البرنامج النووى المصرى. وآفاق المستقبل
يعتبر موضوع "الخيار النووى" من أهم القضايا المطروحة على الساحتين السياسية والفكرية فى منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وفى مصر بصفة خاصة.
وقد أثير الجدل فى مصر، حول هذه القضية منذ فترة غير قصيرة، حيث شهدت الساحتان السياسية والفكرية سجالا بين تيارين رئيسيين، أحدهما يؤيد فكرة الخيار النووى، وله حججه وأسانيده، والآخر يعارض هذه الفكرة، وله أيضا حججه وأسانيده، وبين هذا وذاك يأتى موقف القيادة السياسية، وكانت مصر من أوليات الدول النامية التى عرفت الطاقة النووية حيث بدأ التفكير فى دخول مصر إلى مجال استخدام الطاقة النووية فى عام 1954، وكان ذلك فى عدة اتجاهات.
الأول. كان منصبا على الجانب الاستراتيجى، أما الثانى: فكان متعلقا بالنواحى العلمية والبحثية، وشمل الاتجاه الثالث: النواحى التطبيقية، ومنها استخدام المواد المشعة فى العلاج الطبى وغير ذلك من النواحى التطبيقية.
وقد استقر الرأى، فى ذلك الوقت على تشكيل لجنة الطاقة الذرية التى ألحقت برئاسة الوزراء، ثم برئاسة الجمهورية، حيث يرأس مجلس إدارتها رئيس الجمهورية، وكانت مهمة اللجنة وضع البرنامج النووى المصرى، ومتابعة تنفيذه.
وفى عام 1956، عقدت مصر أولى اتفاقاتها النووية مع الاتحاد السوفيتى التى تمكنت بمقتضاها من الحصول على أول مفاعل ذرى للبحوث العلمية بقوة 2 ميجاوات، كما حصلت مصر أيضا بمقتضى هذه الاتفاقية على معمل لإنتاج النظائر المشعة، بالإضافة إلى العديد من الأجهزة الخاصة بهذا المجال، ويعد إنشاء هيئة الطاقة الذرية فى عام 1957، وبناء المفاعل النووى الأول فى أنشاص عام 1961، البداية الحقيقية لاستخدام مصر للمفاعلات النووية حيث بدأت الدراسات التمهيدية لذلك عام وفى9 عام 1964، انتهت مؤسسة الطاقة الذرية من إعداد المواصفات الخاصة بمحطة نووية تستخدم فى توليد الكهرباء قدرتها 150 ألف كيلو وات، وتحلية مياه البحر لإنتاج 20 ألف متر مكعب فى اليوم، وطرحتها فى مناقصة عالمية، وأعقب ذلك صدور خطاب نيات لإحدى الشركات الأمريكية لتتولى تنفيذ المحطة عام 1966، إلا أن العدوان الإسرائيلى عام 1967، أدى إلى اجهاض هذا المشروع الذى كان من المزمع إقامته فى منطقة سيدى كرير بالساحل الشمالى الغربى لمصر.
وفى أعقاب حرب 1973، تم طرح مناقصة لإنشاء محطة نووية جديدة لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ألف كيلووات، كما صدر خطاب نيات لنفس الشركة الأمريكية فر عام 1973 وفى هذا الإطار، تم توقيع اتفاقية للتعاون النووى السلمى بين مصر والولايات المتحدة، كما أنشئت فى عام 1976 هيئة مستقلة لتنفيذ هذه المحطة، وأى محطات نووية أخرى تقام فى إطار البرنامج النووى المصرى، عرفت باسم هيئة المحطات النووية.
وقد أدخلت الحكومة الأمريكية بعض التعديلات على الاتفاقية المبرمة مع مصر بشأن التعاون النووى السلمى، تقضى بحق الولايات المتحدة فى التفتيش على جميع المنشآت النووية المصرية، وهو ما اعتبرته مصر مساسا بسيادتها فرفضته.
وكبديل للتصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فى عام 1980، بدأت مصر فى الاهتمام بإدخال المحطات النووية كمصدر لتوليد الكهرباء، وفى هذا الإطار، تم الاتفاق مع شركة فرنسية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء، قدرتها 900 ألف كيلووات فى منطقة الضبعة، إلا أن الحكومة الأمريكية عادت ومارست ضغوطا مكثفة لمنع إسناد تنفيذ هذه المحطة للشركة الفرنسية، وفى إطار سعى مصـر إلى عدم تصعيد الموقف، طرحت تنفيذ المحطة فى مناقصة محدودة بين خمس شركات عالمية عام 1983، وبدأت فى الاختيار فيما بينها منذ عام 1984، إلا أنه فى عام 1985، أعلن بنك التصدير والاستيراد الأمريكى فى بيان رسمى، أن الاقتصاد المصرى لا يتحمل عبء بناء محطات نووية، وهو ما كذبته الحكومة المصرية، وقتها، واستمرت المفاوضات مع الشركات العالمية حتى أوائل عام 1986، وقبل بضعة أيام من اليوم المحدد لإرساء العطاء على أحد المتناقصين، وقعت كارثة تشيرنوبل النووية بالاتحاد السوفيتى السابق.
ورغم أن هذا المفاعل الذى وقعت فيه الكارثة، لا يوجد خارج الاتحاد السوفيتى نظير له، كما يختلف فى خواصه وتصميمه تماما عن المفاعلات التى كان من المزمع استخدامها فى مصر، إلا أن هذه الحادثة كانت السبب المباشر الذى أدى إلى توقف البرنامج النووى المصرى منذ هذا التاريخ وحتى الآن.
مصر، ومعاهدة حظر الأسلحة النووية N.P.T فى إطار سعى مصر إلى تأكيد حسن نواياها فيما يتعلق بالاستخدام السلمى للطاقة النووية، قامت بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية N.P.T فى كل من لندن وموسكو، وذلك فى أول يوليو عام 1968، أى فى أول يوم عرضت فيه المعاهدة للتوقيع، ويحمل ذلك الحدث، وهذا التاريخ دلالة واضحة على اهتمام مصر بالمعاهدة، وتقديرها لأهميتها، وإيمانها بالأهداف التى تسعى إليها، وذلك على الرغم من تحفظاتها على بعض المسائل التى لم تتم الاستجابة إليها، مثل مسألة الضمانات الأمنية.
وعلى الرغم من أن التصديق قد تأخر عن التوقيع نحو ثلاثة عشر عاما، إلي أن المجتمع الدولى كان ينظر بعين التفهم لموقف مصر من التصديق والذى يأخذ فى الاعتبار رفض إسرائيل الانضمام إلى المعاهدة، ولحم يكن هذا التأخير من جانب مصر فى التصديق على المعاهدة يخفى وراءه رغبة فى تطوير برنامج نووى عسكرى، أو أن تتحايل من جانبها على نصوص المعاهدة، بل كان واضحا أن مصر ألزمت نفسها بالمعاهدة من جانبها منذ اللحظة الأولى التى وقعت فيها عليها، وذلك إيمانا منها بأن السلاح النووى لا يحمى ولا يوفر أمنا، وإنما هو قنبلة موقوته تهدد الأمن والاستقرار.
