ماجد أبو شرار بعد اثنين وثلاثين عاماً على استشهاده ..ممارسات..عِبر ..وخيارات
في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل الشهيد القائد ماجد أبو شرار لا يسعني إلا أن استحضر سيرته الوطنية العطرة. ولا أهدف من خلال هذا الاستحضار الأضاءة على شخصيته الوطنية الفذة فحسب بل أهدف، أيضاً، الى استلهام منهجه النضالي الخاص وتراثه الفكري المتميز. فماجد، الذي استشهد منذ مايزيد على الثلاثين عاماً، ترك خلفه تجربة ثورية رائدة لاتزال قادرة على أن تلهب فينا الحماس وتوقظ فينا العبر والدروس.
سيرة ماجد، فكره ، ونهجـه، ومواقفه، هي ملحمة من ملاحم شعبنا العظيم :
عمل الشهيد ماجد أبو شرار على عدة محاور وترك بصمة واضحة وتأثيراً جلياً على العديد من المستويات والصعد. ومن واجبنا الوطني ومن حق شبابنا علينا أن نعرّفهم بماهية ماجد أبو شرار ونزودهم بمسيرته النضالية لعلهم يحذون حذوه ويتابعون حمل رايته والسير على دربه لكي يصبح عمره بذلك أطول من عمر جلاده. وعلينا، أيضاً، عند استذكار سيرته النضالية، أن ننظر بتمعن في أعماله وأثاره الفكرية والسياسية والإعلامية والتربوية التي خلفها.
فعلى الصعيد الإعلامي كان ماجد مبدعاً وخلاقاً بحيث أدرك، منذ مرحلة مبكرة، مدى أهمية الإعلام الثوري, الفاعل والعلمي، في تحويل نظرة الشعوب لقضيتنا العادلة. فعندما استلم الشهيد ماجد أبو شرار رئاسة الإعلام الموحد في منظمة التحرير، بدأ بإصدار مجلة "فلسطين الثورة"، باللغتين الإنكليزية والفرنسية، لكي يخاطب العالم بلغته حول عدالة قضيتنا ، فكان لبصماته في تطوير قسم الإعلام والتوثيق والسينما في منظمة التحرير الفلسطينية دورا" فاعلا" يكشف للعالم الوجه الإجرامي البشع للاحتلال الصهيوني.
ولقد أدرك الشهيد مبكراً بضرورة مخاطبة بقية العالم بلغة مختلفة، ولهذا عمل على حضور مؤتمرات التضامن مع شعبنا حول العالم لنقل معاناتنا باللغة التي تفهمها الشعوب الأخرى.
أما من الناحية السياسية ، فلقد كان ماجد يؤمن بضرورة المرونة السياسية بما لا يشكل أي مســاس بثوابت شعبنا وقضيتنا وفي مقدمتها حقه المقدس في الكفاح المسلح، وهو الحق الذي ضمنته كل المواثيق والاعراف والقوانين الدولية للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال. وهكذا كان ماجد مرناً حيثما تقتضي المرونة وصلباً حيثما يقتضي الثبات. ولم يكن نهجه هذا يقوم على رومانسية ثورية حالمة أو مبدئية مُدّعية، بل كان يقوم على رؤية وقراءة استلهمت تجارب الشعوب والثورات الاخرى كالثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية والثورة الكوبية. وكان يستخلص من تلك التجارب، أيضاً، الدروس والمسلكيات والقيم والاخلاق الثورية الرفيعة. ولم يتوقف عند حدود الاستخلاص بل ذهب الى تكريس تلك القيم والاخلاق الرفيعة في مسلكيته الثورية وفكره التقدمي والتحرري. ولأنه كان يؤمن ويمارس العمل الثوري، فلقد كان رائداً في دائرة التوجيه والتنظيم بحيث عمل على تخريج أفواج من الكوادر الثورية بشهادة العديد من زملائه ورفاق دربه.
ولم يكن وصف أصدقاء ماجد له بأنه صمام أمان حركة فتح اعتباطياً بل واقعاً يعكس هذه الحقيقة منذ تأسيسه لفرع حركة فتح في السعودية حيث كان يؤمن ايماناً لايتزعزع بوحدة الحركة بأعتبارها العمود الفقري للشعب الفلسطيني. وكان يؤمن بدولة ديمقراطية علمانية على أرض فلسطين، تصون حقوق الجميع بغض النظر عن العرق أوالجنس أوالدين.
ومن منطلق ايمانه بمبادئ فتح وبرنامجها السياسي، عمل ماجد على مد جسور التواصل مع شعبنا في الجليل بهدف العمل على احباط مشاريع الترانسفير الصهيونية الهادفة الى تحقيق شعار " أرض اكثر وعرب أقل". وكان أول مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية يجتمع رسميا مع المناضل والاديب أميل حبيبي والشهيد القائد توفيق زياد اللذيْن كانا من رموز العمل الوطني في الجليل. وللأنه كان يدرك تماماً بأن العمق الإستراتيجي لشعبنا في فلسطين المحتلة عام 67 هم أهلنا في حدود 48، فكانت اللقاءات تتمحور حول كيفية مواجهة المشاريع الصهيونية الهادفة الى افراغ الارض وتهجير السكان الفلسطينيين الذين ظلوا متمسكين بأرضهم إثر النكبة.
