نظم التمييز بين الصديق والعدو Identification Friend of Foe (IFF) Systems
وقت قريب كانت نظم التمييز بين الصديق والعدو تستخدم فقط مع نظم الدفاع الجوي ولكن أظهرت خبرة الحروب الحديثة ضرورة توفير تلك النظم مع القوات البرية لتقليل الخسائر التي تحدث نتيجة للإصابة بنيران القوات الصديقة أو منعها. نتيجة لذلك ظهرت سوق جديدة لمثل تلك النظم التي تستطيع أن تميز بين القوات البرية الصديقة والقوات المعادية.
في الحرب الجوية الحديثة أصبح من الممكن أن يشتبك الطيار مع الطائرة المعادية على مسافات تزيد عن مدى الرؤية المباشرة وذلك باستخدام الصواريخ الموجهة المجهزة بأحدث النظم الإلكترونية ولتحقيق ذلك يلزم توفير نظماً موثوق بها للتمييز بين الصديق والعدو. بالرغم أن مثل تلك النظم تم تطويرها واستخدامها لأول مرة في الحرب الكورية إلا أن نظرية عملها تم استنباطها أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد ظهرت خطط لتطوير تلك النظم ولكن تم إيقافها خلال الفترة الأولى من التسعينات ولذلك فإن النظم الحالية من المتوقع أن تستمر ولفترة خلال القرن الحادي والعشرين.
حالياً تستخدم دول حلف الناتو النظام ماركة 12 (MKXII) للتمييز بين الصديق والعدو وهو تطوير للنظام ماركة 10 (MKX) الذي كان يسبقه. تتكون إشارة الاستجواب للنظام ماركة 10 من نبضتين زمن كل منهما ميكروثانية واحدة لها تردد 1030 ميجاهرتز. يتم ضبط الفاصل الزمني بين تلك النبضتين ليكون إما 5،3 أو 5 ميكروثانية للدلالة على وضع الاستجواب الذي يتم استخدامه. يدل الفاصل الزمني 3 ميكروثانية على استخدام الوضع الأول للإستجواب وهو الوضع العام وفي هذه الحالة يقوم جهاز الإجابة (Transponder) في الطائرة المستقبلة للإشارة بإرسال نبضة زمنها ميكروثانية واحدة بتردد 1090 ميجاهرتز. في الوضع الثاني وهو وضع التهديد يتم استخدام الفاصل الزمني 5 ميكروثانية وتقوم الطائرة التي يتم استجوابها بالإجابة بنبضتين زمن كل منهما ميكروثانية واحدة وبفاصل زمني 16 ميكروثانية. في الوضع الثالث للتهديد تقوم الطائرة التي يتم استجوابها بالرد بنبضة واحدة زمنها ميكروثانية.
دائماً ما يقوم جهاز الإجابة بالرد على استجواب الوضع الأول ويكون الرد على استجواب الوضعين الثاني والثالث اختيارياً ويتم ضبطهما بواسطة مفتاح تحويل موجود على لوحة تحكم جهاز الإجابة. يمكن أيضاً اختيار وضع الطوارئ للإجابة ويتم في هذا الوضع الرد بأربع نبضات زمن كل منهما ميكروثانية وبفاصل زمني 16 ميكروثانية.
قد تكون أكبر عيوب النظام ماركة 10 هي إمكانية خداعه. أثناء المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية استخدمت الطائرات البريطانية المقاتلة الليلية طراز موسكيتو (Mosquito) التي كانت تعمل فوق ألمانيا استخدمت جهاز له اسم رمزي بريفكتوس (Prefectos) لاستجواب نظم التمييز بين الصديق والعدو الموجودة على الطائرات الألمانية وهو ما كان يؤدي إلى أن تقوم الطائرات الأخيرة بالإعلان عن موقعها. ثم تكرار تلك الحيلة بعد 20 عاماً من إنتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث قامت القوات الجوية الأمريكية بتجهيز طائراتها طراز فانتوم (F-4) بجهاز له درجة سرية عالية يطلق عليه كومبات تري (Combat - Tree) وهو ما مكن تلك الطائرات من تتبع الطائرات الفيتنامية طراز ميج من خلال نظم التمييز بين الصديق والعدو وطراز أود رودز (Odd Rods) التي كانت تستخدمها.