وقد التزمت مصر بعد توقيعها على المعاهدة بسياسة " الالتزام دون التصديق " حتى استكملت موقفها من المعاهدة، وذلك باتخاذ خطوة التصديق على المعاهدة كخطوة تامة، واقعية، وملزمة.
وفى يوم 14-12- 1980، وجه الدكتور بطرس غالى، وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك مذكرة للرئيس السادات، ولرئيس الوزراء، يرجو فيها الموافقة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية N.P.T، معددا مزايا التصديق على هذه المعاهدة، وعلى رأسها، أن هذا التصديق يتيح لمصر الحصول على التكنولوجيا النووية من الدول التى تمتنع عن إمداد مصر بها بحجة عدم تصديقها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وكانت تلك المذكرة إيذانا ببدء إجراءات دستورية، انتهت بإصدار الرئيس الراحل أنور السادات قرارا جمهوريا- بناء على موافقة مجلس الشعب- بالتصديق على المعاهدة، والموافقة على جميع أحكامها حكما حكما، وذلك فى 22 فبراير 1981.
وقد جاءت الأساب التى حدت بمصر إلى التصديق على هذه المعاهدة فيما يلى أعلن المسئولون وقتها أن تصديق مصر على المعاهدة، يأتى تجسيدا للتحول فى توجه القيادة المصرية نحو الحلول السياسية لمواجهة التحدى النووى الإسرائيلى، وعدم رغبة مصر فى تطوير برنامجها النووى للأغراض العسكرية.
إن تصديق مصر على المعاهدة، شرط ضرورى ومسبق لزيادة فرص الحصول على تكنولوجيا، الطاقة النووية والتمويل اللازم، ذلك لأن الدول المهمة المصدرة للمواد والمعدات النووية وضعت منذ بداية السبعينيات قيودا متشددة، تقضى بعدم التعاون فى ذلك المجال مع أى دولة، لا تكون عضوا كاملا فى معاهدة عدم الانتشار أو ترفض قبول فرض الرقابة الدولية الشاملة على جميع أوجه نشاط مفاعلاتها، ومن هنا، وجدت مصر نفسها عاجزة عن الاستمرار فى السير فى تنمية طاقاتها الكهربائية عن طريق الاستثمار فى مجال الطاقة النوية ما لم تصدق على المعاهدة، وتخضع نشاطها النووى السلمى لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد ظهر ذلك بوضوح فى الاتصالات التى أجرتها مصر خلال الفترة من 1974 وحتى سنة 1980، مع عدد من الدول المصدرة للتكنولوجيا والإمكانات النووية مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وكندا، وفرنسا، حيث رفضت نلك الدول الدخول فى أية مفاوضات جادة مع مصر من أجل التعاون النووى ما لم تنضم للمعاهدة وآن تمتثل لشروط الدول، والتى كانت أكثر إجحافا من المعاهدة.
وهكذا، كان قرار مصر بالتصديق على المعاهدة بمثابة الخطوة التى تفتح الباب أمام الاتصالات السريعة والمكثفة مع عدد من الدول المصدرة للمواد والمعدات النووية بهدف التوصل إلى أفضل الشروط، وذلك تمشيا مع المادة الرابعة من المعاهدة، والتى تفتح الباب أمام الدول الأطراف للتعاون فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية والحصول على التكنولوجيا النووية بأرخص الأسعار.
إن تصديق مصر على المعاهدة، سوف يؤدى إلى نزع فتيل سباق التسلح النووى فى المنطقة مما يهدد أمنها وسلامتها، فكما جاء فى بيان الخارجية المصرية فى 26 فبراير عام 1981، إن مصر صدقت على المعاهدة نتيجة اعتقادها الراسخ بأن هذه الخطوة إنما تتفق مع مصالحها الوطنية العليا، بافتراض أنها ستنجح فى الحد من انتشار الأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط، التى تسعى مصر إلى جعلها منطقة خالية من السلاح النووى.
وأمام مجلسى الشعب والشورى أعلن وزير الخارجية المصرى، أن هذه الخطوة من جانب مصر سوف تدفع إسرائيل إلى مزيد من التروى والتفكير فى الانضمام مستقبلا إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ونبذ تصنيع، أو تطوير السلاح النووى، خاصة فى ظل مناخ السلام السائد بيننا بعد توقيع معاهدة السلام عام 1979، كما أشار الوزير أيضا، إلى نجاح مصر فى إقناع إسرائيل خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى دورتها الخامسة والثلاثين بالموافقة على الاقتراح المصرى بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط وهو ما اعتبره وزير الخارجية المصرى متغيرا مهما يندرج ضمن الدوافع التى حدت بمصر إلى أن تصدق على المعاهدة النووية.
وأشارت وزارة الخارجية المصـرية أيضا، أن لا انضمام مصر إلى المعاهدة لا يمس امن مصر، حيث أنه يمكنها- فى حالة تهديد أمنها بسبب النشاط النووى العسكرى لأية دولة من دول المنطقة - أن تلجأ إلى ضمانات القوى الكبرى الثلاث أمريكا، وروسيا، وبريطانيا، وفقا لقرار مجلس الأمن، الصادر فى يونيو عام 1968.
انضمام مصر إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ينشط من سعيها إلى استخدام حقها القانونى الثابت فى تنمية واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وذلك لمواجهة احتياجاتها من الطاقة الكهربية فى نهاية هذا القرن، ولا شك، فى أن هذا القرار المصرى بالتصديق على المعاهدة النووية قد أثر تأثيرا مباشرا على مسار البرنامج النووى المصرى.
ولكن على الرغم من المساعى الدولية المكثفة لوزارة الخارجية المصرية لدعم البرنامج النووى المصرى بعد التصديق على المعاهدة، إلا أن هذه المساعى لم تكن إلا مجرد أنشطة دولية لم تسفر عن نتائج ملموسة بالنسبة للقدرات الفعلية المصرية، حيث أن مصر قد خاضت مفاوضات دولية شاقة، وقامت باتصالات مكثفة، طوال ما يزيد عن خمس سنوات "أى منذ التصديق عام 1981، وحتى القرار بتجميد البرنامج النووى عام 1986 "، إلا أن البرنامج النووى خلال تلك الفترة لم يشهد أى تقدم حقيقى.
توقف البرنامج النووى المصرى عام 1986: شهد عام 1986 حادثا دوليا رهيبا، كان بمثابة كارثة إنسانية هزت جنبات العالم، وذلك عندما انصهر قلب المفاعل النووى تشيرنوبل فى مدينة كييف الأوكرانية فى الاتحاد السوفيتى السابق، مما أدى إلى حادث انفجار هائل وتسرب إشعاعى، وهو ما تسبب فى إلحاق خسائر مادية وبشرية كبيرة، وقد سبب هذا الحادث قلقا دوليا بشأن الأمان النووى، وهو ما دفع الرئيس المصرى حسنى مبارك إلى اتخاذ قرار بوقف البرنامج النووى المصرى.
