إن
ما أفرزه النصف الثاني من القرن الماضي و مطلع القرن الحالي على المستوى
السياسي و العسكري و الإستراتيجي و السمات الجديدة التي طبعت المجتمع
الدولي و السياسة الدولية بصفة عامة خاصة بعد تصدع و انهيار المعسكر
الشرقي و بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة متفردة بزعامة العالم
بخاصة ما يشهده العالم بأسرة من تأثيرها القوي على مختلف المؤسسات و
المنظمات الدولية بشكل شبه مطلق.
لكن أمريكا لن تهنأ بهذا النصر و الهيمنة الدولية طويلا..كما لم تهنأ به
من قبل روما وغيرها من الإمبراطوريات و القوى العظمى التي سيطرت
على العالم طويلا جدا.
يرى المراقبون للأوضاع بروز قوى صاعدة تتحرك و تتنامى قواها في هدوء و
سكينة مهددة بقلب الموازين ربما في القريب العاجل سواء من ناحية القوة
الفردية المتمثلة في الدولة القومية أو من خلال تحالفات جديدة تبدأ
اقتصادية ثم تتطور تدريجيا لتأخذ أبعادا جديدة سياسية و عسكرية و
إستراتيجية ...
و لعل منظمة شانغهاى التي تشمل روسيا و الصين و أربع جمهوريات سوفيتية
أخرى و ما قامت به أخيرا من مناورات عسكرية لهو إشارة واضحة إلى إمكانية
خلق قوة جديدة تحاول إعادة التوازن للعالم و خلق قطب جديد خاصة مع رفضها
قبول عضوية الولايات المتحدة كعضو مراقب في المنظمة و ما له من مدلولات
سياسية..
فهل يؤدي ظهور هذه القوى إلى تغير الوضع الراهن وهو انفراد قوة وحيدة بسقف
العالم ، وهل يمكن القول إن القرن الحادي والعشرين هو قرنا آسيويا,و أن
المجموعات الآسيوية من النمور و الآسيان قادرة على إفتكاك عجلة القيادة من
الولايات المتحدة الأمريكية و السير بالعالم إلى بر الأمان و السلام و
الاستقرار الذي فقده العالم طويلا في عهد السيطرة الأمريكية على مقاليد
الحكم و قوانين الحرب على الإرهاب و الحروب التأديبية و حملات نشر
الديمقراطية حقوق الإنسان بالمنظور الأمريكي بالقوة على الطريقة
الهوليودية...
إن المتتبع للوضع الدولي الراهن لابد أن يصل إلى نتيجة انه وضع يتسم بقدر
غير قليل من عدم الاستقرار ، نجد تناقضا بين المبادئ التي قامت عليها
منظمة الأمم المتحدة أي المبادئ التي تم إرسالها فيما بعد الحرب العالمية
الثانية ، وبين ممارسات سياسية متكررة ، فنرى تناقضاً بين النتائج التي
أفرزتها قوى العولمة الاقتصادية والتكنولوجية ، فمن ناحية وحدة العالم ،
فصحيح أن القول كون العالم توحد الآن شبكات القنوات التلفزيونية و الهاتف
النقال و شبكة الانترنت ، بشكل لم يسبق له مثيل ولكن في نفس الوقت فإن
الهوة بين الشمال والجنوب والأغنياء والفقراء ازدادت بشكل لم يسبق له مثيل
, شمال يعاني من التخمة في كل شيء و جنوب يعاني من الجوع في كل شيء أيضا..
من الغذاء و الدواء و التكنولوجيا و الحروب الأهلية و النزاعات الإثنية .
و صعوداً للروح الاثنية والطائفية التي هي بحكم الضرورة انقسامية وتطبيقية
، إذا التناقش الذي نراه بشان النتائج التي أتت مع قوى العولمة الاقتصادية
فجزء منها يوحد العالم ، والآخر يفرق أيضا نلاحظ ظهور قوى دولية اضعف
الإيمان هي غير راضية ومتوترة أو بشكل أقوى لا تقبل باستمرار الوضع القائم
وتسعى لتغييره أحيانا بأشكال مواجهة وأحيانا أخرى في أشكال بها قدر من
الناحية الدبلوماسية ، يدخل في هذه القوى الغير راضية روسيا و الصين ،
الهند ، والذين ينتقدون صراحة غياب الديمقراطية في العلاقات الدولية ،
وغياب الديمقراطية في إدارة العالم ، ويقولون أن الولايات المتحدة بينما
ترفع شعار نشر الديمقراطية في دول العالم وهي أول من ينتهك الديمقراطية
لإدارة العلاقات الدولية ، يدخل في ذلك إيران التي تدخل في تحدي مع دول
العالم الجديد ، وتدخل في هذا ليبيا التي لها ولقائدها إثراء في شكل
النظام الدولي وفي توقعه الملاحظة الرابعة والأخيرة أن هناك مفارقة كبيرة
بين الولايات المتحدة وبين حجم الكراهية لهذه الدولة في العالم كله ، حتى
أن المراكز الأمريكية تقوم بدراسات فيما يسمونه كراهية أمريكا و لماذا
يكرهوننا ؟ ونحن لا نتكلم عن الشعوب العربية لأنه من الممكن أن تكون
للشعوب العربية خصوصية معينة فيما يتعلق بموقف أمريكا من فلسطين وإسرائيل
وبالتالي فان العرب لديهم أسبابهم الخاصة لعداء سياسات الولايات المتحدة
الأمريكية ، ولنتحدث عن أوروبا لنجد استقصاءات الرأي العالم في مختلف
العالم وصلت إلى نتيجة أن شعبية وسمعة الولايات المتحدة في تدهور مستمر .
