الإنترنت تسحب البساط من أجهزة المخابرات!
رحاب جودة خليفة
بوتن واوباما وبينهم سنودن
لم تعد هناك حدود لكمية المعلومات المتاحة والمجانية للجميع في كل أنحاء العالم. لكن الغريب أن العديد من أجهزة الاستخبارات حول العالم مازالت تجمع المعلومات وتستخدمها كما كانت تفعل منذ الحرب العالمية الثانية للتجسس علي النازي واليابانيين مستخدمة الشفرات وموجات الراديو القصيرة.والآن ومع تدفق المعلومات المذهل فبإمكان أي شخص أو أي جهة توفير معلومات عن أي موضوع. فمنذ فترة قليلة نجح المحلل السابق بالأمن القومي الأمريكي إدوارد سنودن في إحراج واشنطن وواحدة من أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم مسربا معلومات كانت لا تتخيل هذه الأجهزة أن بإمكان أحد الوصول إليها. وفي هذا الكتاب استخبارات المصادر المفتوحة في عالم الشبكات الذي صدر قبل ستة أشهر, يحاول الكاتب تتبع تصاعد موجة المعلومات وأفضل سبل استغلالها والمصادر الغنية بالمعلومات. ولم لا, فكاتبه هو البروفيسور أنتوني أولكوت أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستخباراتية الأمريكي والمسئول التنفيذي السابق لمركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة جورج تاون حيث عمل محللا متخصصا في روسيا وآسيا الوسطي بمركز المصادر المفتوحة بمكتب المخابرات القومي الأمريكي. ويكشف هذا الكتاب الفريد أنه رغم توسع المصادر إلا أن عالم المخابرات الأمريكي لا يعلم شيئا عن المخابرات المفتوحة المصدر والشبكة العالمية للمصادر الموجودة في183 لغة عالمية. ويستعرض لنا بالتالي الاستخدامات المتاحة للبيانات الرقمية وتأثير هذه الوسائل الحديثة علي تكوين ونقل المعلومات.
وعبر ثلاثة أجزاء يشرح لنا الكاتب واحدا من أسرار الاستخبارات الحديثة وهو أن معظم المعلومات متاحة للجميع أو علي الأقل ليست ضمن رسائل سرية. كما أن أجهزة المخابرات تم بناؤها حول مهمة السرقة وحفظ الأسرار. وهذا المضمون هو كتاب أولكوت حيث حاول استكشاف مدي استخدام الحكومة الأمريكية لما هو معروف باسم معلومات المصادر المفتوحة. ومع خبرته التي تزيد عن عشر سنوات سواء المهنية أو الأكاديمية, فقد تهيأ له الاطلاع علي السبل العملية والاتجاهات المستقبلية وما قد يستجد بهذا الشأن. وهو بذلك وضع لنا إرشادات مفيدة في هذا المجال سواء للمبتدئين أو للخبراء.
وبناء علي المجال الأكاديمي المتسع لتحليل الحملات الإعلامية في بداية الحرب العالمية الثانية, أنشأت الولايات المتحدة خدمة بث المعلومات الأجنبية لترجمة وتحليل المحتوي الإذاعي الأجنبي و الذي امتد فيما بعد للصحف المكتوبة. وانتشر الجدل آنذاك حول حجم المعلومات التي قد تتوافر وما قد يتيحه الأعداء من معلومات أو ما يحجبونه. ويؤكد كاتبنا أن هذا الأمر لا يعني أن حجب المعلومات أو سريتها غير ضروري لكننا عادة نتعامل مع أشياء غامضة وأسئلة إجاباتها غير محددة ولا يتحدد مصيرها فقط في الأوراق الرسمية. فما الأسرار التي يمكن أن تسرقها وكالة المخابرات المركزية(سي آي إيه) لتتوقع مستقبل الربيع العربي, علي سبيل المثال؟
وفعلا, فالنتائج قد لا تكون واضحة وقد لا نعرف إجابة جيدة. وسواء توافر ذلك أم لا فإن أكثر المعلومات أصبحت متوافرة للجميع أو علي الأقل ليست في الخزائن الحكومية. وهذا صحيح حتي لو لم يخترع الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي, لكنها أصبحت موجودة ومعها كمية متفجرة من المعلومات. وبالتالي فإن المشكلة هنا ليست في ندرة المعلومات أو قلتها بل في عدم وضوحها, الأمر الذي يزيد من التحديات التي تواجهها المخابرات...وهي بالفعل كبيرة. ورغم أن بعض الأدوات التي تستخدمها الحكومة قد تكون بالغة السرية لكنها تعتمد علي القطاعات التجارية التي بدورها تتطور اعتمادا علي تمويل حكومي. لذا أصبح لدينا الكثير من المعلومات لكن دور الجمهور لم يعد سلبيا. الأفراد والمجموعات يلعبون دورا كبيرا في إرسال المعلومات واختيار ما سيسمعونه أو يرونه.
