القوة البحرية عناصرها وأهميتها الإستراتيجية
العديد من الناس سواء مدنيين أو عسكرييـن يختلـط عليـهم تفسير كلمة القوة البحرية ويتجه الكثير منهم إلى تعريفها بالأسطول الحربي أو القوات البحرية ، وأن كانت القوات البحرية هي من أهم عناصر القوة البحرية ولكنها لا تمثل كل جوانبها .
وحتـى يتضـح الفـرق بينهـما نستطيع القول أن القوات البحريـة هـي إحـدى وأهـم العناصـر المكونـة للقـوة البحرية ، فالقوة البحرية متكــونـة مـن أربـع عناصـر رئيسـية تكـمل منـها الأخـرى وأن كانت تختلف في الأهمية إلا أنه يجب توفرها لدى أي دولة تطمح في تكوين قوة بحرية مؤثرة بمنطقتها .
ولبناء قوة بحرية ذات تأثير كبير في ميزان القوة العسكرية الدولية يتوجب توفر أموال طائلة وخبرة لايستهان بها في مجال التقنية والعلوم البحرية ، لأن مضمون القوة البحرية لاتنحصر في معناها الضيق وهو أسطول بحري يجوب المياه الإقليمية ولكنها تعني أكثر من ذلك بكثير فهي كما أشرنا سابقاً تتكون من أربع عناصر رئيسية هي كالآتــــــــــي :ـ
1 ـ المواني البحرية .
2 ـ الأسطول التجاري .
3 ـ الثروة الإقتصادية البحرية .
4 ـ القوات البحرية .
ومن خلال الإطلاع على هذه العناصر يتبين توافقها مع العناصر التي تتكون منها إسترتيجية أي دولة وهـــــي :
ـ العنصر الإقتصادي .
ـ العنصر السياسي .
ـ العنصر النفسي .
ـ العنصر العسكري .
وسنركز في هذا المقال دراسة العنصر الرابع ( القوات البحرية ) للإلمام بأهميته ومدى تأثيرها على البحرية كَكُـل
القوات البحرية /
خـلال الحـرب العالميـة الثانيـة وفـي خطاب للإدميرال ( بورتردام رامزي ) القائد العام للقوات البحرية البريطانية ألقاه في شهر يونيو عام 1942 م أي بعد بدء أفول سلاح البحرية الألمانية بالمحيط الأطلسي وسيطرة الحلفاء على خطوط المواصلات البحرية ، وقبل بدء معركة العلمين في أكتوبر من عام 1942 م قال هذا القائد البحري في خطابه " لقد أستطعنا بإنتصارنا بمعارك الأطلسي أن نمهد للجنرال مونتجمري الطريق لكي يحارب وينتصر في معركته البرية في العلمين " ، وفعلاً أنتصر مونتجمري بالعلمين وخرج الجيش الألماني من شمال أفريقيا وبدأت نهاية ألمانيا الهتلرية ، ولم يكن الإدميرال ( رامزي ) يتنبأ بالغيب ولكنه درس التاريخ العسكري جيداً وخرج منه بدرس مستفاد ثابت ودائم وهو يتلخص في ( من سيطر على البحر ينتصر على البر) ،والقوات البحرية هي الأداة التي عن طريقها يتم للدولة فرض سيطرتها على البحر ، ولذلك فإنهما من أهم العناصر المكونة للقوة البحرية وأكثرها فاعلية فالقوات البحرية هـي صـمام الأمـان وتمثل عنصر الحماية للعناصر الثلاث الأخرى ، فإذا كانت القوات البحرية ضعيفة فمن الطبيعي أن تصبح الثروة الاقتصادية البحرية شغل شاغل للطامعين والمُستغلين ويصبح الأسطول التجاري مهدداً دائماً وتبقى المواني بدون حماية بحرية وتضيع فوائدها الإستراتيجية .
ومن هنا جاءت الأهمية البالغة للقوات البحرية ، فبعضها لاتتكون للدولة قوة بحرية ، ذات قيمة وبالتالي فإن إحدى عناصر الإستراتيجية العامة للدولة ستهتز أو ربما تنهار .
