بعد إقرار رئيس إسرائيل الأسبق بامتلاك أسلحة دمار شامل.. خبراء: تل أبيت بدأت سياسة "المقايضات" لإنهاء صراعها مع فلسطين مقابل قدرات إيران النووية وتصريحات "بورج" خطيرة ولابد من استغلالها
الجمعة، 6 ديسمبر 2013 - 23:23
مفاعل ديمونة الإسرائيلى
كتب مصطفى عنبر
التزمت إسرائيل لسنوات طويلة بسياسة (الغموض والتكتيم وعدم الإعلان الرسمى عن امتلاكها للسلاح النووى والكيماوى).
ولكن الدولة اليهودية اخترقت هذه السياسة ثلاث مرات آخرها اليوم الجمعة. حيث أكد رئيس الكنيست الإسرائيلى ورئيس إسرائيل الأسبق، إبراهام بورج، من خلال إذاعة صوت إسرائيل, أن بلاده تمتلك الأسلحة النووية والكيماوية، مطالبًا بإجراء نقاش عام حول هذه القضية والكف عن انتهاج سياسة الضبابية الرسمية الخاصة بها.
أما المرة الأولى لاختراق هذا الحظر كانت عام 2006، حينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، إيهود أولمرت، للتليفزيون الألمانى إن إسرائيل تمتلك "الرادع النووى"، لكنه أجبر على التراجع عن هذا التصريح بحجة "زلة لسان".
والمرة الثانية كانت على لسان إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الذى أكد فى وقت سابق على أن إسرائيل تمتلك أسلحة الدمار الشامل لتدمير العرب، ولم يتراجع عن تصريحاته.
وقد بدأت الدولة العبرية فى تطبيق هذه السياسة فى عصر الرئيس الأمريكى الأسبق جون كينيدى وتحديدًا عندما أصر كينيدى على التفتيش على مفاعل ديمونة فى صحراء النقب. حيث أرسل فريق من المفتشين الأمريكيين للمفاعل. ولكن عملية التفتيش كانت أقرب إلى مسرحية هزلية، فلم تشمل فحص قلب المفاعل لمعرفة قدرته الحقيقية على إنتاج قنبلة نووية، ووصل الأمر إلى أن الإسرائيليين قد أعدوا غرفة تحكم شكلية لزيارة المفتشين لإخفاء المؤشرات الحقيقية التى تثبت قدرة المفاعل على إنتاج سلاح.
وربما كان التزام إسرائيل بالتكتم على أسلحتها النووية وعدم الحديث عنها فى وسائل الإعلام، ساعد الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طويلة فى إقناع الرأى العام العربى والعالمى أن دولة إيران هى الأخطر على الشرق الأوسط والعالم فيما يخص تصنيع القنبلة النووية. على الرغم من أن إسرائيل تعدت مرحلة امتلاك السلاح النووى لتصل إلى مرحلة تصنيع القنبلة النيتروجينية الذكية.
الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن إسرائيل تبدأ من منطلق تلك التصريحات فى عملية "جس نبض" الدول العربية من حيث تغيير الدولة الصهيونية لسياستها النووية التى قامت على الغموض والكتمان بكل ما يخص أسلحة الدمار الشامل التى تمتلكها لهدفين, الأول أن تحاول إسرائيل التأكيد على أنها تمتلك "الرادع" الذى سيقف لأى قوة تعتزم ضرب إسرائيل بالسلاح النووى. حيث تتزايد أصوات داخل إسرائيل سواء كانت سياسية أو عسكرية بضرورة عدم الانسياق وراء اتفاق الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، مع إيران فيما يخص امتلاك السلاح النووى، وأيضًا ضرورة إفشال هذا الاتفاق.
أما الهدف الثانى يكمن فى أن إسرائيل تريد أن تدخل فى سياسة المقايدات أى "تبادل الملفات" بمعنى أن توافق إسرائيل على حل الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى مقابل تقييد قدرات إيران النووية ووضعها تحت سيطرة هيئة التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة. كالصفقة التى عقدتها إسرائيل فى أعقاب فشل العدوان الثلاثى عام 1956 مع فرنسا، وكانت هى موافقة إسرائيل على الانسحاب من سيناء التى احتلتها فى الحرب لتحل محلها قوات الأمم المتحدة فى مقابل موافقة فرنسا على المساعدة فى إنشاء مفاعل نووى لإنتاج أسلحة فى صحراء النقب.
