بما اننا تائهون في ازماتنا الداخلية فإن عجلة تنمية ونهضة عربية وأزمة مالية عالمية تحتاج إلى الكثير من العقلاء والخبراء والعلماء والحكماء، وعندما سألت أبو الفضاء في مصر والعالم العربي الدكتور محمد بهي الدين عرجون عن رأيه في حراك النهضة والنمو في دولة متقدمة مثل أميركا أو دولة معتدية مثل اسرائيل فقال: «التقدم السوبرتكنولوجي الأميركي سببه (الفضاء)، ولكي اكون امينا على مستقبل الأمة العربية فإني أقول ان التوغل والاستغراق والتعمق في (الصناعات الفضائية) سيغير من العرب سلوكيا واستراتيجيا ليجعلها مجتمعات متقنة ودقيقة ومقدرة لقيمة الوقت والعمل، كما سيجعلنا الدولة الاقوى اقتصاديا وعسكريا في المنطقة فاسرائيل على الرغم من انها دولة ناجحة في الفضاء إلا أن برنامجها الفضائي متواضع !وهي تستخدم برنامجها الفضائي كمظلة استراتيجية تحميها في حالة تخلي الأميركان عنها!».
قلت للدكتور عرجون: «ما هي براهينك أن التعمق في (الصناعات الفضائية) سيغير من العرب سلوكيا واقتصاديا واستراتيجيا اعتقد انه تعصب وانحياز منك لصالح تخصصك من جهة وربما لاني حصرتك في مقارنة بيننا وبين الأميركان.
الدكتور عرجون: معك حق، لذلك سأعطيك براهين أن الاستثمار في الصناعات الفضائية سيغير من مستقبل العرب بالمقارنة بتجارب السنوات الأخيرة للهند والصين وماليزيا وحتى ايران، والحقيقة اننا لو لدينا النية لاطعام فقرائنا وحماية امن الطاقة والخروج من عنق زجاجة ازمات القرن الحادي والعشرين فعلينا التوجه التام والكامل نحو الصناعات الفضائية خصوصا أن كل تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات والمعلومات بكافة محاورها وتكنولوجيات التحكم وتكنولوجيا المواد الجديدة هي تكنولوجيا جربها وطبقها الأميركان بداية في الفضاء منذ ستينيات القرن الماضي وكان الهدف في البداية عسكريا لاسيما وأن أميركا تسيطر على الفضاء وتعسكره لتستثمر في موارده خصوصا في مجال الطاقة كما يتم الان اجراء تجارب توفير الغذاء المهندس وراثيا في الفضاء وغيرها من التجارب الزراعية والغذائية والطبية فكل دولار يصرف على البحث العلمي يعطي عوائد تقدر بـ 100 دولار!
لكن كيف سيغير التوجه نحو الصناعات الفضائية من سلوك واقتصاد وفكر ووضع العرب؟!
صناعة الفضاء هي صناعة حساسة للغاية، لا تقبل الخطأ بتاتا والا ضاعت ملايين الدولارات في الهواء. وهي على عكس الصناعات الارضية كصناعة التلفزيونات أو حتى صناعة السيارات مثلا التي تجمع محليا، والتي يمكن أن تكون درجة اتقانها ليست جيدة. فالصناعات الفضائية لا تقبل الخطأ حيث الخطأ فيها يعني اضاعة مليارات الدولارات وهل الامر الذي لن تقبله اية حكومة.
ينبغي القول ان الهند بعد تنفيذ برنامجها الفضائي واعلانها منذ اسابيع عن خطواطها الحثيثة والسياسية نحو الفضاء انها اثبتت للعالم أن شعبها وعلماءها قادمون للمناطحة والتنافس مع الكبار بقوة. فانت لا تستطيع أن تتخصص وتتوجه للفضاء إلا اذا اتقنت كل التكنولوجيات، فتكنولوجيا الفضاء هي التكنولوجيا الام لكل العلوم والتكنولوجيات هذا من جهة. ومن جهة موازية فإن الجانب الاقتصادي والدعائي يلعب دوره هنا حيث إن منتجات الأسواق لسلعة ما تنقسم في جودتها إلى منتجات) تجارية، وعسكرية وأخيرا فضائية) وارقى واجود الانواع هي المنتجات الفضائية. باختصار يمكن القول أن الهند باعلانها الفضائي الصادق اصبحت علامة مسجلة ومن الدول الكبرى القادمة لان التوغل في تنفيذ البرامج الفضائية لاي دولة يعني دون مناقشة انها ذات صناعات محلية فائقة أي أن المنتج الهندي هنا سيكون منافس للياباني والأميركي.
