شهدت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قفزة كبيرة بعد
عدوان عام 1967 وذلك بسبب حظر السلاح الفرنسي حيث كانت فرنسا خلال الفترة
من 1956- 1967 المورد الرئيسي للسلاح الثقيل إلى إسرائيل.
وفي أعقاب عدوان حزيران عبّر الرئيس الفرنسي ديغول عن غضبه من رفض إسرائيل
مشورته في عدم شن الحرب، وذلك بفرضه حظراً مباشراً على شحن المزيد من
الأسلحة إلي إسرائيل من جانب واحد. وتم إيقاف الطلبات غير الموردة وحتى
تلك التي كانت إسرائيل دفعت ثمنها، ولم يقبل المزيد من طلبات الأسلحة.
نتيجة لذلك عكفت إسرائيل على سياسة جديدة في محاولة لتطوير وإنتاج حاجاتها
من جميع أنواع الأسلحة. وأدى هذا الشعور الملح بضرورة تحقيق الاستقلال عن
الموردين الأجانب إلى ثورة صناعية لا سابق لها، وكان الزخم الأساسي لها
موجهاً نحو تصنيع المعدات العسكرية. وخلال السنوات الثلاث التالية لعام
1967، ضاعفت الصناعة العسكرية إنتاجها أربع مرات. واشتدت جهود البحوث
والتطوير، وأصبح هناك ميل لتفضيل وضع تصاميم مستقلة وصنع النظم الفرعية
المهمة على ترتيبات الحصول على تراخيص لصنعها أو إنتاجها بالمشاركة مع
شركات أجنبية.
وقد حققت الصناعات العسكرية
الإسرائيلية خلال هذه الفترة عدداً من الإنجازات مثل التصميم المحلي
لطائرة مقاتلة نفاثة بسرعة 1. 2 ماخ عام 1972، والمقاتلة النفاثة كفير سي2
(1975)، ونظام باراك الجديد الدفاعي المضاد للصواريخ (1981)، وتطوير دبابة
ميركافا وأسلحة أخرى منها مركبات توجه عن بعد وأنظمة قتال إلكترونية
ومضادة للحرب الإلكترونية، ومعدات بحرية متنوعة بداية من نظم القيادة
والتحكم والمدافع المضادة للصواريخ إلى عدد متنوع من قوارب الدورية. وفي
عام 1981 أصبح لدى إسرائيل إمكانات عالية في مجمل الميادين الصناعية
العسكرية والأمنية، وأصبح بمقدروها إنتاج معظم ما تحتاجه من السلاح.وترجع
العديد من التقديرات الأسباب المباشرة لتطوير صناعة الأسلحة الإسرائيلية
إضافة إلى عدم الثقة بالموردين في ضوء تجارب الحظر التي تعرضت لها
إسرائيل، إلى عوامل اقتصادية وسياسية. فقد حفزت العوامل الاقتصادية على
تطوير صناعة السلاح الإسرائيلية لأن المتطلبات العسكرية تلقي عبئاً كبيراً
على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ نمت الواردات العسكرية الإسرائيلية بين عامين
1966 و1972 من 116 مليون دولار إلى 800 مليون دولار سنوياً. وتسبب البناء
العسكري في أعقاب حرب 1967 في نصف العجز التجاري عام 1968، وتضاعف استخدام
الأرصدة من العملات الصعبة لشراء المعدات العسكرية ثلاث مرات في سنة
واحدة. ومن هنا كان يمكن لإنتاج السلاح محلياً بشكل موسع التخفيف من تلك
المشكلات.
وفي هذا الإطار استندت سياسة إسرائيل التسليحية على أربعة
دوافع: الأول أن الإنتاج المحلي يخفض كمية واردات السلاح وبذلك يقلص
الفجوة التجارية المتزايدة الاتساع. ويساعد هذا البديل لاستيراد الأسلحة
ليس في توفير العملات الصعبة وحسب، بل على توفير الأرصدة المحلية لأن
الإنتاج المحلي أقل تكلفة من الإنتاج الأجنبي. والثانية أن إيجاد فرص عمل
يساعد على إيقاف نزف الأدمغة وهجرتها وجذب المهاجرين المهرة. والثالثة أن
نشاطات البحوث والتطوير سيكون لها تأثير إيجابي على القطاع غير العسكري،
ويحفز التقدم التكنولوجي للصناعات المتطورة. والرابعة أن أرباح المبيعات
الخارجية تجلب عملات صعبة، إضافة إلى ما يتوافر منها نتيجة لوجود بديل من
الاستيراد. ونتيجة لذلك كله انحسرعبء الواردات العسكرية عن كاهل العجز
التجاري الإسرائيلي، وانخفض من 42.4 في المئة في الفترة من 1968- 1972 إلى
13.4 بالمئة في الفترة من 1976- 1980، ما شجع على التوسع في صناعة الأسلحة.
