هذه صور لحال أفراد المسلمين ممن يحمل الهمَّ لإخوة الدين، فلسان حالهم يقول: أبشروا يا إخواننا في القوقاز، أموالنا نبذلها رخيصة في سبيل الله من أجلكم، وقلوبنا معكم، ونفوسنا تتفطر لكم، وعيوننا تتقرح لمأساتكم، ها هي الألسن تلهج لكم بالدعوات، وترتفع الأيدي في الظلمات، ويردد القنوت في الصلوات، إن نفوس الكثير من المسلمين تزخر بالآهات والزفرات وهي ترى الفظائع والأهوال، وما يجري لإخوانهم في بلاد القوقاز.
عباد الله: هل شاهدتم الطائرات الروسية الحربية، وهي تسرح وتمرح في الأجواء الشيشانية، وتمشي الهوينى حتى إذا كانت على بعد أمتار من هدفها ألقت حمولتها بكل وحشية وهمجية؟ بل لقد اصطفت عشر راجمات للصواريخ على مشارف قرية(كارماخي) في داغستان ثم أخذت تستعرض قوتها بنسف بيوت القرية بيتا بيتا على مَن فيه من أهله، بعد أن ذهبت محاولات الأهالي بالخروج من القرية أدراج الرياح، بل إن من يخرج من بيته هربا فإن القناصة له بالمرصاد، حتى إذا تحولت القرية لأنهار من الدماء تسيل، ولأكوام من الجثث والأشلاء، وجبال من الحجارة والأخشاب، ودخان النيران ينبعث من أرجائها.
دخل جنود الروس الجبناء، فإن وجدوا أحياء، كانوا مثار السخرية والاستهزاء، وتقطعيه إلى أجزاء، وهم يضحكون؛ بل إنهم يصلبون بعض الجثث على جوانب الدبابات والراجمات، ويسيرون بهم وسط المدن والقرى؛ لإرهاب الناس وتخويفهم!.
كفر يريد لأمَّتي ألَّا ترى *** نورا وأَلَّا يُرفَع التسبيحُ
كفرا وأمتنا يخدر عقلها *** وهمٌ، وفكْرٌ ساقطٌ و"ضريح"
ناديتُها والليل كهفٌ موحش *** والفجر من عقب الهلال يلوح
يا مسلمون! وضج في قلبي الأسى*** ولسان أحزان الفؤاد فصيح
يا مسلمون! وساءلَتْني طفلة *** مَن أنت؟ ما هذا الدم المسفوح؟
يا مسلمون! ورجّع الأقصى الصدى *** وبكى وأبكى، فالجنون قروح
أدعو ولكن من سيسمع صرختي *** منكم وصوتي واهِنٌ مبحوح؟
ماذا أقول لكم؟ ووجه سعادتي *** في ظل صمتكم الرهيب يشيح
يا مسلمون! وظَل يزعجني صدى *** صوتي، ويُتعب كفِّيَ التلويح
ناموا، فقد نمنا طويلا مثلما ***... ويكفيها هنا التلميح
سقطت قذيفة على مدرسة للأطفال، وأصابت فصل الصف الثاني الابتدائي فحولت الفصل إلى نهر من الدماء، فخمسة وعشرون طفلا كلهم تمزقت أجسادهم أشلاء، لقد صورت كاميرات الفيديو جثث الأطفال، فلا تكاد ترى جثة كاملة، فهذا قد فقد رجله، وهذا ذراعه، وآخر انفصل الرأس عن الجسد، ورابع لم يبق فيه عضو، فقد تطايرت في كل مكان، آه لو رأيتم كيف تجمع بقايا اللحم المتناثر في الأكياس، كما يجمع بقايا اللحم من ذبائح البهائم؟!.
