الشيطان والشرير يدحرجان كرة النار..إيران تبيع الترماي للغرب.. والعرب يدفعون الثمن!
محمد حسين أبوالحسن
من كان يصدق أن( الشيطان الأكبر) باع أعز حلفائه واتفق مع خصمه( الشرير) اللدود؟!.. الصدمة مزلزلة, تدفقت معها المخاوف في عواصم العرب الرئيسية, كما يقذف البركان الهادر ما في جوفه من الحمم, ولم تخف السكينة الهشة علي الوجوه القلق الطافح في القلوب, فانفلتت عبارات تقطر لوعة وحسرة من عينة ضحكوا علينا الأمريكان واتفقوا مع الإيرانيين, تعليقا علي اتفاق جنيف حول النووي الإيراني.المؤسف أن الأمريكان فعلوها فعلا, بعد أن استدرجهم آيات الله بصبر صانع السجاد الماهر, مستثمرين فشل أوباما داخليا وخارجيا ولهفته إلي أي صفقة, ولذلك خرج الجميع من القاعة معلنين أنهم رابحون: إيران والغرب والشرق. المؤلم أن تلك حقيقة أخري, لأن الخاسرين الوحيدين هم العرب, وكانوا غائبين أو مغيبين, وعليهم أن يدفعوا, طوعا أو كرها, فاتورة باهظة لهذا التقصير الفادح, في عصر الصفقات الكبري بين أحد أقطاب محور الشر والشيطان الأكبر. أما الأغرب فهو أن الفرصة سانحة لأن يحول العرب المحنة إلي منحة وفرصة, ويتخلوا عن عادتهم الراسخة في لطم الخدود وشق الجيوب, قبل أن تصلهم كرة النار المتدحرجة..كيف ؟! هذا ما نحاول معرفته في تلك السطور..
سألت الدكتور يسري أبوشادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا, عن الزلزال الذي أحدثه الاتفاق بين إيران ومجموعة5+1 في جنيف, والطرف الأكثر استفادة منه, صمت قليلا, قبل أن يفجر أكثر من مفاجأة مدوية, وهو يقول بمنتهي الهدوء: هذا الاتفاق ليس به جديد..!
قلت له مستغربا أو مستنكرا: ماذا تقول يادكتور, مع كل هذه الضجة, و..
قاطعني بهدوء مماثل: إيران باعت الترماي للغرب..
ورقة تفاوضية
شاركته هدوءه سائلا: كيف؟!. قال: لأن معظم الأشياء التي اعتبر الغرب أنه كسبها بوضع قيود علي إيران فيها, مثل وقف تخصيب اليورانيوم إلي20%, أو وقف العمل في تطوير مفاعل آراك, إيران لا تحتاجها: لا تحتاج إلي هذه النسبة من التخصيب أصلا, فلديها400 كجم يورانيوم مخصب,200 كجم منها تكفي مفاعل طهران20 عاما, وال200 كجم الباقية لا لزوم لها, أي إنتاج زائد للتفاوض, استخدمته إيران كورقة تفاوضية بكفاءة شديدة للغاية مع الغرب, كما أنها اتفقت علي إعادة خلطه أو تصنيعه ليصل إلي مستوي5%, والأهم أن عملية التخصيب ذاتها ستستمر, مع تقييد عدد الوحدات العاملة, لديهم8000 وحدة عاملة, و8000 متوقفة, ولديهم قدرة متزايدة علي تطوير وحدات تخصيب عالية الكفاءة, هذا الاتفاق لم يحد من هذه القدرة علي مدي الأشهر الستة قبل معاودة التفاوض حول وضع نهائي, فلن تمنع بنود الاتفاق ولن تستطيع- إيران من مواصلة برنامجها النووي.
لكن ما الذي تجنيه طهران من وراء تلك الصفقة الأولية؟
يعود الدكتور أبوشادي إلي جذور المشكلة, بتأكيده أن العقوبات المفروضة علي إيران تركت بصمتها علي الدولة والشعب هناك, ويضيف: كنت في إيران منذ عام, وشاهدت ذلك بنفسي, ووقف تلك العقوبات جزئيا- بناء علي هذا الاتفاق بداية مشجعة, وستحصل طهران علي7 مليارات دولار فورا في صورة سلع إنسانية وقطع غيار ضرورية وغيرها.
