن بين أربعين إلى 50 ألف أسير، بقوا في أقفاص الأسر بعد إنهاء التبادل الرسمي عام 1991 ، لكنه استدرك بالقول " إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تعطي هذه الأرقام نفس المصداقية ".
مبادرة مسيحية للبحث عن المفقودين
تيريزا ايشو رئيس لجنة المجلس الشعبي العراقي الكلداني السرياني الآشوري أطلقت مبادرة إنسانية تتوخى إعادة أسرى مسيحيين مفقودين إلى ذويهم، ثم غيرت فحوى المبادرة وجعلتها مبادرة عراقية للبحث عن كل أسرى الحرب العراقية الإيرانية ومن تبقى منهم في إيران. وقد شاركت في منبر حوار العراق اليوم من DW عربية كاشفة أنها قد اتصلت بالسفارة الإيرانية في كوبنهاغن، ثم نظّمت رحلة إلى طهران في شهر آب/ أغسطس 2013 في مسعى للبحث عن أسرى قيد الاعتقال" وقد زرنا مكتب منظمة الصليب الأحمر الدولي بطهران ، البرلمان الإيراني، وزارة حقوق الإنسان، وزارة الخارجية، رئاسة الجمهورية الإسلامية ، ومكتب المجلس الإسلامي الأعلى ولكن كل الجهات أكدت عدم وجود اسري عراقيين، فيما طلب مكتب الصليب الأحمر الدولي تخويلا من ذوي الأسرى يجيز لنا البحث عنهم والحصول على معلومات بشأنهم".
واستندت المبادرة الجديدة إلى كتب صادرة عن الوحدات العسكرية للمفقودين تعلم ذويهم بأن المشار إليهم قد فقدوا في المعارك وتشير إلى تاريخ الحدث ومكانه، إضافة إلى ما نقل شفهيا عنهم من خلال أسرى عائدين التقوا بالمشار إليهم في معسكرات الأسر" أو ربما كانوا قد تحدثوا في إذاعة إيرانية ( كانت تجري لقاءات مع الأسرى، ليبلغوا أهلهم بأنهم أحياء)، وكانت هذه مجمل المعطيات التي استندنا عليها"..
الحقوقي حسن شعبان رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية ومقرها بغداد شارك في منبر حوار العراق اليوم من DW عربية مبديا شكوكه في فرضية وجود أسرى ، ومتسائلا عن مصلحة إيران في احتجاز جنود عراقيين ، وعن مبررات مثل هذا الافتراض " ما الفائدة من ذلك، النظام السابق قد انتهى ويقوم في العراق نظام جديد، والأسرى هم أناس بسطاء أجبروا على الحرب مع إيران وذهبوا عنوة إلى القتال ".
وذهب الحقوقي شعبان إلى أنه لا يريد أن يدافع عن صدقية إيران، لكنه اعتبر أنه لا يجد مبررات موضوعية مقنعة تسمح للسلطات الإيرانية بإخفاء بعض الأسرى. واستدرك الحقوقي العراقي بالقول" لكني لا استطيع أن أنفي بالكامل ، لأن السلطات العراقية والسلطات الإيرانية إبان الحرب دأبت على الكذب على بعضها"، بمعنى أن النظامين لم يكشفا عن الحقائق كاملة كما ينبغي.
وأعرب شعبان عن اعتقاده أن اغلب هؤلاء المفقودين قد قتلوا في ساحات الحرب ولم يستطع الصليب الأحمر، مشيرا إلى أنّ هناك أزمة ثقة بين النظامين كما أنّ "هذين النظامين لم يكونا بمستوى الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان"، وخلص رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية إلى القول" طبيعة الأوضاع في الوقت الحاضر لا تسمح بإسدال الستار على هؤلاء"
مايكروفون مجلة العراق اليوم من DW عربية ذهب إلى الأسير السابق اوديشو ديكو المقيم في الدانمارك وسأله عن تفاصيل ومدة الأسر وما تعرض له فبيّن انه قد أمضى ثماني سنوات في الأسر متنقلا بين معسكرات عدة، وكشف إلى أن المسيحيين يتعرضون عموما إلى ضغوط لحملهم على تغيير ديانتهم إلى الإسلام، كما أنهم يتعرضون لإغراءات من نوع " سيجري تزويجك بامرأتين، أحداهما عراقية من المهجّرات إلى إيران، والأخرى إيرانية تائبة " على حد تعبير ديكو.
وأكد الأسير السابق أيشو ان "الأسرى ذوي الدرجات الحزبية العالية كانوا ينقلون من معسكرات الأسر العادية إلى معسكرات خاصة حيث يجري احتجازهم تحديدا في معسكر قزوين" ، مؤكدا أن أسرى عمليات بنجوين وحلبجة لم يسجلوا في الصليب الأحمر .
ومن مفارقات عمليات تبادل الأسرى بين البلدين، كشف الأسير السابق اوديشو ديكو، أن مجموعات كثيرة من الأسرى كانت تنقل إلى الحدود بحافلات لغرض إجراء التبادل مع الجانب العراقي، ثم يعاد هؤلاء إلى أقفاص الأسر بحجة أن الجانب العراقي قد اخلّ بالاتفاق" مع أننا كنا نرى من جانبنا في معبر خسروي بقصر شيرين الحافلات العراقية وهي تنتظر في معبر المنذرية".
مثل هذه الهزات العنيفة كانت تؤثر على اسري كثيرين إلى درجة تؤدي إلى انهيار بعضهم عصبيا، فيما " مات احد من ذهبوا معي إلى الحدود بسكتة قلبية في المرة الرابعة التي جرى نقله إلى الحدود بقصد إطلاق سراحه ثم إعادته إلى أقفاص الأسر " بمعنى أنه توفي بسبب خيبات الأمل المتعاقبة.
المصدر