العراق اذ يقود واشنطن نحو الهاوية
فيما يلي حصيلة امريكية اولية بعد الحصيلة العراقية الاسبوع الماضي. كان الرهان الامريكي على احتلال بغداد ينطوي على تغيير العالم العربي ومجمل الشرق الاوسط أي قلب العالم وبالتالي ضمان السيطرة الامريكية على النظام العالمي خلال الالفية الثالثة دون منازع. و كان التوجه الامريكي يضمر اسقاط انظمة ودول عديدة حول العراق وحمل انظمة اخرى على الاتعاظ وبالتالي الانصياع للارادة الامريكية.
لقد بدا منذ الشهور الاولى للغزو ان المقاومة العراقية تعمل على تحطيم هذا الرهان راسا على عقب وقد نجحت الى حد ان واشنطن باتت تحتاج الى اعدائها الشرق اوسطيين لضمان احتلالها لبلاد الرافدين و لتحجيم خسائرها البشرية ولحفظ ماء الوجه عبر انسحاب تم ويتم على رؤس الاصابع بلا فخر ولا من يفخرون.
ولعل تقرير بيكر هاملتون يقر بهذا الوصف اذ يتحدث صراحة عن وجوب التعاون مع سوريا وايران ويوصي بانسحاب سريع من "ارض السواد".
وكان يقدر لغزو العراق ان يتسبب بخسائر بشرية ضئيلة فاذا بالخسائر الامريكية لاتطاق خصوصا في السنوات الاولى حيث يروي فلاديمير تيتورينكو ، السفير بوزارة الخارجية الروسية والذي تعرض موكبه اثناء الخروج من بغداد في العام 2003 لهجوم عسكري امريكي يروي "ان الخسائرالاميركية في العراق تزيد اربعة او خمسة اضعاف عما اعلن رسميا" ما يعني حوالي عشرين الف مقاتل وعشرات الالاف من الجرحى والمرضى النفسيين في حين تتحدث المقاومة العراقية عن ارقام مضاعفة ومن غير المستبعد ان يصاب الامريكيون بمرض العراق كما اصيبوا من قبل بمرض فييتنام.
اما الخسائر المالية فهي عصية على الحصر حيث تنشر تقديرات بمئات مليارات الدولارات من الخسائر و تتحدث تقديرات اخرى عن تريليونات اذا ما تم حساب الربح والخسارة الواقعي والمرتجى.
وثمة من ينسب الازمة المالية العالمية الى حرب العراق وان صح ذلك فالخسارة تطال في هذه الحال مجمل النظام الرأسمالي و يتوجب تقديرها بمئات الترليونات من الدولارات وحجم الخسائر ينعكس بوضوح في تعليق توماس فريدمان الطفل المدلل للمحافظين الجدد حيث يقول ( جريدة الشرق الاوسط 6 9 2010 ) ان بلاده بعد غزو العراق "..مكبلة بالديون و قوة عظمى هزيلة".. وبالتالي".. لن تكون موطنا للصقور او على الاقل لافراد يخشى من غضبهم".
وكان من المتوقع ان تتمتع اسرائيل جراء غزو بغداد ببيئة شرق اوسطية آمنة يقدر ان توفر للدولة العبرية دورا لاينازع في المنطقة فاذا بنتائج الغزو تطيح بالتحالف التركي الاسرائيلي وتحيط اسرائيل بطوق متزايد القوة من المقاومين واالممانعين.
وكان من المقدر ان يكبح غزو العراق محاولات التمرد الافغانية وان يضعف المعارضة الباكستانية وان يدخل تعديلات جدية على مرجعيات الحضارة الاسلامية الاساسية فاذا به يؤدي الى تصعيد المقاومة الافغانية والى انعاش المعارضة الباكستانية والى تهديد مجمل النفوذ الامريكي في شبه القارة الهندية.
وبما ان "القوة العظمى الهزيلة" تغري بالتمرد وعدم الانصياع لاراداتها فقد بادرت مجموعة من الدول اللاتينية الى التمرد على اليانكي بعد غزو العراق وشق طريقها المستقل الامر الذي ادى الى كسر الحصار اللاتيني عن كوبا والى ضمور النفوذ الامريكي في حديقة واشنطن الخلفية.
والحق ان الحصيلة الامريكية الكارثية لحرب العراق هي التي حملت الرئيس اوباما على تبديل وجهة بلاده من الصراع المفتوح مع الحضارة العربية - الاسلامية الى خطاب التعاون والهدنة الذي القاه في القاهرة بعيد انتخابه وربما من بعد الى فرض واقع جديد في الصراع العربي الاسرائيلي.
والحق ايضا ان الغربيين بدأوا يطلقون على هذه الحرب الوصف الذي تستحقه حيث يرى رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان في حديث علني للصحافة:" ان الغرب يلحس الغبار في العراق وفي افغانستان " في حين يعتقد رئيس الوزراء الاسباني السابق خوسيه ماريا اثنار ان الغرب ضعيف الى حد يستدعي طرح الصوت على الرأي العام الغربي لانقاذ اسرائيل من السقوط ذلك ان سقوطها يعني سقوط الغرب الى غير رجعة.
ما من شك ان احدا لا يستطيع حصر الاضرار الامريكية والغربية الهائلة التي نجمت عن حرب العراق فهذه الاضرار ما زالت جارية وبالتالي لم يحن اوان حصرها بعد والراجح انها لن تكون بعيدة عن ذلك التصور الذي طرحه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في خطابه الاول بعد الغزو اذ قال".. سينتحر مغول العصر على ابواب بغداد".
ومع اننا لانعرف قواعد الحساب التي حملته على اطلاق هذا الحكم فان حصيلة الغزو الامريكي لبلاد الرافدين تكاد تنبيء بافول القوة الاعظم في العالم.
فيصل جلول، كاتب وصحافي لبناني