في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر اجتمع ولأول مرة الرؤساء ستالين وروزفلت وتشرشل مع بعضهم البعض. وقبل ذلك، أي في شهر كانون الثاني/يناير من عام 1943 التقى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني في الدار البيضاء وخلصوا إلى نتيجة مفادها أن الهدف من الحرب هو الاستسلام غير المشروط لألمانيا النازية. أي بعبارة أخرى لا يمكن إبرام معاهدة سلام مع الطرف المهزوم، وينبغي القضاء على جميع مؤسساتها التي تأسست على يد النازيين وذلك لأن النازية خرجت من إطار القانون الدولي. وبطبيعة الحال لم تعترض القيادة السوفيتية على ذلك، لكن كان من الضروري التوصل إلى اتفاق حول إجراءات المراحل الأخيرة من الحرب والبدء بالتفاوض على هيكلية العالم ما بعد الحرب.
كانت القضية الرئيسية التي تم مناقشتها في لقاء طهران هو فتح جبهة ثانية في أوروبا الغربية، مع العلم أنه وأثناء المناقشة لم يتم قبول مقترح تشرشل حول القيام بإنزال عسكري في منطقة البلقان، وتقرر أن تكون هذه العملية الهامة والكبيرة في فرنسا، وهذا القرار كان بأعين المحللين والخبراء قراراً استراتيجياً مهماً من قرارات المؤتمر.
ولم يكن موضوع رسم خارطة عالم جديد ما بعد الحرب أقل أهمية من القرارات الأخرى التي اتخذت في مؤتمر طهران بدءاً من مصير ألمانيا بعد النازية وحتى تأسيس منظمة الأمم المتحدة. يشار إلى أن الرئيس روزفلت كان المتحدث الرئيسي في القضية الأخيرة علماً أنه كان هناك اتفاق غير رسمي بين الزعماء الثلاثة على المبادئ العامة للأمم المتحدة على الرغم من عدم وجود وثيقة خاصة بهذا الشأن.
هذه كانت المؤشرات والقرارات التي نص عليها اجتماع طهران بشكل ظاهري، لكن يشير المراقبون والمحللون أن مؤتمر طهران دخل التاريخ من باب آخر، والحديث هنا يدور حول مواجهات بين أجهزة الاستخبارات السوفيتية والأمريكية والبريطانية وحتى الألمانية والتي مازالت حتى وقتنا هذا تثير جدلاً في أوساط المحللين، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي حدث هناك في حقيقة الأمر؟.
بداية، المعروف أن قيادة الرايخ الثالث أوعزت لأجهزة استخباراتها من أجل تنظيم عملية اغتيال للقادة الثلاثة في طهران. لذا قام أحد قادة النازيين أوتو سكورتسيني بوضع خطة سرية أطلق عليها اسم "الوثب الطويل"، مع العلم أنه وفي عام 1966 أكد أوتو بأنه كان لديه تعليمات لاغتيال ستالين وتشرشل وروزفلت أو اختطافهم في طهران عن طريق التسلل إلى السفارة البريطانية من جهة المقبرة الأرمينية. يشار إلى أن موسكو كانت قد حصلت على معلومات غير مباشرة عن العملية من قبل عميل سوفيتي يدعى نيكولاي كوزنيتسوف الذي كان يعمل في غرب أوكرانيا.
وهنا لابد من التنويه أن إيران كانت محتلة من قبل الاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى، ولكن كانت الاستخبارات الألمانية تنشط بشكل كبير آنذاك. ومع ذلك، فإن عملية الكشف عن الخطة الألمانية وقعت على كاهل أجهزة الاستخبارات السوفيتية والبريطانية، حيث لعب غيفورك فارتانيان البالغ من العمر 18 عاماً دوراً هاماً مع فريقه الذي أطلق عليه اسم "الفريق السري للفروسية الخفيفة" وهؤلاء كانوا من الشباب الذين كانوا يتحركون في طهران على دراجات هوائية لمراقبة سلوك العملاء الألمان.
النتيجة التي خلص إليها عناصر المخابرات السوفيتية والبريطانية هي السيطرة على مجموعة من المخربين كانت تعد لعملية إنزال لسكورتسيني. وبعد تداول الشيفرة لفترة من الزمن بين أجهزة الاستخبارات السوفيتية والبريطانية تقرر عدم استدراج المجموعة الرئيسية، وإنما العمل على عدم ظهورها بشكل أساسي وذلك لأن الخطر كان كبير جداً. وعلى الرغم من أن العملية تم كشفها وإفشالها، إلا أن مجموعة العملاء الألمان كانت الأكبر عدداً حيث تم القبض على أكثر من 400 عميل ألماني بما فيهم العميل المعروف فرانس ماير قبل البدء بانعقاد مؤتمر طهران بعدة أيام.
تجدر الإشارة إلى أن العقيد غيفورك فارتانيان لم يصبح شخصية معروفة إلا بعد أن تجاوز الثمانينات من عمره مع العلم أنه حاز على وسام بطل الاتحاد السوفيتي ليس بسبب عملية طهران وإنما لخدماته الكبيرة ما بعد الحرب في بلدان عديدة من العالم، وهو يعتبر العميل الثاني من بين العملاء غير القانونين الذين يحصلون على مثل هذا الوسام بعد نيكولاي كوزنيتسوف.
ولكن هناك فرضية تقول بأن أجهزة الاستخبارات الألمانية لم تكن تعد وتخطط لأي عملية وذلك من أجل إجبار الرئيس الأمريكي روزفلت التوقف في السفارة السوفيتية للتمكن من إجراء عمليات التصنت. وما يدعم هذه الفرضية هو عدم وجود أي وثائق بشأن الإعداد للعملية الألمانية باستثناء اعتراف سكورتسيني.
ولكن في هذه الحالة إذا صحت هذه الفرضية يمكن القول بأن المخابرات البريطانية شاركت في هذه الخدعة السوفيتية، وهذا أمر غير منطقي على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك قام سكورتسيني بإيعاز شخصي من هتلر بإطلاق سراح موسيليني والقضاء على عدد من الساسة والشخصيات المهمة، لذا من المرجح أن تكون عملية "الوثب الطويل" غير موثقة، أو كما هو مرجح تم إتلاف جميع الوثائق على أمل إبرام اتفاقية سلام منفصلة مع حلفاء الاتحاد السوفيتي.
اذاعة صوت روسيا