منذ اواخر القرن العشرين وامريكا تطلق على القرن الحادي
والعشرون قرن الاسلام حتى هيء للبعض ان الاسلام قادم من امريكا وقد حضرت
بعض الندوات التي كان المحاضرون فيها يتكلمون عن احتمال انتشار الاسلام في
امريكا وان المسلمون سيصلون الى مراكز صنع القرار وربما جاء يوم وترشح
مسلم لمنصب رئيس الولايات المتحدة وفعلا وصل بعض المسلمين لمراكز صنع
القرار منهم محمد البردعي رئيس الوكالة الذرية فماذا استفاد المسلمون من
وصول هذا المسلم لمركز صنع القرار لقد دمر اسلحة العراق وهيء الجو لامريكا
حتى تدخل العراق وتعيث فيه فسادا واجراما.
ان تسمية امريكا للقرن الحادي والعشرين انه قرن الاسلام
تعني بذلك انها ستتفرغ في هذا القرن لمحاربة الاسلام، ولان الاسلام تعتنقه
شعوب ولا تمثله دولة حتى تخوض ضدها حربا تقليدية ، فلا بد اولا من ابعاد
المسلمين عن العمل الجاد لايجاد دولة الخلافة لان هذه الدولة اذا قامت
ستقود العالم الاسلامي كله ضدها وستنتزع هذه الدولة السيادة منها ، وحتى
لا تحدث مثل هذه المواجهة لا بد من دفع المسلمين لايجاد احزاب وتنظيمات
وحركات اسلامية ومذهبية متفرقة ومتصارعة تقوم باعمال سياسية وثقافية
واجتماعية وعسكرية لتكون بديلا عن الدولة الاسلامية، ولا بد من تدريبها
على بعض الاعمال العسكرية حتى يتسنى لامريكا ان تسيرها في الطريق الذي
ترسمه، ولا يوجد انسب من افغانستان حتى يتدرب هؤلاء على ما تريده امريكا
منهم، وقد اوحت الى عملائها حكام الدول في العالم الاسلامي لارسالهم الى
افغانستان وهناك دربوا على تفخيخ السيارات وزرع الالغام وتفجير القنابل عن
بعد وعمل كمائن ، فظهور الحركات الاسلامية على الساحة السياسية والعسكرية
ليس محض صدفة وانما مخطط له منذ اواخر القرن العشرين.
وبعد ان قضت امريكا على الاتحاد السوفيتي وتفردت في الموقف
الدولي اعدت خططا عسكرية للحرب غير المتماثلة بينها وبين الاسلام ممثلا
بالحركات والاحزاب الاسلامية .
وقد ساهم في تطوير هذا المفهوم جهات مختلفة منها: هيئة
اركان الحرب المشتركة في امريكا ووكالة الاستخبارات المركزية الامريكية
وهيئة التقديرات في البنتاجون .
وانطلق هذا المفهوم من انه لم يعد هناك دولة يمكنها ان تشن
حربا ضد الولايات المتحدة سواء كانت حربا تقليدية او غير تقليدية. ولكن
الامن القومي الامريكي يتعرض لخطر من نوع جديد هو الارهاب.
وقد كشفت الاحداث اليومية الجارية ان المقصود بالارهاب هو الاسلام والاهاربيون هم المسلمون،
وترى امريكا ان الارهاب انتشرت عناصره في كل مكان ولم يعد
مرتبط باعمال عنف محددة، وقد ادت العولمة والتكنولوجيا الى اتاحة وسائل
جديدة لعملياته .
وقد عرف الجنرال هنري شيلتون رئيس الاركان الامريكي السابق
الحرب غير المتماثلة بانها: محاولة طرف يعادي الولايات المتحدة ان يلتف من
حول قوتها وان يستغل نقط ضعفها معتمدا في ذلك على وسائل تختلف بشكل كامل
عن نوع العمليات التي يمكن توقعها.
اما عدم التماثل فيعني: ان يستعمل العدو طاقته النفسية وما
يصاحبها من شحنات الصدمة والعجز لكي ينتزع في يده زمام المبادأة وحرية
الحركة والارادة، ويستخدم وسائل مستحدثة وتكتيكات غير تقليدية واسلحة
وتكنولوجيات جرى التوصل اليها بالتفكير في غير المتوقع وغير المعقول ثم
تطبيقه على كل مستويات الحرب من الاستراتيجية الى التخطيط الى العمليات.
وحسب هذا التصور لا يوجد مسرح عمليات يلتقي فيه المحاربون
باية صورة ويستخدم كل طرف اسلحة غير متماثلة ولا تكون هناك علاقة بين
الفعل وردة الفعل ولا يوجد تغيير بمبادئ الحرب وانما بافكار تنتج عن
مصادفات يتم تحويلها لخطط مدروسة وتحيط بعملياته اقصى درجات المخاطرة ويتم
كل شيء في سرية شديدة ويختلط فيها ما هو مادي بما هو نفسي.