وبطبيعة الحال يضاف إلى ذلك سيطرة شعور قوي لدى عموم الإسرائيليين بأن
تصنيع السلاح هو واجب مقدس تقتضيه ضرورة حماية وجود إسرائيل المحاطة
بأعداء من كل الجهات. كما أن إسرائيل كانت على الدوام تستغل صادراتها من
الأسلحة لفتح علاقات أو تعزيزها مع الدول الأخرى في وقت كانت المقاطعة
العربية فاعلة على الساحة الدولية مثل بداية علاقات إسرائيل مع الهند
والصين.
الصناعات الدقيقة
لقد تركزت الجهود
المبكرة لصناعة السلاح الإسرائيلية على تقديم نظم التسليح الأساسية مثل
الدبابات والمقاتلات والمدفعية وقوارب الدورية. وتحول التركيز الآن إلى
صنع نظم فرعية إلكترونية متقدمة. فمثلاً بدلاً من التركيز على الدرع
المحسن وحجم مدفع الدبابة ميركافا، انتقلت إسرائيل إلى تعزيز الإلكترونيات
الرقمية لتحسين قدرة التدمير. وقد مكن التركيز على النظم الفرعية
الإلكترونية صناعة السلاح الإسرائيلية من صنع عشرات المكونات المعقدة
تكنولوجياً والتي تمنح نظم الدفاع التي مضى على استعمالها عشرين أو ثلاثين
عاماً حياة جديدة، ومكنها من تحسين وتطوير قدرات الطائرات المقاتلة
والعمودية والمركبات القتالية ونظم القيادة والسيطرة والاتصالات
والاستخبارات. ويمكن رؤية ذلك في عدد من البرامج مثل اكتساب البحرية
الإسرائيلية قارب دورية سريع من شركة صنع سفن أميركية. فقد جردت إسرائيل
القارب من كل الإلكترونيات الموجودة فيه وركبت عليه نظمها الخاصة بالقيادة
والتوجيه وأجهزة الحرب الإلكترونية.ومع انتهاء الحرب الباردة بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي دخلت الصناعات العسكرية الإسرائيلية في أزمة،
نظراً لتقلص سوق الأسلحة والمنافسة الشديدة بين منتجي الأسلحة في العالم.
كما أدى التطور التكنولوجي السريع في مجال الأسلحة إلى ارتفاع مذهل في
تكلفة إنتاج السلاح المتطور الذي أصبحت الدول العظمى فقط مثل بريطانيا
والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا قادرة على تمويله. غير أن بعض الصفقات
الضخمة التي أبرمتها الصناعات العسكرية الإسرائيلية مثل صفقة أجهزة
الإنذار المبكر للهند التي تفوق قيمتها عن ملياري دولار وقبلها صفقة تحديث
الدبابات التركية بقيمة 700 مليون دولار إضافة إلى صفقات أقل حجماً مع دول
أوروبا الشرقية ودول في أميركا اللاتينية فضلاً عن المساعدات التي قدمتها
الحكومتان الأميركية والإسرائيلية لهذه الصناعات، كل ذلك ساهم في تخفيف
حدة الأزمة التي تعيشها.
خامس أكبر مصدر للسلاح
كانت إسرائيل عام 2002 خامس دولة مصدرة للأسلحة في العالم بفضل الزيادة الهائلة في مبيعاتها كما أعلنت وزارة الحرب الإسرائيلية.
وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الإسرائيلية 8.4 مليارات دولار في العام 2002،
أي بارتفاع نسبته 70% تقريباً مقارنة بالعام السابق عندما سجلت هذه
المبيعات 5.2 مليارات دولار.
وبفضل هذا الارتفاع الكبير أصبحت إسرائيل
خامس دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي وروسيا واليابان وفقاً للوزارة.
لكن مع أخذ الاتحاد الأوروبي
كله فإن إسرائيل لا تأخذ بالحسبان في هذا التصنيف دولاً أوروبية مختلفة قد
تأتي على أساس فردي أمامها مثل بريطانيا وفرنسا. ولا تشير أيضاً إلى الصين.
واعتبر الخبير الإسرائيلي في شؤون الدفاع الجنرال المتقاعد أبراهام روتيم
أن السبب الرئيسي لهذه القفزة هو أن أسواقاً جديدة تنشأ ولاسيما منذ أحداث
الحادي عشر من أيلول وباتت دول عدة تشعر بالحاجة إلى تحديث قواتها لمواجهة
التهديدات في كل الاتجاهات.
وتستحوذ سوق التصدير على 75% من مبيعات
الصناعة العسكرية على حين تستحوذ السوق المحلية على 25% فقط. وتتضمن السوق
الأخيرة مبيعات للجيش الإسرائيلي والشرطة وجهاز الأمن العام.
كما
استفادت صادرات الأسلحة الإسرائيلية من الحرب على العراق سواء عبر بيع
أسلحة للجيش الأميركي أم من خلال إظهار أهمية الصواريخ الموجهة والأنظمة
المعلوماتية التي تهدف إلى إدارة مجمل المعلومات في ساحة القتال وهي
الأسلحة التي جعلتها إسرائيل مجال تخصصها.