من جهته، وصف الدكتور يسرى أبو شادى، خبير نووى وكبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا، تصريحات إبراهام بورج، الذى اعتلى منصب رئيس إسرائيل المؤقت لمدة 20 يومًا خلال فترة رئاسته للكنيست الإسرائيلى من عام 1999 إلى عام 2003، بأنها خطيرة للغاية ويمكن استخدامها كورقة ضغط على الكيان الصهيونى حتى تسليم أسلحتهم النووية.
ويلفت د. ابو شادى لـ"اليوم السابع" إلى أن سر خطورة هذه التصريحات ينبع من شخصية إبراهام بورج ذات الـ 55 عام، موضحًا أن بورج يمتلك توجها ضد الدولة اليهودية وأن حديثة فى مجملة كان يدور حول أن إسرائيل لا بد أن تكون دولة لكل الأديان وليس اليهودية فقط.
ويوضح د. أبو شادى، أن إبراهام بورج كان عضوًا بارزًا فى حركة "السلام الآن"، التى تؤيد الحق الفلسطينى فى استرداد أراضية، وكانت مواقفه دائمًا ضد لاستيطان والمستعمرات الإسرائيلية فى فلسطين لدرجة أنه طالب بمقاطعة الطعام والمنتجات التى تنتجها المستعمرات.
وينوه د. أبو شادى، أن شخصية بروج، رئيس إسرائيل الأسبق، غير قابلة لاستغلالها من قبل مسئولين للترويج إلى سياسيات جديدة أو حتى الزج بها فى مغامرات سياسية، بهدف تحقيق مصلحة معينة. وتابع: "لا بد من استغلال هذه التصريحات لإثبات أن "بعبع" النووى فى المنطقة هو إسرائيل وليس إيران".
تاريخ إسرائيل النووى:
قبل حرب 1967 كانت إسرائيل دولة صغيرة ناشئة لا تملك من السلاح والعتاد ما تملكه الدول العربية، ولكن بين حربى 1956 و1967 حدث تغير كبير فى موازين القوى العسكرية فى المنطقة، هذا التغير تمثل فى تحول إسرائيل إلى دولة تمتلك القنبلة الذرية.
دبفيد بن جوريون هو الأب السياسى للقنبلة الذرية الإسرائيلية. وهو الأب الرئيسى لقيام إسرائيل نفسها. رأس الوكالة اليهودية وقاد جيش الهاجانا فى تحويل فلسطين إلى وطن ليهود العالم مستخدمًا كل السبل السياسية والإرهابية للوصول إلى هدفه.
وبعد قيام إسرائيل عام 1948م أصبح بن جوريون رئيسًا للوزراء فى الفترة ما بين عام 1948 وحتى 1963، مع انقطاع فترة بسيطة سنتين 1954 و1955.
رأى بن جوريون أن حصول إسرائيل على السلاح النووى سيضمن لها تفوق كبير على جيرانها العرب، وسيجبر أمريكا دائمًا أن تتدخل لصالح إسرائيل فى أى حرب مع العرب حتى لا تصل إسرائيل إلى حد استخدام السلاح النووى.
ودافع بن جوريون عن حلمه فى وجه معارضيه سواء داخل إسرائيل أو خارجها. فكثير من العلماء فى إسرائيل وجهوا انتقادات حادة لهذا المشروع، منهم من رأى أنه غير أخلاقى، وآخرون رأوا أن إسرائيل لن تقوى على تحمل تكاليفه الباهظة.
اختار بن جوريون لمعاونته فى المشروع تلميذه النجيب شيمون بيريز الذى كان لا يقل حماسًا عن بن جوريون نفسه، بالإضافة إلى عالم الكيمياء الألمانى اليهودى ديفيد بيرجمان الذى يعد الأب العلمى للقنبلة الإسرائيلية.
ديفيد أرنست بيرجمان عالم كيميائى يهودى هاجر من ألمانيا النازية عام 1933م، وكان على صلة وثيقة بحاييم وايزمان، العالم الكيميائى الذى أصبح أول رئيس لإسرائيل عام 1949م، وانتقل معه إلى الولايات المتحدة، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل انتقل برجمان مع وايزمان إلى هناك، وعمل فى معهد وايزمان للأبحاث. ثم عينه بن جوريون مديرًا لهيئة الطاقة الذرية فى إسرائيل عام 1952، ووضع له هدف واحد وهو تصنيع القنبلة الذرية الإسرائيلية.
