اج. حصاد الاتفاقياتإن اتفاقيات الحد من الأسلحة، التي أبرمت منذ الحرب العالمية الثانية، مثلت تقدمًا محدودًا نحو تقليل الدمار الناتج عن الحرب، ويعد الدمار، الذي حدث في فيتنام، دليلاً على أن دمار الأسلحة التقليدية يستطيع أن يدمر دولاً، كما تفعل الأسلحة النووية، والتشويه الذي أصاب ضحايا الهجمات النووية في نجازاكي وهيروشيما، يمكن مقارنته بالنابالم في ضحايا الحرب، في جنوب شرق آسيا، ويمكن القول إن المعاهدات، التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، لم تتعد إشارات رمزية لإرضاء الرأي العام، بدلاً من كونها جهودًا جادة للحد من الدمار الشامل، إلا أنها خدمت الهدف المهم المتمثل في إظهار جوانب المشكلة، التي يجب حلها من أجل التوصل إلى اتفاقيات تحديد الأسلحة.
إن مفاوضات تقليص الأسلحة الإستراتيجية START بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكذلك المحادثات بين دول حلف شمال الأطلسي NATO وحلف وارسو، حول تقليص متبادل للقوات، بما تتضمنه من مشاكل رئيسية؛ تتعلق بالسيطرة على الأسلحة وتحديدها، ولأن هذه المحادثات تتعلق مباشرة بدول ذات خلفية عدوانية، في فترة ما بعد الحرب، فإن الصعوبات في الوصول إلى اتفاقية، مبالغ فيها، ويمكن مناقشة تلك الجهود ضمن إطار الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية، التي تحدد موقف المشاركة في التفاوض.
رابعاً: اتفاقيات الحد من الأسلحة الإستراتيجية
1. محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجيةافتتحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية في عام 1969؛ نتيجة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، وحل عام 1971 قبل الوصول إلى أي اتفاقيات، وكانت هذه الاتفاقيات تتعلق بتحسين الاتصالات، عن طريق الخط الساخن، الذي أنشئ في عام 1963، كما تتعلق بوضع إجراءات لتقليل خطر حرب عفوية، بسبب عدم صحة المعلومات، وقد تم التوصل إلى أول اتفاقية حقيقية عام 1972، وكانت الفترة الزمنية المطلوبة لإحراز تقدم في هذا المجال، دليلاً على صعوبة الاتفاق، وعلى تردد الدول في اتخاذ أي خطوات قد تقلل من قواتها العسكرية النسبية سواء بسواء.
2
. الاتفاقية الأولى للحد من الأسلحة الإستراتيجية ((SALT-1 Strategic Arms Limitation Talk إن اتفاقية الصواريخ الباليستية، التي وُقعت في عام 1972م هي أهم اتفاقية توصل إليها، إذ إن الاتفاقية تسمح لكل دولة بنشر موقعين فقط للصواريخ ABM ، بمجموع كلي يصل إلى مائتي قاذف + مائتي صاروخ، كما أن الاتفاقية تمنع التطوير، أو الاختبار، أو تطوير أي نوع آخر من صواريخ ABM ، بغض النظر عن كيفية إطلاقها، ومكان قواعدها، و لقد كان لهذا الاتفاق أثر على وقف السباق المكلف لدفاعات صواريخ ABM في أرجاء العالم. ويتضح، من ذلك، أن تقليل انتشار الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية ABM، يترك كلاً من الدولتين العظميين، معرضة للدمار النووي، ويعتقد بأن هذه الإمكانية المؤكدة للدمار مهمة في التخلص من أي إغراء لشن هجوم مباغت.
ولقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تطوير صواريخ باتريوت المتقدمة، التي لديها القدرة على تدمير الصواريخ السوفيتية، كما قام الاتحاد السوفيتي بتطوير الصاروخ سام 12- S300، وهو صاروخ متحرك للدفاع الجوي، وبمهمة وقدرة مشابهة للصاروخ الأمريكي، بالإضافة إلى، ذلك فقد أعلن السلاح الجوى الأمريكي، في يناير عام 1984، أنه قام باختبار صاروخ متقدم صمم لتدمير الأقمار الصناعية، ويعد هذا تطويرًا مهمًا؛ لأن محادثات SALT-1 تشترط أن هذه المعاهدة يجب أن تنفذ باستخدام أقمار صناعية للمراقبة من كلتا الدولتين، وهذه الأقمار الصناعية يسمح لها بالعمل من دون إعاقة. إن اتفاقية SALT-1 المؤقتة منعت البدء بنصب صواريخ أرضية إضافية، أو بناء غواصات إضافية حاملة للصواريخ، أما الطائرات القاذفة، التي تحمل قنابل أو رؤوسًا نووية متعددة، فلم تشملها هذه الاتفاقية.
