انتهت المعارك في أواخر شهر أكتوبر 1973 بتثبيت لخطوط وقف إطلاق النار وكانت كل الشواهد تنبئ بمرحلة جديدة من الصراع واستمرت الجهود في استكمال وتطوير منظومة الدفاع الجوي على أسس ومبادئ ثابتة من أولوياتها أن يبنى النظام على قادة وضباط وأفراد على أعلى مستوى من التعليم والثقافة حيث إنه لا قيمة للمعدة من دون مستخدم جيد.
وخلصت القيادة إلى أن أي خطة لبناء أو تطوير منظومة الدفاع الجوي المصري لا بد أن تقوم على مبادئ أساسية أهمها:
1- الحجم والنوعية ، التي تجابه التطور في حجم ونوعية العدو الجوي وما يمتلك من إمكانيات.
2- التخطيط للتطور والنمو ، بما يتلاءم مع الزيادة المنتظرة في قوة العدو وفي عدد الأهداف الحيوية المطلوب الدفاع عنها.
3- مراعاة البعد الاقتصادي ، بسبب التكلفة الباهظة لنوعية أسلحة الدفاع الجوي المتطورة وذلك عن طريق الاستفادة من الموجود من الأسلحة الشرقية وتطويرها ورفع كفاءتها باستمرار.
4- مراعاة أن تكون الدروس المستفادة والخبرات القتالية الميدانية من حرب أكتوبر 1973 هي الأساس عند وضع خطط التطوير.
وانطلاقاً من هذه المبادئ الأساسية أصبحت خطة تطوير منظومة الدفاع الجوي المصري ترتكز على ركائز أساسية خلال تنفيذها هذا التطوير كالآتي:
أولاً: التكامل في منظومة الدفاع الجوي
أصبحت المهام الملقاة على عاتق قوات الدفاع الجوي كثيرة ومعقدة نظراً للتطور السريع في نظم التسليح خاصة في أسلحة الجو. فعلى هذه القوات أن تكون لديها القدرة على اكتشاف أهداف تطير على جميع الارتفاعات وتمتلك الكثير من الأساليب والإمكانيات التي تجعل من الصعب اكتشافها بوسائل الاستطلاع وفى حالة اكتشافها فإن لديها من الإمكانيات الإلكترونية الكثير الذي يعقد من مهام أجهزة قيادة النيران الأرضية للاشتباك معها..
ولا يقف الأمر عند ذلك لأن هذه الطائرات باتت تحمل بداخلها وأسفل أجنحتها العديد من الصواريخ والقذائف الحديثة والموجهة بطرق التوجيه المتطورة وتطلقها من مسافات بعيدة بأسلوب اضرب وانس Fire and Forget أي أن هذه الأسلحة لا تحتاج إلى متابعة من الطائرة الأم وهناك الكثير من الإمكانيات التي يتحتم على منظومة الدفاع الجوى مجابهتها في أزمنة قد تعد بالثواني.
وبالإضافة إلى هذه الترسانات الحربية الطائرة ظهرت في الآونة الأخيرة في سماوات المعارك الصواريخ الباليستية ،تنطلق في مسارات فضائية، ثم تنقض على أهدافها بسرعات فائقة تجاوزت، في بعضها 6 كم/ ثانية ومصاحبة لهذه الصواريخ كذلك حلقت على مقربة من سطح الأرض والبحار الصواريخ الطوافة المعروفة باسم كروز CRUIES تطير على ارتفاعات منخفضة تصل إلى نحو 20 متراً من سطح الأرض مستشعرة أهدافها برأس ذكي مزود بأدق المستشعرات الحرارية والتلفزيونية والليزرية.
وتتحكم في هذه الصواريخ منظومة متكاملة من الأقمار الصناعية وطائرات القيادة والسيطرة والإنذار ،تحدد لها أهدافها بدقة بالغة، وتوجهها نحوها محددة مساراتها لحظة بلحظة. كل هذا الكم الهائل من العدائيات الجوية يحتاج حتما إلى منظومة متكاملة من وسائل الدفاع الجوي متكاملة مع باقي أفرع وعناصر القوات المسلحة ومتكاملة مع بعضها ويصل التكامل ليشمل الوحدات داخل العنصر الواحد وفيما يلي لمحة عن التكامل المنشود لعناصر الدفاع الجوى الرئيسية.
