يقوم علي الخامنئي المرشد الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية بزيارة معرض الإنجازات الجوية الفضائية (الجوفضائية)
وأنظمة الصواريخ التابعة للجيش، والذي يتعرض في الوقت نفسه لضغوط مزدوجة من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية
من أجل إدراج منظومة الصورايخ الإيرانية ضمن المحادثات النووية، ومن جهة أخرى فإن المناورات العسكرية السعودية التي جرت مؤخراً
قللت من احتمالية موافقة إيران على إدخال المنظومة الصاروخية في المحداثات الجارية بينها وبين القوى الغربية، وفي نفس الوقت
زادت من الضغوط الغربية على إيران بخصوص هذا الشأن، فالنقاط الأساسية الهامة في خطاب الخامنئي الذي وجهه للمسؤولين في معرض الإنجازات
العسكرية تفيد بأنه خلافاً لقرارات مجلس الأمن بخصوص البرنامج النووي الإيراني وشروط الدول الغربية للتفاوض
ومتأثراً بالمناورات العسكرية السعودية يصرح أن احتياجات الدولة والعقوبات لا ترتبط بالمحادثات النووي
والأدهى من ذلك أنه يعتقد أن توقع الغرب بأن تحد طهران من برنامجها الصاروخي هو توقع أحمق.
في هذه الدراسة سيتم البحث في موضوعين أساسيين هما: خطب وبيانات علي خامنئي التي وجهها للمسؤولين الإيرانيين بخصوص المنظومة الصاروخية
وكيفية حل ومعالجة هذا الخلاف، ومن ثم يتم بحث المناورات العسكرية السعودية "سيف بن عبد الله" وحضور قائد القوات المسلحة الباكستانية
وتأثير هذا الحدث على مجرى وأهداف السياسات المستقبلية الإيرانية.
ربما يرى الكثير أن هذين الموضوعين منفصلين تماماً عن بعضهما، لكن من خلال دراسة دقيقة لما بين الأحداث الأخيرة يتضح أن
المناورات العسكرية السعودية وافتتاح معرض المنجزات الجوية الفضائية (الجوفضائية) والملف النووي الإيراني سيصبان في نتيجة واحدة.
بحث مكانة تصريحات الخامنئي في قرارات مجلس الأمن:
إن أهم التحديات التي تقف أمام توجيهات وتصريحات المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي وحضوره في معرض المنجزات العسكرية
هو أنه على عكس مسيرة المحادثات النووية ومطالب الغرب في وقف البرنامج الصاروخي الإيراني، وبتأثير المناورات العسكرية السعودية
قام بوصف هذه المطالب بالحمقاء، وبالتمعن في تصريحاته هذه يتضح أن كلامه يعتبر خارج عن إطار وسياسات المفاوضات النووية الإيرانية
مع المجموعة الدولية التي تجري حالياً من أجل الوصول إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي المثير للجدل، وفي واقع الأمر فإن كلام الخامنئي
هذا ليس من باب الجهل بمعاهدات وقرارات مجلس الأمن، بل يشير إلى استمراريته في اتباع استراتيجية خاصة مبنية على أن محادثات
حكومة الرئيس روحاني مع الغرب ليس أكثر من خيال، لأنه بناءاً على الاتفاق المبدئي أو ما يسمى الاتفاقيات الأولية بين إيران والغرب
والتي حدثت في جنيف، فقد تم الاتفاق على أن يتم العمل في هذه المفاوضات على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي
وفي الوقت نفسه فقد تم ذكر المنظومة الصاروخية الإيرانية بشكل صريح في قرارات مجلس الأمن.
من خلال التركيز على هذه المسألة وعلى عكس ما يصرح به الخامنئي، فإن أساس نهج الغرب في مفاوضاته مع إيران من
أجل الوصول إلى اتفاق شامل هو تلك القرارات التي اعتمدت من قبل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد إيران، وكل ما تمت الإشارة إليه
في هذه القرارات بخصوص مسألة الصواريخ وتطويرها وبحوثها، وكل ما يتعلق بها، جميعها تعتبر المحاور الأساسية للتفاوض بين إيران والغرب،
ففي القرارات رقم 1737، 1747، 1929 والتي اعتمدت من قبل مجلس الأمن فقد تم الاتفاق على لزوم طرح موضوع كل ما يتعلق بالأعمال
التي تقوم بها إيران في مجال الأنشطة الصاروخية ضمن المفاوضات.
