يصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة 28 مارس/آذار إلى المملكة العربية السعودية وتأتي الزيارة في وقت تتعرض فيه العلاقات بين واشنطن والرياض لهزات سياسية متأثرة بمستجدات الأزمة السورية والوضع في مصر والملف النووي الإيراني. الولايات المتحدة كما يردد البعض خذلت المملكة في ملف إيران النووي وفي الأزمة السورية وفي خريطة الطريق المصرية إضافة إلى الشلل المزمن التي تعاني منه عملية السلام.روسيا اليوم
=======================================
زيارة أوباما للسعودية.. ملفات ساخنة في ربيع "خريم"
ينتظر السعوديون هبوط "اير فورس1" الطائرة الرئاسية الأميركية في المدرج الملكي لمطار الملك خالد الدولي في العاصمة الرياض، اليوم الجمعة، ليبدأ رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما زيارة للسعودية يصفها المتابعون للعلاقات الأميركية العربية بالهامة.
هذه الزيارة ستكون الثانية للرئيس الأميركي بعد زيارته الأولى في شهر يونيو 2009، وتأتي أهميتها لارتباطها بالأزمات المتلاحقة في المنطقة العربية، وبسبب ما تسميه بعض الأوساط توتراً غير مسبوق في العلاقات بين البلدين للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تعود إلى الاختلاف في الرأي حول التعامل مع قضايا إقليمية لها انعكاساتها على منطقة الخليج والمنطقة العربية.
السعودية التي تعتبر شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً للولايات المتحدة لديها عتب سياسي على الإدارة الأميركية، وتحاول الولايات المتحدة أن توضح مواقفها، خصوصاً فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والثورة السورية والتطورات في مصر، فالولايات المتحدة منفتحة على الإخوان المسلمين، ولا تمانع واشنطن في الشراكة معها، رغم أنها مصنفة كجماعة إرهابية في السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى. وفي ما يتعلق بالملف الايراني، يقلق السعودية التقارب الأميركي مع طهران في الوقت الذي تقف فيه إيران بالمال والسلاح والقوات المدربة مع نظام بشار الأسد في سوريا، إضافة إلى ما يسميه البعض بـالسياسة الإيرانية المراوغة فيما يتعلق بالملف النووي.
"علاقات هامة للطرفين"
يصف أحمد آل إبراهيم الباحث في العلاقات الأميركية العربية الحالة التي تمر بها العلاقة بين البلدين بأنها "مرحلة إعادة الثقة" ويقول لـ"العربية نت": "الرئيس أوباما سوف يأتي إلى خادم الحرمين الشريفين ليرسخ العلاقة ولإعطاء إشارة بأن المملكة العربية السعودية تحمل ثقلا سياسيا أكثر من أي وقت مضى، وبأن العالم يحتاج حنكة وحكمة صناع القرار فيها، من أجل شرق أوسط آمن".
ويضيف الباحث آل إبراهيم: "العلاقة السعودية الأميركية مهمة جداً، وهو ما جعل جميع الأحزاب السياسية الأميركية وعلى رأسها الديموقراطي والجمهوري تجتمع على ضرورة زيارة الرئيس للمملكة. ولكن المملكة لم تتخذ الطرق الإعلامية في إظهار آرائها ومواقفها وقصص نجاحها في ملفات مختلفة لصناع القرار والمواطنين في أميركا، وهذا يظهر قصوراً في دور الإعلام، ومكاتب الاستشارات والعلاقات الاستراتيجية.
وعن أهمية العلاقات بين السعودية وأميركا، يقول كريجوري جاوس الثالث أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأميركية لـ"العربية نت": "لا تزال العلاقات السعودية الأميركية مهمة جداً لواشنطن، وهذا هو السبب الرئيس لزيارة الرئيس أوباما للرياض، وأؤكد على أن الأسباب الكامنة وراء متانة العلاقات السعودية الأميركية لا تزال قائمة، فالسعودية وأميركا لديهما الرغبة في عدم تمكين أي قوة من السيطرة على منطقة الخليج ومنابع النفط، وهذه النظرة الاستراتيجية لا تزال قائمة على الرغم من كل ما يقال عن الطاقة البديلة التي تعمل أميركا على تحقيقها وعلى الرغم من ثورات الربيع العربي.