أما الداعم الأكبر لمشروع إسرائيل النووى فكانت فرنسا، التى أدركت أهمية استقلالها عن أمريكا وبريطانيا سياسيًا وعسكريًا، وبدأت وضع اللبنات الأولى لمشروعها النووى هى الأخرى. وبدأ التعاون بين البلدين عام 1949م وشارك العلماء الإسرائيليون، ومنهم بيرجمان، فى إنشاء مفاعل فرنسا الأول القادر على إنتاج سلاح نووى، Marcoule. وكانت براعة الإسرائيليين فى برمجة الكمبيوتر هى مفتاحهم للمشاركة فى هذه التجربة التى أثرت معرفتهم وأثقلت خبراتهم فى مجال إنشاء المفاعلات النووية وعملية تخصيب اليورانيوم.
وفى عام 1953م، اكتشف فريق العمل فى معهد وايزمان للأبحاث طريقة جديدة لتصنيع الماء الثقيل، وباعت إسرائيل الاكتشاف لفرنسا مقابل 60 مليون فرانك واتفاقية تعاون فى مجال الأبحاث النووية بين البلدين.
كما كان هناك تعاون وثيق بين المخابرات الإسرائيلية والفرنسية أثناء حروب الاستقلال فى المغرب العربى، فكان الموساد يستغل وجود جاليات يهودية فى المغرب العربى فى ذلك الوقت فى تجميع معلومات عن حركات المقاومة العربية وبيعها إلى فرنسا، مما وثق العلاقات بين البلدين، حتى تلاقت مصالحهم بشكل كبير فى العدوان الثلاثى على مصر 1956م.
وفى أعقاب فشل العدوان الثلاثى عام 1956م، استطاعت إسرائيل أن تعقد الصفقة الرئيسية فى سلسلة التعاون بين البلدين، وكانت هى موافقة إسرائيل على الانسحاب من سيناء التى احتلتها فى الحرب لتحل محلها قوات الأمم المتحدة فى مقابل موافقة فرنسا على المساعدة فى إنشاء مفاعل نووى لإنتاج أسلحة فى صحراء النقب.
وبالفعل تم التعاقد مع الشركة الفرنسية التى بنت مفاعل Marcoule لتبنى مفاعل ديمونة، وبدأ العمل فيه عام 1958م.
كانت أمريكا تراقب الوضع فى المفاعل من بعيد، وكانت صور تجسس الأقمار الصناعية وصور طائرات المراقبة U2 تنقل العمل القائم فى صحراء النقب، فكان كخلية النحل فى قلب صحراء لا حراك فيها.
ولكن الإدارة الأمريكية بداية من إيزنهاور وحتى ليندون جونسون قررت أن تغض الطرف عما يحدث، وتتظاهر بعد المعرفة، لأنها لم تكن مستعدة للدخول فى نزاع سياسى مع حليفتها الوحيدة فى الشرق الأوسط إسرائيل، وتثير سخط الجالية اليهودية واللوبى الصهيونى فى أمريكا، فى الوقت الذى كانت المساعدات السوفيتية تتدفق على دول المواجهة وخاصة مصر وسوريا.
و لكن جون كينيدى (1961-1963) حاول أن يتخذ سياسة أخرى. فقد حدث تقارب بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر وتبادل معه عدة رسائل شخصية. وبلغ تعاطف كينيدى مع مصر إلى حد جعله يرسل إلى مصر أستاذ علم الاقتصاد فى جامعة هارفارد إدوارد ماسون، الذى كان استاذًا لكينيدى وقت الدراسة، ليدرس الوضع الاقتصادى فيها ويقترح حلولاً للحكومة المصرية للخروج من أزمتها الاقتصادية.
كان كينيدى يرى أن مصر قد تتحول إلى صديق قوى لأمريكا، وبالتالى رفض نشاط إسرائيل النووى، ومارس ضعوطًا عديدة على بن جوريون لإخضاع مفاعل ديمونة للتفتيش الدولى. ولكن بن جوريون تمسك بأكاذيبه أن المفاعل لإغراض سلمية فقط.
وعندما أصر كينيدى على التفتيش وأرسل فريق من المفتشين الأمريكيين للمفاعل، كانت عملية التفتيش أقرب إلى مسرحية هزلية، فلم تشمل فحص قلب المفاعل لمعرفة قدرته الحقيقية، ووصل الأمر إلى أن الإسرائيليين قد أعدوا غرفة تحكم شكلية لزيارة المفتشين لإخفاء المؤشرات الحقيقية التى تثبت قدرة المفاعل على إنتاج سلاح نووى.