تصريحات الخامنئي وحلول المشاكل السياسية الإيرانية:
يؤكد الخامنئي خلال خطاباته على أنه يجب على المسؤولين أن يعالجوا موضوع العقوبات بطريقة أخرى لا يكون لها ارتباط بموضوع المنظومة الصاروخية
الإيرانية، ومن جهة أخرى فإنه يعتبر نفسه أنه كان دائماً مؤيداً للمبادرات في السياسة الخارجية والحوار، وبالنظر إلى هذه التصريحات،
تتضح ازدواجية سياسة نظام ولاية الفقيه في إيران بشكل أكبر، لأنه قد ألزم ألا تكون احتياجات البلاد وبعض القضايا الأخرى مثل العقوبات مرهونة
بالمفاوضات، في حين أن جزءاً كبيراً من العقوبات والمتطلبات هي نتيجة مشروع الأسلحة النووية والصاروخي لنظام ولاية الفقيه في إيران
كما أنه اعتبر تصريحات الغرب بخصوص قدرة إيران الصاروخية بغير العاقلة وغير الذكية، وقال:
"إنهم يتوقعون تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني بينما هم يطلقون دائماً التهديدات العسكرية ضد إيران، لذلك فإن هكذا توقع يتسم بالحماقة والبلاهة"
ومن وجهة نظر الدول 5+1 فإن الخيار العسكري يطرح عندما لا تلتزم أو تعمل إيران بقرارات مجلس الأمن والمبادئ الأولية
التي تم التوصل إليها في المفاوضات النووية، أو عندما يتم اعتبار أن نظامها الصاروخي قد خرج عن مبادئ التفاوض.
يبدو أن وقت افتتاح معرض الإنجازات العسكرية للحرس الثوري الإيراني له أهداف خاصة وأبعاد داخلية تسعى وراء هدفين أساسيين
وهما أن الحرس الثوري الإيراني الحامي والداعم لنظام ولاية الفقيه استطاع أن يسيطر على السلطة وإدارة البلاد
ويريد أن يبعث برسالة مفادها أنه لم يعد الآن بالإمكان قيام حركة أو ثورة ضد النظام الحاكم وأن ذلك سيكون دون فائدة
ولكن الغاية الأكبر من قيام هكذا معرض في إيران خارجية، وترتبط بالسياسة الخارجية التي تعتمدها إيران
كما أن إقامة هكذا معرض للإنجازات الجوفضائية بعد إقامة السعودية لمناورات "سيف عبد الله" له معان أخرى، ويمكن اعتباره
عرض للعضلات العسكرية الإيرانية، وذلك لأن المناورات العسكرية السعودية الضخمة كانت بالنسبة لإيران إنذار خطر
ومن المتوقع أن يكون لهذه المناورات عدة دلالات، أولها أنها رسالة تحذير، لأن إيران هي المنافسة لسياسات السعودية في المنطقة
والأخرى أنه ربما يريد المسؤولون السعوديون أن يدخلوا مع إيران في مفاوضات في زمن ليس بالبعيد وعليه فإن السعودية
تريد أن تدخل هذه المفاوضات مع إيران من باب القوة والاقتدار.
المناورات السعودية إنذار لإيران:
في الأجواء الدبلوماسية السائدة في الشرق الأوسط هناك قلق ومخاوف تولدت وخاصة من البرنامج النووي الإيراني والمفاوضات النووية
التي تجريها طهران مع القوى الغربية، وفي ظل هذه المحادثات قامت السعودية بإجراء مناورات عسكرية وإقامة معارض للصواريخ السعودية
في دلالة واضحة على تصميم السعودية القاطع في مواجهة توسع النفوذ الإيراني، وفي نفس الوقت تريد السعودية من ذلك أن تبعث برسالة
إلى الولايات المتحدة تقول فيها أن السعودية قادرة بمفردها وبشكل مستقل أن تعمل من أجل الحد من التوسعية الإيرانية
وفي الوقت نفسه فإن حضور القائد الأعلى للجيش الباكستاني في هذه المناورات جعل تخمين أن السعودية في حالة اللزوم ستكون قادرة
على شراء رؤوس نووية من الباكستان تجري مرة أخرى على لسان المحللين والباحثين
لكن جميع هذه التطورات واعتمادها أو إلغاؤها تعتمد بشكل أساسي على نتيجة مفاوضات الغرب مع إيران بخصوص البرنامج النووي والصاروخي لإيران.
تعتبر المناورات العسكرية السعودية "سيف عبدالله" أكبر المناوات في تاريخ السعودية والتي شهد مراسم اختتامها قائد الجيش الباكستاني
الذي جاء بدعوة من ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، وقد أقيمت هذه التدريبات بمشاركة ما يزيد عن 130 ألف عنصر وبدعم الطائرات المقاتلة
والمروحيات والسفن البحرية والدبابات ونظام مضاد للصواريخ، الملفت للانتباه في هذه المناورات العسكرية هو تزامنها
مع قيام الجيش الإيراني ومقر "خاتم الأنبياء" باختبار نماذج من الصواريخ المتطورة الإيرانية والتي تتضمن نظام توجيه وإرشاد.
لذا يبدو أن المناورات السعودية وإزاحة الستار عن القدرة الصاروخية للمملكة تتماشا مع عدة أهداف لبرامج السياسة الخارجية السعودية:
ا – رسالة تحذير إلى قادة إيران: يقول "جرمي بيني" وهو خبير في الأمن والإرهاب في هذا الخصوص: إن هناك أمور مختلفة
من وراء هذا الإجراء السعودي ولكن بالطبع فإن واحد منها هو أن السعودية تريد أن تعرض قوتها وقدرتها في مواجهة
الصواريخ الإيرانية البالستية وهذا تقريباً هو ما أرادته السعودية من هذه المناورات، كما أن تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية
السابق قال: إن الحفاظ على أمن المنطقة يتطلب منا اتخاذ الإجراءات اللازمة ومنها الاستعدادات التامة لمواجهة
أي احتمال متعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
ب – من أجل تفكيك ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط.