ويضيف كريجوري جاوس: "هناك رغبات مشتركة بين الجانبين فيما يتعلق بالحرب على القاعدة واستقرار اليمن والبحرين والاستقرار في الشرق الأوسط عموماً، ورغم أن هناك بعض الخلافات فيما يتعلق بالملف المصري وإلى حد ما الملفين السوري والعراقي، إلا أن ما يوحد الجانبين هو الرغبة الثابتة في عدم صعود أي قوة للسيطرة على منطقة الخليج وعلى الشرق الأوسط".
ويقول روب سبحاني رئيس مركز كاسبن للطاقة ومؤلف كتاب "King Abdullah of Saudi Arabia: A Leader of Consequence" لـ"العربية نت": "إن أهم ما يميز العلاقات السعودية الأميركية هو حضور زعيم بحجم الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهنا نحن نتحدث عن قائد لديه الرغبة الصادقة في نشر الأمن والسلام في المنطقة ولدى واشنطن فرصة فريدة للعمل مع الملك عبدالله، ليس فقط لحل المشاكل الإقليمية ولكن أيضاً للمساهمة في حل القضايا العالمية العالقة ويبقى الأهم لواشنطن هو دور الرياض في استقرار مصر وسوريا والعراق ولبنان".
"قضايا ساخنة في روضة خريم"
سيشهد منتجع روضة خريم الصحراوي شرق العاصمة السعودية الرياض اجتماعات سياسية مهمة بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي، وبين ما أنبتته أمطار الشتاء في السعودية، وما أنتجته مستجدات الملفات السياسية الملتهبة، سيكون اللقاء، الذي يتوقع العارفون بالسياسة السعودية أن يخلو من المجاملات، وسيكون عنوانه المصارحة والمكاشفة. ومن المتوقع أن يتناول المخاوف السعودية من السياسة الأميريكية تجاه إيران والاخوان المسلمين، وتسليح الجيش المصري، ومصير الثورة السورية، ولم يصدر حتى اللحظة أي تأكيدات عن الملفات التي سيناقشها الملك عبدالله والرئيس أوباما حتى من البيت الأبيض الذي فضل الصمت، وتحدثت فقط سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي، بإقتضاب وقالت: «أوباما سيعرب خلال زيارته عن التزامه بأمن الخليج».
وعن الملفات المطروحة والأجواء التي قد تسود الاجتماعات يتحدث الدكتور أحمد الفراج الكاتب السعودي المتابع للشؤون الأميركية لـ"العربية نت": "لن يكون لقاء تغلب عليه البروتوكولات والمجاملات، سيكون لقاء مختلفاً بين الملك السعودي والرئيس الأميركي، وربما يكون لأول مرة لقاء مكاشفة ومصارحة من الثانية الأولى، وربما سيذكر الملك عبدالله الرئيس أوباما بذلك اللقاء التاريخي الذي جرى في البحيرات المرة على متن الباخرة "يو إس كوينسي" بين زعيمين كبيرين، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز وواحد من أهم وأقوى رؤساء الولايات المتحدة الأميركية الرئيس روزفلت، وقد يخفى على كثيرين أن روزفلت هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي تم انتخابه لأربع فترات رئاسية، كما أنه هو الذي أعلن الولايات المتحدة كقوة عظمى بدخولها معترك الحرب العالمية الثانية وحسمها لصالح الحلفاء، وهنا سيشعره الملك بأن العلاقات بين البلدين تأسست على أرضية صلبة لتبقى حجر الأساس لاستقرار الشرق الأوسط وبالتالي استقرار العالم، وسيتم تذكير السيد أوباما بأن العلاقات ليست قائمة على مصالح النفط فقط، فالمملكة هي القبلة لأكثر من مليار ونصف مسلم، كما أنها ستظل المزود الأكبر للنفط للقوى العظمى مثل الصين، وهي القوى التي ليست على وفاق مع الولايات المتحدة.
