إن مما تنبغي الإشارة إليه أن قرآننا
الكريم غزير بالكثير من المعاني الإدارية وفنون القيادة التي غفلنا عنها
دهراً من الزمان ، ونحتاج في هذه الأيام للتدبر الواعي المتأني لكتاب الله
وأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم في جميع شؤوننا قبل أن نتجه إلى الغرب
لنستجدى منه نقلاً وترجمة لما قد لا يناسب بيئة المسلمين.
على كل حال فهذا مثال حاضر لما قد نتعلمه من كتاب الله في هذا المجال.
قصة ذي القرنين الواردة في سورة الكهف فيها من الفنون الإدارية ما سنراه :
1-
إيقاف الظالم والمخالف عند حده بالعقاب الآني وتذكيره بعذاب الآخرة : (
قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً). فربط
العمل الدنيوي الوظيفي بالآخرة هو ما ينبغي أن يميز المؤسسة والشركة
الإسلامية عن مثيلاتها في الغرب ، فإن المسلم مهما بعد عن الالتزام
بتعاليم الدين إلا أنه في نهاية المطاف يؤمن بالآخرة والثواب العقاب
والحساب.
2- وفي المقابل كذلك معاملة المحسن والمجتهد بالحسنى وربط ذلك
بالثواب الأخروي الجزيل حتى لا يرتبط ذهن المحسن بالمال والترقيات ، بل
ينبغي أن يكون عمله خالصاً لوجه الله حتى وإن ابتغى بعمله المال والرزق
(وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً).
3-
الشهرة بفعل الخير ورفع الظلم ونصرة المستضعفين كذلك من صفات القائد
المسلم ، وهذا يتبين بجلاء من خلال طلب قوم ما بين السدين من ذي القرنين
أن ينصرهم على يأجوج ومأجوج.
4- من صفات القائد كذلك العفة والتنزه عن
أموال الشعب ، وهذا واضح عندما عرض عليه من بين السدين (خرجاً على أن تجعل
بيننا وبينهم سداً) فقال: (ما مكني فيه ربي خير).
5- التواضع والاعتراف بنعمة الله من أهم الصفات المطلوبة في القائد المسلم، واتضح ذلك من الآية ( قال ما مكني فيه ربي خير).
6-
من أهم الصفات أيضاً : الاهتمام بمشاركة الآخرين خاصة إذا كان الأمر
يعنيهم ، فعندما طلب القوم من ذي القرنين المساعدة والنصرة قال لهم وهو
غني عن جهدهم وأموالهم : ( فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً) وهو من
في ملكه وقوته، ولكن مع ذلك طلب منهم العمل معه حتى يزرع فيهم الإيجابية
وليشاركوا في تدبير أمورهم ولا يكونوا سلبيين. ولأنهم كذلك أدرى بظروف
وأحوال منطقتهم فلعلهم أن يشيروا عليه أثناء العمل بما يساعد في قوة
البناء والتحصن.
7- ولعل الصفة الأخيرة هنا هي تعاونه مع الآخرين وأخذ
زمام المبادرة والتوجيه الدقيق في مراحل التنفيذ وعدم التفرد بالرأي ولا
بالعمل. وقد كان يستطيع عمل ذلك كله ولكنه استعان بالجماعة وذلك مصداقاً
لقوله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة)
وقوله صلى الله عليه وسلم : (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).