وقد جاعت تبريرات المسئولين المصريين لهذا القرار كما يلى: - نفى الدكتور فوزى حماد، كغيره من المسئولين المصريين، وهو رئيس هيئة الطاقة الذرية فى ذلك الوقت، وجود أى تأثير، أو أية ضغوط خارجية على مصر لاتخاذ مثل هذا القرار مشيرا إلى أن:
- البرنامج النووى المصرى يحتاج إلى المزيد من الدراسات وإجراءات الأمان، خاصة بعد حادث تشيرنوبل عام 1986.
- مصر أوقفت برنامجها النووى السلمى فى مجالات الصناعة والزراعة والطب، بسبب توافر كميات كبيرة من الاحتياطى المصرى من البترول والغاز الطبيعى، والفحمة والتى يمكن أن توفر وسائل الطاقة اللازمة خلال السنوات القادمة.
- وقف البرنامج النووى المصرى، هو محاولة لإعادة النظر فى الآثار السلبية التى نتجت عن حادث تشيرنوبل.
- هيئة الطاقة الذرية تجرى حاليا المزيد من الدراسات حول كيفية ضمان الأمان النووى فى حالة استئناف البرنامج النووى المصرى للأغراض السلمية، وأضاف، أن مصر سوف تتخذ القرار المناسب باستئناف البرنامج بالصورة التى تتفق مع احتياجاتها وأمنها، وبما يضمن تحقيق الأمان لشعبها.
أسباب إثارة قضية الخيار النووى مجددا: منذ أن توقف البرنامج النووى المصرى عام 1986، وما أثير من جدل فى هذا الصدد آنذاك بين مؤيد للقرار، ومعارض له، لم يشهد موضوع البرنامج النووى جدلا واسعا، حتى عاد للظهور مرة أخرى وبشكل أكثر حدة فى الفترة الأخيرة ويعود ذلك إلى مجموعة من الأحداث والتطورات التى شهدتها الساحة العالمية والإقليمية، والتى تمثلت فى: - تأكد المجتمع الدولى من حيازة إسرائيل لأسلحه الدمار الشامل والأسلحة النووية، واحتكارها لما يزيد عن مائتى رأس نووية وهو ما جاء فى تصريحات واعترافات الإسرائيلى موردخاى فانونو، عام 1986، وغيره من بعض المسئولين الإسرائيليين، وذلك فى الوقت الذى ترفض فيه إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، N.P.T وفتح منشآتها النووية أمام التفتيش الدولى، كما تسعى إسرائيل أيضا إلى إجهاض أى محاولة من جانب أية دولة عربية فى سبيل تطوير قدراتها النووية، حتى لو كان فى الأغراض السلمية.
وقد صاحب ذلك أيضا تشدد إسرائيل وتزمتها تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط، استنادا إلى غطرسة القوة، التى لا يتورع المسئولون الإسرائيليون من التهديد بها.
نجاح دولتين ناميتين إقليمتين هما الهند، وباكستان فى امتلاك السلاح النووى فعليا، بعد إجرائهما للتجارب النووية فى منتصف عام "1998"، وهو ما اثار تساؤلات المهتمين، والعامة من المصريين حول إمكانية أن تحنو مصر حنو هذه الدول، التى استطاعت أن تحقق هدفها فى ظل القيود الدولية الصارمة المفروضة حاليا، وقد عكست التجارب النووية الهندية، والباكستانية حقيقتين.
الأولى. قدرة دول العالم الثالث الفقيرة على الخروج من الحصار الظالم المفروض عليها، وكسر احتكار الدول الكبرى لأسلحة الدمار الشامل، وخاصة الأسلحة النووية، والتكنولوجيا العالية فى مجال التسلح، وذلك فى ظل استمرار أى صراع ممتد تكون هذه الدول طرفا فيه.
الثانية: إن تحقق الردع النووى فعليا، يعد دافعا قويا وفعالا بالنسبة لأطراف أى صراع نحو اللجوء إلى الحلول السلمية والجلوس على مائدة المفاوضات لحل النزاعات وإنهاء الصراعات القائمة بينها، وهو ما لا يدع مجالا لغطرسة القوة الناتجة عن ا كتلال توازن القوة بين أطراف النزاع.
حيازة دولة مثل كوريا ا لشمالية لصواريخ عابرة القارات، واستعراضها على مرأى ومسمع من العالم، وفى ظل الحصار الدولى المفروض عليها، والضغوط والرقابة الأمريكية المستمرة.
- نجاح إيران فى تطوير برنامجها الصاروخى، بإطلاق الصاروخ الإيرانى الشهاب " 3 " وهو صاروخ متوسط المدى، وإعلانها عن تطوير صاروخين جديدين أطول مدى، هما شهاب " 4 "، وشهاب "د،1، هذا فضلا عن وجود أنباء عن سعى إيران بشكل جدى لتطوير قدراتها النووية.
وقد أدت هذه الأحداث، السالفة الذكر، إلى إثارة الجدل حول إمكانية استئناف مصر لبرنامجها النووى السلمى الذى يمكن أن يتحول فيما بعد إلى إنتاج السلاح النووى، حتى لا تظل إسرائيل وحدها القوة النووية الوحيدة فى المنطقة، وما يسببه ذلك من اختلال فى ميزان القوى لصالح طرف متشدد، يرفض السلام، ولا يسعى إلى استقرار المنطقة على أسس من السلام العادل والشامل والدائم.
وفى الحقيقة، لحم يحتكر المؤيدون للبرنامج النووى المصرى ساحة الجدل والنقاش حول هذه القضية، بل إن هناك تيار آخر، لا يشاطر هؤلاء الرأى، بل إنه يأخذ اتجاها معاكسا تماما، وقد قدم حججه التى تؤيد رأيه، كما قدم المؤيدون للخيار النووى أيضا حججهم وأسانيدهم.
وسوف نعرض لآراء وحجج كلا التيارين.
أولا التيار المؤيد للبرنامج النووى: يأتى فى مقدمة هذا التيار حزبا الناصرى والعمل، إضافة إلى حزب الوفد الذى عدل عن موقفه السابق الرافض للبرنامج، كما يتمثل أنصار هذا التيار فى العديد من المفكرين، والمثقفين المصريين، فضلا عن بعض العاملين فى مجال الطاقة النووية فى مصر، بالإضافة إلى شريحة عريضة من عامة الشعب، وقد نادى هذا التيار بضرورة مضى مصر قدما فى تطوير برنامجها النووى، وذلك لما سوف يحققه هذا المسعى من فوائد لمصر، سواء على صعيد الاستخدامات المدنية السلمية للطاقة النووية، أو تلك التى سوف تتحقق على الصعيد السياسى والاستراتيجى.
