الأبعاد الإستراتيجية للتعاون العسكري بين مصر وروسيا
المصدر: ملف الأهرام الإستراتيجى
بقلم:
حسام سويلم أثارت زيارات الوفود العسكرية السياسية الروسية لمصر أخيراً العديد من التساؤلات حول الأبعاد الإستراتيجية والعسكرية لهذه الزيارات ومدلولاتها السياسية، ومدى تأثيرها على العلاقات المصرية - الأمريكية مستقبلاً وهي التي بدأت بزيارة مدير الاستخبارات الروسية (فيكسلاف كوندارسكو)، ثم زيارة وزير الدفاع الروسي (سيرجي شويجو) ومعه وزير الخارجية (سيرجي لافروف) فى 13 نوفمبر 2013، ومما يؤكد الجانب التسليحي لزيارة وزير الدفاع الروسي أن رافقه كل من (أندريه يويتسوف) النائب الأول لرئيس هيئة التعاون العسكري الفني، وأيضاً مسئول من شركة تصدير الأسلحة الروسية (روس أدبورون إكسبورت) المملوكة للحكومة الروسية، وتتولى تصدير 90% من السلاح الروسي للعالم، وهي منتجة لدبابات القتال الرئيسية (ت - 90).
مغزى هذه الزيارات
حقيقة الأمر أنه لا يمكن فصل هذه الزيارات عن القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية منذ شهرين بتجميد الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية الأمريكية (1.3 مليار دولار) وشملت إيقاف صفقة أسلحة موقعة بين البلدين في عام 2009 وتشمل توريد 20 مقاتلة ف - 16 (تم توريد 8 فقط)، 12 هليكوبتر أباتشي، 120 دبابة إبرامز م -1.2 فرقاطة بصواريخها (هاربون)، وإن سمحوا باستمرار الإمداد بقطع الغيار والتدريب والبعثات والمناورات المشتركة، لذلك لم يكن هناك من بديل أمام القيادات المصرية سوى أن تعتمد على مصادر تسليح متقدمة أخرى للمحافظة على استمرار الكفاءة القتالية للقوات المسلحة وهي تواجه تحديات أمنية خطيرة في الداخل ومن الخارج، فكانت أبرز هذه المصادر روسيا والصين، لاسيما مع وجود اتفاق تعاون استراتيجي لم يكن مفعلا، بين مصر وروسيا تم توقيعه منذ عام 2009، كما أن العلاقات العسكرية بين البلدين لم تتوقف من ثلاثين سنة، خاصة مع استمرار وجود 30% من الأسلحة الروسية لا تزال عاملة في القوات المسلحة المصرية
أبعاد الاتفاق المصري الروسي
رغم أن المسئولين المصريين لم يعلنوا عن أبعاد ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين خلال الزيارات التي تمت، إلا أن الجانب الروسي كشف عن بعض ملامح هذا الاتفاق فقد ذكر (رسلان بوكهوف) عضو المجلس الاستشاري لوزارة الدفاع الروسية أن مصر تسعى لصفقة قيمتها تتعدى 2 مليار دولار تشمل 24 مقاتلة ميج 29 m2 - (ميكويان) قيمتها 1.7 مليار دولار وسرعتها 2.35 ماخ (سرعة الصوت) ويصل مداها إلى 2000 كم وتعتبر الميج 29 مقاتلة اعتراضية من الجيل الرابع الروسي، ويعتبرها الخبراء منافسة للمقاتلة ف - 15 الأمريكية، وفي مرحلة متقدمة ستطالب مصر بالحصول على المقاتلة القاذفة (سو 27 - A).
ولحرص مصر على توفير درع للدفاع الجوي والصاروخي لحماية منطقة القناة والبحر الأحمر والمياه الإقليمية، فقد طلبت من روسيا الحصول على نظام S - 300 المتقدم، ولكن لإدراكنا التعقيدات المحيطة، فقد تحصل مصر على نظام بانتسير (سام - 22). وفي مجال المروحيات الاقتحامية طلبت مصر الحصول على المروحيات (مي - 28)، (مي - 35) كل قادرة على حمل 30 فردا بأسلحتهم، والمروحية الهجومية (كي - 52) وهي مسلحة بصواريخ جو - أرض موجهة وحرة. أما في المجال التسلح البري فتسعى مصر للحصول على الصاروخ المضاد للدبابات (كورينت) وهو من الجيل الثاني الموازي للصاروخ الأمريكي (TOW)، وأيضاً الدبابة (ت - 90) ذات المدفع 125 مم مدى 5 كم، ونظام صاروخي مضاد للدبابات 9M119 مدى 4كم، وأيضاً عربات اتصال المدرعة (BMB - 3).