ويضيف الكاتب الفراج: "إن تصريح الرئيس أوباما المتسامح مع نظام طهران مؤخراً يوحي بأنه يعتقد أن مشكلة دول الخليج العربي وحلفائها مع إيران هو الملف النووي فقط، بينما الواقع أن مشكلة إيران مع الخليج أعمق من هذا بكثير، فإيران تدعم الكثير من الجماعات المتطرفة داخل المنظومة الخليجية، وهي الحاضن لما يسمى بحزب الله الإرهابي، كما أنها لا يمكن أن تتخلى عن حلمها الأزلي بأن تكون شرطي الخليج، وهذا بالتأكيد ليس في صالح الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما أدركه كل الرؤساء الأميركيين منذ ثورة الخميني وحتى انتخاب الرئيس باراك أوباما".
وعن الملفات الساخنة في المنطقة يقول شعيب رفاعي الصحافي والمحلل السياسي الأميركي: "هناك في المملكة من يؤمن بمقولة تشرشل الشهيرة "الأميركيون سيفعلون الصواب ولكن بعد أن يرتكبوا الكثير من الأخطاء" وهناك معسكر آخر من بعض معاوني الرئيس يرى بأنه لا أحد يعرف بماذا يفكر أوباما بما يتعلق بالسياسة الخارجية، واكتسب هذا الرأي مصداقيته بعد أن غير أوباما رأيه المتصلب فيما يتعلق بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، وكلا المعسكرين يؤكدان بأن لقاء أوباما بالعاهل السعودي مهم جداً، إذ إن السعودية ستطلع الرئيس الأميركي على وجهة نظرها حيال ملفات المنطقة الملتهبة بصراحة ووضوح، وإن كنت أتمنى أن تكفي هذه الزيارة القصيرة لمناقشة كل هذه القضايا".
وعن الملف السوري وتداعياته يقول الكاتب السعودي الدكتور علي الخشيبان: "من المؤسف ألا تكون الصورة واضحة لدى الأميركيين وألا يحسم الرئيس أوباما موقفه حيال ما يجري على الأرض السورية، وهذا يعكس ضعفاً وعدم قدرة على اتخاذ القرار المناسب، وأنا متيقن بأن أوباما لم يستمع لرأي الرياض في أكثر من موقف وثبت بأن السعودية كانت صاحبة الرأي الحكيم، لذا على أوباما أن يحسم أمره".
ويضيف الخشيبان: "المخاوف الأميركية لا أساس لها، لأن السعودية تعرف جيداً المنطقة وحساسيتها، وتعرف جيداً الجماعات المتطرفة، وتحاربها دون هوادة، فلا مجال للمزايدة على السعودية في الحرب على الإرهاب".
ويقول علي طلبة المدير التنفيذي لمؤسسة ماكلارتي للاستشارات الاستراتيجية الدولية لـ"العربية نت": "إن واشنطن لم تقم بتسليح المعارضة السورية خوفاً من وقوع الأسلحة في أيدي الجماعات الإرهابية، ويبدو أن السعودية التي لها وجهة نظر أخرى في الأزمة السورية قامت ببعض الخطوات المهمة والتي من شأنها تطمين الجانب الأميركي بهذا الخصوص".
وفيما يخص الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا ومصر يضيف الكاتب الأميركي روب سبحاني رئيس مركز كاسبن للطاقة ومؤلف كتاب "King Abdullah of Saudi Arabia: A Leader of Consequence": "واشنطن ليست لديها سياسة واضحة تجاه سوريا ومصر، وكل ما تفعله هو مجرد ردود أفعال، وطالما أنه لا توجد استراتيجية واضحة لدى أوباما تجاه هذين البلدين، فمن المؤكد أنه سيطلب النصيحة من الملك عبدالله، وتبدو الأمور كما لو أن الرئيس الأميركي يريد من المملكة أن تتولى القيادة وستتبعها واشنطن".