لكن هل يمكن أن يفضي الاتفاق الحالي إلي اتفاق دائم بين إيران والغرب ومن خلفه إسرائيل يمنع إيران من حيازة القنبلة النووية؟
قال أبوشادي: لم يثبت حتي الآن أن إيران لديها برنامج نووي لحيازة الأسلحة الذرية, وبعد6 أشهر سيكون هناك تعاون أكثر, والمقصود من وراء ما يجري هو دفع طهران إلي توقيع البروتوكول الإضافي الذي يسمح بتفتيش أي موقع مشتبه به, حتي لو كان موقعا عسكريا, وأظن أن طهران سمحت بذلك بشكل( ودي), وأتاحت للمفتشين زيارة موقع بارشين ومفاعل آراك( المخيف) الذي يستخلص البلوتونيوم من الماء الثقيل مثل مفاعل ديمونة الإسرائيلي- وهو مفاعل كان علي وشك التشغيل, وكذلك التفتيش علي مصنع الماء الثقيل في آراك, وعلي مناجم اليورانيوم الخام وعمليات تحويله, ولو سارت الأمور فإن إيران قد توافق وتوقع علي البروتوكول الإضافي, أما لو بالغ الغرب في مطالبه فإنها لن تتوقف عند نسبة ال5%( الخط الأحمر الإيراني للتخصيب), ولا ننسي أنها دولة نووية متقدمة تقوم حاليا بتصنيع مفاعلين نوويين لنفسها, وتقيم مصانع للوقود وأجهزة للطرد المركزي.
مجرد كلام
قلت له: وماذا عن الدول العربية القلقة؟
الدول العربية متخلفة عن الآخرين في المجال النووي, لكننا لسنا جثة هامدة, بدأت الإمارات برنامجا طموحا والأردن تعاقدت علي مفاعلين, والسعودية تقيم مدينة متكاملة للطاقة النووية, وفي مصر( كلام عن مشروع الضبعة)؟
قلت متألما, بل مستهجنا:( مجرد كلام..!). فرد بثبات: أري أن الكلام يأخذ طريقه إلي الواقع, بعد خطوة الفريق السيسي بحل مشكلات أرض مشروع الضبعة. هناك رغبة من القيادة لإنجاز المشروع, كفاية فالجميع قد سبقنا, لدينا خبرات محدودة, يمكن تنميتها واللحاق بالآخرين, من خلال مشروع نووي لتوليد الكهرباء, أما التخصيب والمعالجة, فأظن أن القوي الكبري لن تسمح لأي دولة عربية بهما, فهذا محرم علينا, ونحن نريد الكهرباء.. بس نبدأ..!
أخذت أقلب ما سمعته من الدكتور أبوشادي, خاصة في انعكاساته الاستراتيجية علي موازين القوي في منطقتنا العربية المضطربة المتفسخة, مع تقارب طهران وواشنطن بعد33 عاما من العداء,إذ من الطبيعي أن تخفيف العقوبات عن إيران سيزيدها ثراء وقوة, وستسعي لتكريس نفوذها بالمنطقة, علي حساب بقية المنافسين.لجأت إلي الخبير الاستراتيجي البارز اللواء الدكتور مجاهد الزيات مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط, فقال لي: إن تلك المخاوف في محلها تماما, لأن هذا الاتفاق فتح آفاقا للتعاون بين إيران والقوي الدولية, وكسر عزلتها المفروضة من عام1979, بمعني أن حضورها في الإقليم سيزيد ودورها سيتعاظم, ومن المؤكد أن هذا سيكون علي حساب الدور الإقليمي لمصر, لأن الساحة الإقليمية رقعة محدودة وكلما اتسعت مساحة الحركة أمام لاعب معين ضاقت أمام الآخرين وحدت من حضورهم وأدوارهم, وهذا يثير دول الخليج أيضا ويقلقها بشدة, إذ ستلعب طهران أدوارا في الأزمة السورية مثلا, وستبقي تصرفاتها رهن الاختبار في العراق ولبنان واليمن..