وسقطت قذيفة أخرى على حافلة للمدنيين المهاجرين كانت تحاول الهروب من(جروزني) إلى(ناورسكايا) فتناثرت الأجساد في المكان، فلا تسمع إلا الصراخ والعويل، ولا ترى سوى مشاهد الاحتضار والموت، فقتلت عشرين مدنيا، ومن بين المصابين رضيع عمره أشهر فقط، أصابته شظية في الجهة اليسرى من طرف بطنه لتندلق أمعاؤه، وشظية أخرى تبتر قدمه اليسرى، يصرخ ويبكي، وتنظر في عينيه الرعب والفزع.
ولو نطق لقال:
إنا نصيح ولا مجيب
إنا نئن ولا طبيب
حتى استغاث البعض من كمد بعُبَّاد الصليب
فأين.. أين المسلمون؟
أين الذين لربهم يتعبدون؟
أين الذين بدينهم يستمسكون؟
أين الألى في الله هم يتناصرون
ما بالكم لا تسمعون؟
ما بالكم لا تنظرون؟
فأين.. أين المسلمون؟
بل أين بعض المسلمين؟
بل أين أهل العلم منهم من بقايا الصالحين؟
لذتم بأسوار السكوت
لم تمنحوا إخوانكم حتى كليمات القنوت
ما بالكم لا تسمعون؟
وتنظرون!
كم من عجوز عاجز لم يرحموه
كم من رضيع يتَّمُوه
إن لم يكونوا مزقوه
كم من صغير من بقايا حقدهم قد عوقوه
كم مسجد قد هدموه
ومصحف قد حرقوه!
ولا أظن أحدا سمع بمأساة السوق فلم يتحرك قلبه، أو تدمع عينه، فقد قصفت الطائرات الروسية سوقا في وسط العاصمة يعج بالمدنيين، أدى إلى مصرع ما لا يقل عن ثلاثمائة مدني شيشاني تناثرت أشلاؤهم في كل مكان بالسوق، الذي تحول إلى برك من الدماء، وعلى الرغم من هول المأساة وفظاعتها، فإن أحدا لم يحرك ساكنا، وإننا نتساءل: أين أجهزة الإعلام العالمية، والتي تدعي الحياد والاستقلالية؟ ولكن لماذا نلوم الغرب؟ ونطالبه بنصرة قضايانا، وأجهزة الإعلام العربية منشغلة في نقل وبث
الاحتفالات في المهرجانات الغنائية والسينمائية؟ أما قضية شعب تحاصره الطائرات والدبابات والرشاشات من كل جهة لإبادته، وقضية أكثر من ثلاثمائة ألف مهاجر يعيشون الرعب والجوع، والقتل والتشريد، في ظروف صعبة، مع حلول فصل الشتاء، وسقوط الأمطار الغزيرة، والبرد القارس بلا كساء، ولا غطاء ولا غذاء، فهي قضية ليست ذا بال للإعلام، وإن كان فعلى هامش الأخبار.
أعلن الرئيس الشيشاني السابق(زليم خان) أنه لم يبق قرية إلا وتم قصفها، وفي كل قصف يقتلون من عشرين إلى أربعين شيشانيا، فمثلا في قرية(ستنجر) عندما قصفوها قطعوا يد وقدم طفل عمره لا يتجاوز تسعة شهور فقط، وامرأة أخرى بحثنا عن أشلائها فلم نعثر إلا على بعض منها، وبعد ثلاثة أيام وجد الناس بعض القطع من جسمها، والعالم كله ينظر إلى المجازر التي يرتكبها الروس في الشيشان دون تحرك!.
وكتب شاهد عيان طبيب محتسب فقال: لقد مضى على وصولي إلى الشيشان قرابة شهر، وقد رأيت في هذا الشهر ما لم أره في حياتي؛ قصص، ومشاهدات، ووقائع وأحداث... فهيهات أن يهنأ المرء بنوم في الشيشان! فكيف يهنأ وفي كل ليل ونهار تقصف الطائرات، أو تنزل الصورايخ على رءوس الناس، حتى في هذه الدقائق التي أكتب فيها هذه السطور يهتز بجانبي زجاج النوافذ بسبب قصف الطيران الروسي للمدينة في(روس مارتان).