إذا أخذ في الاعتبار تلك الأحداث التاريخية يبرز على الفور احتمال أن تقوم الطائرات المعادية بإرسال نبضات للاستجواب تقوم على أثرها الطائرات الصديقة بكشف موقعها. كان الحل المنطقي لمواجهة ذلك هو استخدام نظام أو آخر للتشفير ولكن ذلك كان غير عملي في أوائل فترة الخمسينات نظراً لأن التقنية المتوفرة في تلك الفترة كانت لا توفر مكونات صغيرة الحجم والوزن لتلك النظم. قبل نهاية عام 1956م أتاح اختراع الترانستور (Transistor) إمكانية توفير نظماً للتشفير رقمية خفيفة الوزن وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية في برنامج يخدم الأفرع الرئيسية الثلاثة للقوات المسلحة ونتج عن ذلك النظام ماركة 12 الذي مازال يستخدم حتى الآن.
في حالة نجاح العدو في الإستيلاء بالقوة أو سرقة معدات النظام ماركة 12 فإن معرفة مكونات هذا النظام تكون عديمة الفائدة مالم يتم معرفة رموز الاستجواب الصحيح والرد عليه وهذا المستوى من الأداء هو الذي أدى إلى طول فترة بقاء هذا النظام. كان التطوير الرئيسي لهذا النظام هو إدخال الوضع رقم 4 ذو درجة التأمين العالية. يستخدم هذا الوضع التشفير كوسيلة مضادة لإجراءات الخداع المعادية. قد تكون وحدة التشفير تلك خارج النظام أو دمجه مع وحدة الرد على الاستجواب. تتصل معظم النظم الأمريكية ماركة 12 للتمييز بين الصديق والعدو بوحدة تشفير ولكن النظام المشترك للاستجواب- الرد على الاستجواب (Combined Interrogation. Transponder-CIT) طراز AN/APX-111 المستخدم مع الطائرات F/A-18 C/D/E/F يعتمد على وحدة مدمجة للتشفير طراز KIV-6.
كما هو المتبع مع أي نظام للشفرة يتم حماية المكونات المادية للوضع رقم 4 في حالة وقوعها في أيدى الأعداء حيث يتم تجهيزها بوحدة تفجير ذاتية وبحيث إذا تمت محاولة فتح تلك الوحدة بدون استخدام أدوات خاصة يتم تفجيرها. عادة ما يتم تزويد دول حلف الناتو فقط بوحدات الوضع رقم 4 أما الدول الأخرى غير الأعضاء في هذا الحلف والذين يطلبون نظاماً للتشفير فإنهم يعتمدون على النظم التجارية مثل نظام شركة رايثون (Raytheon) الذي يطلق عليه اسم Circe والذي يستخدم نظاماً للعمل يتم توفيقه طبقاً لرغبة العميل وطبقاً لقدراته الوطنية للتمييز بين الصديق والعدو.
قبل نهاية فترة السبعينات أدت القدرات المحدودة للنظام ماركة 12 إلى التفكير في ضرورة تطوير بديل له وذلك لأن هذا النظام كان معرضاً لأعمال الإعاقة المعادية إضافة إلى أن دخول الصواريخ (جو- جو) طويلة المدى مثل الصاروخ فونيكس AIM-54 والنسخ المطورة من الصاروخ سبارو AIM-7 كان يستلزم توفير تمييز إيجابي للطائرة التي تكون خارج مدى الرؤية. في عام 1979م أوشكت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من دول حلف الناتو على توقيع إتفاقية لتوحيد نظم التمييز بين الصديق والعدو وهو ماكان سيؤدي إلى تطوير النظام ماركة 15 الذي كان سيعرف بنظام الناتو للتمييز (Nato Identification System - NIS).