و لا يمكن تصور أن يكون المفتشون الأمريكيون قد تعرضوا للخداع بهذه السهولة. ولكن النتيجة فى النهاية أن تقارير لجنة التفتيش لم تثبت وجود سلاح نووى فى ديمونة، ولكنها لم تثبت أيضًا عدم وجوده.
ولكن القدر لم يمهل الرئيس الأمريكى الذى اغتيل عام 1963، وتولى نائبه ليندون جونسون الرئاسة وكان يكن تعاطفاً واضحاً لإسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها. وقام بوقف زيارات التفتيش الأمريكية سنة 1969م.
وفى عام 1964م بدأ التشغيل التجريبى للمفاعل، وفى عام 1968م كان مفاعل ديمونة يعمل بكامل قدرته فى إنتاج أسلحة ذرية إسرائيلية، بواقع 4 إلى 5 رأس نووى فى السنة.
وعند قيام حرب 1973 كانت إسرائيل تمتلك حوالى 25 رأسًا نوويًا. وبالفعل بدأت تعده للاستخدام يوم 8 أكتوبر، بعد أن وجدت أنها على وشك الانهيار. فقد خسرت فى الأيام الثلاثة الأولى من الهجوم المصرى حوالى 500 دبابة و49 طائرة وانهار خط بارليف أمام الهجوم المصرى وعبر الجيشين الثانى والثالث بكامل أسلحتهم للضفة الشرقية، وفشل الهجوم المضاد الأول للإسرائيليين فى صد الهجوم المصرى.
و فى اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلى ليلة 8 أكتوبر برئاسة جولدا مائير، كانت كل التقارير تتحدث عن كارثة حقيقية، وبدأ يتمثل فى الأذهان احتمال حدوث محرقة أخرى لليهود مثل محرقة النازى. وصدر القرار بتجهيز ثلاث رؤوس نووية لتوجيهها نحو القاهرة ودمشق.
كان الغرض من هذا القرار أولاً الضغط على أمريكا لتتدخل بإعادة تسليح الجيش الإسرائيلى وتعويضه عما فقد حتى لا تلجأ إسرائيل إلى استخدام السلاح النووى.
والسبب الثانى هو معرفة القيادة الإسرائيلية، أن خبر تجهيز السلاح النووى سيتسرب إلى الاتحاد السوفيتى وبالتالى إلى مصر وسوريا، فتكتفى كل منهما بما حققته من انتصارات ولا تهاجم عمق إسرائيل.
أما السبب الثالث، فهو اللجوء إلى استخدام السلاح النووى التكتيكى فى حالة فشل الهجوم المضاد الثانى لوقف الزحف المصرى.
وعرضت جولدا مائير الذهاب إلى واشنطن بنفسها لحث الرئيس الأمريكى نيكسون على الإسراع بتعويض إسرائيل بالأسلحة، ولكن وزير الخارجية الأمريكى كسينجر رفض، لأنه اعتبر أن هذا طلب بهذا الشكل يدل على "إما خوف هستيرى أو ابتزاز". وكان بالفعل أقرب إلى الابتزاز.
فقد تدفقت الأسلحة الأمريكية على إسرائيل لتعويضها عن كل ما خسرت فى الحرب بالإضافة إلى أسلحة متطورة جديدة ليس لها مثيل فى ترسانة السلاح السوفيتى.
و تسرب خبر السلاح النووى إلى مصر. وبعد يوم 10 أكتوبر تحولت دفة الحرب لصالح إسرائيل، بعد أن دفعت بأسلحة وذخيرة هائلة معتمدة على إمدادات أمريكا المستمرة لها، والتى كانت تسلم فى مطار العريش، حتى تدخلت القوتان العظميان فى فرض وقف إطلاق النار ووافقت عليه مصر وإسرائيل فى 22 أكتوبر 1973م.
فى بداية الحرب كانت أمريكا على استعداد لترك إسرائيل لتتلقى هزيمة محدودة تدفعها إلى التخلى عن موقفها المتعجرف والعنيد والتحول إلى الرغبة فى الصلح والسلام مع العرب، ولكن التهديد الإسرائيلى باستخدام السلاح النووى أجبر أمريكا على الدخول بكامل قوتها لدعم إسرائيل. لأنها لم تكن ترغب فى قيام حرب نووية مع الاتحاد السوفيتى إذا ما قرر الأخير التدخل نووياً لصالح مصر وسوريا.
