إيلات: ملحمة أكبر من إغراق مدمرة، أو بسالة جنود، أو حتى نقلة نوعية فى تاريخ الحروب، إنها معركة الكرامة واسترداد الثقة بعد الحزن الذى أحرق قلوبنا فى هزيمة سبعة وستين. انكسار الحلم، مطرقة الخزى التى صكت رؤوسنا، نحمل العار فوق كواهلنا، نجلد ذواتنا، نمشى بقامات منحنية، نراوغ اليأس بالنكات، نرثى لأنفسنا، نلعنها، نتسول الراحة بتعذيب النفس، ولأول مرة نشاهد عبد الناصر مهيض الجناح. لأول مرة نلاحظ شعره الأبيض ونظرة انكسار لم تكن موجودة أبداً فى عينيه.
نحن نحب بلادنا ولا حيلة لنا فى ذلك، المكان المريح الذى مارسنا فيه غفلة الطفولة، البقعة الوحيدة فى الأرض التى لعبنا فيها منذ استيقاظنا وحتى تحملنا أمهاتنا فى هدأة الكرى إلى مخادعنا، لذلك يمكنكم أن تتخيلوا بسهولة حالنا فى هذا اليوم الأسود.
إيلات، المدمرة الإسرائيلية التى أغرقت بواسطة زوارق الصواريخ المصرية فى أول معركة بحرية من نوعها يشهدها العالم، وقلبت موازين الحروب البحرية. إيلات الظالمة المتكبرة التى شاركت فى العدوان الثلاثى وفى حرب سبعة وستين، استفزاز مهين. التحرش هو الكلمة الوحيدة لوصف اقترابها مسافة خمسة أميال من شاطئ بورسعيد.
طاشت عقول جنود القوات البحرية حينما شاهدوها تتهادى قربهم فى استخفاف مهين، وكأنها تبصق فى وجوهم أو تخرج لسانها فى عبث الأطفال. الأمواج تصفع وجوه أبطالنا وكأنها تستنفر إرادتهم، وطعم الملح يملأ أفواههم فهل هو ملح البحر أم طعم الدموع؟.
الأوامر صدرت بخروج زورقين فى مهمة استطلاعية. اذكروا هذه الأسماء جيداً كلما شاهدتم الصهاينة يرتعون فى مرعانا الخصيب: الأول بقيادة عونى أمير عازر والثانى بقيادة ممدوح شمس.
حينما أطلقت إيلات النار ودمروا زورق النقيب شمس قام النقيب عونى بمهمة استشهادية، وكان فى إمكانه الهروب. وجّه زورقه فى اتجاهها، فاستشهد ورفاقه، وكان البحر شاهدا على بطولة الرجال.
سحبوها، أصلحوها، لكنها لم تتعلم الدرس. بغرور القوة عادت تتحرش من جديد. الإغراق الكامل هذه المرة تم بضربتين مباشرتين حولتها إلى كتلة نيران مشتعلة تغوص فى البحر كتنّين قادم من دنيا الأساطير.
غرقت إيلات واندلعت الفرحة فى قلوب الملايين، فهل تفهمون الآن مغزى إيلات؟، ولماذا بقيت- رغم تبدل الحال واختلاف المآل- رمزاً مقدساً فى قلوب المصريين. نحن يا مصر لم نزل نحبك فهل نحن بحاجة إلى إيلات جديدة تبعث الأمل فى نفوسنا من جديد؟