وفي المجال البحري تعطي مصر أهمية للحصول على الفرقاطة (نانوشكا) المسلحة بصواريخ بحر - بحر، وبحر - جو، وطوربيدات مضادة للغواصات ويحمل عليها هليكوبتر، وتعتبر أكبر من لنش الصواريخ وأصغر من الفرقاطة. كذلك الغواصة (كيلو )، وصواريخ ساحلية (ياخونوت SS - N - 26) وهو موجه بالرادار وتزن رأسه الحربية 200 كم، ويصل مداه إلى 300 كم، وسرعته 3s ماخ.
أما الصواريخ أرض - أرض، فقد يتم التعاقد عليها في مرحلة تالية، حيث تسعى مصر للحصول على الصاروخ سكود - دي (800 كم) وهو المطور عن الصاروخ سكود - سي (500 كم).
كما شملت المفاوضات بين الجانبين المصري والروسي تحديث نظم التسليح المتقادمة التي لا تزال في الخدمة بالقوات المسلحة، وأبدى الجانب الروسي استعداده لذلك. وقد اشترط الجانب المصري ألا يقتصر التعاون العسكري بين البلدين على بيع الأسلحة الروسية لمصر فقط، وإنما يمتد إلى التصنيع المشترك، على أن يشمل التعاون أيضاً نقل خبرات تكنولوجية إلى مصر.
ومن الشروط الأساسية التي وضعتها مصر لإنجاح فرص التعاون العسكري مع روسيا، ألا تتدخل روسيا في الشئون السياسية الداخلية في مصر، أو الضغط عليها بأي شكل فيما يخص علاقات مصر مع الدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة، أو طلب قواعد وتسهيلات بحرية أو جوية داخل الأراضي المصرية، خاصة أن مصر لم تمنح الولايات المتحدة أية قواعد أو تسهيلات بحرية في أراضيها عندما كانت العلاقات بينهما على أفضل ما يكون.
رؤية تحليلية
مما لا شك فيه أن التقارب المصري - الروسي الأخير، وما سيسفر عنه من عقد صفقات أسلحة بين البلدين، يعني الكثير بالنسبة لتحرر الإرادة المصرية والقرار السياسي المصري من قيود وضغوط السياسة الأمريكية، تلك الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة بشكل فج بعد الإطاحة بنظام حكم الإخوان عقب ثورة 30 يونيو.
. لذلك فإن القرار بتوطيد العلاقات مع روسيا إنما يعكس دلالة واضحة بأن القرار المصري لا يزال قادراً على تحقيق المصلحة المصرية بالدرجة الأولى، وأن الاتجاه إلى روسيا ليس معناه التبعية لها، وإنما هو قرار وطني خالص، لذلك حظي بدعم وتشجيع الشعب المصري. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية نبيل فهمي في تصريحه بأن مصر لا تستبدل أمريكا بروسيا، ولكنها تمد جسور التعاون مع الجميع.
أما على الصعيد الأمريكي، فمن البديهي أن يُحدث التقارب المصري الروسي صدمة لدى الإدارة الأمريكية، وانتقادات عنيفة وجهت إليها من قبل البنتاجون وعناصر في الكونجرس ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات الأمريكية، والتي رأت أن إدارة أوباما أخطأت ثلاث مرات. الأولى عندما راهنت على الإخوان لإسناد المصالح والأهداف الأمريكية متجاهلة أنها منظمة إرهابية، والخطأ الثاني في تصديها للثورة الشعبية المصرية في 30 يونيو واستمرار مساندتها لنظام حكم الإخوان الذي كان قد سقط بالفعل، ثم الخطأ الثالث الفادح والمتمثل في معاقبة مصر بتجميد المساعدات العسكرية. وعندما أدركت الإدارة الأمريكية خطورة وعمق الخطأ الذي وقعت فيه وتأثيره السلبي على المصالح الأمريكية، بدأت في التراجع بأن أرسلت وزير خارجيتها جون كيري إلى مصر، حيث قدم عرضاً بإعادة المساعدات الأمريكية العسكرية عبر تقسيمها على أربع دفعات، يتم تسليم الدفعة الأولى فيها بشكل فوري وعاجل كبادرة حسن نية، على أن يتم الإفراج عن الدفعات الثلاث المتبقية بشكل تدريجي وعلى مراحل تباعاً وارتباطاً بتنفيذ خريطة