ثانياً: التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي
على ضوء المتغيرات المتلاحقة والتطور السريع في عناصر الحرب الجوية وأسلحة الدفاع الجوي يجب الأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل عند التخطيط لبناء منظومة الدفاع الجوي بما يمكنها من تأدية مهامها وأهم هذه العوامل:-
1- التوازن في المجال الخارجي
ويعرف هذا التوازن بتعادل القدرات القتالية للمنظومة مع القدرات القتالية للعدائيات الجوية المحتملة رياضياً.
ونجاح منظومة الدفاع الجوي في صد الضربات الجوية لحرمان العدو من الحصول على السيطرة الجوية وانتزاع المبادأة منه لذا فإن كفاءة منظومة الدفاع الجوي تقاس بمدى قدرتها على صد الضربة الجوية .
2- التوازن في المجال الداخلي لمنظومة الدفاع الجوي
يجب مراعاة هذا التوازن الداخلي بين نظم القتال الإيجابية على أساس دور كل نظام في صد الضربة الجوية الشاملة المعادية طبقاً لخصائصه الفنية وإمكانياته القتالية وأهم هذه النظم:
- نظام المقاتلات.
-. نظام الصواريخ الموجهة أرض / جو والمدفعية المضادة للطائرات.
ثالثاً: التطور في عناصر منظومة الدفاع الجوي المصري
- وسائل الاستطلاع والإنذار الجوي:
يتوقف التقدير السليم للموقف واتخاذ القرار وإصدار الأوامر إلى نظم القتال الإيجابية على كفاءة وسائل الاستطلاع والإنذار وأن تنتظم في أوضاع استعداد قتالي مناسبة وقد اتجه التطوير على النحو الآتي:
1 التنظيم والإعداد الجيد لوسائل استطلاع العدو الجوي بتجديد أجهزة الرادار الشرقية وإطالة أعمارها مع إدخال العديد من التعديلات لرفع كفاءتها الفنية وزيادة إمكانياتها في اكتشاف الأهداف المنخفضة والقائمة بالتداخل. كذلك تم إدخال العديد من الأجهزة الغربية الحديثة مثل الرادار ثنائي الأبعادT PS-63 والرادار ثلاثي الأبعاد TPS-59 بالإضافة إلى أجهزة أخرى إنجليزية وفرنسية الصنع. وتم إحلال العديد من الأجهزة الروسية المتقادمة بأجهزة صينية الصنع مناظرة لها.
2 انتظام وسرعة ودقة وصول المعلومات عن العدو الجوي من هذه الوسائل من خلال شبكة اتصالات خطية ولاسلكية متطورة مع تحديث إجراءات التأمين ضد وسائل العدو الإلكترونية.
3 إعادة حساب الحجم المناسب وأنواع الأجهزة من وسائل الاستطلاع والإنذار اللازمة لإنشاء الحقل الراداري المناسب بناءً على مساحة المناطق المطلوب تغطيتها والارتفاعات المطلوب تغطيتها طبقاً للعدو المنتظر وطبيعة الأهداف المدافع عنها والتحصينات الإلكترونية المطلوبة لهذا الحقل.
4 بتطوير الهيكل العام لقوات الدفاع الجوي تم دخول وحدات المراقبة بالنظر ضمن تنظيمها العضوي مع إنشاء رئاسة لها داخل قيادة القوات مع تحديد الحجم المناسب من نقط المراقبة الجوية بالنظر لدعم الحقل الراداري لاكتشاف الأهداف المنخفضة والمنخفضة جداً.
5 دخول طائرات الإنذار المبكر E2-C Hawkeye إلى الخدمة وهي تستطيع كشف وتتبع 300 هدف جوي وحتى 20 هدفاً آلياً ومدى كشف الأهداف على ارتفاع 100م "ومقطع 1 م2"، يبلغ نحو 250 كم كما يمكن للطائرة إدارة أكثر من عملية اعتراض في وقت واحد.
وتتم الاستفادة من إمكانياتها في توفير الإنذار المبكر عن الأهداف المنخفضة والمنخفضة جداً ويتم تحديد الحجم المناسب من هذه الطائرات ويراعى في استخدامها الآتي:
(1) مناطق واتجاهات العمل في أثناء العملية القتالية وأسلوب تأمينها في الجو.