الفضاء وفقراء العرب
قلت للدكتور عرجون: يؤمن رجل الشارع العربي أن ابحاث الفضاء أو السفر للكواكب هي بدعة خيال علمي وهي بدعة قادمة من أميركا المترفة وروسيا التي لا تعاني من أزمة رغيف العيش أو أزمة الغلاء وانخفاض مستوى الدخول وصعوبة الحياة،فما تعليقك؟!
انا مع رجل الشارع في أن صعودنا للقمر أو الكواكب حاليا شيء غير مهم لكن الاستثمار في الصناعات الفضائية هو لصالح فقراء هذا الوطن، كيف؟! الواقع يؤكد أن البحث الفضائي والمعلومات الفضائية هي من تحسب وتقدر العديد من الثروات كمساحة الارض الصالحة لزراعة القمح والارز والمنتجات الاستراتيجية وحجم الماء أو البترول أو الغاز الموجود تحت سطح الارض ولم يستغل بعد كما انها توفر المعلومات الدقيقة للخروج من الازمات الطبيعية كغرق العبارات مثلا كعبارة السلام مثلا فهناك مشروع حاليا يتبع الاتحاد الأوروبي لعمل اقمار صغيرة غير مكلفة هذه الاقمار تستتقبل اشارات من كل السفن في البحار بحيث يكون هناك نظام انذار فضائي مبكر قبل غرق أو القرصنة على أي سفينة أيضاً معلومات الفضاء تساعد في التخفيف من الكوارث ككارثة الهزة الارضية التي رصدت بمنطقة الدويقة بمصر أخيراً وراح ضحيتها المئات حيث استطعنا رصد منطقة الانقاض والعثور على المنكوبين من خلال شراء صور فضائية من دول غربية فالقمر الصناعي البحثي سات 1 الذي انطلق عام 2007 هو خطوة نحو الصناعة الفضائية ونحو وكالة الفضاء العربية، وفيما يخص مصر فإن تجربتنا الفضائية الحقيقية كانت من المفترض أن تستكمل بالقمر الصناعي المصري الثاني سات 2 بحلول 2011 لكن الخطوات بطيئة وغير مبشرة بشأن تصعيد القمر البحثي ولو استطعنا السير بالخطى الموضوعة فسنستطيع الصعود إلى القمر بحلول عام 2025 أو عام 2030 على الأكثر ولكننا بانتظار الصلاحيات السياسية والتي مازالت بطيئة وغير فعالة. بالرغم من أن ازمات مصر المتعلقة بالطاقة والغذاء والامن القومي حلها الشامل لن يتأتى إلا عبر البحوث والصناعات الفضائية.
حسنا اين وصلت دول قريبة منا في ازماتها ومشاكلها مثل الهند والصين في مجال التنمية باستغلال الصناعات الفضائية؟!
دعني بداية اقسم لك مراحل النهضة الفضائية والتفوق الفضائي للدول التي تريد أن تستنهض فضائيا:
دول تستطيع صناعة قمر يدور حول الارض في المدار القريب وهنا تكون بداية المعرفة بالعلوم الصناعية. دول تصعد للقمر بصاروخ «مرحلة تصنيع المركبات الفضائية» وهي مرحلة نادي الفضاء مرحلة سوبر نادي الفضاء وهي مرحلة ارسال مراكب ماهولة سواء بروبوتات أو انسالات (انسان إلى) أو رواد فضاء وهذا يعني التطور في ابحاث العلوم البيولوجية والبايونيات.
مرحلة الوصول إلى القمر واعتباره منصة للكواكب الأخرى مرحلة الوصول للمريخ والكواكب الأخرى عبر المسابير.