إذن هل يمكن أن يفضي هذا الاتفاق إلي قيام تحالف غربي إيراني, علي حساب الدول العربية, لاسيما في الخليج؟
سارع الدكتور الزيات بالقول: لا أعتقد, فالمقصود هو كبح جماح إيران والحيلولة دون امتلاكها برنامجا نوويا للأغراض العسكرية, وقد رضخت إيران لهذا المطلب بوقف استكمال مفاعل آراك ووقف تخصيب اليورانيوم عند5% وعدم إنتاج البلوتونيوم المشع الذي يستخدم في إنتاج الأسلحة النووية, وعدم إضافة أجهزة طرد مركزي جديدة, مثلما كشفت تطمينات واتصالات الرئيس الأمريكي أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي( المنزعج) بنيامين نيتانياهو.
جرس إنذار
غادرني هدوئي وأنا أسأل الدكتور الزيات: ألا يدق هذا كله أجراس إنذار مجلجلة, بفداحة المخاطر علي مصر ودول الخليج؟!
فكر قليلا, ثم قال: علينا أن نحول الأمر من محنة إلي منحة, فربما تكون فرصة لا مأزقا.
قلت متلهفا: كيف؟!
قال: هناك حراك يجري في المنطقة وتحالفات جديدة تتشكل, تركيا تعاني أزمة وتبحث عن التقارب مع إيران بعد سقوط الإخوان في مصر وضعفهم في دول أخري, ودول الخليج تحتاج إلي مصر ومصر بحاجة إليها, هذا معناه أن ننتبه مصريا ونطرح مبادرات في هذا الاتجاه لتمتين العلاقات بين الجانبين ودعمها في مواجهة أي حراك أو تحالفات غير مواتية.
سألت: هل يمكن أن تعود إيران شرطيا للمنطقة كما كانت في عصر الشاه, خاصة أن أمريكا تدير ظهرها للمنطقة صوب المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا حيث الصين منافسها العتيد؟
أجابني الدكتور الزيات: الانكفاء الأمريكي عن المنطقة كلام يتردد لكنه غير دقيق, ليس فقط لأنها تستورد15% من احتياجاتها النفطية من الشرق الأوسط, بل لأن أمن الطاقة وخطوطها وأمن إسرائيل في صلب استراتيجيتها, حتي لو استغنت أمريكا تماما عن نفط المنطقة, فلن تتخلي عن نفوذها أو سيطرتها لأن منافسيها كالصين واليابان يعتمدون علي نفط المنطقة, وتحكمها فيه يمنحها ورقة هائلة الأهمية, لن تفرط فيها, بالذات مع تنامي دور الدب الروسي فيها أيضا, وهذا فرصة لمصر وللعرب أن تنوع خياراتها وعلاقاتها وإذا كانت تركيا عضو حلف الناتو اشترت أنظمة تسليحية من الصين, فلا يمنعنا نحن أن نتخذ خطوة أوسع لرعاية مصالحنا وصيانة قوتنا بتنويع خياراتنا صوب أي اتجاه. ولعل هذا كله يصب في صالح تدشين تكتل أو تحالف خليجي- مصري, برغم انشغالنا بالداخل, ومن المهم إدراك أن القدرات العسكرية الإيرانية ليست مخيفة, فسلاح الطيران في دولة الإمارات مثلا أقوي من نظيره وأحدث.
المتاهة والهلع
الحقيقة أن الأمر يشبه متاهة لا قرار لها, وهو أكثر تعقيدا مما يبدو, وقد يولي بعضنا وجهه قبلة أخري, ويري أن إيران رضخت بالفعل للضغوط الدولية الرهيبة وقبلت إذلال تفتيش( يومي) علي منشآتها النووية, وأنها وقعت علي هزيمتها; ولم يعد باستطاعتها امتلاك سلاح نووي, وبالتالي فقدت عصاها الغليظة التي تهدد بها جيرانها وأنها ستظل نظاما( مارقا), ولن يعود لها تلك السطوة وذلك التمدد في الشرق الأوسط. البعض قد يري عكس ذلك كله, لذا طرحت وجهتي النظر علي الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, فأوضح أن اتفاق جنيف ليس نهائيا وأنه أرضي جميع أطرافه, فهو يحقق فائدة جزئية لمجموعة5+1 بوقف النووي الإيراني عند حد لا يسمح بإنتاج القنبلة, وفي الوقت نفسه يرفع بعض العقوبات عن طهران ليرضي الشعب والقيادة في إيران, وسيستمر التفاوض للوصول لقواعد تسمح بتسوية نهائية.
