معلومات حول الموضوع:في شهر سبتمبر /ايلول عام 1938 وقع رئيس الوزراء البريطاني نيفل شمبرلين ورئيس الوزراء الفرنسي ادوارد
دالاديه اتفاقية مع هتلر وموسوليني دخلت التاريخ بتوصيف "مؤامرة ميونيخ". فقد مهدت الإتفاقية الطريق الى تقسيم
تشيكوسلوفاكيا ثم احتلالها من قبل المانيا النازية. الا ان الكثير من تفاصيل الدبلوماسية السرية في بريطانيا وفرنسا لتلك
الفترة لا تزال حتى اليوم طي الكتمان. والآن ، وبعد سبعين عاما على الأحداث التي باتت مدخلا الى الحرب العالمية
الثانية، ازاحت مديرية الإستخبارات الخارجية الروسية النقاب عن مواد أرشيفية تلقي الضوء على التواطؤ بين هتلر
والدولتين الغربيتين المذكورتين.. وتسوق هذه الوثائق الدليل على ان لندن وباريس كانتا تدركان تماما ان هتلر لن يكتفي
مطلقا بغزو تشيكوسلوفاكيا.
ولم يمر سوى عام واحد حتى اشعل هتلر فتيل الحرب العالمية الثانية. وهكذا كان زعماء الغرب آنذاك، وهم يتغاضون
عن مخططات المانيا النازية، قد دمروا منظومة الأمن الجماعي في أوروبا. علما بأنهم فعلوا ذلك من وراء ظهر الإتحاد
السوفيتي. ان دراسة التفاصيل غير المعروفة سابقا عن مؤامرة ميونيخ تساعد على استحصال عبر ودروس تاريخية
خطيرة بالنسبة ليومنا هذا ايضا. وذلك لأن منظومة الأمن الجماعي التي قامت في اعقاب الحرب العالمية الثانية قد تم
تفكيكها اليوم في الواقع، كما يعتقد الكثيرون.
و الان ندخل للموضوع مقالة لروسيا اليوم :
رفع جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي قناع السرية عن وثائق الارشيف المتعلقة بتواطؤ ميونيخ ومنها مراسلات
السفارات الاجنبية.
وفي 30 سبتمبر/ايلول تمر ذكرى مرور 70 عاما على توقيع المعاهدة في ميونيخ التي سمحت بتسليم مقاطعة السوديت
التشيكية الى المانيا ، مما عني في الواقع بدء تقسيم دولة تشيكوسلوفاكيا المستقلة. وشارك في توقيع المعاهدة التي اطلقت
عليها فيما بعد تسمية " تواطؤ ميونيخ" رئيس الوزراء البريطاني تشمبرلين ونظيره الفرنسي ديلاديه وهتلر مع موسوليني.
وقعت معاهدة ميونيخ في عام 1938 من قبل المانيا الفاشية وبريطانيا وفرنسا وايطاليا. واطلقت الوثيقة يد النظام
الهتلري لضم قسم من اراضي تشيكوسلوفاكيا وبدء الحرب العالمية الثانية فيما بعد. وقد رفع جهاز الاستخبارات الخارجية
الروسي السرية عن عدد من الوثائق المتعلقة بالعمليات السياسية في اوروبا قبل وبعد توقيع معاهدة ميونيخ في 30
سبتمبر/ايلول 1938. وتكشف وثائق المخابرات السوفيتية تفاصيل المراسلات بين السفارات الاوروبية ووزارات
خارجية بلدانها. وذكر ذلك في حديث مع وكالة انباء "ايتار – تاس" احد قدامي العاملين في جهاز الاستخبارات
الخارجيةالسوفيتية الجنرال المتقاعد المؤرخ ليف سوتسكوف. فقال" لقد تبين ان المواد كثيرة جدا، وهي تدل على ان
القيادة السياسية في الاتحاد السوفيتي كانت تتلقى معلومات متعددة الابعاد حول الوضع في اوروبا ، وحول اللقاءات
الجارية بين رؤساء الدول. كما عثر في الارشيف على مواد سرية جرى فيها التكهن بعواقب جميع الاحداث الجارية
آنذاك بالنسبة للوضع السياسي والعسكري". وروى المؤرخ بين امور اخرى ان " الوثائق تدل على ان السفير البريطاني
في وارشو قد حذر في برقية بعث بها الى وزارة الخارجية من ان القيادة البولندية قد تعمد الى الاستيلاء على مقاطعة
تيشينا في حالة حدوث الاجتياح الالماني لتشيكوسلوفاكيا، وهو ما حدث فعلا". وقال الجنرال المتقاعد " أفاد السفير
الفنلندي في لندن بانه اذا ما وجه هتلر قواته الى تشيكوسلوفاكيا فأن فرنسا لن تجازف بأتخاذ اية تدابير فعالة من اجل