ويرى أنصار هذا التيار أن مصر تواجه احتياجات متزايدة من الطاقة الكهربائية، وقد أكدت الدراسات التى أجريت فى هذا الصدد، أهمية الطاقة النووية كأحد المصادر الأساسية لسد الاحتياجات المتنامية من الطاقة الكهربائية، وذلك للاعتبارات التالية.
عدم توافر مصادر محلية كافية لسد احتياجاتنا من الطاقة فى المستقبل، وذلك بعد الاستخدام المكثف لمعظم الطاقة المتولدة من مساقط المياه المتاحة، وعدم وجود احتياطيات فحم بالقدر الكافى، بالإضافة إلى تناقص الاحتياطى الطبيعى من البترول الخام، والغاز الطبيعى، وإذا أضفنا الى ذلك أن الطاقة الشمسية لاتزال فى مراحلها الأولى من التطوير، ولا يمكن الاعتماد عليها كمصدر أساسى للطاقة الكهربائية، علاوة على تكاليفها الباهظة، يتبين لنا أهمية دخول المجال النووى، وتعزيز قدراتنا وإمكاناتنا النووية.
- تؤكد الدراسات التى أجريت فى أكثر من دولة أوروبية، وعلى مستوى العالم، أن تكلفة توليد الكيلو وات/ ساعة من الكهرباء عن طريق المحطات النووية، أقل بكثير من مثيله الذى ينتج عن طريق الفحم أو البترول، أى أن استخدام الطاقة النووية يعد اقتصاديا وغير مكلف.
- يؤكد أنصار هذا التيار أيضا، أن البحوث التى أجريت حول مستقبل الطاقة فى مصر، قد أثبتت أننا فى عام 2000 سنكون بحاجة إلى 45 مليار كيلو وات/ ساعة من الكهرباء، وهو ما يصعب توفيره فى ضوء الملاحظات السابقة، كما أن حوالى 75% من إمكانات الطاقة المانية تم استغلالها من السد العالى وخزان أسوان، وإذا أمكن استغلال كل الاحتمالات المحكمة للطاقة المائية المتبقية، فإنها لن تضيف إلا القليل، كما أن البترول ثروة ناضبة لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر لتغطية الزيادة فى إنتاج الكهرباء، وإلا كان ذلك على حساب ما يمكن أن تصدره مصر من البترول الذى يعتبر مصدرا أساسيا لتمويل خطط التنمية، كما أن الفحم تقدر احتياطياته ما بين 35- 50 مليون طن، وهو لا يكفى كمصدر لإنتاج الكهرباء، كما أنه يسبب تلوث البيئة، إذا أن تكلفة معالجة التلوث الناتج عن محطة تعمل بالفحم لإنتاج الطاقة تصل إلى 40% من تكاليف إنشاء محطة نووية لإنتاج الطاقة.
إن هناك استخدامات سلمية للطاقة النووية، فى مجالات الطب، والزراعة، وتربية الحيوانات، والصناعات الغذائية كما تستخدم فى تحسين صفات المنتجات الصناعية، ورفع درجة جودتها، وإكسابها خواص جديدة، فضلا عن استخداماتها فى مجال البترول والثروة المعدنية وإنتاج الطاقة، مما يؤكد ترابط الطاقة النووية بعملية التنمية فى أى مجتمع.
أضف إلى ذلك أن الدخول فى التكنولوجيا النووية وتطويرها، سوف يساعد على تحقيق وتنظيم الاستفادة من المخزون الخام من عنصر اليورانيوم الموجود فى صحراء مصر، مما يؤدى إلى تنشيط صناعات عديدة، فضلا عن توفير الخامات اللازمة لتطوير البرنامج النووى المصرى.
- تشير التقديرات إلى أن مصر عام 2017 ستكون بحاجة إلى مضاعفة القدرة المركبة لتوليد الكهرباء لتصبح 25 مليون كيلووات/ ساعة، وسيتضاعف الطلب على مياه الشرب ليصل إلى 6 مليارات متر مكعب فى السنة، مما سيؤدى إلى زيادة اعتماد مصر على تكنولوجيا إزالة الملوحة، وهى تكنولوجيا كثيفة الاستهلاك للطاقة، مما يتطلب تطوير قدراتنا فى مجال الطاقة النووية من أجل الوفاء بهذه الأغراض.
وفيما يتعلق بالاستخدام الاستراتيجى والعسكرى يرى أصحاب هذا التيار، أن هناك دوافع تدفع مصر نحو امتلاك السلاح النووى تتمثل فى؟
1- امتلاك إسرائيل للسلاح النووى، واحتكارها له فى منطقة الشرقى الأوسط، يعد أمرا قائما، كما أن إسرائيل تسعى إلى تعظيم قدراتها الصاروخية من خلال تطوير صواريخ متوسطة وطويلة المدى، يمكن أن تحمل رؤوسا نووية وكيماوية وبيولوجية، بالإضافة إلى تطوير نظام الدفاع الصاروخى بالتعاون مع ا لولايات المتحدة، وذلك لإنتاج صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية، وصاحب ذلك حرص إسرائيل على إجهاض أى مشروع عربى، قد يؤدى إلى كسر الاحتكار الإسرائيلى للقوة فوق التقليدية أو النووية، مثلما حدث مع المفاعل النووى العراقى عام 1981، والحملة الإعلامية التى تشنها إسرائيل على مصر بين الحين واليين، متهمة إياها بتطوير قدراتها العسكرية، بشكل يثير قلق الإسرائيليين.
2- إن الولايات المتحدة، بوصفها القائد الحالى، وشبه الأوحد للنظام الدولى، لا يمكن أن تتخذ أى إجراء قانونى ضد إسرائيل، يكون من شأنه كسر ا لاحتكار الإسرائيلى لأسلحة الدمار الشامل، أو إلى فتح إسرائيل جميع منشآتها النووية أمام التفتيش الدولى، وذلك بسبب الارتباط العضوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وطالما أن الوضع يسير بهذه الطريقة، ومادامت الولايات المتحدة هى شرطى النظام الدولى حاليا، بل وفى الأجل القريب أيضا، فإنها ستكون بمثابة عنصر تأمين وحماية للموقف الإسرائيلى الشاذ والمتطرف.
3- فيما يتعلق بانضمام مصر إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتوقيع مصر، وتصديقها عليها، فإن أنصار هذا التيار يستندون إلى المادة العاشرة من الاتفاقية والتى توضح طريقة وإمكانية الانسحاب من المعاهدة، وهو ما يمكن أن تنسق مصر موقفها على أساسه وتنسحب من المعاهدة خاصة وإن إسرائيل لم تنضم إلى المعاهدة، ولم تلزم نفسها بأى مادة فيها.