يتمتع العدو بارادة قوية وتنظيم حديدي وصبر شديد وروح عالية وقدرات رفيعة يجعل تحقيق اهدافه ممكنا حتى لو بدت كأنها ضرب من الجنون.
وقد وضعت امريكا استراتيجيات محددة للتعامل مع هذا النوع من الحرب:
1- تشكيل تحالفات واستشارة دول وتقدير حساسيات واتجاه مباشر لفرض الامر الواقع
2- تخيير الدول بين الانضمام الى ما يتم او يجدوا انفسهم في الجانب الاخر واعتبارها دولا مارقة تمثل محور الشر
3- تدعيم اساليب الاستخبارات الموجهة مع اللجوء الى بعض الاساليب التقليدية لنشر الجواسيس
4- وتغطية مواقع الانكشاف في الاراضي الامريكية بسد كل الثغرات التي يمكن النفاذ منها.
5- اتخاذ اساليب جديدة في التعامل مع الامن الداخلي على اساس تخفيف القيود المفروضة على اجهزة الامن تجاه المجتمع.
هذه هي استراتيجية الحرب على الاسلام التي وضعتها امريكا
في تسعينات القرن الماضي وبدأ بتطبيقها فمنذ ان انتهت الحرب الافغانية ضد
السوفييت واراد الافغان العرب العودة الى بلادهم تم دفعهم الى استخدام ما
تعلموه في افغانستان ليستعملوه في بلادهم ضد مصالح امريكا اولا ودول الغرب
ثانيا، ولو بقي الامر في هذه الحدود لتعاطفت الامة معهم ولكن لا تريد
امريكا هذه النتيجة انها تريد تشويههم لتقف الامة ضدهم وتتعاون مع امريكا
في تدميرهم وتكريه الناس في اسلامهم حتى ييئسوا مع الاسلام وهنا لا بد
لامريكا ان من تشكيل تحالفات واستشارة دول وتقدير حساسيات وتم لها ما
ارادت وعقدت مؤتمرات على مستوى وزارات الداخلية في دول العالمين العربي
والاسلامي لتشوية الحركات الاسلامية الجهادية وتأليب الناس ضدهم ، فقامت
مخابرات هذه الدولة بملاحقة هؤلاء وجمع المعلومات عنهم وتقديمها للمخابرات
الامريكية، وقامت بتنفيذ العمليات الارهابية ضد المواطنين في الاماكن
المأهولة بالسكان والصاق هذه العمليات بالحركات الاسلامية لتشويه صورتهم
حتى ينفض الناس عن التعاطف والتعاون معهم كما حدث في مصر والجزائر.
اتخاذ القاعدة هدفا للقتال
واتخذت امريكا القاعدة هدفا لتطبيق استراتيجياتها التي
اعدتها للحرب على الاسلام، فالقاعدة في نظر امريكا قامت بعمليات ارهابية
غير تقليدية فهي تتسم بالاختراق واستعراض القوة.
القاعدة شنت هجوما على سفارتين امريكيتين في نيروبي ودار
السلام كما هاجمت مدمرة في خليج عدن مما اوقع خسائر بشرية كبير كما توجت
هجماتها بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاجون وهي اهداف تابعة
لوزارتي الخارجية والدفاع اي رموز سيادية.
وتمت العمليات باسلوب انتحاري يؤدي الى تدمير الهدف شبه كامل وليس مجرد احداث اضرار
القاعدة لها خلايا من 25-35 قائمة في دول عديدة ، ولها تنظيمات مسلحة في بلدان عربية واسلامية منها:
جيش عدن-ابين الاسلامي في اليمن
جماعة الاتحاد الاسلامي في الصومال
جماعة ابة سياف في الفلبين
تنظيم الجهاد الاسلامي في مصر
حركة سيبا الصحابة
الجهاد والمجاهدون في كشمير
الحزب الاسلامي التركمانستاني
الجهات المالية الداعمة للقاعدة
شبكة موازية من الشركات والمنشآت والمؤسسات التجارية
والمالية التابعة مباشرة لاسامة بن لادن وتعمل هذه الشبكة في العديد من
الدول الاوروبية والعربية ودول شرق افريقيا وجنوب شرق آسيا
مؤسسات مالية مثل التقوى وبركات
تبرعات تقدم للقاعدة من رجال اعمال ومسلمين متعاطفين في دول الخليج
القاعدة شبكة شبه عسكرية ذات اجنحة وتشابكات مختلفة
ترى امريكا انه من الصعب ان تهزم القوة المسلحة للقاعدة
لذا يجب الاعتماد على اجهزة الاستخبارات والتحالفات السياسية والادوات
المالية والضغوط والاكراه والحرب النفسية والقوة المسلحة
العمليات المضادة للقاعدة
1- اعتقال القيادة او قتلهم في افغانستان عن طريق اقناع
قيادات النظام السياسي الذي يحميهم بتسليمهم لامريكا ( ويتم الضغط على
القيادات السياسية بالترهيب والترغيب)
وفيما سبق نجحت امريكا في اعتقال رادوفان ويلوسيفيتش في
صربيا وتسلم كاريوس من السودان، او عن طريق القيام بعمليات خاصة ضد مواقع
القيادات واختطافها كما فعلت مع بعض زعماء الجريمة المنظمة في امريكا
الجنوبية، او عن طريق تفكيك النظام السياسي الذي يحمي القاعدة ، لكن
امريكا فشلت في تسلم قيادات القاعدة او قتلها في افغانستان رغم تفكيكها
للنظام السياسي الطالباني وبالتالي تحولت مسألة الاعتقال الى هدف رمزي
2- تدمير قواعد القاعدة في افغانستان عن طريق الحرب البرية
وهذا لا تستطيع امريكا فعله بسبب خبرتها في حرب الخليج عام 1991 وحرب
الكوسوفا عام 1999 كما ان قواعد التنظيم منتشرة في كل افغانستان. لذلك
لجأت الى عقد تحالفات قوية مع دول الجوار كباكستان وايران مع اخراج طالبان
من مسرح السياسة.