والهند، بمشروعها الفضائي الأخير تقول انها دولة عظمى وهي تنجز اعمالها بهدوء. اما الصين، فكانت خارج نادي الفضاء حتى عام 2000 والان هي قطب فضائي جديد سيتحدي القطب الواحد الموجود حاليا (أميركا) وربما ستكون الرقم واحد في الفضاء عام 2050!
واذا اخذنا التجربة الهندية كمثال فإن تجربة الهند الفضائية هي تجربة كفاح ناجحة أهم ما يميزها هو التخطيط الذي بدأ منذ ستينيات القرن الماضي أضافة لقوة الدعم والوعي السياسي فهناك وزارة خاصة للفضاء بالهند ورئيس الوكالة الفضائية الهندية يتبع رئيس الوزراء مباشرة وهي اعلى سلطة في البلاد والتي تفوق سلطة الرئيس نفسه طبقا للتشريعات الهندية.
إذن لماذا تصر في استراتيجيتك الفضائية على الاستثمار في الصناعات الفضائية وتتجاهل مبادرات تجهيز رواد فضاء مصريين للانطلاق في الفضاء والاعلان عن انفسنا؟!
ليس هناك فرق كبير بين «رائد الفضاء» و«سائح الفضاء»! ففي بداية العصر الفضائي كانوا يرسلون الحيوانات.
اقصد انه ليس من المهم الصرف في هذه المرحلة العربية لاعداد رواد فضاء وهو ليس تقليل من شأن تلك الدول فهو يساعدها في المساندة الشعبية والجماهيرية لان البروباجندا هنا تكون كبيرة ومبهرة لكن أهم عنصر استراتيجي في برامج فضاء الدول هو «القيادة العلمية» للمشاريع الفضائية ورواد الفضاء هم جزء صغير جدا وليس الاهم لكن الصرف على الصناعات الفضائية هو الاهم لان عوائدها ستحدث النقلة النوعية والتنمية والزيادة في دخل المصريين. اؤكد اننا اذا استمرينا في تنفيذ الخطة المصرية الفضائية سنستطيع الصعود للقمر في مرحلة تقدر بين 2025 و2030.
إذن ما العوائق التي تواجهك حاليا لاكمال مسيرة البرنامج الفضائي المصري وتدشين وكالة الفضاء المصرية واطلاق القمر الصناعي البحثي الثاني سات 2؟!
نريد أن نكون مثل الهند على الأقل وأن يكون البرنامج الفضائي المصري يتبع الرئيس مباشرة، حيث انه لا توجد لدينا مشاكل مادية فالاعتمادات المالية للقمر الصناعي المصري سات2 موجودة والذي اعتبره البداية الحقيقية لبرنامج الفضاء المصري والذي يتقدم تكنولوجيا كثيرا جدا في معلوماته ودقته عن القمر البحثي الاول سات1 لاسيما بعد اكتساب أكثر من 64 خبيرا مصريا خبرة فضائية فائقة من خلال التدريب الطويل في اوكرانيا على الصناعات الفضائية. والحقيقة أن اطلاق القمر البحثي سات 2 هو ليس قرار من قبل عالم ولكنه قرار سياسي بحت والان وبعد التباطؤ في السير بحسب الخطة الموضوعة لاطلاق القمر البحثي الثاني في 2011 خسرنا ربع الخبرة المصرية التي صرف عليها الكثير للتدرب في أو كرانيا فمع ضعف اعتماداتهم المالية جائتهم عروض للعمل في شركات الاتصالات بأسعار مغرية فانتقلوا لها!
انا عندما تركت هجرتي العلمية بأميركا جئت من اجل هدف واحد هو ادخال مصر لعالم الصناعات الفضائية انا لا اريد سوى أن ينطلق مشروع الفضاء المصري وأن نطلق وكالة الفضاء المصرية خصوصا أن المقر موجود بالقاهرة الجديدة وأن نتبع اعلى جهة سياسية في مصر انا اريد أن نراهن على الصناعات الفضائية من اجل التنمية مشروع الفضاء المصري لايقل أهمية أن لم يزد على مشاريع انشاء هيئة عليا للطاقة النووية