4- إن انضمام مصر إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية جاء تأكيدا لمساعى مصر الجادة والصادقة نحو إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، كما أنه يندرج ضمن الأسباب التى دفعت مصر نحو الانضمام إلى المعاهدة، لضمان توفير المصادر التكنولوجية لتطوير برنامجها النووى من خلال مساعدات الدول النووية الكبرى، وهو حق تكفله المعاهدة للدول غير النووية الأعضاء فى المعاهدة والمصدقين عليها، ويرى أنصار هذا التيار أن مصر منذ توقيعها على المعاهدة عام 986 1، وتصديقها عليها عام 1981، لم تحقق الاستفادة المرجوة من انضمامها للمعاهدة، حيث لم تكن هناك مساعدات ملموسة من جانب القوى النووية الكبرى رغم التزام مصر الشديد والمثالى بالمعاهدة، بل أن هناك حظرا شبه تام من جانب الدول النووية الكبرى مفروضا على التكنولوجيا النووية حتى ولو كانت للأغراض السلمية فى الدول النامية حتى الأعضاء منها فى المعاهدة.
وهو ما يعد دافعا لمصر للانسحاب من المعاهدة، طالما أنها قد التزمت بكل بنودها، ولم تجن ثمار ذلك، فى حين أن هناك دولا لم تنضم إلى المعاهدة، واستطاعت تطوير برامجها النووية السلمية، بل والعسكرية أيضا.
5- إن مصر لديها مقومات الدخول فى هذا المجال بقوة، حيث توجد المواد الخام اللازمة للمشروع، متمثلة فى خام اليورانيوم الذى أظهرت الاكتشافات الحديثة وجوده فى سيناء، وصحراء مصر الشرقية، والواحات البحرية، كما توجد خامات الوقود النووى والنظائر المشعة اللازمة لتنفيذ البرنامج النووى هذا، بالإضافة إلى توافر الكفاءات العلمية اللازمة لتصميم، وتنفيذ، وإدارة المشروع من خلال الخبراء والفنيين المتخصصين والكوادر المصرية المتميزة فى هذا المجال.
ثانيا: التيار المعارض للبرنامج النووى: يأتى فى مقدمة هذا التيار وزارة الكهرباء والطاقة المصرية، كما يضم أيضا عددا من الساسة والمفكرين، وإن كان يتركز بصفة أساسية فى جماعات حماية البيئة، والحفاظ على الطبيعة، ويرى أنصار هذا التيار، أنه لا داعى لأن تغامر مصر بخوض غمار البرنامج النووى الذى سوف يستنزف مواردنا الاقتصادية، كما سوف يؤدى إلى تعطيل عملية التنمية، ويضر بمكانة مصر الدولية، ومصداقيتها أمام المجتمع الدولى، وقد استند أنصار هذا التيار إلى الحجج التالية.
1- إن مصر لم تستطع على مدى أكثر من ثلاثين عاما مضت أن تطور برنامجا نوويا متكاملا، كما فشلت فى تطوير قدراتها النووية نحو الاستخدام العسكرى وصناعة السلاح النووى، وذلك رغم الظروف والأوضاع الدولية التى كانت أفضل بكثير من ال!ن، حيث كانت هناك علاقات قوية مع كثيرمن الدول النووية مثل الصين والاتحاد السوفيتى السابق.
فكيف يمكن أن تتمكن مصر من تحقيق ذلك فى ظل الوضع الدولى الراهن الذى يتسم بانفراد أمريكى مطلق بقيادة النظام العالمى، كما يتسم بالقيود الصارمة والعراقيل المتعددة أمام حصول أى دولة نامية على التكنولوجيا النووية.
ومن هنا، يرى أنصار هذا التيار، أن الوقت قد فات لذلك، مما يستدعى تجاهل هذا الأمر وعدم التفكير فيه، وإلا فلن يعود علينا من وراء الإقدام عليه إلا الخسائر التى قد لا نستطيع تحملها بسهولة.
2- إن الإقدام على مثل هذا المشروع يتطلب إرادة سياسية واقتصادية وقدرة تكنولوجية، وكفاءة استخباراتية فائقة تستطيع تأمين نجاح وإتمام مثل هذا المشروع، وهو ما قد يقودنا إلى مهاترات وحروب مع أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، حتى لا يتم إجهاض المشروع فى مهده.
3- إن إسرائيل تسعى إلى دفع مصر باتجاه سباق نووى محموم يستنزف مواردنا وطاقاتنا فى وقت نسعى فيه جاهدين نحو التنمية الشاملة، والنهوض باقتصادنا، وتحسين أوضاع المواطن المصرى، كما تسعى أيضا إلى ضرب مكانة مصر فى الخارج من خلال التأثير على علاقاتها مع العالم الخارجى ليفقدها مصداقيتها الدولية، وهو ما فعلته الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى السابق فى حرب النجوم فى الثمانينيات، والتى كانت سببا مباشرا لانهيار الاتحاد السوفيتى، خاصة وأن إسرائيل تحصل على أنظمتها العسكرية من الولايات المتحدة، على شكل هبات، ومساعدات، ومنح لا ترد.
4- هناك قيد قانونى وسياسى دولى على مصر يمنعها من الإقدام على هذه الخطوة، وهو أن مصر موقعة على معاهدة حظر انتشار السلاح النووى فى عام 1968، ثم صدقت عليها فى عام 981 1، ووافقت على التمديد اللانهائى لها فى عام 1995، وتخضع مصر منشاتها النووية للتفتيش الدولى بشكل دورى من قبل الوكاية الدولية للطاقة الذرية، بناء على توقيعها على وثيقة تنفيذية تحدد طريقة التفتيش، والأماكن الخاضعة للمراقبة، والمدة الزمنية للتفتيش والمراقبة، وليس كذا فحسب. بل أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاولت تغيير طريقة التفتيش، بحيث تكون أكثر دقة وفعالية، وصرامة، فأنشأت بروتوكولا جديدا يحقق مزيدا من التدقيق والضبط، يحمل اسم "93+2"، وقد وافق عليه مجلس المحافظين فى الوكالة بالإجماع، وخطورته أنه لم يحدد مدة زمنية، أو توقيتا، أو إنذارا سابقا للجان التفتيش التى تتوجه إلى أى دولة عضو فى المعاهدة وعلى الرغم من أن أغلب الدول لم تصدق عليه حتى الآن، إلا أن الوكالة تسعى إلى تطبيق هذا النظام الجديد.
5- هناك تكلفة سياسية كبرى يصعب على مصر تحملها، وهى علاقات مصر مع القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة، حيث أنه عندما تقدم مصر على تطوير برنامجها النووى للأغراض العسكرية، فإن ذلك سوف يؤدى إلى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، كما سوف يؤثر على مصداقية مصر أمام المجتمع الدولى.