3- ملاحقة عناصر القاعدة في دول العالم من خلال جيش صغير
من المحققين ورجال الامن وتعاون امني على مستوى تبادل المعلومات مع اي طرف
ذي علاقة والتنسيق مع الدول التي تجد فيها تنظيمات عنيفة لها علاقة
بالقاعدة والضغط بعنف على الدول التي ترفض الوقوف ضد القاعدة وممارسة
اساليب ضغط مالية/ قانونية مباشرة ضد اية مؤسسة لها ارتباط بتنظيمات
اسلامية في ظل سياسة ( اما معنا او مع الارهابيين)
وقد اعتمدت امريكا ادوات عسكرية مسلحة واستخبارية وقانونية وسياسية ومالية بصلاحيات وتمويل غير محدودين
وقادت امريكا هذه الحملة باسلوب منفرد يعتمد على القيام
تحدده هي او تعتبره ضروريا مع استشارة او عدم استشارة الاطراف الاخرى وقصر
نشاطات الاطراف السياسية الاخرى المخالفة لتوجهاتها على تأييد ما تقوم به
او الصمت تجاهه او التحفظ رغم ان امريكا تنظر الى هؤلاء بحساسية حتى لة لم
يتخذ شكل خطوات عملية معارضة. ونتيجة لذلك تعرضت شبكة القاعدة خارج
افغانستان لضربات شديدة من جانب الاجهزة الامنية في الولايات المتحدة
والمانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا وبعض الدول العربية مما ادى الى
تفكيكها وقطع خطوط الاتصال والتنسيق بي نقيادتها وكوادرها مع استمرار
الملاحقة الامنية لعناصرها النائمة وشبكات تمويلها والجهات الداعمة لها.
4- اعتماد اهداف غير واقعية مثل تفكيك وتشتيت عناصر
المنظمة بدلا من تدميرها ، وعدم تحويل هدف القبض على ابن لادن غرضا رئيسيا
لكنه يبقى مهما وادارة العمليات العسكرية خطوة خطوة دون وجود يقين في اي
مرحلة حول المراحل التالية، وتقليص الخسائر البشرية الامريكية الى اقصى حد
بالاعتماد على القوات البرية للتحالف الشمالي في القيام بالمهمة الصعبة
5- تعتبر معركة تورا بورا النموذج لاستخدام القوة العسكرية
في اطار الحرب غير المتماثلة والنتائج المترتبة على ذلك وقد استفادت
امريكا من المعركة بانها قد تحققت من ان القصف الجوي للمواقع الارضية
للقاعدة كانه له اثر كبير في تفكيكها كما عرفت ان اهمية الذخائر تضاهي
اهمية نظم التسلح الرئيسية فتسليح الظائرات والدبابات والقطع البحرية لم
يكن اقل اهمية عن السلاح ذاته فقوة القاذفة بي-52 كمنت في الذخائر التي
تحملها والاطقم والمعدات الخاصى بتوجيه الذخائر داخلها كما تبين لامريكا
ان الذخائر ذات الدقة العالية والذخائر ذات القدرة التدميرية الواسعة
اصبحت عناصر اساسية في المعارك الحربية كما ان طبيعة الارض اتضح انها لا
تخدم احدا الا من يتمكن من توظيفها وتحديد اساليب القتال الملائمة لها وقد
اختارت امريكا القصف الجوي وابتعدت عن المعارك البرية .
هذا السيناريو للحرب الامريكية غير المتماثلة ضد القاعدة
في افغانستان كررته في العراق ضد الحكومة العراقية اولا وضد حركات
المقاومة في العراق ثانيا الذي سيكون موضوع المقال القادم