(2) عدد الطائرات اللازمة لمنطقة عمل واحدة.
(3) الاحتفاظ باحتياطي مناسب.
(4) الصلاحية الفنية لطائرات الإنذار المبكر.
- التطور في مقاتلات الدفاع الجوي:
خرجت قوات الدفاع الجوي من حرب 1973 وقد أثبتت وبقوه مفهوم تنظيم التعاون الوثيق مع المقاتلات باعتبارها العنصر الإيجابي الأول بعد العناصر الأرضية ويتكون التجميع القتالي للمقاتلات من:
1 تشكيلات جوية.
2 مطارات التمركز الرئيسية.
3 مطارات المناورة.
4 شبكة مراكز القيادة.
5 مراكز ونقط التوجيه.
ويتوقف بناء التجميع القتالي للمقاتلات على:
- شبكة المطارات المتوافرة.
- الاتجاهات الرئيسية المحتملة لاقتراب الطائرات المعادية.
- تجميع قتال الصواريخ أرض/ جو والمدفعية المضادة للطائرات.
هذا وقد اتجه التطوير إلى العمل على استمرار المقاتلات الشرقية في الخدمة وذلك برفع كفاءتها وتحديث تسليحها وأجهزتها الملاحية والإلكترونية. وتم الاتجاه إلى تنويع مصادر السلاح التي مكنت القوة الجوية المصرية من الحصول على ما يعرف بتكنولوجيا الخط الأول في مجال المقاتلات تمثلت في نحو 220 مقاتلة F – 16 و 18 مقاتلة ميراج 2000
- التطور في الصواريخ الموجهة أرض/ جو
اتجه التطوير إلى الاحتفاظ بالصواريخ الشرقية في الخدمة من أنواع سام 2، وسام3 ، وسام 6 مع إجراء العمرات اللازمة لها وخروج الأنواع المتقادمة منها من الخدمة ولأول مرة تم إجراء عمرات خاصة ورئيسية متكاملة للصواريخ الشرقية استهدفت القيام بتعديلات جوهرية لمواكبة التطور الكبير في أسلحة الجو الحديثة وأساليب الحرب الإلكترونية بما يمكنها من الاشتباك في ظروف الإعاقة الإلكترونية بأنواعها المختلفة.
نظام الهوك الأمريكي دخل إلى الخدمة مع استمرار برامج التطوير التي شملت مرحلتين:
المرحلة الأولي: أطلق عليها الطور الثالث PHASE III والذي تم من خلاله تطوير مراكز القيادة وشمل التعديل كذلك، رادار الإضاءة والتتبع ورادار الكشف المنخفض.
المرحلة الثانية: ويطلق عليها خفة الحركة MOBILITY. والمستهدف من هذه التعديلات هو التخطيط لاستمرار الهوك حتى عام2010 والاستفادة من التطور في مجال الحاسبات والتكنولوجيا الحديثة بإضافة دوائر إلكترونية لتحسين إمكانية مقاومة الإعاقة الإلكترونية.
النظام آمون AMOON: وهو نظام مختلط، يجمع بين الصواريخ والمدفعية ويستخدم الصاروخ الأمريكي سبارو الذي يبلغ مداه من 1 كم الى 12 كم كما يستخدم المدافع من عيار 35مم والموجهة رادارياً وإلكتروبصرياً وتستطيع الاشتباك من 300 م حتى مدى 4 كم.
الصاروخ كروتال: وهو صاروخ فرنسي قصير المدى يتعامل مع الأهداف من مسافة 500 م إلى 10 كم والتي تطير على ارتفاعات من 100 م إلى 3 كم وبسرعة حتى 750 م/ ثانية ويتميز بالمرونة وخفة الحركة مما يزيد الاعتماد عليه في الدفاع الجوي عن التشكيلات البرية.
الصاروخ الشابرال SHAPRAL: وهو قصير المدى من 500 م إلى 8 كم أمريكي الصنع متحرك ،باحث عن الحرارة، يعمل مع التشكيلات البرية يتعامل مع الأهداف التي تطير على ارتفاعات من 50 م وحتى 6 كم وسرعة حتى 420 م/ ثانية.