6- إن امتلاك السلاح الووى، فى حد ذاته،لا يحقق ميزة استراتيجية أوسياسية بشكل تلقائى، فهناك دول كثيرة تحوز أسلحة نووية، لكنها منبوذة دوليا، وينظر العالم إليها على أنها دولة مثيرة للشغب وعدم الاستقرار.
لكن المكانة السياسية الدولية التى تتمتع بها دولة مثل مصر، يمكن أن تحقق لها ثقلا دوليا وتعاطفا واحتراما عالميين مما يشكل رادعا سياسيا ومعنويا.
7- وفيما يتعلق بالاحتكار النووى الإسرائيلى، يقترح أنصار هذا التيار ما يلى.
- يمكن تبنى استراتيجية عربية موحدة وجادة لحشد الرأى العام العالمى، من أجل حمل إسرائيل على الدخول فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية أمام التفتينتى الدولى.
- يمكن للدول العربية، ولمصر أن تسعى إلى خلق بدائل للسلاح النووى بحيث تحقق الردع فى مواجهة السلاح النووى الإسرائيلى مثل الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية.
- يمكن التعامل مع إسرائيل من زاوية أخرى، غير الصراع العسكرى المسلح، فهناك مجال التكنولوجيا، والمجال الاقتصادى.
وفيما يتعلق بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية، لا يحبذ أنصار هذا التيار أن تمضى مصر قدما فى تطوير برنامجها النووى السلمى، وذلك للأسباب الآتية.
- ثبت بعد أكثر من عقدين من الزمن على استخدام الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، أنها مكلفة جدا، إذا قورنت بالمصادر الأخرى التى تستخدم لهذا الغرض، كالمساقط المائية أو الفحم والبترول والغاز الطبيعى.
فالتكلفة الباهظة التى للزم لإنشاء المفاعلات النووية وصيانتها أو التخلص من النفايات النووية، تؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول التى تعتمد على الطاقة النووية فى توليد الكهرباء، فما بالنا نحن بالدول النامية التى تقدم على مثل هذا المشروع مثل مصر؟ - إن الدول المتقدمة والسباقة فى استخدام الطاقة النووية فى مجال الطاقة، تسعى الآن للتخلص من مفاعلاتها النووية بسبب تكاليفها الباهظة والمرهقة، فضلا عن أثرها السلبى على البيئة مما دفع جماعات حقوق الإنسان وحماية البيئة فى هذه الدول إلى تنظيم حركات مضادة لإنشاء المفاعلات النووية، وأصبحت تضغط على الحكومات بهدف وقف هذه المفاعلات لما تسببه من آثار سلبية على الإنسان والبيئة.
وقد اتخذت بريطانيا قرارا بوقف بناء المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، والتى تصل تكاليف التخلص من نفاياتها إلى حوالى 40 مليار جنيه استرلينى وكذلك الحال فى باقى دول أوروبا، وفى أمريكا حيث ترتفع تكاليف هذه المفاعلات، ويزداد خطرها على البيئة.
- إن الدول الكبرى تسعى لجعل الدول النامية سوقا رائجة لتجارة المفاعلات النووية المولدة للطاقة، بعد أن تراجعت هى نفسها عن استعمالها وتطويرها.
- إن مصر ليست فى حاجة إلى طاقة جديدة من خلال المفاعلات النووية حيث أن لدينا مصادر متعددة للطاقة الرخيصة، يمكن استغلالها بشكل أفضل، ونسعى إلى صيانتها ودراسة أفضل السبل للاستفادة منها بصورة مثلى.
نتائج: - بعد عرضنا لهذا الجدل الدائر حول البرنامج النووى المصرى، وفى إطار بحثنا، واستشرافنا لما سوف يكون عليه فى المستقبل، يتعين علينا أن نضع فى اعتبارنا ما يلى.
أولا: أن هناك تضاربا فى الآراء حول حقيقة قدراتنا العلمية والفنية فى المجال النووى، فبينما يؤكد بعض الخبراء والمسئولين أننا يمكن أن نطور برنامجنا النووى بكفاءة استنادا إلى ما لدينا من خبراء وفنيين وعلماء متخصصين وأكفاء، فضلا عن توافر المواد ا لخام اللازمة للمشروع، والتكنولوجيا أيضا، نرى فريقا آخر من الخبراء والباحثين يزعم بأن إمكاناتنا النووية متواضعة، ولا ترقى إلى المستوى الذى يصوره أصحاب الرأى الأول.
وكل لهم حججهم وأسانيدهم التى تمثلت فيما يلى.
1- أدى توقف البرنامج النووى المصرى فى عام 1986 إلى هجرة أعداد كبيرة من الخبراء المصريين فى المجال النووى إلى الهيئات الدولية والوكالات المتخصصة فى مجال الطاقة الذرية، كما هاجر الكثيرون أيضا إلى كندا، والولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، وهذا بالطبع أثر على رصيد مصر البشرى من العلماء والخبراء فى هذا المجال، مما يشكل تحديا أمام تطوير البرنامج النووى المصرى، خاصة فى ظل القيود المفروضة حاليا على استيراد التكنولوجيا النووية.
2- إن الدعم الحكومى الذ ى يوجه إلى الصناعات والأنشطة المتعلقة بالطاقة النووية يعد محدودا بما يمنع تنميتها وتطويرها.
3ـ قلة خبرة أعمال الحفر والاستكشاف فى الجرانيت، خاصة وأن معظم الاكتشافات المهمة لليورانيوم فى مصر تتم فر، صخور الجرانيت الذى يحتوى على نسبة كبيرة من خام اليورانيوم.
ثانيا: إن هناك تضاربا حول تعرض مصر لضغوط خارجية من أجل إجهاض البرنامج النووى المصرى الذى يعمل فى الأغراض السلمية، فبينما ينفى المسئولون الرسميون فى مصر تعرض مصر لأية ضغوط خارجية بهدف ثنيها عن عزمها فى مجال استخدام الطاقة النووية، نجد أن جهات رسمية، وغير رسمية تؤكد تعرض مصر بشكل مستمر لضغوط خارجية من أجل وقف برنامجها النووى، أو عدم تطويره، حيث أن لجنة الطاقة والصناعة بمجلس الشعب قد حذرت فى اجتماعها فى إحدى الجلسات من الضغوط الخارجية التى يمارسها الغرب ضد مصر لإجهاض مشروعها النووى السلمى.
كما أكد أحد خبراء الطاقة النووية استمرار ضغوط الصندوق والبنك الدوليين على مصر، حيث أعد البنك الدولى تقريرا مشبوها طالب فيه مصر بإنشاء محطات طاقة تعمل بالفحم، وحذر فيه من دخول مصر مجال المحطات النووية، كما هدد بقطع التمويل على أية مشروعات مستقبلية لتوليد الطاقة الكهربائية، إذا لم تنصع لاقتراح البنك بأن تؤسس محطات حرارية تعمل بالفحم، يساهم البنك الدولى فى تمويل عملية إنشائها، كما اتهم التقرير فى نهايته مصر بأنها تسعى للحصول على مفاعلات نووية بهدف استخدامها فى إنتاج أسلحة نووية.