والدولة الرئيسية التي
تشتري أسلحة إسرائيلية هي الولايات المتحدة التي تزود إسرائيل بمساعدة
عسكرية سنوية قيمتها 1.2 مليار دولار. كما وافقت الحكومة الأميركية على
دفع مليار دولار مساعدات و10 مليارات دولار ضمانات قروض.
وبعد
الولايات المتحدة يأتي عدد كبير من الدول الآسيوية في سلم الدول التي
تشتري أسلحة إسرائيلية ثم أوروبا وأميركا اللاتينية، على حين أن حجم
الصادرات إلى إفريقية يقتصر على عشرات ملايين الدولارات.
ولم تنشر
وزارة الحرب الإسرائيلية مزيداً من التفاصيل حول الدول التي تشتري منها
أسلحة. لكنها أعلنت أن القفزة التي سجلت في طلبيات الشراء العام قبل
الماضي عائدة، في قسم كبير منها إلى الهند التي باتت أحد أفضل زبائن
الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
شركات السلاح الإسرائيلية
مثل
الإنفاق على التزود بالسلاح وبناء المصانع العسكرية العام 2000 نحو 25 %
من جملة الناتج الإجمالي. وكان للرغبة المتزايدة في إمداد المؤسسة
العسكرية بأفضل الأسلحة أثره الكبير في وجود العديد من الإيجابيات
والسلبيات لإسرائيل. وكانت أبرز الإيجابيات امتلاك الجيش لأفضل الأسلحة
التي تمتلكها كبرى الجيوش العالمية مثل الجيش الأميركي أو البريطاني.
وباتت إسرائيل مكتفية ذاتياً على صعيد التسلح. بل وأنشأت الكثير من
الشركات المتخصصة في صناعة الأسلحة التي أصبحت حالياً هي الصناعة الأكثر
تطوراً في إسرائيل.
ومن أبرزها مؤسسة الصناعات العسكرية الإسرائيلية
المتخصصة في صنع الأسلحة الخفيفة والمدافع والذخيرة، وشركة الصناعات
الجوية الإسرائيلية التي تقوم بصناعة الطائرات المقاتلة والصواريخ
والزوارق إضافة إلى إعادة هيكلة كثير من الهيئات العسكرية مثل شركة رفائيل
«هيئة تطوير الوسائل القتالية» والمهتمة بشؤون البحث العسكري وتصنيع
المعدات العسكرية المتطورة مثل الرادارات وأجهزة التنصت والتتبع من أكبر
الشركات في مجال البحث العلمي والعسكري، وغيرها من المؤسسات التي تصنع
المقاتلات الحربية والصواريخ والدبابات والذخيرة والأسلحة الكيماوية.
وعلى الرغم من التطور الكبير في الصناعات الحربية الإسرائيلية، إلا أن ذلك
خلف بدوره الكثير من السلبيات، أبرزها امتلاء المخازن العسكرية بالأسلحة،
سواء القديمة أم الحديثة، ما دفع إسرائيل للبحث في الأسواق الجديدة لبيع
هذه الأسلحة مع إدخال تعديلات تقنية على معظمها من أجل تحديثها وتحقيق
مكاسب مادية من وراء بيعها، وقد أولى أرئيل شارون اهتماماً خاصاً بتلك
المسألة منذ توليه منصبه، حيث وضع كافة هيئات التصنيع العسكرية تحت قيادته
وإشرافه وضاعف من الحوافز والرواتب التي يحصل عليها العاملون في تلك
الهيئات، وبلور خطة «هاينشك» التي تعني بالعربية «السلاح» وتقوم على زيادة
إعداد مؤسسات التصنيع العسكري ورفع الامتيازات الخاصة للعاملين فيها، ما
أدى لارتفاع إعداد تلك المؤسسات من 150مؤسسة إلى 225، وزاد عدد العاملين
فيها من 150 ألفاً إلى قرابة 220 ألف عامل وهو ما أفضى إلى زيادة أهمية
تلك الصناعة في ظل ارتفاع إعداد العاملين فيها وارتباط قطاع كبير من سوق
العمل الإسرائيلي بها.
وفي ضوء هذا الواقع أصبحت الصناعات العسكرية
أهم قطاع يساهم في الحد من مشكلة البطالة ويحسن من الوضع الاقتصادي السيئ
الذي تعيشه إسرائيل خلال الفترة الحالية خاصة مع الخسائر الاقتصادية
الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل جراء الانتفاضة الفلسطينية التي قدرت بثلاثة
مليارات دولار.
سياسة الغموض النووي
يقول سيمور هيرش في كتابه
«الخيار شمشون» الذي يكشف فيه أسرار الترسانة الذرية الإسرائيلية بوصفها
واحداً من أكثر أسرار العالم التي بقيت محاطة بالغموض: «إن إسرائيل ولدت
قوة نووية» انطلاقاً من تصميم بعض قادتها المؤسسين على ألا يتمكن أي عدو
مستقبلي من تعريضها لإبادة جماعية، وكما حطم شمشون المعبد وقتل نفسه مع
أعدائه، فإن إسرائيل ستفعل الشيء نفسه بمن...........