الطريق، أي الإفراج عن الدفعة الأولى مع الاستفتاء على الدستور، والثانية مع الانتخابات البرلمانية، وتشكيل حكومة منتخبة، أما الدفعة الأخيرة فتتم مع إجراء الانتخابات الرئاسية. ولم تُظهر مصر اهتماماً بهذا المقترح الأمريكي الجديد على اعتبار أن هذا شأن أمريكي بحت، مع إصرار مصر على رفض التلويح بالمساعدات الأمريكية من وقت لآخر. لاسيما أن مصر لم تتأثر فعلياً بالقرار الأمريكي الخاص بتجميد المساعدات العسكرية، حيث تتم الصيانة الأمريكية للمعدات العسكرية في مواعيدها ووفقاً للجدول الزمني الخاص بها، كما يتم توريد قطع الغيار المطلوبة في مواعيدها وقد تتابعت زيارات وفود الكونجرس لاستطلاع حقيقة الموقف المصري بعد التقارب مع روسيا وتأثير ذلك على المصالح الأمريكية في المنطقة. خاصة أن الاتفاق المصري - الروسي سيسمح للدب الروسي بالعودة إلى المياه الدافئة، وهو الأمل الذي يراود قادة روسيا طويلاً وحالت أمريكا دون ذلك، وفي النظرة الأمريكية أن روسيا ستجد في مصر بديلاً عن سوريا في حالة سقوط نظام بشار الأسد هناك.
لذلك فإن رد الفعل الأمريكي المتوقع بعد التقارب المصري - الروسي قد يتمثل في أحد سيناريوهين الأول - أن تعيد أمريكا حساباتها عبر تقديم عروض عسكرية ولوجيستية أكثر إغراءً لمصر في شكل الإفراج عن صفقات السلاح المجمدة، وأن تزيد من معدلات توريد قطع الغيار للقاهرة، بالإضافة إلى ضخ بعض الأسلحة الحديثة التي كانت تمنعها عن مصر لأسباب تضمن تفوق الجيش الإسرائيلي على نظيره المصري. أما السيناريو الثاني - فهو أن تتشدد أمريكا في تصعيد ضغوطها ضد مصر بإيقاف توريد قطع الغيار وعمرات الطائرات، وتزويد إسرائيل بأسلحة متقدمة لا تزال تحت الإنتاج في أمريكا - مثل المقاتلة ف - 35، وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت (باك - 3) وثاد THAAD، وإيجيس Aegis ولكن في المحصلة النهائية يتوقع كثيرون أن تعود العلاقات المصرية الأمريكية إلى سابق عهدها قبل سقوط نظام الإخوان، بل وأفضل بعد أن تستكمل مصر استحقاقات المرحلة الانتقالية وتتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتتشكل حكومة مدنية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فقد كان طبيعياً أن تثير أخبار صفقات السلاح المصرية مع روسيا قلقاً بالغاً في إسرائيل، والتي سبق لها أن حذرت أمريكا من مغبة تجميد المساعدات العسكرية عن مصر، لما قد يترتب على ذلك من ردود فعل مصرية تضر بالمصالح الإسرائيلية أخطرها ما حدث بعقد صفقات أسلحة متقدمة مع روسيا ستخل بالميزان العسكري القائم حالياً في صالح إسرائيل في مواجهة مصر. لذلك من المتوقع أن تضغط إسرائيل بمساعدة أمريكا على روسيا لمنع توريد أنظمة تسليح تهدد إسرائيل، أبرزها نظام الدفاع الصاروخي الروسي s - 300 والذي سبق أن مارست إسرائيل وأمريكا ضغوطاً شديدة على روسيا لمنع تصديره لكل من إيران وسوريا لأنه يخل بالتفوق الجوي الإسرائيلي كذلك ستعترض إسرائيل على تزويد مصر بأنظمة صواريخ بالستية (أرض - أرض) روسية متقدمة تدخل إسرائيل في مداها مثل (سكود - دي) الذي يصل مداه إلى 800 كم.
ويبقى القول في النهاية إنه مع أهمية تنويع مصادر السلاح في القوات المسلحة المصرية، فإنه من الضرورى أن يكون لدى مصر صناعتها العسكرية الخاصة بها، وقد سبق لمصر أن حققت نجاحات كثيرة على صعيد بناء قاعدة صناعة عسكرية متطورة، ولديها الإمكانات والقدرات على ذلك.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?****=1562767&eid=209