وافقت جميع الدول المشاركة في التطوير على أن يكون النظام البديل ماركة 15 مؤمناً مقاوماً للإعاقة، ويستخدم أسلوب السؤال والجواب، وأن يتمتع بخصائص مقاومة الإعاقة وكشف الأخطاء وتصحيحها. لقد ساعدت تقنية الكترونيات الجوامد على تحديد تلك المواصفات. سار التقدم في هذا المشروع بطيئاً وتسبب عدم الإتفاق على ترددات التشغيل على إعاقته ففي حين حبذت وزارة الدفاع الأمريكية استخدام حيز التردد (ى) فضلت الدول الأوروبية استخدام ترددات أكبر في نطاق التردد (E/F).
قبل منتصف فترة الثمانينات قامت الدول المشاركة في هذا البرنامج بصياغة المواصفات الفنية للنظام الجديد للتمييز بين الصديق والعدو والذي عرف باسم نظام الناتو للتمييز (NIS) واشتركت شركات أوروبية من كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا في هذا البرنامج. بالرغم من أن ألمانيا ظلت أقوى الحلفاء تأييداً لاستخدام نطاق التردد (E/F) إلا أن الاقتراح الأمريكي هو الذي تم إقراره. في عام 1985م وافقت ألمانيا على استخدام نطاق التردد (ى) في مقابل تعويضات مالية عن جهدها السابق لتطوير النظام الذي كان يستخدم نطاق التردد (E/F). كان من المتوقع أن يبدأ تطوير هذا النظام في عام 1987م على أن يبدأ الإنتاج في عام 1991م وفي نفس الوقت كان سيتم تحسين أداء النظام ماركة (12) حتى يتم دخول النظام ماركة (15) الخدمة.
أدى عاملان مهمان لتوقف تطوير النظام ماركة (15) أولهما انهيار حلف وارسو ثم بعد ذلك إنهيار الاتحاد السوفييتي وهو ما نتج عنه اختفاء البيئة المحتملة لاستخدام الإعاقة التي كان هذا النظام مصمما لمقاومتها وفي نفس الوقت كان ذلك فرصة ذهبية لإلغاء هذا البرنامج في ظل ميزانيات الدفاع التي كانت تتقلص عاماً بعد آخر. أما العامل الثاني هو التكلفة الضخمة نتيجة لاستبدال تجهيزات النظام ماركة (12) بوحدات أخرى. تم إلغاء برنامج تطوير النظام ماركة (15) في عام 1991م وبذلك سيستمر استخدام النظام ماركة (12) ولفترة قد تطول خلال القرن الحادي والعشرين.
أصبح الموقف الحالي لتطوير نظم التمييز بين الصديق والعدو أكثر تعقيداً نتيجة لقرار المنظمة الدولية للطيران المدني (Inernational Civil Aviation Organisation - ICAO) إدخال وضع جديد هو الوضع (S) الذي أصبح لزاماً على الطائرات العسكرية لدول حلف الناتو استخدامه اعتباراً من يناير 1999م. يعتبر الوضع (S) نظاماً مشتركاً يجمع بين رادار المراقبة الثانوي، ووصلة الاتصالات الخاصة بالبيانات الأرضية الجوية الأرضية ولقد تم تصميمه ليحقق مراقبة الطائرات ومطالب الاتصالات الخاصة بآلية التحكم في حركة المرور الجوي في المناطق التي تعمل فيها أعداد كبيرة من الطائرات وهذا النظام يشابه المستوى الثاني لنظام تجنب الاصطدام نتيجة لحركة المرور الجوي التجاري (Commercial Traffic Collision Avoidance System - TCAS) ولقد تم استخدام النظام الأول (الوضع S) مع الطيران الداخلي والطيران الأجنبي التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1998م.