ومن الجدير بالذكر أن الذى أعد هذا التقرير هو هيئة الأبحاث النووية الأمريكية بأوامر من الحكومة الأمريكية، بضغط من اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة، وهذا يوضح- بلا شك- أن هناك ضغطا دوليا، وأمريكيا بالأساس، على مصر لإجهاض مشروعها النووى، حيث كانت الولايات المتحدة تحرص كل الحرص، على أن يكون النشاط النووى المصرى تحت رقابتهـ، الدائمة، سواء بمشاركتها المباشرة فى تنفيذ هذا النشاط، أو بالرقابة والمتابعة.
ثالثا: يجب أن يوضع الموقف الإسرائيلى من برنامج مصر النووى فى الحسبان، حيث أنها لم تكن بعيدة عن المحاولات السابقة لإجهاض المشروع النووى المصرى منذ المهد، حيث كان الموساد الإسرائيلى موضع اتهام إزاء اختفاء بعض العلماء والخبراء المصريين فى المجال النووى، ومنهم على سبيل المثال: - الدكتورة: سميرة موسى، أول عالمة مصرية فى مجال الذرة، والتى تم اغتيالها فى حادث سيارة فى الولايات المتحدة، بعد إعلانها عودتها إلى مصر وطنها، ورفضها البقاء فى الولايات المتحدة.
- الدكتور يحيى المشد، العالم المصرى الكبير فى مجال الطاقة النووية، والذى تم اغتياله فى باريس فى الثمانينيات.
- الدكتور نبيل العلينى، عالم الذرة المصرى، الذى لقى مصرعه فى براغ أثناء دراسته للدكتوراه.
- الدكتور مسعد السيد بدير، وهو عالم مصرى فى مجال الذرة أيضا، وقد لقى مصرعه فى ألمانيا.
رابعا: إنه لا يوجد ارتباط سببى أو ضمنى بين تحقيق التنمية الشاملة والتخلى عن السلاح النووى، ذلك أن البعض كان ينارى بعدم المضى قدما فى تطوير برنامجنا النووى للأغراض العسكرية، صيانة لأمننا الوطنى، ذلك أن الأمن لا يتوقف فقط على القوة العسكرية بقدر ما يرتبط بالتنمية الشاملة، كحا ادعى مؤيدو هذا الرأى بأن توجهنا للسلاح النووى سوف يستنزف مواردنا ويعوق عملية التنمية الشاملة فى بلادنا.
ولكن، رغم أننا فى مصر قد تخلينا عن المضى فى تنفيذ برنامج نووى عسكرى، إلا أننا على الجانب الآخر لم نحقق انجازات كبرى على صعيد التنمية الشاملة بالقدر الذى كان متوقعا، مثلما حدث فى كل من اليابان وألمانيا حيث إنهما لم تطورا برنامجا نوويا عسكريا وتوجهتا نحو التنمية الشاملة، فحققتا تقدما ملموسا فى التنمية وأيضا فى مجال التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، كما أنه ليس بخاف على أحد أنه يمكن لكل من اليابان وألمانيا فى غضون شهور قلائل أن تصنعا سلاحا نوويا، إن رغبت كل منهما فى ذلك.
ومن هنا، فإن التنمية الشاملة تكون نتاجا لتراكم من العمل الجاد، والتخطيط المستمر والدؤوب مثلما حدث فى كل من ألمانيا واليابان اللتين كان عدم انشغالهما بالنشاط النووى العسكرى سببا من ضمن مجموعة من الأسباب فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ومع ذلك فهناك دول أخرى استطاعت تحقيق الاثنين معا. التنمية الشاملة، وحيازة الأسلحة النووية، والأمثلة كثيرة.
نحو استراتيجية نووية جديدة: لا شك أن التقدم الحضارى الذى شهده العالم فى الفترة الأخيرة " وبالتحديد مع بدا ية القرن العشرين" قد ارتبط بالتكنولوجيا النووية، التى مثلت بذاتها ثورة صناعية حقيقية، كما أن الأساس العلمى لها، والمتمثل فى الانشطار النووى، ثم الاندماج النووى قد مثل مرحلة مهمة فى تطور علوم الفيزياء والرياضيات من الكلاسيكية والاستاتيكية إلى النسبية والكمية، وهو العبور الذى صار يمثل العلوم الطبيعية، والمعرفة الإنسانية عموما، النقلة الأهم فى الحضارة المعاصرة.
ولعل السؤال المحورى الذى ينبغى أن نتصدى له بعد هذا الجدل الطويل هو: هل يتعين على مصر"وبغض النظر عن صعوبة ذلك "، أن تسعى للحصول على السلاح النووى لتصحيح الخلل الاستراتيجى القائم حاليا بيننا وبين إسرائيل؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال المهم، يتعين علينا أن نضع فى اعتبارنا الحقائق التالية: أولا: إنه فى ضوء الوضع الدولى الراهن، والإطار القانونى الذى ألزمت مصر نفسها به من خلال اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، يعد إقدامنا على مثل هذه الخطوة مجازفة ومخاطرة كبرى، قد تؤدى إلى طريق مسدود ملىء بالألغام، مما قد يأتى بنتائج عكسية تماما.
ثانيا: إنه فى ضوء أوضاع الجغرافيا السياسية، فإن إقدام مصر على هذه الخطوة لن يحقق لها الردع المطلوب، ذلك أن من أهم مقومات الردع هو علم الخصم بإمكانية استخدام السلاح النووى ضده، وهو عنصر غير متوافر فى الحالة المصرية إزاء إسرائيل، نظرا لضيق المساحة الجغرافية لإسرائيل وتداخلها الشديد مع مدن عربية أخرى، وتجمعات سكانية عربية، فالضفة الغربية مثلا، لا تبعد فى كثير من المناطق على ساحل البحر المتوسط بأكثر من 14 كيلو مترا، مما يضع متخذ القرار المصرى فى موقف صعب جدا، حيث لا يستطيع أن يتخذ قرارا باستخدام السلاح النووى ضد إسرائيل حتى لا يضر بهذه المناطق الفلسطينية فى الضفة وغزة والمثلث، والجليل، بالإضافة إلى أجزاء مهمة من الأردن وسوريا ولبنان، وبعض المناطق فى مصر نفسها مثل رفح، والعريش، وطابا.
كما أنه يستحيل على متخذ القرار المصرى أن يوجه ضربة نووية ضد إسرائيل تصيب القدس بما فيها مقدسات إسلامية ومسيحية، فضلا عما يزيد عن 180 ألف فلسطينى، حتى تل أبيب تعتبر لصيقة بيافا حيث عشرات الألوف من العرب، هذا ناهيك عن امتداد الأثر التدميرى إلى مدن عربية أخرى مثل !سان، وبيروت ودمشق.
