أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: الأميركي الذي عشق الجزائر الجمعة 31 يناير 2014 - 15:17
على ضفاف نهر المسيسيبي ووسط سهول خضراء ممتدة في كل الفضاء تتربع مدينة "القادر".. مدينة أميركية تحمل إسم زعيم كبير في تاريخ الجزائر ومقاوم كبير لأجل الحرية للوطن والانسان في تلك المرحلة من ذلك البلد البعيد الذي يتوسط شمال إفريقيا ويقع على مسافة أميال معدودة من أوروبا .
عندما حطت الطائرة بعد رحلة طويلة من العاصمة واشنطن في مطار قريب من المدينة، كنت أتساءل بداخلي عن العلاقة التي تجمع بين إنسان ولد في هذه الأراضي الزاخرة بالإخضرار الدائم وذلك الجزء الذي يبدو بعيدا على الأقل بالنظر إلى حجم الجغرافيا في قلب شمال إفريقيا.
لحظات، خلتُ نفسي أني أتوسط مجلسا جزائريا في قلب مدينة جزائرية، لكن المكان والزمان كانا أميركيان بامتياز غير أن الحب في قلوب أهله جعل من الزمن مستقطعا دافئا على نهر المسيسيبي يحيلك إلى زمن جزائري خالص جدا.
لم يطل انتظاري كثيرا لسماع الإجابة فقد كانت السيدة "رود ميري وولسون" أرملة الفقيد "إدوارد وولسون "رئيس بلدية "القادر" السابق تفتح دراعيها واسعا وتحضنني في استقبال حار يحيي في ذاكرتي تلك الأجواء الدافئة في قلوب أهل المغرب العربي وهم يرحبون بضيوفهم.
تأخذني من يدي من باب حديقة بيتها الأمامية وتدخلني الطابق السفلي الذي جهزته لأن يكون مكتبا لها وللفقيد زوجها لاستقبال الضيوف والزائرين القادمين إلى المدينة ورجال الإعلام الآتين من مدن بعيدة للسؤال عن هذا السر التاريخي لتسمية مدينة أميركية باسم زعيم تاريخي مناضل لأجل الحرية في بلد من شمال إفريقيا.
على الطريقة العربية تماما، خيرتني السيدة ميري بين مشروب ساخن أو آخر بارد وإن كانت الحرارة في المدينة عالية و تشجع أولا على التفكير في مشروب بارد أكثر من الساخن لتقول لي إنها تحمل قلبا دافئا منذ ذلك الزمن البعيد الذي زارت فيه الجزائر وتجولت في أرجائها وكانت فيه سيدة في مجالس النساء والرجال بمعية زوجها ومرافقيهم في كل محطات الزياة التي لا تغادر قلبها، وإنها تعلمت من الزيارة أن تخصص دوما الشاي لضيوفها.
من حول مكتبها الذي يتوسط الغرفة الواسعة كل شيء يتحدث عن الجزائر: صور اللقاءات التي أجرتها والأماكن التي زارتها والتذكارات التي عادت بها من هناك، بعضها معلق بعناية فائقة على الجدار كالبرنوس الذي أهداه رئيس الجزائر لزوجها الراحل ادواردز وعباءة "المجبود" التي أهدتها عائلات مدينة قسنطينة للسيدة ميري.
للحظات، خلتُ نفسي أني أتوسط مجلسا جزائريا في قلب مدينة جزائرية، لكن المكان والزمان كانا أميركيان بامتياز غير أن الحب في قلوب أهله جعل من الزمن مستقطعا دافئا على نهر المسيسيبي يحيلك إلى زمن جزائري خالص جدا.
قول السيدة ميري إن زوجها مؤمن كبير بقيمة الحرية، وتشدد على أن الأميركيين أيضا كافحوا كثيرا لأجل حريتهم من الإحتلالين البريطاني والفرنسي ويكون لتزامن التاريخ في تلك المرحلة من حياة الأمتين معناه العميق بالنسبة لسكان مدينة" القادر"
"ميري" تقول لي عن حكاية زوجها وعشقه لمدينته.. ولد هنا الرجل ووجد أن المدينة تحمل إسم الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الحديثة هناك وقائد حركة مقاومة واسعة ضد الإحتلال الفرنسي لبلاده.
كان في ذلك الزمن أحد أبناء المدينة دارسا للتاريخ في فرنسا بعد سفر بعيد من ولاية "أيوا" إلى باريس، وكان يسمع ويقرأ كثيرا عن قصة كفاح الأمير وأهله لأجل حرية بلادهم، فأكبر فيهم هذا الكفاح وتلك القصص الطويلة من التضحيات لأجل كرامة الإنسان وحريته وطرد المحتل من بلادهم فعاد بذلك الإجلال للرجل وتضحياته لأجل حرية الإنسان واستقلال المكان وبادر باقتراح تسمية المدينة على إسم الزعيم التاريخي في شمال إفريقيا، واعتمد مجلس أعيان المدينة من جانبه، التسمية وصار للجزائر قدم وحضور في مدينة تتوسط قلب أميركا.
تلتف الأجيال الجديدة من أبناء المدينة حول تاريخ التسمية وحكمته العظيمة، بل إن المدينة لاحقا تحولت إلى مزار من قبل كثير من المهتمين من الأميركيين بتاريخ الشعوب والحضارات الأخرى.
على هذا العشق ولد "إدوارد وولسن" و جعل منه قصة تتكرر في كل مناسبات حكومته المحلية في ولاية" أيوا" وفي كل مناسبة تدعوه فيه الحكومة الفيدرالية.