إذاً فالقوات البحرية هي العمود الفقري للقوة البحرية بضعفها تضعف وبقوتها تقوى ، وكذلك فهي إحدى أساسيات الإستراتيجية العامة للدولة إذ قل الأهتمام بها تزعزعت أسس هذه الإستراتيجية وإذا أعطيت الأهتمام المطلوب حققت الإستراتيجية العامة للدولة وأهدافها .
وهناك أيضاً جانب مهم يجدر الإشارة إليه من الناحية العسكرية فالقوات البحرية تعتبر السلاح الوحيد الذي يستطيع أن يتحول من حالة السلم إلى حالة الحرب في ساعات معدودة ، حيث أن القطع البحرية يفترض دائماً أنها تجوب البحر وهي دائماً مجهزة بأسلحتها ووقودها ومعداتها حتى في حالة السلم ولذلك تعتبر القوات البحرية دائماً هي السباقة في الإستعداد لأي ظرف طارئ وهذه الميزة تعطي للقوات البحرية الأولوية في إستخدامها في كافة الحالات .
ونلخص المجالات الواجب الأهتمام بها في النقاط التالية :ـ
1 ـ يجب أن يكون الأسطول البحري من جميع أنواع السُفن القتالية ( الضاربة والمُساعدة ) من فرقاطات وخافرات وزوارق صاروخية وغواصات وسُفن أبرار وقطع كسح الألغام وزوارق خفر سواحل وغيرها.
2 ـ وجوب توفر جميع المُساعدات الأرضية لهذه السُفن لتضمن لها الإستمرارية مثل ورش وأحواض الصيانة وقطع الغيار وغيرها .
3 ـ ونظراً لأن العمل بالبحر مرهق وشاق ونظراً للتقدم التقني المُستمر في تسليح القوات البحرية لذلك يتطلب تزويد القوات البحرية بدماء جديدة من القوة البشرية ذات الكفاءات العلمية والفنية العالية بإستمرار وهذا يتطلب توفير مراكز التدريب والمؤسسات التعليمية المتنوعة والمتخصصة الخاصة بالقوات البحرية .
4 ـ توفير الحماية الساحلية والجوية وذلك بتغطية السواحل بمنظومات المدفعية الساحلية وتشكيلات جوية وشبكات إتصالات خاصة بالقوات البحرية .
5 ـ يجب توفير جميع الإمكانيات المالية والبشرية والمعنوية للقوات البحرية حتى تتوفر لها السُبل لتحقيق المهام المناطة بها وقت السلم و الحرب ولايجب البخل عليها بأي نوع من الإمكانيات بحجة عدم الحاجة الماسة لها أو لعدم ظهور مردود ما ينفق عليها وقت السلم.
العوامل المُساعدة لتأسيس قوة بحرية مؤثرة وفعالة
مما سبق سرده يتبين لنا أنه لتكوين قوة بحرية ذات تأثير دولي قوي وفاعلية بحرية عالية يجب الأخد بعناصر تكوينها الأربعـة وإعـطاء كـل عنصـر منـها الأهتـمام اللازم وحسـب الإمكانيات والمُعطيات المتوفرة ولكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن " هل بقيام الدولة ببناء العديد من المواني والعديد من سفن لأسطول التجاري وتقوية القوات البحرية والأهتمام بالثروة البحرية سوف يجعل منها دولة ذات قوة بحرية مؤثرة وفعالة ؟".
إذا أجبنا بالإيجاب سوف يكون حكمنا سطحياً ومظهرياً لأنه لا يكفي أن تهتم الدولة بتأسيس العناصر الأربعة المكونة للقوة البحرية لتصبح قوة بحرية مؤثرة وفعالة فهناك عوامل أخرى عديدة يجب أن تؤخذ في الحسبان عند بناء كل عنصر من عناصر القوة البحرية وسنحاول بإختصار شديد التعرض لهذه العوامل المُساعدة التي تعتبر ضرورية لبناء عناصر القوة البحرية على أسس صحيحة وهذه العوامل هي :ـ
1 ـ بالنسبة للمواني البحرية :ــ
يجب أن يراعى في تصميمها الجانب العسكري من حيث توفير أرصفة خاصة لقطع القوات البحرية وأحواض صيانة تقدم الخدمات اللازمة لقطع الأسطول التجاري والعسكري ، كما يجب الأهتمام أيضاً بالحماية البحرية للمواني وكذلك إعطاء المنائر وعلامات الإرشاد بالساحل الأهتمام اللازم ، والجانب الأكثر أهمية هو أن يكون تكوينها الإداري قابل للتحول إلى الإدارة العسكرية في حالة الحرب .