إذا هذا الوضع الغير مستقر يفتح الباب على تساؤلات كثيرة ، عصر
الإمبراطورية الأمريكية إلى متى ..؟ وهل تستطيع القوى الآسيوية أن تغير من
شكل هذا النظام العالمي .؟ وهذا يفتح الباب لأسئلة صعبة في تحليل العلاقات
الدولية وتحليل توازن القوى العالمي مثلما هو معنى الدولة الكبرى أو
العظمى ؟ عندما نقول إن دولة ما هي دولة قوية أو كبيرة أو مؤثرة وما هي
عناصر القوة التي تمتلكها لكي نسميها هكذا .؟ في فترة الحرب الباردة ، كان
المعيار هو القوة الإستراتيجية العسكرية ، الآن يتغير هذا المعنى كيف توزع
مصادر القوة العالم وكيف تتغير .
الولايات المتحدة تريد أن تستثمر قوتها الواسعة في النظام الدولي لإعادة
تشكيل النظام الدولي بشكل يخدمها للأبد و يخدم مصالحها الحيوية و
الإستراتيجية مع توفير الحماية لحلفائها ، وبدأت مثلما يتم تعديل الدساتير
في بعض دول العالم الثالث عموما و بعض الدول العربية خصوصا بحيث يفصل على
مقاس الزعيم الملهم و أبنائه و أبناء أبنائه و عشيرته وزمرته وزبانيته ..
تحاول الآن أن تدخل في القانون الدولي مفاهيم كثيرة لم تكن معروفة من قبل
على سبيل المثال حق التدخل الإنساني و حماية الأقليات و المحاكم الدولية و
حماية حقوق الإنسان ، و المحاكم الدولية مثلما يحدث في لبنان للتحقيق في
مقتل الحريري و ليس فقط كممارسة سياسية ، ولكن كمبدأ من مبادئ القانون
الدولي العام ، و إعادة تعريف مفهوم سيادة الدولة ، وتسعى الولايات
المتحدة كذلك إلى إعادة هيكلة المنظمات الدولية .. ، ثم مشاريع لإعادة
هيكلة الأمم المتحدة ثم إضعاف المنظمات الدولية التي كانت تتبنى تاريخيا
قضايا دول الجنوب ، وازدياد للمؤسسة الاقتصادية منظمة التجارة العالمية
وعندما نقرا اختصاصات ودور منظمة التجارة الدولية ، تتدخل وإذا تم ذلك
ستقبل بمحض إرادتك ، والتي ستتدخل في العديد من جوانب القرار الاقتصادي ،
وخاصة المتعلق بالتجارة الخارجية .
أول عنصر هو القوة العسكرية الأمريكية ، والتي تماثل قوة جميع دول العالم
، هناك قوة إستراتيجية عسكرية متمثلة في قوة السلاح ، هناك أسلحة تنفرد
بها الولايات المتحدة ، ثم في انتشار السلاح ، والولايات المتحدة لها
قواعد عسكرية في العديد من دول العالم ،أما قواعد متحركة في المحيطات، أو
قواعد في دول الخليج أو جزر المحيط أو ما يقرب من ثمانين قاعدة في اليابان
، وكذلك عدد من الدول الأفريقية وهناك القدرة العسكرية ، والأمر الثاني
القدرة الاقتصادية ، ومازالت الولايات المتحدة اكبر سوق في العالم ، واكبر
مجال لتوزيع السلع والمنتجات
و القوة التكنولوجية والقدرة على التجديد التكنولوجي وبالذات في المجالات
التي تسمى حدود المعرفة الإنسانية ، كبحوث الفضاء ، أو تكنولوجيا
المعلومات أو الكيمياء الحيوية ، وأي مجالات حدود المعرفة البشرية ، نرى
أن الولايات المتحدة تركز عليها .. كذلك القوة الإعلامية ، والتي نرى أن
الولايات المتحدة الأمريكية يعتمد عليها اعتماد غير عادي نجد أن الفضائيات
العربية في المقابل جل مادتها الإعلامية في أغاني ومسلسلات أمريكية ، ونجد
أن احد أسباب قوة أمريكا هي اللغة الانكليزية المنتشرة في العالم ، ونجد
أن 80% من حجم المعلومات على شبكة الانترنت هو باللغة الانجليزية ، فمن
منا نحن العرب أو الأفارقة يتحدث اللغة الصينية أو اليابانية أو الروسية ،
نجد أن أي لغة من اللغات الصاعدة المتحدث فيها يتحدث اللغة الانجليزية
أولا ، وتأتي بدرجة اقل اللغة الفرنسية .. ثم الايطالية والبرتغالية
والاسبانية الخ .