تقديم المساعدة العسكرية لها. وكما هو معروف فان الاتحاد السوفيتي كان مستعدا لتقديم مثل هذا الدعم الى تشيكوسلوفاكيا
، لكن براغ الرسمية تعرضت الى ضغوط لندن وباريس ولم تتجرأ على تقديم مثل هذا الطلب الى موسكو". وحسب
قوله فأن الوضع الجيوسياسي في اوروبا بعد توقيع اتفاقية ميونيخ كان موضع اهتمام شديد في عواصم كثيرة ، كما افادت
المخابرات السوفيتية. وتتراءى من سيل المعلومات الاستخبارية جيدا موضوعة مفادها ان سياسة تهدئة هتلر لم تسفر عن
مردود ، وكانت التنازلات تزيد من اطماع المعتدي". واشار سوتسكوف قائلا " اننا اردنا بتحليل هذه المواد قبل كل شئ
اعطاء جواب عن السؤال: هل كانت قيادة الاتحاد السوفيتي على اطلاع كاف على الوضع من اجل اتخاذ القرارات
الصائبة. وقد خلصنا الى الاستنتاج بأنها كانت على اطلاع كاف. حقا ان الوثائق تتضمن فقط ايراد وقائع معينة ، حيث
ان ستالين لم يكن يعترف بالوثائق التحليلية بأعتبار انه يستطيع استخلاص الاستنتاج بنفسه دائما ، ولهذا فان شعبة التحليل
لم تظهر في اجهزة المخابرات السوفيتية الا في عام 1941"( حين بدأت الحرب بين المانيا والاتحاد السوفيتي).وقال
المؤرخ" لقد ترسخ الوصف بشأن تواطؤ ميونيخ بأنه كان محاولة تهدئة المانيا عن طريق تقسيم تشيكوسلوفاكيا، بيد ان
الامر ليس كذلك. ومجمل الامر ان البلدان الغربية كانت تسعى بذلك الى تحويل هتلر بأتجاه الشرق(بأتجاه روسيا) ،
وبهذا تضمن الامان لنفسها.وتؤكد ذلك الوثائق التي رفعت عنها السرية". " لقد كانت لدينا مع فرنسا وتشيكوسلوفاكيا
معاهدة مساعدة متبادلة في حالة وقوع عدوان الماني، ولكن الاتحاد السوفيتي ما كان يستطيع تقديم المساعدة الا بعد
فرنسا. بيد انها حين اصرت سوية مع بريطانيا على تسليم المانيا اقليم السوديت التشيكوسلوفاكي فقد ألغيت فعليا مجموعة
الوثائق حول المساعدة المتبادلة ، علما ان هذا تم بدون مشاركة الاتحاد السوفيتي". ومع ذلك حاول الاتحاد السوفيتي
احياء حطام منظومة الامن المشتركة. وقال المؤرخ " اننا اقترحنا على تشيكوسلوفاكيا استخدام امكانياتنا بدون مشاركة
فرنسا ، وعرضنا عليها استخدام امكانيات دوائرنا العسكرية ، وارسال اربعة افواج جوية من المقاتلات ، لكن التشيك لم
يقبلوا العرض تحت ضغوط فرنسا وبريطانيا".واضاف الجنرال قائلا" وفيما يخص هذا الموضوع ثمة أمر آخر فضلنا
سابقا عدم التحدث عنه بصورة خاصة وهو موقف بولندا. فأن الوثائق تؤكد ان البولنديين كانوا مستعدين لتوجيه ضربة
الى الاتحاد السوفيتي في حالة ارسال الاتحاد السوفيتي المساعدات الى تشيكوسلوفاكيا ، لأنهم كانوا يتحسسون دعم المانيا
ويعولون عليه". وقال سوتسكوف" لكن البلدان الغربية لم ترغب في فقدان الصداقة مع الاتحاد السوفيتي ايضا. وتتضمن
المراسلات السرية لوزارة الخارجية الفرنسية والسفير البريطاني في باريس توصيات الى القيادة البريطانية والدبلوماسيين
البريطانيين بزيارة موسكو وليس برلين فقط. وصدرت عن فرنسا في ذلك الوقت دعوات عقلانية لأنهم ادركوا هناك
ان فرنسا ستكون الضحية الاولى لألمانيا".
وثمة أمر آخر ذو دلالة في الوضع الناشئ هو حسب قوله عدم وجود حلفاء لدى الاتحاد السوفيتي آنذاك. وقال المؤرخ "
لهذا لم تتخل قيادة البلاد عن المحاولات للأتفاق مع بريطانيا وفرنسا واقترحت عليهما عقد معاهدة حول المساعدة
المتبادلة. ويتسم بالدلالة انها عقدت في وقت لاحق وفي اثناء الحرب. علما ان الاتحاد السوفيتي اقترح من اجل ضمان
الامن المشترك ان تتوفر موارد عسكرية كبيرة تطابق ما يوجد منها لدى المانيا ، ولدى توحيدها مع الحلفاء المحتملين
سيمكن تحقيق تفوق بمقدار الضعفين على هتلر".