إن المتأمل لسير الصحابة- رضوان الله عليهم - لا يكادُ عجبُهُ ينقضي من عَظَمةِ هؤلاء الصحابة وروعة سيرهم وتعدد مناقبِهِم وفضائلِهِم من خشيتهم للله -جلَّ وعلا- إلى جدٍّ في العبادة وزهدٍ في الدنيا وعدلٍ بين الرعية ومن رحمةٍ للضعيف ونصرةٍ للمظلوم إلى شدّةٍ في الحقِّ وأخذٍ على يدِ الظالم .
بسم الله نبدأ سرد مواقف من حياة هؤلاء الصحابة الكرام ((عمربن الخطاب -رضي الله عنه- ))
تأمل معي -يرحمك الله- هذا الموقف الذي يحكيه لنا أسلم مولى عمر فيقول:
" خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرَّة "واقم" حتى إذا كان بـ "صرار" [اسم مكان] إذا نار،
فقال: يا أسلم، إني لأرى ههنا ركبًا قصَّر بهم الليلُ والبردُ ، انطلق بنا،
فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأةٌ معها صبيان، و قِدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون [أي يبكون]
فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار.
فقالت: وعليك السلام،
فقال: أَدْنُو؟
فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ.
قال: فدنا، وقال: ما لكم؟
قالت: قصَّر بنا الليلُ والبردُ.
قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟
قالت: الجوع.
قال: فأي شىء في هذه القدر؟
قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر !
قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟!
قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا ؟!
قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلِقْ بنا !
فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عِدلا من دقيق، وكُبّة شحم،
فقال: احمله عليّ [أي ارفعه على ظهري]
فقلت: أنا أحمله عنك,
فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة لا أم لك !!
فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذرِّي [أي انثري] عليَّ وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت
القدر، ثم أنزلها
فقال: ابغني شيئًا [أي ابحثي لي عن شيء] ، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا
وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه،
فجعلت تقول: جزاك الله خيرا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين !
فيقول: قولي خيرًا، إذا جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك- إن شاء الله-
ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها فربض مربضًا [أي جلس مجلساً]
فقلتُ: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا وهدءوا.
فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت ! "
(لوشبعوا لما أحسوا بالجوعى)
روى عن عمر بن الخطاب أنه كان ذا تقوى وعدل وضمير حي
وهذا ما حدا به في عام المجاعة المعروف «بعام الرمادة»
ألا يأكل إلا الخبز والزيت حتى أسود جلده ..
فيكلمه بعض الصحابة في ذلك .
.
فيقول: بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع !!
(لو سرقوا ما عزوا)
ورأى عمر بن الخطاب يوماً فتاة صغيرة تتمايل من الجوع ..
فقال: من هذه؟ فقال ابنه عبد الله: هذه ابنتي ..
قال: فما بالها؟. قال: إنك تحبس عنا ما في يدك فيصيبنا ما ترى ..
فقال: يا عبد الله، بيني وبينكم كتاب الله ..
والله ما أعطيكم إلا ما فرض الله لكم ..
أتريدون مني أن أعطيكم ما ليس لكم فأعود خائنا؟!
(سعيد بن عامر الجُمحى- رضي الله عنه - )
هذا الصاحبى الجليل ولاه سيدنا عمر بن الخطاب على حمص ...
وبعد ذلك أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها ، فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه
فقال : كيف وجدتم أميركم ؟
فشكوه إليه وذكروا أربعاً من أفعاله كل واحد منها أعظم من الآخر
.
قال عمر : فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يُخيب ظنى فيه ، فقد كنت عظيم الثقة به .
فلما أصبحوا عندى هم وأميرهم ، قلت :
ما تشكون من أميركم ؟
قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار .فقلت وما تقول فى ذلك ياسعيد ؟
فسكت قليلاً ،
ثم قال :
والله إنى كنت أكره أن أقول ذلك ، أما وأنه لابد فإنه ليس لأهلى خادم ، فأقوم فى كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلاً حتى يختمر ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس .
قال عمر : فقلت لهم : وما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا " إنه لا يجيب أحداً بليل
قلت : وما تقول فى ذلك ياسعيد ؟
قال : إنى والله كنت أكره أن أعلن عن هذا أيضاً .......
فأنا قد جعلت النهار لهم ، والليل لله عز وجل .
قلت : وما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوماً فى الشهر .قلت وما هذا ياسعيد ؟
قال : ليس لى خادم ياأمير المؤمنين ، وليس عندى ثياب غير التى عليّ ، فأنا أغسلها فى الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم فى آخر النهار.
ثم قلت : وما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : تصيبه من حين إلى أخر غشية فيتغيب عمن فى مجلسه .
فقلت وما هذا ياسعيد ؟
!
فقال : شهدت مصرع خبيب بن عدى وأنا مشرك ، ورأيت قريشاً تقطع جسده وهى تقول له : أتحب أن يكون محمد مكانك ؟
فيقول والله ما أحب أن أكون آمناً فى أهلى وولدى ، وأن محمداً تشوكه شوكة ... وإنى والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أنى تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لى .......... وأصابتنى تلك الغشية .
عند ذلك قال عمر : الحمد لله الذى لم يخيب ظنى به
(عثمان بن عفان - رضي الله عنه-)
وفي المدينة رأى عثمان -رضي الله عنه- معاناة المسلمين من أجل الحصول على الماء في المدينة؛
حيث كانوا يشترون الماء من رجل يهودي يملك بئرًا تسمى رومة،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلاءه مع دلاء
المسلمين بخير له منها في الجنة" [الترمذي].
فذهب عثمان-رضي الله عنه-إلى ذلك اليهودي وساومه على شرائها، فأبى أن يبيعها كلها،
فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، ثم خصص لنفسه يومًا ولليهودي يومًا آخر، فإذا كان
يوم عثمان أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن يدفعوا شيئًا، فلما رأى اليهود ذلك
جاء إلى عثمان، وباع له النصف الآخر بثمانية آلاف درهم، وتبرع عثمان بالبئر كلها للمسلمين.
وفي غزوة تبوك، حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على الإنفاق لتجهيز الجيش
الذي سمي بجيش العسرة لقلة المال والمؤن وبعد المسافة،
وقال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة" [الترمذي].
فبعث عثمان إلى النبي عشرة آلاف دينار، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يقبلها ويدعو عثمان ويقول: "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت،
وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، وما يبالي
عثمان ما عمل بعد هذا"[ابن عساكر والدارقطني].
وتوفي النبي ( وهو راض عن عثمان؛ فقال: "لكل نبي رفيق
ورفيقي (يعني في الجنة) عثمان" [الترمذي].
اخوتي في الله تلك كانت بعض من مواقف صحابة رسول الله كتبتها لكم لكي نتأمل ونتعرف كيف كانوا لعلنا نقتدي بهم فوالله لو اقتدينا بهم وبرسول الله خصوصا لأصبحت الدنيا في الف خير .
والـسـلام عـلـيـكـم ورحـمـة الـلـه وبــركـاتـه