ويقول كريجوري جاوس الثالث أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأميركية: "لا أعتقد أن الرياض وواشنطن يتفقان تماماً فيما يتعلق بالملفين السوري والمصري، ولا يعني هذا أن مواقفهما تختلف جذرياً، وفيما يتعلق بالملف المصري لدى واشنطن وجهة نظر تختلف عن الرياض فيما يتعلق بالانتخابات، ويبدو أن واشنطن تتجه نحو إعادة العلاقات الطبيعية مع حكومة مصر الحالية؛ لأن ذلك سيخدم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أما في الملف السوري فالخلاف بين الجانبين أقل، إذ إن الهدف واحد وهو رحيل الأسد، والخلاف إذاً على درجة أهمية تحقيق هذا الهدف فالسعودية أكثر جدية لتحقيق الهدف من واشنطن.
"الحلف القوي"
العلاقات السعودية الأميريكية التي بدأت في 1933 تبقى صامدة أمام المشكلات التي تعصف بالمنطقة، ويستذكر العارفون بتاريخ العلاقات السعودية الأميريكية مبدأ أيزنهاور الشهير الذي إلتزمت فيه واشنطن بأمن واستقرار الخليج والسعودية، واللقاء التاريخي الثاني والمؤثر في العلاقات بين الدولتين بين الملك سعود والرئيس أيزنهاور في 1957 في أول زيارة لملك سعودي لواشنطن ، وبحسب الباحثين في علاقات واشنطن الخارجية فإن الحلف القوي بين الدولتين لا يمكن أن ينتهي أو يتفكك، لمجرد انتهاج واشنطن لسياسة وقتية مختلفة مع دول أخرى ربما ليست على وفاق مع السعودية.
وعن ذلك يقول كريجوري جاوس الثالث أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الأميركية: "أعتقد أن اختلاف المواقف بين الرياض وواشنطن فيما يتعلق بإيران وتنظيم الإخوان لن يؤثر على أهمية أمن السعودية بالنسبة للولايات المتحدة، ولو حصل اعتداء على السعودية لا أشك لحظة في أن أميركا ستتدخل للوقوف إلى جانب السعودية، تماماً كما حصل عندما غزا صدام الكويت عام 1990، إن إدارة أوباما في حوارها وتقاربها مع إيران تعتبر ذلك جزءا من الأمن الإقليمي، وهو السبيل الوحيد لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهذا يتفق مع موقف السعودية في هذا الخصوص، أما موضوع تنظيم الإخوان أكثر تعقيداً، فالرياض ترى التنظيم يمثل تهديداً لأمنها الداخلي، فهناك القليل مما يمكن لأميركا أن تقدمه لمساعدة حلفائها في حماية أمنهم الداخلي، وقد أثبت التاريخ أن المملكة نجحت على مدى عقود ضد التهديدات بداية من المد الناصري ومروراً بثورة الخميني وانتهاءً بالقاعدة، وأنا على يقين بأن نجاحاتها ستستمر مستقبلاً".
ويقول الدكتور أحمد الفراج الكاتب والمتابع للشؤون الأميركية للعربية نت: "السعودية وأميركا لن تنفصلا في السياسة، فالتاريخ والحاضر والمستقبل فيه تأكيد على ضرورة إبقاء الصداقة والتنسيق والتعاون على أعلى المستويات، وأن تتحول الخلافات إلى محفزات للتفكير بمستقبل أفضل من أجل أمن وسلام المنطقة، وهذا ما يتطلع إليه الأميركيون والسعوديون بعد اللقاء المهم الذي سيعقد الجمعة في الرياض".
الجدير بالذكر أن أول رئيس أميركي زار السعودية هو الرئيس نيكسون في عام 1974 ، ثم زارها الرئيس جيمي كارتر في عام 1978.
أما الرئيس الأميركي جورج بوش الأب قام بثلاث زيارات للسعودية واحدة منها زيارة توقف لتفقد القوات في حين أن الزيارتين الأخريين رسمية. فالزيارة الأولى كانت في 21- 11-1990) تلتها زيارة في 11- 2-1991ثم زيارة توقف في 31- 12-1992. والرئيس بيل كلينتون زار السعودية مرة واحدة في 28-10- 1994. وكذلك الرئيس جورج بوش الابن زار السعودية مرة واحدة وكانت هذه الزيارة في يناير 2008، وقام الرئيس باراك أوباما بزيارته الأولى للسعودية في عام 2009 بعد انتخابه مباشرة.
العربيه