الصواريخ الفردية قصيرة المدى، سام-7 SAM-7 المعدل: وهو صاروخ قصير المدى باحث عن الحرارة يطلق من على الكتف ويعتبر السلاح الأساسي والفعال ضد الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً وقد لعب دوراً حيوياً خلال حرب الاستنزاف وحرب 1973 ويبلغ مداه نحو 4500 م للارتفاعات حتى 2 كم للأهداف ذات السرعات حتى 250 م/ ثانية. وتم تصنيع هذا الصاروخ في مصر تحت اسم عين الصقر وأُدخل عليه العديد من التعديلات أهمها زيادة حساسية الرأس الباحث ليعمل بنظام البصمة الحرارية.
- التطور في المدفعية المضادة للطائرات
تم خروج المدافع ذات الأعيرة الثقيلة والمتوسطة من الخدمة وتم الاهتمام بالمدفعية الخفيفة والرشاشات المضادة للطائرات فاستمرت بالخدمة الرشاشات 14.5 مم الروسية الصنع ثنائية ورباعية المواسير الثابتة إضافة إلى المدافع الرباعية ذاتية الحركة الموجهة رادارياً من نوع "شيلكا"ZSU-23-4 ذات المرمى المؤثر من 2500م إلى 3 آلاف م بالإضافة إلى المدافع عيار 23 مم الثنائي المواسير التي تم إنتاجها بالتعاون مع روسيا تحت اسم "سينا" SINA والمدفع 23 مم الثنائي وذاتي الحركة ومن إنتاج مصري فرنسي. يتم تحديد حجم الصواريخ والمدفعية بناءً على الأهداف الحيوية المطلوب الدفاع عنها. ويعتمد تحديد الأهداف على العوامل الآتية:
أهمية وطبيعة وشكل وحجم الهدف الحيوي.
الهدف الحيوي.
موقع الهدف الحيوي، وطبيعة الأرض المحيطة.
طبيعة أعمال العدو الجوي المحتملة.
مدى حصانة الهدف، ومدى تأثره بالقصف الجوي المتوقع.
- التطور في نظام القيادة والسيطرة
تعتبر القيادة والسيطرة هي العصب الذي من خلاله تتم السيطرة على أعمال قتال منظومة الدفاع الجوي وهذا العنصر يحتاج دائماً إلى تطوير وتجديد حتى يمكنه مواكبة التطور السريع في باقي العناصر.
وتتميز أعمال قتال منظومة الدفاع الجوي بالفاعلية والحسم وسرعة رد الفعل مع اشتراك أكثر من وسيلة في أعمال القتال بالإضافة إلى التغيرات الحادة والمفاجئة التي تحدث في الموقف الجوي مما يتطلب الآتي:
تنظيم مراكز قيادة قادرة على الأداء بكفاءة في أقل وقت ممكن.
سرعة تجميع معلومات الموقف الجوي، وتصنيفها، وتمييزها، وتحليلها، وإرسالها لحظياً إلى نظم القتال الإيجابية، حتى يمكن اتخاذ رد الفعل المناسب، قبل تغير الموقف الجوي.
نظراً لأن معظم أنظمة القتال الإيجابية الحديثة، يعتمد في أدائها على آلية التشغيل، لذا يجب أن تتم إدارة أعمال قتالها بوسائل مماثلة وإلا فقدت منظومة الدفاع الجوي الحديثة، الكثير من قدراتها القتالية؛ ولذا يتم أخذ معامل القيادة والسيطرة، في الاعتبار، عند حساب إمكانيات التدمير لكل نظم القتال الإيجابية.
إن نجاح أنظمة الدفاع الجوي تتمثل في صد الضربات الجوية وحرمان العدو من الحصول على السيطرة الجوية وانتزاع المبادأة منه ولذلك تقاس كفاءة الدفاع الجوي بمدى قدرته على تحقيق هذا الهدف. ولذلك كان الحرص على بناء نظام متقدم للقيادة الآلية أو نظام الدفاع الجوي الآلي الذي يحقق الدمج العلمي المدروس لعناصر الدفاع الجوي الأساسية "مصادر المعلومات بأنواعها وأسلحة الدفاع الجوي الإيجابية ومراكز القيادة على كل المستويات" لتحقيق الأهداف الآتية:
أ. تكوين صورة موقف جوي متكامل من كل مصادر المعلومات، بصفة فورية، وعرضها في مراكز القيادة
ب. تقدير فوري لدرجة خطورة الأهداف المعادية .