وعلى هذا فقد كانت هذه الاتفاقية ذات أهمية حقيقية محدودة؛ بسبب الضغط المتواصل لبرامج التقنية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، من أجل تطوير المزيد من التقنية لتُستبدل بالأسلحة القديمة أسلحة أكثر تعقيدًا، وكانت التحديدات على أعداد الصواريخ، ولكن الاستبدال كان مسموحًا به، حتى السنوات الخمس الأخيرة حتى عام 1977، وهو يتيح للولايات المتحدة الأمريكية الحصول على 1710 صاروخ، وللاتحاد السوفيتي (السابق) الحصول على 2360 صاروخًا. ولأن اتفاقية SALT-1 تقضي على فرصة تطوير صواريخ ABM دفاعية وفعالة، فإن بعض الأمريكيين نظروا إليها على أنها تُخل بالقدرة التقنية للولايات المتحدة الأمريكية، مقابل معاهدة غير مضمونة النتائج.
وأفضل حديث لإقناع الذات للحد من الأسلحة، هو أنه لا يمكن تصور دفاع كامل، فقد يخترق عدد ما من الصواريخ إلى العمق متفاديًا وسائل الدفاع الجوي، كما أن الاتفاقية تمثل نوع التسوية، التي يجب التوصل إليها، وبما أن كلتا الدولتين كانتا في المراحل الأولى من تطوير صواريخ ABM، فلم تفقد أي منهما ميزة مهمة، ويمكن التوصل إلى اتفاقية الحد من الأسلحة في المراحل الأولى من ابتكارها.
3
. الاتفاقية الثانية للحد من الأسلحة الإستراتيجية SALT-2تسمى الجولة الثانية من المحادثات الخاصة بالحد من الأسلحة الإستراتيجية بـ SALT-2، وقد بدأت في عام 1972، بهدف إعداد صيغة، أكثر سيطرة على الأسلحة النووية، وتقليصها بشكل نهائي، وفي عام 1974، تمت الموافقة على تحديد موقع واحد للصواريخ ABM، بدلاً من الموقعين المسموح بهما في اتفاقية SALT-1، ويعد هذا اعترافًا بحقيقة أن الصواريخ ABM لم تكن مجدية، كما اتفق على وجوب التوصل إلى اتفاقية تدوم حتى عام 1985، قبل انتهاء اتفاقية السنوات الخمس والموقعة في عام 1972، SALT-1 وانتهت المفاوضات إلى صياغة اتفاقية وقعها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في جنيف يوم 18 يونيه 1979، وسميت SALT-2، ولم يصدق مجلس الشيوخ الأمريكي عليها؛ بسبب غزو الاتحاد السوفيتي (السابق) لأفغانستان، في ذلك الوقت، مما أثار شكوك مجلس الشيوخ، حول ترتيب المعاهدات، كما رفض الرئيس الأمريكي ريجان، الاعتراف بالمعاهدة فور توليه رئاسة الولايات المتحدة، وأعلن عن نيته في إعادة التفاوض في هذه المسائل، بينما يزداد نشر الأسلحة النووية، وبالرغم من موقف الرئيس ريجان، فإن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تعهدا بالالتزام باتفاقية SALT-1، ومع تقدم مباحثات SALT-2، بدأت تظهر خلافات واضحة في المصالح، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) نوجزها في الآتي:
أ. أسلوب تحديد الصواريخ ذات الرؤوس المتعددة وأسلوب التحقق منها.
ب. الوزن المحمول للصاروخ Payload، وهل القياس بإجمالي الوزن المحمول للصاروخ، أم بعدد الصواريخ؟
ج. أسلوب حساب الطائرات القاذفة المسموح بها 400 قاذفة، وهل تحسب كل قاذفة قادرة على حمل سلاح نووي، أم القاذفات الكبيرة الإستراتيجية المصممة لهذا الغرض فقط؟
د. معنى الصواريخ الطوافة، والتي تطلقها الطائرات، فالصواريخ التي يزيد مداها عن 600 ميل محظورة الاستعمال، فكيف يمكن التأكد من المدى؟
هـ. مدى الطائرات، يقيسه الاتحاد السوفيتي بالطائرات، التي لديها القدرة على المهاجمة ثم العودة إلى قواعدها، ولكن الولايات المتحدة تعترض وتريد الحساب على الطائرات ذات المدى الكافي للهجوم والنزول في أقرب بلد موال، مثل كوبا مثلاً.
إن المشاكل، التي لازمت محادثات SALT، توضح مدى تعقيد الحد من الأسلحة في أحسن الظروف، والاتفاقيات، التي تم التوصل إليها لاحقًا، كانت بمثابة إعلانات من جانب واحد، وأن اتفاقية SALT-1 سوف تحترم، وقد شملت اتفاقية SALT-2 النقاط الرئيسية الآتية:
أ. الحد الأقصى لعدد الصواريخ عابرة القارات هو 1320 صاروخًا.