كما أنه كان يدرك أهمية دور الاتحادات الطّلابية الفلسطينية حول العالم من خلال حرصه على زيارة الطلبة الفلسطينيين في مجمعاتهم السكنية ومناقشتهم ومحاورتهم حول مستجدات القضية وابعادها. وكان هذا السلوك ينم عن درجة حضارية عالية وعن وضوح في الرؤية السياسية القائلة بأن صراعنا مع العدو الصهيوني الإسرائيلي هو صراع طويل الأمد ، الأمر الذي يستوجب تنشئة الجيل القادم تنشئة سياسية وثقافية ونضالية تقوم على قاعدة حضارية قادرة على أدارة المعركة وإستمرارية النضال .
أما فيما يتعلق بعلاقته مع شعبنا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وسوريا ، فقد كان حريصاً على متابعة أمورهم والتواصل معهم بشكل دائم من خلال إقامة الندوات التعبوية والتنظيمية في مخيمات لبنان ، وإدارة شؤون ملف الأردن مع إخوته مسؤولي التنظيم آنذاك هناك لأنه كان يعي تماما أن المخطط الصهيوني يهدف في النهاية إلى محو حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم وتقرير مصيرهم ، حيث بات واضحاً من خلال ما آلت إليه الأمورمؤخراً، والتصريحات المتكررة بعدم حق عودة ألاجيئين ألفلسطينين ألتي يرددها قادة العدو الصهيوني حالياً وخرقهم الواضح والجلي لجميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وللمواثيق الدولية ، إنما تشكل دليلاً ً بيّناً على صحة رؤياه المبكرة في هذا الصدد.
إن إيمان وإلمام ماجد بتجارب الثورات الأخرى كان نابعاً من واقعيته ومن إدراكه لطبيعة مواقفهم تجاه الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ،الأمر الذي ترسخ عبر تميزه بعلاقات وطيدة وراسخة مع الاتحاد السوفياتي من خلال رئاسته لجمعية الصداقة الفلسطينية السوفياتية / فرع لبنان آنذاك حيث لعب دوراً فاعلاً من أجل توطيد تلك العلاقة وتمتينها. وإذا أردنا اليوم أن نحكم على رؤيته تلك حول العلاقة مع الإتحاد السوفياتي آنذاك بالمقارنة مع موقف روسيا الاتحادية اليوم فاننا نجد بأن الموقف الروسي لم يتغير عن موقف الاتحاد السوفياتي آنذاك والمتمثل بدعم حقوق شعبنا ضمن قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي بينما نجد ان الموقف الأمريكي الرسمي لايزال يرتبط بالمصالح الصهيونية البحتة، ومن هنا فأن الشهيد ماجد أبو شرار كان سياسياً واقعياً يبني مواقفه ضمن رؤية علمية مدروسة ومبنية على تعزيز التضامن مع ضمان حقوق شعبنا المشروعة والتاريخية وها نحن نرى الآن صواب هذا الرأي عند النظر إلى موقف روسيا الاتحادية اليوم .
هذه السطور غير كافية لعرض مسيرة الشهيد ومواقفه الوطنية، ناهيك عن أفكاره السابقة لعصرها، ولكنني أردت في هذه الذكرى أن أسلط الضوء على بعض أفكاره وأعماله، وهي غيض من فيض، وما تطرحه من خيارات وعبر بإمكاننا أن نقتدي بها اليوم ونمارسها من أجل كفاحنا المستمر في سبيل حريتنا واستقلالنا، ويستحضرني الآن مقولة للشهيد وهي كمعظم أفكاره وأعماله ما زالت قابلة للتطبيق وتدل على بعد آفاقه ومعرفته العميقة بالوضع الفلسطيني.
حيث كان يقول:
"إن حماية الوحدة الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه أحد أسلحتنا الرئيسية التي نقابل بها أعدائنا وشرط من شروط الانتصار".
فليتنا اليوم يا ماجد نسمع هذه الصرخة المنبعثة من تحت ذلك التراب الطاهر الذي تغمدك فندرك أنه لا سلاح أقوى ولا أخطر على عدونا من وحدتنا وتماسكنا.
وأردت أن أترككم مع قول آخر له لا يحتاج إلى تعليق بل يكفي لنا قراءته والتمعن فيه.
"يجب أن تكونوا أكبر من كل المفاجئات وأقوى من كل الأحزان، لأن العدو المدبر يرمي إلى بث الأحزان في النفوس للإيصال بنا إلى اليأس وهذا ما لم ولن يستطيع الوصول إليه مهما كانت النتائج".
رحم الله روحك الطاهرة الطيبة النضرة نضارة دالية روتها مياه دورا وأشبع جذورها تراب الخليل المقدس. فهنيئا لك شهادة رفعتك إلى السماء وسلام على نفسك الزكية.
المصدر
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2013/10/13/447036.html