ج. تحديد لحظي، لأنسب وسائل التعامل مع كل هدف، وتخصيص المهمة لها .
د. عرض نشاط القتال، أولًا بأول، أمام القادة في مراكز القيادة، ومتغيراته، بما يحقق أفضل تنظيم للتعاون .
هـ. تنظيم إدارة أعمال القتال، بأسلوب أسرع وأفضل من النظام اليدوي .
وقد تم التعاقد مع شركة هيوز لدراسة كيف يمكن إجراء أحسن دمج لنظم الهوك المعدلة وطائرات E-2C وطائرات ف-16 وطائرات الميراج 2000 وباقي نظم الدفاع الجوي وأطلق على هذا العقد "مشروع 776". وواكب تنفيذ نظام القيادة الآلية توفير نظم اتصالات حديثة ومرنة ومؤمنة ضد الأعمال العدائية وتعتمد أساساً على أجهزة لاسلكية ذات تردد عالٍ وعالٍ جداً، وأجهزة متعددة القنوات وأجهزة ذات موجات متناهية الصغر تحقق استمرار الاتصالات في ظل استخدام العدو لأعمال الإعاقة الإلكترونية المضادة وأسلحة التدمير الشامل.
وقد أثبتت خبرات القتال في معارك القرن العشرين أن التطور في أساليب القتال تعتمد على نجاح معركة الأسلحة المشتركة والتكامل فيما بينها طبقاً لشكل الحرب القادمة.
- الحرب الإلكترونية
يجب أن يتوازن حجم عناصر الحرب الإلكترونية مع حجم الأهداف الحيوية المطلوبة حمايتها من أعمال العدو الجوي لما لها من دور فعال ومؤثر في إرباك أعمال العدو الجوي ضد الأهداف الحيوية وإرباك سيطرته على طائرات قتاله مما يسهل مهمة أنظمة الدفاع الجوي الإيجابية.
رابعاً: التأمين الفني والتصنيع الحربي:-
مما لاشك فيه أن منظومة الدفاع الجوي المصري ترتكز على قاعدة فنية قوية ومتنوعة ومتدرجة بدءاً من المهنيين والفنيين والصناع المهرة إلى المهندسين المتخصصين في كل التخصصات العاملين بالورش الصغيرة والميدانية المتحركة انتهاءً بالورش الرئيسية التي لعبت دوراً جوهرياً في عمليات الصيانة والإصلاح واستعادة الموقف الفني للمعدات في أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973.
كما تقوم مصانع الإنتاج الحربي بدور هام في تصنيع العديد من معدات وأسلحة الدفاع الجوي بتصميمات مصرية أو على شكل إنتاج مشترك مع الدول المنتجة مثل إنتاج النظام عين الصقر المطور عن نظلم سام -7 الروسي وإنتاج المدفع سينا 23 مم الثنائي بترخيص روسي والنظام رمضان 23مم ذاتي الحركة بالتعاون مع شركة طومسون الفرنسية كما تم تصنيع أجهزة الرادار ثنائي الأبعاد TPS - 63 والرادار ثلاثي الأبعاد TPS - 59 بالتعاون مع الشركة الأمريكية المنتجة.
خامساً: التطور في مجال التعليم والتدريب:
- معهد الدفاع الجوي
في البداية، أنشئ جناح المدفعية المضادة للطائرات، بمدرسة المدفعية الملكية المصرية بالقاهرة، ثم أنشئت مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، وانتقلت في عام 1953 إلى الإسكندرية، إلى أن تحولت إلى معهد الدفاع الجوي، في عام 1967، ويضم أفرعاً لجميع أسلحة الدفاع الجوي.
ويتم، في هذا المعهد، عقد جميع الفرق الحتمية والتخصصية المختلفة للضباط، من جميع الرتب والتخصصات "رادار ـ صواريخ ـ قيادة وسيطرة آلية ـ استطلاع ـ مراكز عمليات مشتركة"، وكذا عقد دورات قادة الألوية، ودورات أركان حرب التخصصية، للضباط المصريين، والضباط من الدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة، كما يقوم المعهد بالعديد من البحوث الفنية والتكتيكية لصالح قوات الدفاع الجوي.
