بناء القوات المسلحة
يقتضي بناء الدول عادة إشادة صرح قوي من القوات المسلحة لتحمي الديار وأهلها من كل من يريد تخطي الحدود غازياً أو محتلاً أو طامعاً.
لذلك كان بناء القوات المسلحة الاتحادية أول خطوة عملية وفعالة في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ شملت عملية نقل الحكومة البريطانية للسلطة في 22 كانون الأول / ديسمبر 1971 توقيع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان اتفاقية تنقل بموجبها قيادة قوة كشافة ساحل عمان إلى دولة الإمارات، ومثل ذلك أساساً لتشكيل قوات الدفاع الاتحادية.
كان مشروع تأسيس جيش موحد للاتحاد هو جوهر مشروع هذه الوحدة وهو ما وقف عنده المغفور له الشيخ زايد الذي كان يرى أن قوات الدفاع يجب أن تمثل وحدة الدولة التي تدافع عنها، ولهذا كان لا بد من بناء قوة عسكرية متطورة للدولة الجديدة، فرئيس البلاد يجب أن يرعى تراب الوطن، ويحفظ ترابه من خلال وجود قوة رادعة مهابة الجناح، ضرورية في السلم والحرب، فهي في السلم عامل استقرار وأمن وأمان، وفي الحرب أداة للدفاع عن تراب الوطن والمواطنين.
لقد نظر المغفور له إلى قضية بناء الجيش أو القوة الرادعة نظرة جدية، فلا يعقل أن تحمي كل إمارة نفسها بما لديها من قوة أمن صغيرة، ففي هذا الوضع استمرار للتشتت والفرقة والضعف.
لقد كان للقوات المسلحة في فكر المغفور له الشيخ زايد دور مزدوج فمن ناحية كان لها مهمة تقليدية واضحة هي الدفاع عن الدولة في وجه أي اعتداء خارجي، ومن ناحية أخرى كان القوات المسلحة رمزاً للتطور في مسيرة الاتحاد فقبل قيام الاتحاد كان المغفور له الشيخ زايد يرى أن القوات المسلحة يمكن ان تقدم نموذجاً للتنمية المتقدمة في الدول الناشئة، وكان المنطق العسكري يفرض الوحدة في القيادات والمعدات، وكان يرى أن غياب الوحدة في القوات المسلحة انعكس سلبياً على مشروع الاتحاد برمته فالفكرة فكرة سيادة، فكرة انطلقت من فهم عميق لجوهر الاتحاد الذي يرفرف على ترابه علم واحد، ويحمي هذا العلم مؤسسات وشعب آمن بالاتحاد.
ومع تولي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – رحمه الله – رئاسة الوزراء عام 1979 بدأ ترسيخ مبدأ وحدة القوات المسلحة وتعزيزها، وقد انتهج المغفور له الشيخ زايد سياسية عملية واقعية لإتمام هذا المبدأ، فمن الناحية الواقعية أتيح للقوات المسلحة ان تعمل كهيئة واحدة في ظروف الطوارئ، وكان مع مرور الوقت يعني تلاشي مشكلة التسليح أو التنظيم، فالهيكل التنظيمي لتوحيد القوات المسلحة سيبقى جاهزاً للتطبيق بينما يتاح للإمارات إمكانية الإبقاء على وحداتها الخاصة تحت إمرتها إذا رغبت في ذلك، ومع مرور الوقت تلاشت القضية التي كانت سبباً للخلاف والانقسام وطوال تلك الرحلة لم يتنازل المغفور له الشيخ زايد عن سياسته الثابتة بشأن توحيد القوات المسلحة لكنه كان مستعداً لأن يترك الأمور تتطور لتأخذ مجراها الطبيعي دون أن يسعى إلى فرض تغيير جذري ليصل في نهاية المطاف إلى تحقيق رؤيته.
لقد جسّد المغفور له مرة أخرى، حكمته وصبره وبعد نظره فبعد أن عرض رأيه على حكام الإمارات، وعلى شعبه من خلال موقفه الجاد، بدأت الاتجاهات والقناعات تتغير لدى الجميع، ومضوا فيما ذهب إليه فكر المغفور له، لأنه الصواب الذي أثبتت الأيام صحته، ولقد أثبتت الأيام صدق الدور الذي أنيط بالقوات المسلحة فكانت بحق عامل استقرار وأمن وأمان، وعاملاً من عوامل مظاهر إنضاج فكرة الاتحاد، وتطور ونمو الدولة، التي استطاعت ان تحتل مكاناً لائقاً في محيطها وعلى جميع الأصعدة.
وإذا تتبعنا مراحل العمل على إعداد الجيش فإن أول إشارة للقوات المسلحة جاءت في خطاب المغفور له الشيخ زايد لأعضاء المجلس الوطني في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الأول بتاريخ 20 نوفمبر 1972 وجاء فيه : (فإن لم يكن للإمارات العربية المتحدة قبل عام 1972 جيش نظامي موحد، بل كانت هناك قوة واحدة في الساحل هي قوة كشافة عمان مهمتها حراسة الحدود، والقيام بدور الحماية عن الإمارات، وقد شاءت إرادة الله ان ينال هذا الشعب استقلاله بعزيمة حكامه، وان تتوحد إرادته دستورياً وسياسياً وعسكرياً في ظل الاتحاد كدولة مستقلة ذات سيادة، وأنشئت قوة دفاع الاتحاد للحفاظ على كيانه وسلامة أراضيه، وتم استلام قوة ساحل عمان واعتبرت نواة لجيش الاتحاد، وارتفع علم الاتحاد خفاقاً على قواته المسلحة ليرمز على حقيقة هامة، وهي ان القوات المسلحة أصبحت ملكاً للشعب تدين بالولاء لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتدافع عن كيانها، وتذود عن حماها، وقد بذلت الجهود لتطوير قوة دفاع الاتحاد، وتزويدها بالأسلحة الحديثة، وزيادة عدد أفرادها إلى الحجم المناسب، وتحسين مستواها المادي والمعنوي، وقد بدئ في تنفيذ خطة لتعريب قوة دفاع الاتحاد بزيادة عدد الضباط والمسؤولين من أبناء الإمارات، وتحويل الألقاب والأسماء العسكرية إلى أسماء عربية.
لقد عرض المغفور له فكرة بناء الجيش والأدوار التي سيقوم بها، وعرض مشروعه في تزويد القوات المسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات والتجهيزات، وتعريب الأسماء والمسميات دعماً للهوية وتعميقاً للانتماء. ولقد كانت عقيدة هذا الجيش الحفاظ على استقلال الوطن وأمنه وسيادته واستقراره ومكتسباته. ولابدّ من تقوية هذا الجيش ليكون قوة ردع مناسبة تردع من يفكر بالقيام بمغامرة اعتداء على ترابه، إن جيش يدعم النهج السلمي، وليس أداة للاعتداء على أحد لا سمح الله بل هو أداة للمساهمة في إحلال السلم أينما تطلب منه العمل في هذا الاتجاه