وظل مفاعل ديمونة كأنه شبح تخشى الصحافة من مجرد الحديث عنه، حتى اخترقت جريدة السانداى تايمز البريطانية هذا الصمت العجيب بسبق صحفى كبير عام 1986م، عندما نشرت مقابلة مع أحد الفنيين الذى عمل فى مفاعل ديمونة لمدة 8 سنوات، موردخاى فعنونو.
موردخاى فعنونو، إسرائيلى من أصل مغربى، استطاع أثناء عمله فى المفاعل أن يجمع معلومات كبيرة عنه وعن تصنيع الأسلحة النووية، وقام فى غفلة من أجهزة المراقبة، بتصوير مواقع مهمة وحساسة فى المفاعل.
كان موردخاى متعاطف مع القضية العربية وكان يرى خطورة الترسانة النووية الرهيبة التى تملكها إسرائيل على السلام فى الشرق الأوسط، كما كان يعانى من ممارسات عنصرية فى المجتمع الإسرائيلى بسبب أصوله الشرقية، فهرب إلى بريطانيا وأفشى بكل معلوماته لجريدة السانداى.
تبين من معلومات فعنونو أن إسرائيل كانت تشغل مفاعل ديمونة بكامل طاقته لإنتاج ما بين 4 إلى 5 رؤوس نووية فى السنة. وأنها لديها ترسانة هائلة من السلاح النووى الجاهز للتجميع. كما أنها توصلت أيضاً إلى إنتاج رؤوس نووية صغيرة الحجم، يمكن تهريبها فى حقيبة أوراق صغيرة.
و كانت معلومات فعنونو هى أقصى ما تم نشره إعلاميًا عن مفاعل ديمونة حتى يومنا هذا.
ويمكن تلخيص أهم العوامل التى ساعدت إسرائيل للوصول إلى تصنيع القنبلة النووية فى النقاط التالية:
- بن جوريون، وما تمتع به من بعد نظر واستغلال للفرص والإصرار على تحقيق الأهداف.
- تعاطف أوروبا مع إسرائيل نتيجة محارق النازى لليهود فى الحرب العالمية الثانية التى كانت ماثلة فى الأذهان، وبالتالى تقديم المساعدة العلمية والاقتصادية، ليتمكن اليهود من الدفاع عن أنفسهم من "محارق جديدة قد تحدث على يد العرب"
- استغلال إسرائيل للعقول العلمية اليهودية التى هاجرت من أوروبا وخاصة ألمانيا وشاركت فى بناء القنبلة الذرية الأمريكية. ومن أجل ذلك، قامت إسرائيل بإنشاء بنية تحتية علمية فى فلسطين حتى قبل قيام دولة إسرائيل وأهمها معهد وايزمان للأبحاث الذى أنشئ عام 1934م، وعمل على تجميع العلماء اليهود من أوروبا للعمل فى البحث العلمى فى بن جوريون والبرت اينشتين.
- اللوبى اليهودى فى أمريكا الذى كان يتكون من أثرياء يهود يؤمنون بقضية إسرائيل ويقدمون الدعم المالى للحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة فى مقابل دعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وعلميًا.
- عمل استخبراتى عالى المستوى يوظف الجاليات اليهودية فى دول العالم، للحصول على مكاسب وصفقات سياسية وعسكرية.
وفى النهاية فإن السلاح النووى وإن كان غير أخلاقى، لأنه يستهدف المدنيين بالأساس، إلا أنه لا غنى عنه لخلق مبدأ الردع الاستراتيجى فى لعبة موازين القوى فى الشرق الأوسط.
و الحقيقة أن مصر كان لديها فرصة أن يكون لها مشروعها النووى وتسبق إسرائيل بعشر سنوات على الأقل، لو كانت دعوة العالم د.على مصطفى مشرفة فى أربعينيات القرن العشرين للدخول فى تطبيقات الطاقة الذرية، قد وجدت أذن واعية لدى الساسة والحكام فى ذلك الوقت.
وكانت مصر وقتها تملك العقول العلمية للبدء فى هذا المشروع متمثلة فى د. على مشرفة وتلميذته عالمة الذرة النابغة سميرة موسى. ولكن الساسة فى مصر لم يفطنوا إلى هذه الفرصة التى لو استغلت لربما حالت دون انتكاسات سياسية وعسكرية كثيرة لمصر فى القرن العشرين.
http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=1383254&SecID=12&IssueID=168#.UqOT0CfXZW1