ويضم المعهد مجموعة كبيرة من الفصول التعليمية، لجميع تخصصات الدفاع الجوي، وكذلك قبة تسديد خاصة لتدريب أطقم المدفعية، ورماة الصواريخ قصيرة المدى، سام 7، كما يوجد العديد من مقلدات أنظمة الصواريخ الغربية.
- كلية الدفاع الجوي
افتتحت كلية الدفاع الجوي، في 2 يوليه 1974، ومنذ ذلك التاريخ، لا يتوقف البناء والتطوير، مروراً بالمراحل الرئيسية التالية:
أ. بدأت الدراسة بالكلية في أبريل 1974، بفترة دراسية، بلغت 27 شهراً.
ب. في أول إبريل 1978، تقرر تعديل مدة الدراسة، لتكون أربع سنوات دراسية للعلوم العسكرية والتخصصية لمعدات الدفاع الجوي، إضافة إلى المواد الهندسية الجامعية، يتخرج بعدها الطالب برتبة ملازم ثانٍ، ويحصل على درجة البكالوريوس في علوم الدفاع الجوي.
ج. يستكمل الخريج السنة الدراسية الخامسة في العلوم الهندسية، ويجتاز امتحاناً، بالتعاون مع كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، يحصل بموجبه على بكالوريوس في الهندسة تخصص إلكترونيات واتصالات. وقد تخرج، من الكلية، العديد من الطلبة، الوافدين من الدول العربية والصديقة منذ إنشائها.
- مراكز التدريب التخصصية
يشمل تنظيم الدفاع الجوي مركزين للتدريب، وتم تطوير مراكز التدريب التخصصي؛ لتقوم بالعديد من المهام التدريبية، حيث يتم رفع مستوي ضباط الاحتياط، في العديد من التخصصات، وتأهيل وتدريب ضباط الصف والجنود المصريين، والوافدين، في جميع تخصصات الدفاع الجوي.
- مركز رماية الدفاع الجوي
تم تطوير مركز رماية الدفاع الجوي؛ ليواكب التطور السريع في أسلحة ومعدات الدفاع الجوي الحديثة، ولتمثيل ظروف المعركة الحقيقية، من خلال منظومة متكاملة، تضم أنواعاً متطورة من الطائرات، الموجهة من دون طيار، ومركزاً للقيادة والسيطرة الآلية، للسيطرة على الوحدات الفرعية القائمة بالرمي، وتحليل نتائج رماية الصواريخ، باستخدام الحاسبات وشبكات الاتصال، والوسائط المتعددة، وربطها بمواقع أنظمة الصواريخ بخط الرمي، ومحطات توجيه الأهداف.
وقد اعتمد على الكوادر المصرية، في تصميم وبناء مكونات هذه المنظومة، من برامج ودوائر إلكترونية، في مركز تطوير البرامج لقوات الدفاع الجوي، بالتعاون مع باقي الأفرع والشعب المختصة.
- التدريبات المشتركة
منذ النشأة، كانت قوات الدفاع الجوي المصري تخوض المعركة تلو الأخرى، وقد حتمت عليها تلك الظروف أن تطور أسلحتها، وأساليب قتالها، من خلال تلك المعارك، ومع التطور السريع في نظم وأساليب قتال قوات الدفاع الجوي، وخلال فترات السلم، لم يكن بد أن تسعى للحصول على كل ما هو جديد، في مجال العلم والتكنولوجيا والمعدات الحديثة، ولذا فإنها تسعي إلى تطوير أساليب وطرق تدريبها، من خلال التدريبات المشتركة، مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، أبرزها المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا.
ومن خلال التعاون بين قوات الدفاع الجوي، وباقي الأفرع الرئيسية "القوات الجوية والقوات البحرية"، وإدارة الحرب الإلكترونية، يتم تحقيق الكثير، في مجال التدريب على تنسيق التعاون، في مجالات اكتشاف الأهداف الجوية بوسائل الإنذار، ووسائل الحرب الإلكترونية. كما تتيح مثل هذه التدريبات، الفرصة، لأطقم مراكز القيادة المشتركة الآلية واليدوية، للتعرف على كيفية السيطرة على أعمال قتال قوات الدفاع الجوي ،و صد الهجمات الجوية، الممثلة بأهداف حقيقية، وتمييز وتخصيص الأهداف الجوية، للعناصر المشتركة في صد هذه الهجمات.
