روسيا عندما فرض عليها تفكيك دول الاتحاد السوفيتي اثر الازمات التي ضربتها , و سوء الادارات , و يمكن ان ايضا ان نسميها التصرفات الصبيانية من بعض اعضاء الحزب الشيوعي في روسيا السوفيتية , تقبلت اصلا فكرة ذهاب دول كثيرة عنها , و هي تعرف تماما ان هناك دولا كثيرة سوف تنضم الى المعسكر الغربي , لا لشئ الا نكاية بالروس .
لكن كانت اوكرانيا و انفصالها ضربة قوية جدا لروسيا الفدراليا , فاوكرانيا تاريخيا هي روسيا , فهي كيف روس , لذلك اعضاء الحزب الشيوعي الروسي لم يفكروا ابدا بان ياتي يوما ما يمكن ان ينفصل الجسد الواحد ((لأذلك نجد ان خوروتشوف ذو الاصل الاوكراني اهدى اوكرانيا القرم)) و تم التخطيط على هذا الامر .
الروس عندما تواجدوا في دول مثل لاتفيا او بولندا او استونيا , هم يعرفون جيدا انهم قوات احتلال لا اكثر , لانهم هم من كسبوا الحرب العالمية الثانية , بقناعات ستالين , و ان لهم نصف اوربا , لانهم حرروها من هتلر , لذلك تجدهم تمسكوا بها , لا لشئ الا لانها ورث لهم .
لم يتوقعوا ابدا ان تنفصل روسيا عن اوكراينا , لذلك تجد ان اوكرانيا هي الثانية بعد روسيا في كل شئ ابان الاتحاد السوفيتي , خصوصا عسكريا , مصانع , بنية تحتية , اسلحة نووية .....الخ .
بعد انفصال اوكرانيا , و اتفاقية الصفر مع الدول الناتجة عن فكاك الاتحاد السوفيتي , و اتفاقية بودابيست مع اوكرانيا و وضع الروس انه لا يمكنهم التصرف كما تصرف ستالين سابقا مع هذه الدول , اي لا يمكنهم اليوم ان يجعلوا سكان هذه البلدان يستيقظوا على اصوات صفير جنازير الدبابات السوفيتية !!!!
فاختاروا طريقة الراسماليين , طريقة الترغيب الاقتصادي , فاوكرانيا دون غيرها اسعار الغاز مختلفة , و رخصية , العمالة الاوكرانيا تسرح و تمرح في روسيا بدون قيود , اضافة الى ان الاعمال الموسمية , يدخل الملايين من الاوكران الى روسيا , البضائع الاوكرانية لها تنافسية بسبب عدم وجود قيود مالية داخل روسيا ...الخ .
اتى عام 2004 و اتت الثورة البرتقالية , لا مانع ما دامت اوكرانيا لازالت في الفلك الروسية , و هذا يعني انه لا ناتو سوف يقترب من اوكرانيا , لا مانع ان تنضم اوكرانيا حتى للاتحاد الاوربي , ما دام ان الدستور الاوكراني الذي تم تعديله في عام 1993 لتكون اوكرانيا دولة محايدة لا تنضم لاي حلف عسكري , لكن اذا انضموا للاتحاد الاوربي سوف نجعل حياتهم جحيما .
تراجع الحلم كثيرا , و جرب الاوكران لسعة الدب الروسي, و لعبت اصابع الراسمالية الروسية في اوكرانيا , و رجع الاحمق يانكلوفيتش مرة اخرى الى اوكرانيا , لكن بعدما ربط الاقتصاد الاوكراني بشكل اكبر مما كان بروسيا الفدرالية , و عندها فقط بدا هذا المسلسل .
اقتصاديا اوكرانيا اذا ما انضمت الى اتفاقية الشراكة الاوربية , فانها سوف تستفيد الكثير من هذا الامر , اساواق جديدة , و اضافة الى الاسواق الروسية , و ينتعض الاقتصاد الاوكراني اكثر فاكثر .
لكن روسيا ((بوتين)) كان حديثه واضحا , اي عملية اتفاق مع اوربا , يعني ان البضائع الاوكرانية , و العمال الاوكرانيين , سوف يطبق عليهم القانون الروسي , اي جمارك و مطابقة المواصفات , و فيز للعمال , وهو ما يعني انتحار فعلي للاقتصاد الاوركاني , بدون اي دعم من صندوق النقد الدولي , او عملية قروض دولية .