ومن ثم، فإن هناك قيودا على متخذ القرار المصرى بشأن استخدام السلاح النووى تعوقه عن استخدامه فعليا، مما يؤدى إلى غياب المصداقية التى تعد أساس علاقة الردع النووى، الذى يقوم، فى أساسه، على اقتناع الخصم بإمكانية استخدام الطرف الآخر للسلاح النووى ضده إذا ما تعدى هذا الخصم الخطوط الحمراء.
وفى ضوء هذه الاعتبارات، تكون الإجابة على التساؤل المحورى حول حيازة مصر للسلاح النووى هى بالنفى، حيث إنه ليس من مصلحة مصر أن تحوزه- إن استطاعت- لأنه سيكون عبئا سياسيا، واقتصاديا، وقانونيا أكثر من كونه أداة للردع، أو خطوة على درب التنمية الشاملة والمستدامة.
ولكن هذه الإجابة تقودنا إلى تساؤل آخر أكثر إلحاحا وهو ما العمل؟ وفى محاولة متواضعة للإجابة على هذا التساؤل، نوضح أن مصر كانت من أولى الدول النامية التى فطنت إلى أهمية الطاقة النووية، بل وسعت إلى الحصول عليها، ولديها برنامج نووى للأغراض السلمية، لكنه واجه عثرات متعددة ومتعاقبة، ولكى يحقق البرنامج النووى السلمى المصرى الأهداف الاستراتيجية المنشودة، فإننا نقترح فى هذا السياق أن تقوم الاستراتيجية النووية المصرية على ركيزتين: الأولى: سياسية ودبلوماسية، وتتمثل فى الدفع نحو تطور حاسم فى الاتجاه العالمى لنزع السلاح النووى على المستوى الدولى وليسر الإقليمى فقط، لأن العدالة يجب أن تبدأ من المستوى الدولى وليس الإقليمى فقط ! كما يمكن لمصر أن تسعى سعيا جادا وحثيثا لحشد الرأى العام العالمى من أجل إبراز مخاطر الاحتكار النووى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط يساندها فى ذلك لوبى عربى قوى، وهذا إلى جانب المساعى التى تقوم بها مصر بهدف إقناع إسرائيل بالتخلى عن سلاحها النووى الذى لن يحقق لها الأمن المنشود، ويمكن أن تأتى هذه المساعى على المستويين الرسمى والشعبى.
أما الثانية: فهى علمية تكنولوجية بالأساس وتتمثل فى: 1- التزام حكومى قوى ومستمر بالبرنامج النووى المصرى يدعمه قدر عال من الوفاق الوطنى حول البرنامج وأهدافه،، ونظن أن الشق الأخير قد تحقق بالفعل، حيث أن إنشاء محطات نووية قد أصبح مطلبا شعبيا تدعمه معظم الأحزاب السياسية فى مصر، ولا يبقى إلا أن تستجيب الدولة، وأن لتراجع وزارة الكهرباء والطاقة عن موقفها.
2- إقامة محطات نووية من الأنواع التى يمكن تصنيع نسبة كبيرة من مكوناتها محليا، كما يجب أن يشترط عند التعاقد نقل وتوطين التكنولوجيا اللازمة لتشغيل وصيانة المحطة، خاصة تكنولوجيا تصنيع الوقود النووى، ومن خامات محلية إذا أمكن ذلك.
3- حصر إمكانات الصناعة المصرية، سواء المملوكة للدولة، أو القطاع ا لخاص وإلزام الشركات الموردة بالتصنيع المحلى لكل الأجزاء والمكونات التى تتوافر إمكانيات تصنيعها فى مصر، على أن يتم طبقا للمواصفات الفنية، ونظم ضمان الجودة المطبقة فى بلد المنشأ.
4- اختيار أفضل العناصر المصرية من مديرين، ومهندسين، وفنيين، وتدريبهم وتأهيلهم بحيث يصبحون قادرين على إدارة وتشغيل وصيانة المحطات النووية دون الحاجة لمساعدة أجنبية، ويستلزم ذلك أيضا تغيير هيكل الأجور السائد حاليا، وتوفير الإعتمادات والإمكانات اللازمة للحيلولة دون تسرب هذه العناصر إلى الخارج بعد تأهيلها، مثلما حدث من قبل.
ويمكن فى هذا السياق، أن تسعى مصر إلى تهيئة المناخ اللازم لعودة خبراء مصر وعلمائها فى هذا المجال الذين هاجروا إلى الخارج، حتى يمكن أن تستفيد مصر من خبرة هذه الكوادر خاصة عندما يجدون أن المناخ أصبح ملائما لذلك.
5- السعى إلى تحقيق تطور جذرى وكبير للبرنامج النووى المصرى السلمى، وبإيقاعات سريعة، وعلى نحو يجعله يصل إلى أرقى مستوى فى هذا المجال، وذلك فى مدى زمنى لا يتجاوز عشر سنوات، يتم خلالها إرساء بنية تحتية نووية متقدمة فى ظل توافر نخبة علمية وفنية متميزة قادرة على تصميم وإنشاء محطات نووية مصرية، كما تستطيع أيضا إدارة شتى العمليات النووية الواقعة فى المنطقة الفاصلة بين التكنولوجيا النووية السلمية، وبين التكنولوجيا العسكرية، حيث إن هناك العديد من العمليات الوسيطة شديدة الأهمية، والتى يمكن فى ظل نخبة علمية وفنية مصرية، ومحطات نووية مصرية، أن تؤدى إلى حيازة "قدرة نووية " وهى لا تحسب بشكل أساسى ضمن الأسلحة النووية، لكنها ستكون بمثابة خطوة كبيرة نحو هذا الخيار العسكرى، وتجعله ممكنا من الناحيتين النظرية والعملية فى مدى زمن قصير نسبيا، إذا ما توافرت الإرادة السياسية لذلك، خاصة وأن الرئيس مبارك فى حديثه للتليفزيون الإسرائيلى فى يوم 5 أكتوبر الماضى قد صرح "بأننا لا نملك حاليا السلاح النووى، ولا نسعى إلى ذلك فى الوقت الحالى، لكننا إذا ما اضطررنا إلى ذلك فى المستقبل، فلن نتردد، ونحن لدينا من الخبرات والإمكانات ما يؤهلنا إلى ذلك "، أى أننا قادرون على ذلك.
إن هذه البنية التحتية النووية، وتلك النخبة العلمية حال توافرهما، سوف تكونا قادرتين على تلبية المتطلبات متصاعدة الأهمية للاستراتيجية النووية المصرية ومنها: - خدمة النهضة المصرية بوجه عام، والتى يصعب تصورها دون ولوج هذا المجال، واستحضار هذه التكنولوجيا فى شتى مناحى حياتنا، وعلى نحو كثيف يحقق اقتصادية البرنامج النووى المصرى بقدر ما يضفى عليه من المشروعية.
- زيادة القدرة المصرية على