سادساً: المهام الأساسية لقيادة القوات الإستراتيجية
وتضم هذه القيادة الجديدة كل فاعليات الردع الهجومية والدفاعية، وخصصت لها ثلاث مهام أساسية هي:
1. التعامل الهجومي والدفاعي، مع التهديدات الإستراتيجية، خاصة أسلحة التدمير الشامل.
2. قيادة قوة الردع الإستراتيجي الهجومية، المكونة من صواريخ باليستية أرض/ أرض، والقاذفات بعيدة المدى، والغواصات، وكل منها له قدرة أسلحة دمار شامل.
3. إدارة النظام الدفاعي الإستراتيجي المضاد للصواريخ الباليستية، والذي، من المنتظر، بعد استكماله، أن ينضم إلى منظومة دفاعية إقليمية، تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا يؤكد اهتمام إسرائيل بعنصر الردع، فالعمق الضحل لإسرائيل يمثل بالنسبة إليها عاملاً شديد السلبية، تعتبره مصدر تهديد شديد الخطورة على كيانها ووجودها، خاصة إذا ما قورن بالعمق الكبير، الذي يمتد من الخليج إلى المحيط، ويمثل ميزة إيجابية جوهرية للعرب، خاصة إذا أحسن العرب استخدامه في إطار إستراتيجية قومية موحدة.
لذلك، فإن التهديدات المحتملة لمصر، في خلال العقد القادم، تتمثل في أسلحة بعيدة المدى، يمكنها الوصول إلى أي هدف، يقع في نطاق مجالها الحيوي، من طائرات، وصواريخ، وغواصات، جميعها قادرة على حمل رؤوس نووية، والوصول إلى أهداف بعيدة، وقد زادت قدرات الردع بدخول الغواصات المسلحة بأسلحة التدمير الشامل، حيث توفر هذه الغواصات لإسرائيل، إمكانية توجيه الضربة الثانية، من قواعد متحركة، على مسافات بعيدة، عبر البحار والمحيطات.
خلاصة
- يجب الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى أقصي درجة، على أن يؤخذ، في الاعتبار، أن تكون هناك إمكانية ذاتية لإنتاج هذه التكنولوجيا أو، على الأقل، إنتاج برامج تشغيلها.
- الاعتماد على الذات، إلى أقصى درجة، وتفعيل التعاون العربي الإسلامي، خاصة في مجال الاستطلاع والمعلومات، لأنه مهما كان الحليف الأجنبي متعاونا،ً فإن تجارب الماضي شابها كثير من الشكوك.
- عدم الاعتماد الكامل على أنظمة القيادة الآلية، لاحتمال وقوعها في أخطاء، أو تعطلها، أو الدخول عليها، مما يسبب وقوع القادة فريسة لعمليات خداع إلكتروني.
- لما كانت الدول النامية لا تستطيع بناء منظومات كاملة للدفاع الجوي، بسبب الصعوبات المالية، وندرة الكفاءات العلمية، إضافة إلى السبق الهائل، الذي أحرز تحتم عليها ألا تغفل مبدأ الدفاع بالردع، وأن تخطط له، طبقاً لإمكانياتها وطبيعة الخصم.
- وأخيراً، يلفت النظر رأى المحلل العسكري "دانيل جوريه"، في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطون، حيث أفاد أن من مساوئ نظم القيادة والسيطرة الحديثة، أنه إذا تعطلت شبكة الاتصالات، فإن الوضع سيكون أسوأ مما لم تكن موجودة أصلاً.
هذا إلى جانب مخاوف من خصم، يستطيع التغلب على التكنولوجيا بأساليب بدائية، أو باستعداد أفراد جيشه للتضحية بحياتهم، مما حدا المخططين على تحديث الجيوش، بضرورة تدريب نسبة كبيرة من وحدات الجيش، على أساليب الحرب التقليدية.
وتساعد هذه التدريبات، على الاختبار العملي لعناصر منظومة الدفاع الجوي المختلفة، الموجودة في الخدمة، أو العناصر، التي تم تعديلها، أو التي أدخلت إلى الخدمة حديثاً، وتقويم أداء وقدرة وفاعلية هذه المعدات، في ظروف قريبة من ظروف العمليات الحقيقية.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/DevelopDef/sec12.doc_cvt.htm