وماذا عن الدور الإيراني في ملفات المنطقة المشتعلة؟
يوضح الدكتور مصطفي أن هذا لن يؤثر علي القضايا الخلافية بين إيران والغرب في سوريا والعراق ولبنان وغزة والموقف من إسرائيل, لكن ربما تلجأ طهران للتهدئة علي هذه الجبهات, حتي تكون( أوراقا للمساومة), لو أرادت اتفاقا شاملا..
قلت له: البعض يري الاتفاق مهينا لإيران وقاصما لطموحاتها في المنطقة؟
قال: ليس صحيحا, لقد نجحت إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية وأطلقت صواريخ إلي الفضاء, وغيرها من منظومات التسليح, بما يجعلها القوة العسكرية الثانية بعد إسرائيل في المنطقة, بما له من آثار سياسية, ومع حالة الضعف والتمزق في العالم العربي ستصبح إيران في وضع يمكنها من زيادة نفوذها بالمنطقة, فقد وقفت ندا للغرب بتقدمها العلمي وحركة التصنيع ومهارتها الدبلوماسية الفائقة ومساندة روسيا والصين لها.
ألا يزيد هذا مساحة المخاوف العربية تجاه إيران, و..
قاطعني الدكتور السيد بحزم زائد: لا أعتقد أننا نشعر بالهلع لهذا الاتفاق, وهذا ما أدركته القاهرة والرياض وردود فعلهما المرحبة, بوصفه خطوة علي طريق إنهاء هذه المشكلة المستعصية, نعم سيزيد دور إيران لكن لن يصل بها الحال إلي حد زعزعة أنظمة عربية أخري. والأولي بالنسبة لنا هو المسارعة بتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي وعسكري أي عناصر قوتنا الشاملة, وإقامة علاقات كاملة مع إيران, فلم يثبت إلي الآن أنها تورطت في الإخلال بأوضاعنا الداخلية, وحتي لا تنجر المنطقة إلي سباق تسلح مدمر.
اختلفت آراء الخبراء كل في طريق, لكنها اتفقت علي التحذير من أفق نمضي إليه دون أن ننتبه لمواضع أقدامنا ونشحذ هممنا وإمكاناتنا في وجه الحمم المتصاعدة حولنا من كل صوب, فالشروع في بناء برنامج نووي سلمي وقاعدة علمية تكنولوجية متطورة وتمتين أواصر علاقاتنا العربية وغيرها ليس ترفا إنما ضرورة, لأن الأمنيات وحدها لا تصنع حاضر الشعوب ومستقبلها, كشمس الشتاء تنير الطريق لكنها لا تمنح الدفء أو الحرارة..!
http://www.ahram.org.eg/News/1018/102/245041/%D9%85%D9%84%D9%81/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%AF%D8%AD%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A7.aspx
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
واشنطن تفرج عن عالم ايرانى ضمن صفقة سرية مع طهران
صورة أرشيفية
تحرير و ترجمة : خالد مجد الدين محمدكشف تقرير اسرائيلى ان الولايات المتحدة أفرجت فى ابريل الماضى عن العالم الايرانى الكبير" مجتبى اترودى" ، الذي كان قد اعتقل في عام 2011 لمحاولة الحصول على معدات يمكن استخدامها في البرامج العسكرية النووية الايرانية.
وذكر التقرير الذى بثته قناة فوكس نيوز التليفزيونية الامريكية نقلا عن صحيفة تايمز اوف اسرائيل ، ان هذه الخطوة تمت فى اطار اتفاقات تم الوصول اليها خلال المحادثات الامريكية الايرانية السرية التى مهدت الطريق لتوقيع الاتفاق النووى المؤقت بين القوى الدولية و ايران فى جنيف هذا الشهر.
و اشارت فوكس نيوز انه وعبر القناة الخلفية السرية للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، شهدت الفترة الماضية سلسلة من إطلاق سراح السجناء من كلا الجانبين، وهو الاجراء الذى لعب دورا محوريا في اعادة الثقة و سد المسافات الواسعة بين البلدين .
