عندما دُعي مئات من صانعي قطع غيار السيارات إلى حفل عشاء في إيران يجمعهم مع مسؤولين كبار في أوائل هذا الشهر، كانوا يتوقعون أن تعمل الحكومة على طمأنتهم بأنها ستتخذ إجراءات لإنقاذ صناعة السيارات بعد الرفع المؤقت للعقوبات الدولية على هذ القطاع.
لكن بدلاً من ذلك، تحول الاجتماع الذي نظمته رابطة صانعي قطع السيارات الإيرانية في عطلة نهاية الأسبوع، إلى فوضى بعدما تخلف عن الحضور 22 مسؤولاً وصانع سيارات من الموجودين على قائمة المدعويين.
صرخ المندوبون: "نحن لسنا هنا لنتحدث فيما بيننا عما نعانيه من بؤس شديد. أين هم المسؤولون حتى يستمعوا إلى شكاوانا؟".
ومن بين صانعي قطع السيارات في البلاد الذين يبلغ عددهم ألفين تقريباً، أفلس المئات أو غيروا مجال عملهم إلى صناعات أخرى، وتم تسريح آلاف العمال من وظائفهم في السنتين الأخيرتين وسط عقوبات مدمرة فرضت على البلاد بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.
وأحدثت العقوبات انخفاضاً حاداً في الواردات ودفعت بمنتجي السيارات الفرنسية، بيجو وستروين ورينو، الذين تعتمد عليهم صناعة السيارات الإيرانية إلى هجر السوق.
وأدى أمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي باراك أوباما في العام الماضي، يقضي بمنع أية تعاملات تجارية مع قطاع الشاحنات الإيراني، إلى تسديد ضربة نهائية إلى ما كان مصدراً مهماً للدخل في إيران.
كذلك أصيبت الصناعة بضربة شديدة بسبب قوانين سنها محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني السابق، تقضي بمنع شركات التصنيع من زيادة أسعارها لمواكبة التضخم الذي تقدر نسبته بـ 40 في المائة. وتركهم ذلك غير قادرين على تحمل نفقات قطع الغيار.
والنتيجة انخفاض إنتاج إيران من السيارات، وهو أكبر قطاع إنتاج بعد النفط، ليهبط عدد السيارات المنتجة إلى920 ألف سيارة في السنة المنتهية بآذار (مارس) 2013، بعد أن كان العدد 1.6 مليون سيارة في الـ 12 شهراً السابقة. وعلى مدى الأشهر العشرة الماضية انخفض الإنتاج أكثر من ذي قبل، ليصل إلى نحو 576 ألف سيارة.
ورفضت وزارة الصناعة وأكبر منتجي السيارات في إيران، وهما "سابيا" و"إيران خودرو"، التعليق على مشكلات هذا القطاع.
وتأمل شركات التصنيع أن يؤدي الرفع المؤقت للعقوبات على قطاع السيارات، وهو جزء من الاتفاق النووي الانتقالي مع القوى العالمية الكبرى الذي بدأ العمل به في كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى جانب عودة التكنوقراط إلى الحكومة مع انتخاب حسن روحاني رئيسا للبلاد، إلى المساعدة في إنعاش هذه الصناعة.
وسارعت شركة رينو التي كانت تبيع نحو 100 ألف سيارة في السنة قبل بدء سريان العقوبات، إلى استئناف شحناتها بعد تخفيف العقوبات. أما منافستها بيجو، التي باعت 458 ألف سيارة في 2011 - أي نحو ثلث السوق الكلية - فهي مهيأة أيضاً للعودة إلى البلاد.
وقال محمد رضا نجافيمانيش، العضو في بيت طهران للصناعة والمناجم، وهي مؤسسة غير حكومية، إن التطورات الجديدة "عملت بالتأكيد على تنشيط قطاع إنتاج السيارات".
وأضاف أن مجلسا جديدا يرأسه محمد رضا نعمت زاده، وهو وزير سابق للصناعة، يجتمع مرتين في الشهر لمناقشة إصلاحات سياسات إنتاج السيارات، وظهر منذ الآن تحسن طفيف في الإنتاج. لكن على الرغم من الإشارات الإيجابية والإمكانات الهائلة – توجد 14 مليون سيارة على طرق إيران، نصفها غير قابل للإصلاح – يرى محللون أن العودة إلى السياسات السابقة وتعويض الأضرار التي سببتها العقوبات يمكن أن تستغرق عدة سنوات.
ويعتقد ناجافيمانيش أن على الحكومة دعم القطاع مالياً لإنقاذه. ولم يكن صانعو قطع غيار السيارات غاضبين فقط من عدم حضور المسؤولين، لكنهم كانوا أيضاً محبطين من عدم تخفيض الحكومة أسعار الفائدة على القروض - التي تصل عادة إلى ما بين 25 و30 في المائة – فضلا عن عدم تخفيفها غرامات مفروضة على القروض المستحقة السداد. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن ديون القطاع المستحقة للبنوك الإيرانية تبلغ 100 تريليون ريال إيراني (أربعة مليارات دولار).
ولاحظ فرهاد بينيا، عضو رابطة قطع غيار السيارات، أن "الضغوط التي تمارسها البنوك على صانعي قطع غيار السيارات أكبر بكثير من ضغوط مصلحة الضرائب". وتفاقمت الأزمة بتأثير التضخم العالي على القوة الشرائية للمستهلكين الإيرانيين. وقال سعيد لايلاز، وهو محلل اقتصادي: "انخفض الطلب بنسبة 35-40 في المائة لأن الكثير من الناس لم يعد بمقدورهم شراء سيارة جديدة".
ومع ذلك يبقى لايلاز متفائلاً بالمستقبل، على الرغم من عدم رضا صانعي السيارات، ويقول: "في غضون سنتين ستعود إيران ثانية إلى إنتاجها السنوي البالغ 1.6 مليون سيارة".
مصدر