المليحة معارك «النُخب» و«المصير»
مصير الغوطة الشرقية بات معلقاً على «جيد المليحة»، فلم تعد تلك البلدة / المدينة الواقعة بين الغوطة «مصيف الدمشقيين» وعاصمتهم، مجرد بلدة على مفترق طرق، بل باتت هي المفترق بحد ذاته، بين هزيمة قاسية للمعارضة المسلحة التي تمتعت طويلاً بطبيعة الغوطة الشرقية الخلابة، وبين انكسار لحملة الجيش السوري الذي لن يقبل بأقل من السيطرة الكاملة نتيجة لمعركتها، تحاول المليحة أن تعد أيامها التي مرت ملتهبة قبل الصيف، منتظرة اليوم الذي يعيد إليها صباحات ربيعية اشتهرت بها، بهدوئها وزقزقة عصافيرها ومشهد قوافل الذاهبين شرقاً وجنوباً نحو البساتين وغرباً نحو المعامل.
المدينة التي تحمل الرمز ١١ في سجلات الهاتف السوري، شهدت حتى الساعة أكثر من ١٠ جولات من المعارك العنيفة بين الجيش السوري وحلفائه وبين فصائل المسلحين وعلى رأسهم الجبهة الإسلامية والنصرة وأجناد الشام، معارك تخللها ساعات طويلة من القصف العنيف والمتبادل والغارات الجوية والصاروخية المركزة، وتميزت تلك المعارك وللمرة الأولى بشدة تمسك كل طرف بخياراته العسكرية، بالرغم من توفر خيارات أخرى، يتم العمل عليها ليل نهار وراء الكواليس.
مسلحو المليحة تفوقوا على أقرانهم
يمكن القول بأن المعارضة المسلحة استطاعت خلال معارك المليحة شن العديد من الهجمات، وإن كان أغلبها قد اقتصرت نتائجه على استعادة السيطرة على بضع كتل هنا وهناك، إلا أنها شكلت وللمرة الأولى خط جبهة خاضع لميزان الهجمات والهجمات المرتدة، بشكل متبادل بين طرفي النزاع.
وقد استخدمت الفصائل المتواجدة على الأرض سلاح الدبابات (التي فضلت الجبهة الإسلامية وزهران علوش تخزينها لمعركة دوما) للمرة الأولى في معارك الغوطة داخل المليحة، كما أحسنت استخدام الدعم اللوجستي للمعدات المختلفة من الجرافات وآليات الحفر والردم، الأمر الذي يمثل دليلاً إضافياً على وجود قيادة موحدة وغرفة عمليات محترفة، بخلاف قلة الخبرة التي كانت تغلب على تصرفات المجموعات المسلحة في مناطق ومعارك أخرى.
بالإضافة الى الدبابات والدعم اللوجستي، استفادت المجموعات المسلحة أيضاً من البساتين المنتشرة بين شبعا والمليحة وبلدات أخرى، كساتر لخنادقها، ومنطلق لهجماتها أو كمائنها، ليلاً، فيما كانت تنكفئ نهاراً الى خطوط المواجهة المتمترسة خلف الأبنية والكتل الاسمنتية.
معركة الغوطة الشرقية
بنفس الإصرار وعلى الخط المقابل، كان للجيش السوري وحلفائه خططهم الخاصة، وابتكر القادة الميدانيون حلولاً مختلفة لمعظم المشاكل التي واجهتهم، وفي الوقت الذي يقر فيه هؤلاء بشدة المواجهة، يؤكدون أنهم مرتاحون للنتائج المحققة، وأن مسألة إلسيطرة الكاملة على المليحة باتت قريبة، فالمدى العسكري لقدرة المسلحين على المواجهة اقترب من خطه الأحمر «خسائرهم الفادحة تزيد من الهوة بين مجموعاتهم المختلفة حد الإقتتال»، يؤكد مصدر ميداني وهو يشرح أهمية عملية الاستنزاف الحاصلة على كافة الصعد.
«نحن لم نعلنها معركة الغوطة الشرقية، هم أعلنوها» يوضح ويضيف «لقد حشدوا نخبة مقاتليهم وأسلحتهم، وجعلوا من معركة المليحة معركة المصير بالنسبة لهم»، ويستطرد مؤكداً أن العملية الجارية تعتبر مثالية بالنسبة للعسكر، فتحقيق الإنجازات والحسم على الأرض أمر مهم، أما تحقيق انجازات مستقبلية في سلة واحدة مع الحسم على الأرض فتلك فرصة لا تتوفر دائماً».