وخلال السنوات الثلاث الماضية و نتيجة لهذه المحادثات، أفرجت إيران عن ثلاثة سجناء أمريكيين، بوساطة من سلطنة عمان، وردت الولايات المتحدة بالمثل. ثم فى شهر ابريل الماضى عندما أعيد تنشيط القناة السرية مرة أخرى افرجت الولايات المتحدة عن سجين ايرانى رابع و هو واحد من العلماء الإيرانيين رفيعى المستوى ، كان قد اعتقل في كاليفورنيا بتهم لم يتم الكشف عنها و لكنها تتصل بمحاولته للحصول على ما يعرف بالتكنولوجيات ذات الاستخدام النووى المزدوج في البرامج العسكرية النووية الايرانية ... الا ان ايران حتى الان لم تقابل هذه الخطوة باجراء مماثل .
http://www.egynews.net/wps/portal/news?params=268119
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
باسم الجسر: الاتفاق: انتصارات على حساب العرب؟
بقلم: باسم الجسرليس في اتفاق جنيف النووي الأخير خاسرون ولا رابحون، بين الموقعين عليه، كما يصور الجانب الإيراني وأتباعه الأمور. كما ليس وراءه انحراف أساسي مفاجئ في سياسة الولايات المتحدة والغرب الخارجية أو في استراتيجية إيران الشرق أوسطية، يقلب عداوة ثلاثين عاما إلى صداقة أو تحالف. بل كل ما في الأمر أن كلا من إيران والدول الغربية المتصدية للبرنامج النووي الإيراني، تراجعت خطوة أو خطوتين إلى الوراء، وأعطت لنفسها وللآخر فرصة ستة أشهر لكي يثبت حسن نيته، ولا نقول صدقيته.
الاتفاق مهم، ولا ريب، ولكن أهم منه حسن تنفيذه وصولا إلى تطبيع العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الثورية الإيرانية والعالم. وعلى الأخص مع جيرانها العرب والمسلمين السنة، وبالتالي إلى خروج منطقة الشرق الأوسط والخليج من دوامة التوتر والعنف التي تدور فيها والتي تشكل الاستراتيجية الثورية المذهبية الإيرانية للهيمنة على المنطقة أحد أهم أسبابها.
قيل في الاتفاق بأنه "هز المنطقة بأسرها"، وأنه "صفقة العصر" (ولم لا معاهدة فرساي أو لقاء يالطا).. أو ربيع أمريكي - إيراني شبيه بـ"الربيع العربي" الذي وصفه البعض بإحدى أهم الثورات العالمية (قبل أن يتحول إلى ضياع مصيري عربي). وقيل بأن الشرق الأوسط برمته سوف يتغير بعد هذا الاتفاق. وذهب البعض إلى حد القول بأنه انهزام سياسي أمريكي وانتصار سياسي إيراني أو تمهيد لحلف أمريكي - إيراني يطلق يد إيران في لبنان وسوريا والعراق مقابل إرخاء يدها عن الخليج. قيل وسيقال الكثير في تقييم هذه الصفحة الجديدة من علاقات إيران بالغرب وبالمجتمع الدولي. ومعظم ما قيل هو مجرد تحليل سياسي أو تمنيات أو تبريرات. أما الحقيقة المؤلمة فهي أن مشكلة إيران مع العالم ومع جيرانها العرب ومع الدول الإسلامية السنية هي أعمق بكثير من البرنامج النووي، وأخطر من أن تتكشف كل وجوهها ويعثر على حلها بسهولة عبر الدبلوماسية والاتفاقات الجزئية والمرحلية.
إن إيران دولة مهمة في المنطقة، ولكنها ليست الدولة المهمة الوحيدة. بل هناك دول عربية وإسلامية لا تقل حجما وطاقة عنها، كمصر وتركيا والسعودية، لا تتدخل مباشرة سياسيا وعسكريا في شؤون الدول المجاورة لها، كما فعلت وتفعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين. ولقد كان بإمكان الجمهورية الإيرانية دعم الشيعة العرب ("المستضعفين" أو "المحرومين" في نظر حكامها) بالتعاون مع الحكومات العربية بدلا من تسليحهم وتحريضهم على الأنظمة الحاكمة، كما فعلت وتفعل. كما كان بإمكان إيران اختيار أسلوب آخر لدعم القضية الفلسطينية غير أسلوب تمويل وتسليح الفصائل الفلسطينية الراديكالية المعارضة للسلطة الفلسطينية والذي أدى إلى انقسام الفلسطينيين على بعضهم البعض، بل إلى انقسام الصف العربي برمته في موقفه من القضية الفلسطينية.