ج – ومن الممكن أن تكون هذه المناورات أيضاً تماشياً مع القلق الناتج من البرنامج النووي الإيراني.
د – استطاعت السعودية كذلك من خلال إجراء هذه المناورات أن تبعث برسالة دبلوماسية غير مباشرة للغرب من أجل استمرارية الضغط على إيران.
بطبيعة الحال، يمكن القول أن المناورات العسكرية السعودية قد حققت أهدافها المرجوة، لأنه ببساطة عندما تم إزاحة الستار عن الصورايخ السعودية
في هذه التدريبات قامت الوسائل الإعلامية الإيرانية بنشر هذا الخبر بشكل موسع، لدرجة أن بعضها تحدثت عن وجود رؤوس نووية
تحملها هذه الصواريخ، وبعضها الآخر تحدث عن قدرة هذه الصواريخ في تغيير موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط
فعلى سبيل المثال نشرت وكالة أخبار فارس وهي وكالة أخبار شبه رسمية على حد قولها أن المسؤولين السعوديين قاموا بعرض قدرات بلادهم
الصاروخية بهدف إرسال رسالة تحذير إلى إيران، ومن جهة أخرى، فإن بعض وسائل الإعلام العالمية قد اعترفت بأن هذه الصواريخ السعودية البالستية
هي رسالة رادعة وتهديد جدي لسياسة إيران التوسعية، وإشارة دبلوماسية إلى كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية
وفي نفس الوقت تعتبر رسالة مطمئنة لدول الخليج العربي الحليفة، كما لوحظ مشاركة قادة دول الخليج العربي في المراسم الاختتامية لهذه المناورات.
كما يقف خلف هذه المناورات شكوك السعودية وعدم ثقتها بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ذلك لأن التقارير التي نشرت
حول الاجتماع الأخير بين الملك عبد الله وأوباما تشير إلى وجود خلافات بينهما في السياسات الخارجية.
من جهة أخرى فإن هناك علاقة بين هذه المناورات وقرار السعودية بفتح الحوار مع طهران والتفاوض معها، ولذلك جاءت هذه المناورات
متزامنة مع دعوة الرياض لطهران من أجل الحوار حول التطورات والأحداث الجارية في المنطقة، وكما هو معلوم في العرف السياسي
فإن مثل هذه العروض العسكرية والمناورات تستخدم من أجل إيصال رسائل دبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والعالمي
ومن الممكن أن يكون هنالك ردود فعل وأعمال من نفس هذا النوع يقوم به الطرف الآخر، لذا شاهدنا في أعقاب هذه المناورات
وبعد فترة قصيرة افتتاح معرض للإنجازات العسكرية الجوفضائية في إيران، مما يدل على أن الطرفين قلقين بشكل عميق حيال التطورات السائدة في المنطقة
وذلك لأن إيران ترى نفسها قد فقدت أهم وأعمق نقطة استراتيجية لها وهي سوريا، وفي نفس الوقت فإن أهدافها وسياستها التوسعية
تثير قلق السعودية وباقي دول الخليج العربي.
الخلاصة:
هناك أهداف كامنة وراء خطابات علي الخامنئي المرشد الأعلى لإيران، وكذلك افتتاح معرض الإنجازات العسكرية للجيش الإيراني
والتي ربما تكون منطوية على ارتباك القادة الإيرانيين ونظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران بسبب الضغوط الغربية من أجل
إدراج منظومة الصواريخ الإيرانية في المفاوضات الجارية الحالية بشأن برنامجها النووي، لذلك لوحظ أن الكلام المزدوج للمرشد الأعلى
في إيران خارج إطار المفاوضات النووية مع القوى الغربية، ومن جهة أخرى فإن المناورات العسكرية السعودية قد زادت من الضغوط النفسية
على طهران وقللت من إمكانية موافقة طهران على إدراج صواريخها على طاولة المفاوضات بشكل أكبر
وذلك لأنه لوحظ أن القدرة العسكرية السعودية أكثر تطوراً من القدرة العسكرية لإيران، لذا فمن المتوقع أن تبدي إيران ردة فعل قوية
اتجاه شروط الغرب بخصوص أنشطتها الصاروخية، وأن تقوم برفضها بشكل كامل وقطعي، وفي هذه الحالة ستواجه المفاوضات الجارية
بين إيران والقوى العالمية تحدياً خطيراً، بالتالي فإنه يمكن القول أن السعودية استطاعت في النهاية أن تحقق هدفين أساسيين هما:
الأول: وفرت أسباب المخاوف الإيرانية بشأن المنظومة الصاروخية ومن المحتمل أن تجر المفاوضات الجارية إلى تحد خطير.
الثاني: استطاعت من موقف القوة أن تدعو المسؤولين الإيرانيين للحوار والتفاوض بشأن القضايا الإقليمية.
http://www.almezmaah.com/ar/news-view-5504.html