2 ـ بالنسبة للأسطول التجاري :ـ
يجب أن يراعى عند تصميم السفن التابعة للأسطول التجاري أن تكون قادرة على أداء مهام أخرى في حالة الحرب مثل أن تستعمل سفن الشحن في نقل المعدات والأسلحة وكذلك في عمليات الأبرار البحري ، وتزويد قطع القوات البحرية بالمُعدات والمهمات والوقود بالبحر ، إلى جانب تجهيزها بوسائل إتصالات ورصد متطورة للإستفادة من هذه السُفن كوسيلة جمع معلومات في حالة السلم ، كما يجب أن يشارك الأسطول التجاري في المناورات البحرية التي تقوم بها البحرية حتى يتعود الطرفان على التعامل على نفس الأسس والأسلوب ، مع مراعاة توحيد الدراسة الأكاديمية لضُباط الأسطول التجاري ، وضُباط القوات البحرية حتى يكون كل منها صالحاً للعمل في موقع عمل الآخر في حالة الحرب ، بالإضافة إلى ذلك يفترض أن يكون التعامل الإداري بين الأسطول التجاري والمواني والقوات البحرية موحداً ومتناسقاً حتى يسهل تحويل التعامل الإداري بينهم إلى تعامل عملياتي تحت قيادة واحدة في حالة الحرب .
3 ـ بالنسبة للثروة الإقتصادية البحرية :ــ
ونظراً لأهمية هذا العنصر من الناحية الاقتصادية يجب على الدولة أن تعطيه الكثير من الأهتمام والذي يتمثل في توفير الكفاءات البشرية المتخصصة في استخراج هذه الثروة إلى جانب وضع الخطط المستقبلية لكيفية ستغلالها بالشكل الصحيح الذي يحقق للدولة تنفيذ إستراتيجيتها العامة ، كما يجب أن توفر لها الحماية البحرية اللازمة والرادعة للمغامرين وسارقي ثروات الشعوب إلى جانب توفير التغطية السياسية والقانونية بحيث يتوجب وضع القوانين التشريعية الصارمة لردع من تسول له نفسه الاعتداء على هذه الثروة وأن تكون قرارات الدولة السياسية قوية لا تراجع فيها ولا تفاوض ولا تفريط بأي جزء منها لو أدى الأمر إلى إعلان حالة الحرب في سبيل إثبات حقها في إستغلال ثرواتها لتبرهن للدول الأخرى على جديتها واستعدادها لتحمل جميع التابعيات في سبيل المحافظة على هذه الثروة .
4 ـ بالنسبة للقوات البحرية :ــ
كما قد سبق أن ذكرنا في التحليل الخاص بهذا العنصر أن القوات البحرية تمثل صمام الأمان وتوفر الحماية للعناصر الثلاثة الأخرى المكونة للقوة البحرية ، ولذلك يتوجب أن يعطي هذا العنصر المهم كافة الاهتمام والرعاية بحيث يتوجب على الدولة توفير الميزانية المالية اللازمة والمستمرة له للرفع من كفاءته القتالية واحتياجاته الفنية والعددية لأن مردود القوات البحرية قد لا يظهر واضحاً في حالة السلم ولكنه يتجلى بكل وضوح في حالة الطوارئ وحالة الحرب حيث يقع العبء الأكبر في توجيه دفة الحرب كما يكون لها تأثير كبير عند اتخاذ أي قرار سياسي .
ولذلك يتوجب أن يكون الاهتمام بالقوات البحرية في جميع الاتجاهات والتي تؤدي في النهاية إلى تكوين قوات بحرية قوية ومؤثرة وقادرة على ردع أي اعتداء وأن تقوم بواجباتها كاملة فيما يخص حماية شواطئ ومنجزات وثروات
http://www.almusallh.ly/index.php/ar/navy/165-vol-31-48