من هنا فإن ما يهم العرب والمسلمين حقا، ليس هذا الاتفاق الدولي - الإيراني حول المشروع النووي الإيراني، بل استراتيجية الجمهورية الإيرانية السياسية في المنطقة، وأولوياتها. وإذا كان تنفيذ هذا الاتفاق الأخير يعتبر محكا لرغبة طهران في تغيير استراتيجيتها الدولية، فإن تغيير استراتيجيتها الشرق أوسطية يتطلب أكثر بكثير من هذا الاتفاق؛ يتطلب تغيير سياستها الإقليمية، ابتداء بلبنان وسوريا، وغيرهما من الدول العربية، بل يتطلب وقف تصدير الثورة الخمينية إلى الدول المجاورة وغير المجاورة لها.
يبقى جانب مهم من ذيول هذا الاتفاق وهو التوفيق بين مقتضيات التفاهم والتعاون بين إيران والولايات المتحدة وشعار "إزالة إسرائيل من الوجود" الذي ترفعه طهران. وهو شعار تعرف طهران أن الولايات المتحدة والغرب عموما لا يستسيغانه ولن يسمحا بتحقيقه نوويا أو عسكريا كلاسيكيا (ولا إسرائيل النووية، بالطبع)، وأن عليها أن تعيد النظر في سياسة استخدام القضية الفلسطينية للمزايدة على الأنظمة العربية وإحراجها أمام شعوبها... إذا أرادت فعلا أن تقيم علاقات إيجابية مع المجتمع الدولي، وأن تقنع الشعب الإيراني والرأي العام العربي والإسلامي بموقفها الجديد من القضية الفلسطينية.. المناقض لموقفها المستمر منذ عام 1979.
قد يكون وراء موقف واشنطن الجديد رغبة حقيقية في تقليص دورها في الشرق الأوسط بعد أن كلفتها حروبها فيه غاليا، ولم تكسب من جرائه سوى كره الشعوب العربية والإسلامية ولقب "الشيطان الأكبر". وقد يكون وراء الإيجابية الإيرانية اضطرار لوقف تردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة للعقوبات الدولية لا أكثر ولا أقل. وقد يكون هناك أسباب أخرى أكبر وأبعد مدى، ليست واضحة، اليوم، بكاملها، إنما ليس بالزهو أو التخوف أو الشماتة أو الخيبة يستقبل هذا الاتفاق أو يحكم على تداعياته بل علينا انتظار تنفيذه وتداعياته في الأشهر المقبلة ولا سيما في سوريا ولبنان. وبعد ذلك يمكن معرفة من كان المستفيد أو الخاسر الحقيقي من جرائه. وهل كان بداية تحولات كبرى في لعبة الأمم ومصير الشرق الأوسط.. أم مجرد هدنة وامتحان لحسن النوايا؟!
في النهاية: قد يكون هذا الاتفاق دليلا على تحول استراتيجي أمريكي بالنسبة للشرق الأوسط وما يدور فيه من صراعات.. أو فرصة امتحان لنوايا إيران الجديدة.. أو خطوة أخرى في اتجاه مجهول.. أو مقدمة لحل سياسي للمحنة السورية. الوقت وحده سيجيب عن هذه التساؤلات، إنما الأكيد والمفجع هو أنه في الاجتماعات التي توصلت إليه، كان غياب العرب كاملا عن لعبة الأمم بمصير الشرق الأوسط، وبمصيرهم؟
نقلا عن جريدة الشرق الأوسطhttp://www.egynews.net/wps/portal/articles?params=268098--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مازال الكثير من اوراق اللعبة و ادواتها فى طى الكتمان و الخفاءلا احد يعلم ماذا يخبئ القدر او ما ستكشف عنه الايام المقبلةلكنه و بالتاكيد تغيير فى بوصلة سفينة و كانها دخلت فى منطقة مثلث برموداذبذبة البوصلة فى كل اتجاه و عدم استقرارها هو بالضبط ما نعيشه الاّنوعلى العرب ان يحددوا وجهتهم و مصيرهم من الاّن لتكون بايديهم و ليس بيد عمرو كما يقول المثل العربى