تكتيكات قتالية
حين تسأل عن التكتيكات المعتمدة لمواجهة أساليب المسلحين القتالية يؤكد أن «لكل عمل عسكري أساليب مواجهة، وخبرة الضباط والقادة الميدانيين الموجودين هنا، كبيرة في هذا المجال»، تحدد له مسألة الدبابات والجرافات واستخدامها بشكل مدروس من قبل المسلحين مع عنصر المشاة، فيوضح «لاحظنا على أحد المحاور تقدم مجموعة من المشاة إلى أحد المباني الواقعة في نقطة الإشتباك، وكنا نراقب من بعيد تموضعهم، طلب المعنيون التعامل معهم فأشار قائد البقعة بالانتظار، تقدم الى حافة الساتر المطل على المبنى، وأخذ يراقب الوضع لثوان خلناه فيها يستعجل قناصاتهم، لكنه عاد وانسحب بهدوء ووضع خطة طلب تنفيذها واقتضت :
- تعامل رامي الشيلكا (مجنزرة مزودة برشاش رباعي السبطانات) مع العناصر المتموضعة في المبنى.
- تجهيز قاعدة صاروخ مضاد للدروع وتثبيته باتجاه زاوية المبنى تماماً.
- وضع مدفعية الإسناد في حالة جهوزية
- تجهيز مجموعة اشتباك
فور بدء تعامل الشيلكا مع عناصر المبنى تقدمت جرافة عسكرية تؤازرها دبابة ورشاش مثبت على شاحنة للتغطية واشغال الشيلكا، كانت مهمة الجرافة رفع ركام المبنى لتأمين تغطية للعناصر سواء للإسناد أو الإنسحاب، على أن تقوم الدبابة والمدفع الرشاش بالتغطية لها، فتم استهداف الدبابة بصاروخ مباشر، وتعاملت مجموعة الاشتباك فوراً بالقذائف الصاروخية والأسلحة المتوسطة مع المدفع الرشاش فيما كانت رصاصات الشيلكا تغطي كامل المنطقة، لتتبعها بعد ذلك قذائف الإسناد المدفعي، ليتم تجهيز صاروخ مضاد للدروع يستهدف الجرافة قبل تراجعها، وكانت النتيجة القضاء على كامل المجموعة، إغلاق الطريق كلياً أمام آلياتهم بعد تدمير ثلاثة آليات على مفترق ضيق، وتحوله الى مصيدة لمجموعات حاولت سحب الآليات والعناصر.
مجمع تاميكو والإلتفاف الكبير
وعن التكتيكات الميدانية الكبرى، يشير الى عملية الإلتفاف الكبير الذي حصل من الجنوب إلى الشرق، على امتداد الطرق الرئيسية المؤدية إلى المليحة، خاصة بعد تحول مجمع تاميكو الى محور خاضع للكر والفر، وتمترس المسلحين حوله، ليفاجأوا بهجومنا الذي كان معداً سلفاً من جهة البساتين في عملية انقضاض قوسي واسع، وضع كافة طرق الإمداد من محور دير العصافير وصولاً الى حتيتة الجرش تحت سيطرتنا الكاملة.
القائد الميداني الذي خبر مناطق الغوطة لوقت طويل، حتى بات يعرف كل شجرة ومبنى وطريق، تعامل مع المليحة على أنها اختبار لقدرات المسلحين في الغوطة الشرقية بشكل كامل، بعدما زجوا بكل قدراتهم فيها، وبات باستطاعته تمييز الفصيل الأساسي المشارك في الهجمة من طريقة الهجوم وأساليب التغطية النارية، وهو كما يحدث رفاقه يعطي تفاصيل عن الأعداد والتسليح ما قبل الهجوم، كما يحسب لهم الخسائر التي قل ما يخطأ في تقديرها.
هذا القائد نفسه، الذي تسجل له الغوطة انجازاته التي لم يتوقعها أحد، يؤكد أن حسم معركة المليحة أمر مفروغ منه، بالوقائع الميدانية البحتة «يكفي السيطرة على مبنيين على طريق جسرين لتحويل الحصار إلى طوق كامل»، ثم يضيف «لقد جاؤوا الى هنا بكل ما يملكون من عتاد وخبرة، ولم يستطيعوا صد الهجوم واستعادة المواقع، بخلاف ما يدعون كل يوم في بياناتهم».
http://www.shamtimes.net/news-details.php?id=5051