فالتحديات أصبحت تقنية وثقافية وسياسية. وكما يعلم الكثيرون منا فإن محركات البحث والأنظمة الأوتوماتيكية أصبحت ضرورية إذا واكبنا تدفق المعلومات لكنها تعتمد علي الأفكار البشرية وأحيانا تسفر عن نتائج مضللة. والأكاديميون والصحفيون ومحللو المخابرات لا يستطيعون أداء مهماتهم إلا إذا أتقنوا استعمال أدواتهم لكنهم يتعرضون جميعا للأخطاء.. وكما يعرض أولكوت الحواجز الثقافية ــ علي حد تعبيره, حيث يقوم الأفراد والمنظمات ذوي الثقافات المختلفة باستدعاء تصوراتهم الخاصة التي قد ترشد و تضلل في وآن فيما يتعلق بالمعلومات المطلوبة والأسئلة المطروحة إضافة إلي الإجابات المتوافرة. ومن هنا تكمن الأفضلية لأجهزة المخابرات التي لديها القدرة علي جمع وتحليل المعلومات السرية. الاستفادة من المصادر المفتوحة تمثل تحديا مهما. ولكن لسخرية القدر, فبدون منتجات المخابرات الأخيرة( المعلومات السرية) فلا نستطيع الحكم ما إذا كانت الولايات المتحدة أو أي أجهزة مخابرات أخري قادرة علي مواجهة هذه التحديات.
لذا فإن هذا الكتاب لا يطرح حلولا ولا إجابات وافية لكنه يفيد في فهم حجم المشكلة والفرص المتاحة لحلها. وبالتالي يقدم أفضل تقييم شامل لما يطلق عليه مخابرات المصادر المفتوحة. أي التي تشير إلي المعلومات المتاحة علي الملأ عبر وسائل الإعلام الحديثة والوثائق الرسمية والملاحظات الشخصية وأي معلومات أخري ليست مستقاة من مصادر سرية. ولتوضيح الصلة بالقرن الواحد والعشرين, لجأ الكاتب إلي الخلفيات التاريخية أولا في أساليب استخدام وسوء استخدام المعلومات المستقاة من المصادر المفتوحة منذ الحرب العالمية الثانية. ووضع أيضا تصنيفا لهذه المصادر. لذا بدأ بعرض الصعوبات في جمع المعلومات قبل اختراع الإنترنت وكيف كانت المخابرات تستخدم مصادر مفتوحة من قبل دول المنشأ لجمع أخبار عن النازيين والإمبراطورية اليابانية والاتحاد السوفييتي. وأشار في ذلك إلي أهمية استخدام تحليل البرامج الإعلامية كأداة ضرورية لحشد المعلومات وفهم قدرات واستراتيجيات هذه الدول. وفشل المخابرات في توقع كارثة ضرب القوات اليابانية لبيرل هاربور, علي سبيل المثال, موضحا الحدود التي لم تتعدها هذه الأساليب وصعوبة جمع المعلومات خلال الحرب العالمية الثانية...ولكن بمرور الوقت أصبحت لدينا فجأة ثروة من المعلومات متوفرة مما سبب مشكلات جديدة لمحللي المعلومات كما أصبح لدينا أيضا كثيرون ممن يرون أنهم خبراء. وأصبحت ديمقراطية المعلومات قادرة علي التغلب علي تسلسل السلطات التقليدي وفتحت سوقا تنافسيا يستطيع فيه الزبون أن يتحدي المحلل بحجم المعلومات التي جمعها. وبالطبع طرح هذا تحديا جديدا علي دور وهدف محللي المخابرات الذين ظلوا لسنوات يحجبون المعلومات عن العامة.