يزداد العشق نبوغا في قلب الرجل ويقرر أن يفتح في بيته جناحا يخصصه لذاكرة الجزائر التاريخية يجمع فيه كل ما يتعلق بتاريخ الجزائر الطويل لأجل الحرية والاستقلال ويقدمه لضيوف المدينة ويزيد من جهده الخالص إضافة ذلك الإبحار والاطلاع العميق على تاريخ الجزائر لأجل التخلص من تبعات الاحتلال الفرنسي.
تقول السيدة ميري إن زوجها مؤمن كبير بقيمة الحرية، وتشدد على أن الأميركيين أيضا كافحوا كثيرا لأجل حريتهم من الإحتلالين البريطاني والفرنسي ويكون لتزامن التاريخ في تلك المرحلة من حياة الأمتين معناه العميق بالنسبة لسكان مدينة" القادر" حينذاك لذلك يجد هؤلاء الأميركيين في كفاح الجزائريين نموذجا للتقدير وقصة للمحية وموضعا للاعتزاز أمام عظمة هذا المسار الذي قطعته الأمة الجزائرية لإستعادة كرامتها وإستقلالها.
تعود السيدة ميري بذاكرتها بعيدا إلى تلك الزيارة اليتيمة لرئيس جزائري إلى واشنطن في عهد الرئيس الشادلي بن جديد وكيف تم تخصيص عشاء على شرفها وزوجها وسكان المدينة من قبل ضيف الرئيس رونالد ريغان الشادلي بن جديد.
تقول ميري إنها كانت "لحظة تاريخية لا يمكن نسيانها لقد شعرت وسكان القادر في تلك اللحظة أن لديهم إمتدادا آخر بعيدا في التاريخ وفي المكان وأكثر من ذلك أن لديهم أواصر صداقة إنسانية عميقة جدا تتعدى كل الحدود إلى بلد آخر يقع وراء الأطلسي ويحاذي البحر الأبيض المتوسط".
تحتفل أميركا في الرابع من يوليو من كل عام بعيد استقلالها فيما تحتفل الجزائر بعيدها في اليوم الموالي مما يجعل من العيد عيدين في المدينة وهذا اختلاف آخر أضافته روعة التاريخ في المكان.
كثيرة جدا هي تلك الذكريات التي استعادتها معي السيدة ميري عن حياة زوجها القارئ بنهم لمحطات تاريخ الجزائر والحريص على التواصل الدائم مع البعثة الديبلوماسية للجزائر في عاصمة بلاده واشنطن.
ويحدث من خلال جهود هذا الرجل أن تكون مدينة القادر في قلب أميركا هي المدينة الوحيدة في البلدين أميركا والجزائر التي تتواصل فيها الاحتفالات بعيدي الاستقلال في البلدين ليومين متتاليين.
تحتفل أميركا في الرابع من يوليو من كل عام بعيد استقلالها فيما تحتفل الجزائر بعيدها في اليوم الموالي مما يجعل من العيد عيدين في المدينة وهذا اختلاف آخر أضافته روعة التاريخ في المكان.
لم يتوقف عشق إدواردز للجزائر عند هذا الحد بل إنه أقام نصبا تذكاريا لضحايا سنوات الإرهاب في تسعينات القرن الماضي بالجزائر في قلب المدينة.
ولأن التذكار الذي أقامه الرجل كان يحتاج إلى أن يتم بناءه بأموال متبرعين وخارج ميزانية البلدية عمل الرجل على جمع التبرعات من مختلف الجهات المانحة لها أفرادا ومؤسسات و كان له ما أراد وجمعت المبالغ الكافية للمشروع. وللإشارة فإن أحد المتبرعين للمشروع الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، عندما كان حينها نائبا في مجلس ولاية ألينوي عن دائرة "سبرينغ فيلد" بشيكاغو والتي كانت لاحقا محطة إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2006.
نظرتُ إلى صورة الجدار الذي نقش عليه إسم الرجل والجدارية تقول إن هذا "التذكار هو تكريم من سكان "القادر" لأرواح ضحايا العنف في الجزائر".
في الأفق، انحدر خيط طويل من الشمس على كتف السيدة ميري لتدفع بلمسة حانية دمعة فرت من عينيها دمعة كان فيها كثير من الحرقة على أولئك المعتدى على حياتهم في ذلك الزمن من تاريخ الجزائر، و فيها أيضا تلك الحسرة العميقة لفقدان رجل جعل من حياته قصة إنسانية عامرة وحافلة بالمحبة لإنسان آخر من ديانة أخرى وفي مكان آخر من العالم فقط لإنه اختار أن يعيش ويموت دفاعا وسؤالا لقيمة الحرية لنفسه ولأمته في كل الحياة.
ينصرف كلانا في جولة طالت أرجاء المدينة قبل العشاء الذي أكرمتني به عائلة "وولسن" في حديقة بيتها المفتوحة على الهواء الطلق لتقول لي إن الأمير يزداد إشعاعا في قلب سكان المدينة، بل هو يمثل بالنسبة لنا جميعا قيمة إنسانية عظيمة الحدث والمعنى عندما اختار حماية المسيحيين من المسلمين خلال فترة إقامته في سورية.. وهو بذلك رجل يحقق المعنى السامي للأديان السماوية جميعها في تراحم أتباعها وسماحة معانيها.
انقضى المساء وغربت الشمس عن المدينة وودعت السيدة ميري وأفراد عائلتها وموعدنا للقاء آخر في الصباح الموالي لاستكمال بقية قصة رجل عشق الجزائر ومسارها الطويل وجعل منها احتفالا إنسانيا دائما و متدفقا.