ب. لا يزيد عدد الرؤوس، التي تحملها تلك الصواريخ عن 2400 رأس.
ج. وضعت الاتفاقية حدًا أقصى لعدد القاذفات المسلحة بالصواريخ الطوافة.
د. منعت الاتفاقية نشر صواريخ جديدة متحركة عابرة للقارات.
4
. اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية الأولى (START-1) Strategic Arms Reduction Talks في 29 شهر يونيه 1982، بدأت الدولتان العظميان محادثات خفض الأسلحة الإستراتيجية في جنيف، واتخذت المحادثات اسمًا جديدًا هو ستارت START ، ودارت المباحثات حول تخفيض متبادل في الأسلحة الموجودة، أي التخلص من بعض ما لدى القوتين العظميين من أسلحة إستراتيجية، وهذا يصعب الوصول إلى اتفاق حوله، فضلاً عن أن المناخ السائد بين الدولتين لم يكن مناسبًا لتحقيق أي اتفاق، لأن السوفيت استبدلوا بصواريخهم النووية SS-4،SS-5، المقامة في أوروبا، أخرى حديثة متعددة الرؤوس، من طراز SS-20، كما ردت الولايات المتحدة بنشر صواريخ برشينج في أوروبا، ولم يكن هناك أمل في تحقيق أي اتفاق، وانسحب الوفد السوفيتي من المحادثات في ديسمبر 1983م.
تجددت الآمال عندما تولى جورباتشوف السلطة، وعادت الوفود مرة أخرى إلى جنيف، وفي سبتمبر 1985، تقدم الاتحاد السوفيتي بمقترحات، من أهم نقاطها ما يلي:
أ. عدد الرؤوس النووية لدى كل طرف لا يتعدى ستة آلاف رأس.
ب. عدد الرؤوس في أي من المحاور البري أو البحري أو الجوي لا يتعدى 3600 رأس.
ج. إلغاء صواريخ كروز، التي تطلق من البحر.
د. كما نادى السوفيت بوقف مبادرة الدفاع الإستراتيجي المسماة بـ (حرب النجوم).
رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بخفض الصواريخ الباليستية ICBM، التي يتفوق فيها السوفيت، مع رفضها الحديث في موضوع مبادرة الدفاع الإستراتيجي حرب النجوم، وفي أكتوبر 1985، قدم الجانب الأمريكي الرد على المقترحات السوفيتية، وشمل الآتي:
أ. الرؤوس النووية لا تتعدى 4500 رأس، منها 3000 محور بري، و1500 محور بحري.
ب. القاذفات الإستراتيجية لا تتعدى 250 طائرة، بما فيها القاذفة Backfire السوفيتية.
ج. إلغاء الصواريخ الباليستية عابرة القارات المتحركة.
د. لا قيود على الصواريخ الطوافة، التي تطلق من البحر.
.
أهم بنود اتفاقية START-1في عام 1985م، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق)، في وضع اتفاقية تخفيض الأسلحة الإستراتيجية START-1، ونصت الاتفاقية على أن يتم تنفيذها خلال سبع سنوات، ووقع الرئيسان الأمريكي والسوفيتي عليها في مايو 1992م، وأهم بنود هذه الاتفاقية هو الآتي:
أ.
الولايات المتحدة الأمريكية(1)
القاذفات الإستراتيجية: الاحتفاظ بالآتي: 47 قاذفة B-52h + 94 قاذفة B-1- + 20 قاذفه B-2.
(2)
الصواريخ عابرات القارات ICBM : الاحتفاظ بـ 50 صاروخ MX، مع تخفيض الرؤوس النووية لـ 300 صاروخ Minuteman-3 إلى رأس واحد، بدلاً من ثلاثة، والاحتفاظ بثلاثة رؤوس لـ 200 صاروخ أخرى.
(3) الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات SLBM: الاحتفاظ بـ240 صاروخ Trident – 2،D5 + 192 صاروخ Trident – 1، C4.
ب.
روسيا (الاتحاد السوفيتي السابق)(1)
القاذفات الإستراتيجية: الاحتفاظ بالآتي: 36 قاذفة TU – 95h، تسلح كل منها بـ 16 صاروخًا طوافًا نوويًا + 27 قاذفة TU – 95h، تسلح كل منها بستة صواريخ نووية طوافة + خمس قاذفاتTU – 160 Blackjack ، يسلح كل منها بـ 12 صاروخًا طوافًا نوويًا.
(2)
الصواريخ عابرات القارات ICBM: الاحتفاظ بالآتي: 525 صاروخ SS – 25 متحرك + 154 صاروخ SS – 18، و105 صواريخ SS – 19، وعشرة صواريخ SS – 24، و50 صاروخ SS – 25، على أن تتمركز جميعها في مواقع ثابتة + 33 صاروخًا متحركًا على عربات سكة حديد.
.