إذا الولايات المتحدة لا تقتصر قوتها على المجال العسكري بل هو خليط من
القوة الاقتصادية والتكنولوجية ، والإعلامية والمعلوماتية ، ولكن السؤال
هل هذه القوة بلا نهاية أين تنتهي حدودها ؟ ، نجد أن هذه القوة في تقلص
مستمر ، وأول تناقض وتناقض فيها هو عدم التوازن بين القوة الهائلة ،
والقدرة الاقتصادية المتناقضة ، و الميزان التجاري يسجل عجزا بنحو 158
مليار دولار , ولكن هناك اقتصاد أخرى تنمو بسرعات أكثر منه ، فمن الناحية
النسبية هو يتراجع ، أي انه مازال الاقتصاد الأكبر ، ولكن هناك اقتصاديات
أخرى تنمو وتقلل الفجوة ، فلا توجد دولة تقوم بتقليل الفجوة من الناحية
العسكرية ، إنما تقليل الفجوة هما الناحية الاقتصادية ، ثم إن المشهد
الأمريكي يوجد به عدم توازن ما بين القدرة العسكرية الإستراتيجية الهائلة
، و القدرة الاقتصادية المتناقضة المسألة الأخرى أن أي دولة عظمى يجب أن
يكون لها صورة ايجابية في العالم و أن هناك تدهور القوة المعنوية
والأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية فهناك فجوة بين الدور السياسي
والرغبة في قيادة العالم ، من جانب الولايات المتحدة، والصورة السلبية
للولايات المتحدة ، فلماذا هذه الصورة ؟ . جزء من هذه الأسباب هو الغطرسة
، والتي لا يشتكي العرب أو الأفارقة فحسب ، وإنما الأوروبيون كذلك ، أيضا
عدم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية مثلا معاهدة "كيوتو" ، التي
أعلن فيه الرئيس بوش عدم الالتزام بذلك ، وكل المعاهدات المتعلقة ، بحماية
البيئة والأوزون الخ .. بالإضافة إلى ذلك هو ازدواجية المعايير ، ففي
العديد من المواقف هناك ازدواجية للمعايير أضف إلى ذلك عنصر طارئ على
السياسية الأمريكية ، ولكن لا نعرف إلى متى يستمر وهو موضوع جدير
بالانتباه إليه ، فالإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش هيمن عليها تيار
سياسي وفلسفي ، وديني هو تيار المحافظون الجدد ، وهو ليس تعبير ابتكرتاه
نحن العرب ، وإنما هو تعبير عن قوة سياسية وفكرية كانت على هامش الفكر
السياسي الأمريكي ، والذي أصبح اليوم هو التيار الحاكم ، وهو تيار خطير ،
متعصب وفيه نزعة دينية متطرفة، ومن ناحية فلسفية فهو يقبل بالفكر الصهيوني
، وإعادة تركيب الهيكل .. الخ . كل ذلك يجعل صورة السياسة الأمريكية مخيفة
.
حد آخر من حدود القوة الأمريكية ما يسميه بعض المفكرين ، العولمة من
الأسفل فإذا كانت هناك عولمة تقوم بها الدول والشركات الدولية النشاط ،
فهناك عولمة المجتمع المدني ، وهناك العولمة من أسفل التي يفرضها الإرهاب
القوة الإرهابية في العالم فرضت على الولايات المتحدة تحديات ليس من
الدولة ، ولكن من مجموعات ، ونرى أن حدود القوة الأمريكية ظهرت في العراق
إذ لم تنجح الولايات المتحدة بكل قوتها وهيمنتها في القضاء على المقاومة و
قيل منذ أربع سنوات انه سيتم تقديم نموذج للديمقراطية في العراق يحتذي به
، وانتظرنا هذا النموذج الذي ستقتدي به ، وإذا بنا في متاهة من الأزمات و
الصراع الطائفي و الحرب الأهلية و الإرهاب
و التدخل الخارجي و المليشيات المسلحة الموالية للخارج ، .