وأشار أولكوت إلي نقطة مثيرة للاهتمام عندما اقترح أن لا مركزية المعلومات هو بالفعل عودة للنظام الطبيعي. وصحيح أن تكنولوجيا المعلومات فتحت فرصا جديدة لكنها أيضا أسفرت عن تكاليف جديدة: فالمعلومات المطبوعة توشك علي الاختفاء, وصناعة الموسيقي والسينما مهددة بعمليات التحميل المجانية وأصبحت الحكومات ضعيفة بسبب نقص قدرتها في التحكم في سير المعلومات.
وفي عصر جرعات المعلومات المفرطة يحاول أولكوت تقديم نصيحة هامة لمحللي المخابرات وهي أن يطرحوا السؤال الصحيح ويعملوا علي تقييم حجم المعلومات للتفريق بين الجد منها وغير الضروري. ويطالب أيضا بأهمية تحليل معني المعلومات والتي بمعني وضع الحد الفاصل بين جمع المعلومات والعمل عليها. وهذه التفاصيل الدقيقة هي التي تحجب العامة عن العمل المتخصص في أي صناعة. ونقطة هامة أخري طرحها أولكوت وهي أن المخابرات قد تلجأ إلي أشخاص غير خبراء بل أشخاص غير مؤهلين علميا بالشكل الكافي مما يؤثر بالتالي علي نوعية المعلومات المتلقاة والمرسلة. وفي جميع الأحوال يري أولكوت أن الحجم الهائل من المعلومات التي تعتبر سرية يوضح لنا حجم المعلومات التي أصبح العالم منفتحا عليها مع تطور أساليب الاطلاع عليها. وبالتالي فإن أهمية المخابرات تكمن في تجنب المفاجأة وتقليل المخاطر من عدم القدرة علي اتخاذ القرار. ولذلك فإن سرية المعلومات ليس بالأمر الهام هنا, بل الهدف من استخدامها بهذه الصورة الحتمية وهو ما يجب ان يظل سريا. وهذا امر ينطبق سواء علي الحكومات وحتي علي الشركات الخاصة.
والآن وبما أن سنودن يعتبر جاسوسا ومن أكثر الأشخاص المطلوب القبض عليهم في الولايات المتحدة يدور النقاش الساخن بشأنه حول موقفين متطرفين اثنين: ذلك أن البعض يعتبره بطلا يستحق العفو, في حين يري آخرون أن ما قام به خيانة, وينبغي أن يتلقي أشد جزاء في نظام العقوبات الأمريكي. المثير للسخرية أن نظام العقوبات نفسه يجعل من تسليم سنودن إلي الولايات المتحدة شبه مستحيل, والسبب أن العقوبة التي يتلقاها الخائنون قد تشمل الإعدام والكثير من الدول الأخري ترفض تسليم الولايات المتحدة أشخاصا مشتبها في ارتكابهم لجرائم, إذا كان ثمة احتمال تعرضهم للإعدام.
وهذا ما جعل وزير العدل الأمريكي يكتب رسالة إلي نظيره الروسي العام الماضي, بخصوص حالة سنودن, يقول فيها إنه لن يطالب بإصدار عقوبة الإعدام في قضيته إذا سلمت موسكو سنودن لواشنطن. لكن مازالت قضيته من أهم أسباب التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا حاليا...ومازال في جعبة سنودن الكثير من الأسرار التي يهدد بكشفها في الوقت المناسب.
http://www.ahram.org.eg/News/1067/91/253689/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA-%D8%AA%D8%B3%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B3%D8%A7%D8%B7-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%87%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA%E2%80%8F%E2%80%8F.aspx