بحار إحدى الغواصات يتحدث عن "قبلة المطرقة"، ولماذا يتعيَّن على بعض البحارة أن يفركوا الحمامات سنوات وسنوات.
الغوض للمرة الاولى
عندما تُبحر الغواصة للمرة الأولى يتعيَّن على جميع البحارة أن يخضعوا لطقس العبور، وبالنسبة لي فقد مررت بالحد الأدنى، حيث فكّوا غطاء ضوء سقف القمرة وملؤوه بمياه آسنة وطلبوا مني أن أشربها، كان طعم الماء قابضاً ومراً بشكل فظيع، منحوني بعدئذ شهادة مكتوبة بخط اليد بأنني أصبحت الآن بحاراً في غواصة. أما في بعض الغواصات الأخرى فقد أضافوا إلى هذا الطقس " قُبلة المطرقة"، حيث يقومون بتعليقها في السقف، وعندما تبدأ الغواصة بالتأرجح يتوجب على البحار أن يُقبِّلها، أما معنى هذا الطقس فيفلت مني، ولكن الاعتراض هنا غير مقبول، هذه القاعدة الأولى التي تتعلمها عند صعودك إلى متن الغواصة.
الخدمة
يوجد في كل غواصة تقريباً طاقمان من البحارة، فعندما يذهب الطاقم الأول في إجازة (الإجازة مقررة عقب كل رحلة للغواصة) يحل الطاقم الثاني محله، وتستمر رحلات الغواصة بصورة مختلفة، أقصرها 50 يوماً، أما أطولها فتستمر 90 يوماً. وفي البداية يجري تحديد المهام، منها على سبيل المثال الغوص والاتصال بغواصة أخرى، والغوص إلى أعمق نقطة، والتدريب على الرمي، وإذا أَقرَّت القيادة جميع هذه التدريبات، عندئذ تتجه الغواصة إلى خدمتها العسكرية.
وفي غالبية الحالات كنا نسبح تحت جليد القطب الشمالي، فهناك لا يمكن رؤية الغواصة من القمر الصناعي، أما إذا سبحت الغواصة في بحار المياه النقية فعندئذ يمكن رؤيتها حتى على عمق 100 متر، ويدخل في مهمتنا القيامُ بدوريات في جزء من البحر مع الاستعداد الكامل واستخدام السلاح في حالة الضرورة، وعلى سبيل المثال يمكن لإحدى الغواصات التي تحمل على متنها 16 صاروخاً باليستياً بمقدورها أن تمسح بريطانيا عن وجه الأرض، ولكن على كل واحدة من حاملات الصواريخ الست عشرة يوجد 10 رؤوس حربية مستقلة، حيث تعادل الشحنة الواحدة منها تقريباً 5-6 هيروشيما، ويمكن حساب أننا كنا نحمل معنا يومياً 800 هيروشيما.
الحياة العادية
ليس العيش في مجال مغلق صعباً جداً، وذلك لأنك مشغول طوال الوقت، حيث تقضي ثماني ساعات في المناوبة، وفي كل يوم تقريباً يصطف الجميع في الساعة الثالثة بعد الظهر للقيام بعلمية "تنظيف صغيرة"، حيث يذهب الجميع لتنظيف قطاع محدد، وقد يُكلف أحدهم بمسح الغبار عن لوحة التحكم، بينما يُكلف شخص آخر بتنظيف المرحاض (يقع مرحاض البحارة في مقدمة الغواصة)، علماً بأن أكثر ما يزعج أن العمل المكلف به لا تتغير طوال فترة الخدمة، ولذلك إذا بدأت بفرك الحمامات فسوف تظل تفركها حتى النهاية.
الطعام
يُقدَّم لبحارة الغواصات طعام جيد جداً، فعلى الإفطار يكون عادة جبنة القريش مع العسل والمربى، وعلى الغداء أو العشاء كافيار أحمر بالضرورة، وطبق باليك من سمك الحفش، ومن المقرر تقديم 100 غرام من النبيذ المَزّ في كل يوم، وشوكولاتة وسمك مقدد. والأمر ببساطة أنه في زمن الاتحاد السوفييتي عندما كانوا يتحدثون عن الطعام الذي يزيد شهية البحارة فإن اللجنة انقسمت إلى فريقين، البعض صوَّت لصالح البيرة، والبعض الآخر لصالح النبيذ، وفاز أصحاب الرأي الأخير، أما السمك المقدد الذي يقدم مع البيرة فقد بقي في الجُعالة لسبب ما.
نظام الخدمة
نظام الخدمة هو كل شيء بالنسبة لنا، طبعاً يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد السخرية، فعلى سبيل المثال، وفق المادة 33 من النظام العسكري في الجيش الروسي فإن الركض يبدأ فقط وفق الأمر العسكري: رَمَلاً سِر، وذات مرة ذهب نائب قائد الكتيبة إلى المراحيض وكان هناك قفل على الباب، فأمر المعاونَ الأول لقائد الغواصة: يا معاون افتح المرحاض، ولكن المعاون ظل جالساً وقد أدار له ظهره ولم يرد، فلم يحتمل نائب قائد الكتيبة: يا معاون اجلب المفتاح رَمَلاً، وبقي المعاون جالساً كما كان، فتابع النائب قائلاً: رَمَلاً أقول لك، ما بك، ألا تسمعني؟ رَمَلاً، ماذا تنتظر؟ وهنا أغلق المعاون كتاب النظام العسكري الذي كان يقرأ فيه طوال وقت فراغه على ما يبدو وأخذ يقول: أنا أنتظر، يا سيدي النقيب، الأمر العسكري: رملاً سر.
القيادة
يختلف القادة من واحد إلى آخر، ولكن كل واحد فيهم يجب أن يثير الهلع، أما مخالفة أمره أو معارضته فتستوجب عقوبة في سجلّك على أقل تقدير، أما القائد الرائع الذي التقيت به فكان النقيب غابونينكو، فذات مرة نزل إلى الأسفل، وتلفت حوله وقال: "ما الذي تفعلونه هنا، ها؟"، فأجبناه بأننا نقوم بمناورة تدريبية، ويجب أن نتعاون مع الغواصة المجاورة، رقم 685، وفجأة اندسّ نحو لوحة التحكم وأخذ الميكرفون وبدأ يتكلم على الهواء رقم 685 أنا 681 أرجو تنفيذ " الكلمة" (ومعنى الكلمة في لغة البحرية أوقف الحركة، التوقف)، فانطلق على الجهة المقابلة صوت:" أنا 685 لا استطيع تنفيذ الكلمة، حوِّل، فبدأت على غابونينكو علائم الاضطراب، وقال: " آمرك بتنفيذ الكلمة، فوراً"، فكان الرد أكثر إلحاحاً: "أكرر لا أستطيع تنفيذ الكلمة، حوِّل"، عندئذ جن جنون غابونينكو وصاح:" آمرك بتنفيذ الكلمة فوراً هل تسمع، أنا النقيب غابونينكو، عندما تعود إلى القاعدة وسأعلقك من مؤخرتك"، وهنا ساد صمت رهيب، أخذ عامل اللاسلكي شبه الميت يتمتم: يا سيدي النقيب أرجو المعذرة لقد أخطأتُ نحن بحاجة إلى رقم 683 ورقم 683 هو طائرة"، وهنا حطَّم غابونينكو جهاز التحكم وخرج من القمرة ولم يظهر إلا بعد أن طفت الغواصة على السطح.
منقول