ومن فضائل البربر ما بلغ عن عائشة رضي الله عنها , دخل عليها ذات مرة رجل من البربر وهي جالسة ومعها نفر من المهاجرين والأنصار , فقامت عائشة عن وسادتها فطرحتها للبربري دونهم , فانسل القوم واجلين بذلك فلما قضي البربري حاجته وخرج أرسلت إليهم عائشة , حتى اجتمعوا إليها , ما الذي أوجب خروجكم علي تلك الحال ؟ قالوا : لإيثارك علينا و علي نفسك رجلا كنا نزدريه , وننتقص قومه , فقالت إنما فعلت ذلك لما قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم , قالت أتعرفون فلان البربري ؟ قالو نعم , قالت كنت أنا و رسول الله صلي الله عليه وسلم , ذات مرة جالسين , إذ دخل علينا ذلك البربري , مصفر الوجه غائر العينين , فنظر أليه رسول الله صلي الله عليه وسلم , فقال ما دهاك ؟ أمرض ؟ فارقتني بالأمس ظاهر الدم , فجئتني الساعة كأنما انتشرت من قبر , فقال , يا رسول الله صلي الله عليه وسلم , بت في هم شديد , فقال ما همك ؟ قال : تردد بصرك في الأمس خفت أن يكون نزل في القران , فقال : لا يحزنك ذلك, فإنما ترديدي البصر فيك لأن جبريل عليه السلام جاءني , فقال : أوصيك بتقوى الله والبربر قلت : و أي بربر ؟ فقال : قوم هذا , و أشار إليك , فنظرت إليك , فقلت لجبريل ما شأنهم ؟ قال : قوم يحيون دين الله بعد أن كاد يموت و يجددونه بعد أن يبلى ثم قال جبريل : يا محمد دين الله خلق من خلق الله نشأ بالحجاز و أهله بالمدينة , خلقه ضعيفا ثم ينميه و ينشئه , حتى يعلو ويعظم , ويثمر كما تثمر الشجرة , ثم يقع و أنما يقع رأسه بالمغرب , والشيء إذا وقع لم يرفع من وسطه , ولا من أسفله , إنما يرفع من عند رأسه. .
وعن عمر بن خطاب انه قدم عليه وفد من البربر , من لواتة أرسلهم إليه عمرو بن العاص وهم محلقوا الرؤوس و اللحى , فقال لهم عمر من أنتم ؟ قالوا من البربر من لواتة ؟ فقال عمر لجلسائه : هل فيكم من يعرف هذه القبيلة في شيء من قبائل العرب و العجم , قالوا : لا , قال : العباس بن المرداس السلمى عندي منهم علم يا أمير المؤمنين هؤلاء من ولد بني قيس , وكان لقيس عدة من الأولاد , احدهم يسمي بربر بن قيس , وفي خلقه بعض الرعونة فقال : اخرق ذات مرة فخرج إلي البراري , فكثر بها نسله و ولده , فكانت العرب تقول تبر بروا أي اكثروا فنظر إليه عمر بن الخطاب فاستحضر ترجمانا يترجم كلامهم , فقال لهم مالكم محلقو الرؤوس و اللحى ؟ فقالوا شعر نبث في الكفر , فأحببنا أن نبدله بشعر ينبث في الإسلام , فقال هل لكم مدائن تسكنونها فقالوا : لا , قال : فهل لكم حصون تتحصنون فيها ؟ فقالوا لا , فقال : هل لكم أسواق تبتاعون فيها ؟ فقالوا : لا , قال : فبكي عمر بن الخطاب , فقال له جلساؤه وما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر أبكاني حديث سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم , يوم حنين , حين انهزم المسلمون فنظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم , أبكي فقال ما يبكيك يا عمر ؟ فقلت أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين , و اجتماع أمم الكفر عليها , فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تبك يا عمر , فإن الله تعالي سيفتح للإسلام بابا من المغرب بقوم يعز بهم الإسلام ويذل بهم الكفر , أهل خشية وبصائر يموتون علي ما أبصروا , وليست لهم مدائن يسكنون فيها ولا حصون يتحصنون فيها , ولا أسواق يتبايعون فيها و لذلك بكيت الساعة , حين ذكرت رسول الله صلي الله عليه وسلم , وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إلي عمرو بن العاص وأمره أن يجعلهم في مقدمات العسكر , و أحسن إليهم عمر بن الخطاب و أكرمهم , و أمر عمرو بن العاص أن يحسن إليهم.
وبلغ أن رجلا من ذرية أبي بكر عن بعض الخلفاء أنه قال : يا أهل مكة و يا أهل المدينة أوصيكم بالله و بالبربر خيرا , فأنهم سيأتونكم بدين الله من المغرب بعد أن تضيعوه , هم الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) . لا ينظرون حسب أمريء غير طاعة الله , قال البكري : فمن حين وقعت الفتنة إنما نقاتل نحن العرب علي الدينار و الدرهم و أما البربر فأنهم يقاتلون علي دين الله ليقيموه , قال وهو يرفع الحديث إلي أبن مسعود رضي الله عنه أن أخر حجة حججنا قام خطيبا فقال : يا أهل مكة و يا أهل المدينة أوصيكم بتقوى الله وبالبربر فأنهم سيأتونكم بدين الله من المغرب , وهم الذين يستبدل الله بكم إذ يقول : (( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) و الذي نفس أبن مسعود بيده لو أدركتهم لكنت لهم أطوع من إمائهم , و أقرب إليهم من دثارهم. .
وبلغ عن عائشة رضي الله عنها أنها أبصرت صبيا له ذؤابتان ذا جمال وهيئة فقالت من أي قبيل هذا الصبي الشقي ؟ قالوا من البربر , قالت عائشة البربر يقرون الضيف ويضربون بالسيف و يلجمون الملوك لجام الخيل[/b].
وباعتراف كل الرسالات السماوية أن الخلاص لن يكون إلمنشمال إفريقيا.