يانكلوفيتش , توسل الاوربيين ان يعطوا اوكرانيا قروضا تساعدها على الدخول في هذه الشراكة , و استمر التوسل الى لا شئ , عندها فقط , توجه الى روسيا الاتحادية , ليمدوه بقروض تصل الى 15 مليار دولار , شريطة دم التوقيع على اتفاقية الشراكة , و هذا ما حدث .
مباشرة خرجت المظاهرات , و خرجت الامور عن السيطرة , الاوركانيين الراديكاليين اليمنيين المتطرفيين , نزلوا الى الشوارع و لم يطيحوا بيانكلوفيتش , فقدر ما اطاح هو بنفسه, بعد توقيع على عودة دستور 2004 الذي كانت المعارضة هي من اسقطته بنفسها سابقا .
عزل يانكلوفيتش , و ليثبتوا انهم نازيون جدد اعطوا روسيا فرصة لم تكن لتحلم بها ابدا , ما هي هذه الفرصة ؟
اصدروا تشريعات تمس بوضع اللغة الروسية كلغة ثانية بالبلاد , و يذكر ان الناطقين بالروسية في اوكرانيا يصلون الى 25% , وهو رقم ضخم اذا اردت ان تمس لغتهم , ووجدها الروس فرصة جيدة جدا , ليثبتوا دعايتهم التي قالت ان الذين استولوا على السلطة كانوا نازيين راديكاليين متطرفين جدد .
اليوم الحديث لا يدور حول القرم , فقد انتهى الامر , اليوم الحديث يدور حول شرق , و جنوب اوكرانيا , و روسيا تمتلك القوة الكافية لدخول هذه المناطق , لكن هذه القوة لن توظف في نظري الا اذا تم استفزاز روسيا , فاي عملية استفزاز لروسيا , مثل تحركات الناتو باتجاه اوكرانيا , سوف تكون الحجة موجودة , و القوات موجودة , في مناطق جمهورية تترستان مثلا توجد فرق البليدوزر الروسية , التي طالما ارعبت اغداء روسيا , و فرق مشاة البحرية الروسية المشهوريين .
اليوم في نظري اميركا تحاول تخفيف الخسائر , و روسيا اقتصاديا قادرة على رد الصاع صاعين للاقتصاد و السلطة الاميركية و من حالفها , العالم و منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تحكمه تفاهمات املتها اميركا على روسيا بوصفها الجانب الاضعف , لكن اليوم يمكن و بقوة تغير هذه التفاهمات في حين تجاوز الاميركين الخطوط الروسية الحمراء , و خطوط فلاديمير بويتن ليست كخطوط اوباما .
روسيا لديها مفاتيح كثيرة , يمكنها ان تعيد الاوراق بالقوة الى وضعها الطبيعي , لكن و كعادة السياسيين الروس , فان العمل بمبدا رد الفعل يمنع روسيا من التصعيد , الا ان هذا الامر ليس قاعدة .
الاطاحة اليوم بحكومة كييف لن يخدم مواطني روسيا , اليوم التململ في مناطق شرق و جنوب اوكرانيا كبير و كبير جدا , و اعتقد ان عدم استغلال هذه الفرصة هو امر مستبعد حاليا .
في التسريبات ان روسيا عاهدة الولايات المتحدة بعدم غزو اوكرانيا , لكن في عالم السياسية لا يوجد عهود او مواثيق الا عهود المصالح , فسيكون السؤال ماذا قدمت اميركا لروسيا لضمان عدم اقتحام الجنود الروس شرق اوكرانيا ؟
شخصيا لا احب التنبأ , و اسلوب التحزير في الامور , لكن و يبدو ان الامر يذهب و على عكس المتوقع الى الركود , هذه الجولة انتهت , لكن يمكن للاكرانيين ان يطلقوا على وحدة ما تبقى من اراضيهم رصاصة الرحمة اذا ما حاولوا الانضمام الى الناتو , و هنا يمكن ان يتحرك الروس , او ان يحصل تمرد من قبل العرقيات الروسية في اوكرانيا , و هنا ايضا احتمال ان يحصل .
عموما الامر في يد الغرب و الحكومة الراديكالية في كييف , اما ان يختاروا العودة الى السكة مرة اخرى باقل الخسائر , او ان لا يعودوا اصلا مرة اخرى .