الحرب العالمية الثانية: الألمان والحرب الخاطفة.
دبابة "بانثر" الألمانية والتي انتج منها ما يزيد على 6000 وحدة بين عامي 1942 و 1945.
دخلت ألمانيا الحرب العالمية الثانية بدبابات محدودة القدرة عموما، لم تكن لتوازي نظيراتها الغربية إن من حيث تسليحها أو تدريعها، فعلى سبيل المثال وبداية لم يكن يزيد وزن الدبابات من طراز
"بانزر-1" والمعدة لأغراض التدريب عن الـ 5.4 طنا، ولها تسليح رئيسي مؤلف من مدفعين عيار 7.62 ملم، وتدريع بلغت سماكته 13 ملم على الأكثر، وصولا إلى الطراز "بانزر-4" بوزن 25 طنا، وبمدفع من عيار 75 ملم، وسماكة تدريع تقارب الـ 80 ملم. لقد شكلت هذه الأخيرة عماد
تسليح الوحدات المدرعة الألمانية خلال سنوات الحرب.
ومع ما تقدم فقد شاركت تلك الدبابات بنجاح كبير في اجتياح بولندا، وأظهرت ما يمكن للدبابة تحقيقه باتباع تكتيكات الحرب الخاطفة، وجائت الحملة على فرنسا والأراضي المنخفضة بنتائج أوضح
على ذلك. تجنب الجيش الألماني القيام بهجوم جبهوي على خط "ماجينو" الدفاعي الفرنسي والممتد على طول الحدود بين البلدين، لقد تكون هذا الخط من سلسلة كثيفة من الحصون الخرسانية
المنيعة، وأمامه انتشرت الخنادق العريضة والموانع الرأسية المضادة للدبابات، وكذلك الأسلاك
الشائكة والألغام، ناهيك عن الكم الهائل من المدافع الآلية والثقيلة. وعوضا عن عن التفكير بتحمل خسائر لا مبرر لها وعملا بخطط الجنرالين "فون مانشتاين" و"هانز غودريان" لجأ الجيش
الألماني لعبور غابات "الآردينز" التي نظر إليها الحلفاء على أنها مانع طبيعي لكثافتها. لقد تقدمت تلك الأرتال من الدبابات محققة إختراقا عميقا لمسافات قاربت الـ 300 كلم، ملتفة على القوات
الفرنسية والبريطانية لتطوقها في عدة جيوب وتعزلها عن خطوط امداداتها ومراكز قياداتها ومواصلاتها. استفادت الدبابات من حركيتها العالية في تحيقيق النصر خلال مدة قياسية، وهذه المرة
تفوق الألمان بتكتيكاتهم الجيدة، وليس بتصاميم متفوقة.
في حين أرست هذه الحملات دعائم تكتيكات القتال بالدروع، فإن الحرب العالمية الثانية أدت إلى
نقلة نوعية أيضا من ناحية التصميم الهندسي للدبابات، ولما كان من متطلبات تلك المرحلة، فقد زودت الغالبية الكبرى من الدبابات الألمانية، البريطانية، الأمريكية، والسوفياتية بأجهزة الراديو
اللاسلكية، وإن على مستويات مختلفة من الكفاءة، لتتحسن بذلك الإتصالات الميدانية وتتيح المجال لمرونة القيادة والسيطرة، وتوجيه الوحدات المدرعة وضمان التنسيق معها وفيما بينها. كذلك
تطورت أنظمة التعليق، فاستبدلت نوابض امتصاص الصدمات التقليدية بوسائل أحدث كقضبان اللي، بالإضافة إلى نظام "كرستي" للتعليق، فأصبح في مقدور الدبابات الوصول إلى سرعات عالية نسبيا
وخارج الطرق، والتحرك بشكل مريح أكثر فوق الأراضي الوعرة، دون تعريض طواقمها لاهتزازات عنيفة تؤدي إلى إصابتهم.
أما لجهة التسليح والدروع فقد نمت بشكل مطرد خلال سنوات الحرب، وظهر جيل جديد من الدبابات المتفوقة، ولعل من أبرزها دبابة "كي.في.1" السوفياتية، بزنة 45 طنا، ومسلحة بمدفع
قوي من عيار 76.2 ملم، ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى حادثة كمين "كراسنوجفارديسك (غاتشينا)" قرب مدينة "لينينغراد"، يوم 14 آب 1941، عندما اعترضت قوة صغيرة من 5 دبابات
"كي.في.1" بقيادة الملازم " كولوبانوف" طلائع الفرقة الثامنة الألمانية المدرعة، وخلال اشتباك استمر لمدة نصف ساعة تم تدمير 43 دبابة ألمانية، كانت في معظمها من طراز "بانزر-2"
المسلحة بمدفع من عيار 20 ملم، إلى جانب عدد قليل من طراز"بانزر-3" بمدفع من عيار 37 ملم، لا تضاهي تلك السوفياتية، لقد أحصى الملازم عدد 135 طلقة أصابت دبابته لم تنجح أي منها في
اختراقها. وجائت تصاميم الدبابات الألمانية الأحدث مثل الـ "بانثر" بزنة 44.8 طنا وبمدفع من عيار 75 ملم، ووصلت سماكة دروعها إلى 120 ملم، وتلتها الـ "تايغر-1" و"تايغر-2" التي فاق
وزنها 69 طنا، وبلغ سمك تدريعها 180 ملم في المقدمة، وتم تسليحها بالمدفع الشهير من عيار 88 ملم، كما برزت الدبابة "تي-34" السوفياتية والتي شكلت علامة فارقة في تصميم الدروع حيث ركز
فيها المهندسون السوفيات على الدروع المائلة، فزادت فعالية حمايتها بشكل ملحوظ، دون زيادة وزنها والتضحية بقدراتها الحركية، فتمتعت بسرعة عالية، وتسليح قوي، فكانت من أنجح دبابات تلك الحقبة.