حلف عسكري أميركي - إسرائيلي ضد مصر
عبدالعال الباقوري
وجود تحالف عسكري أميركي - إسرائيلي ضد مصر أمر قائم منذ 1979 ووثائقه
منشورة ومعلنة منذ ذلك الوقت. ولكن يبدو أن هناك من يهمه أن يغطي على ما
يدل على هذا التحالف. علماً أن الوثائق الخاصة بذلك موضع البحث في كتب
أساتذة القانون الدولي العام التي تتناول معاهدة 26 مارس/ آذار 1979
المصرية الإسرائيلية وملاحقها والخطابات المتبادلة بين أطرافها الثلاثة.
ولكن هذه بحوث ودراسات لا تغادر فيما يبدو قاعات الدراسة الجامعية؛ لأن
كشف هذه الوثائق سيثير علامات استفهام عدة بشأن موقف الرئيس الأميركي جيمي
كارتر، بل بشأن موقف الولايات المتحدة التي أصبحت منذ حكم الرئيس المصري
السابق أنور السادات «الخصم والحكم» بالنسبة إلى مصر والعرب عموماً، ما
جعل أحد كبار الباحثين العرب يطرح سؤالاً كان عنواناً لكتاب هو «هل يمكن
الاحتكام إلى أميركا؟[1]» إن طرح مثل هذا التساؤل يكاد يختزن تجربة العرب
في القرن العشرين، حين احتكموا إلى من كان خصماً، لكنهم ظنوه منقذاً،
فوجدوه خائناً. وهل ينسى عربي تجربة الشريف الحسين بن علي مع بريطانيا
العظمى وتحالفه وأبنائه مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية، أثناء الحرب
العالمية الأولى، إلى أن «فوجئ» بحليفته وقد أصدرت «وعد بلفور» ووقعت
اتفاقية «سايكس - بيكو» مع فرنسا، لاقتسام الأراضي التي كانت قد وعدته
بإقامة دولة عربية عليها. وفي العام ,1936 تكررت المأساة مرة أخرى، فحين
بدأ شعب فلسطين ثورته الكبرى التي تضمنت إضراباً شل الحياة في فلسطين
واستمر ستة أشهر، تشاور ملوك ورؤساء عرب ثم وجهوا نداء مشتركاً دعوا فيه
الشعب الفلسطيني إلى إيقاف الإضراب والاضطرابات اعتماداً على «حسن نوايا
صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل». وفعلاً صدقت
بريطانيا واستمرت تحتضن المشروع الصهيوني إلى أن أقيم له كيان في .1948
ومرة أخرى، ثالثة أو رابعة وربما أكثر تشابهت الليلة مع البارحة، وكان هذا
عند إبرام معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية، حيث وثق الرئيس المصري في
الرئيس الأميركي إلى أن وقعت «المفاجأة»، والمفاجأة هي الكلمة التي
استخدمها رئيس وزراء مصر ووزير خارجيتها عندئذ مصطفى خليل في رسالة مؤرخة
في 25 مارس/ آذار، وتلتها أخرى في يوم توقيع المعاهدة. والرسالتان تحتجان
على ما ارتكبته الإدارة الأميركية[2] التي أبرمت من وراء ظهر مصر مذكرة
تفاهم خاصة مع «إسرائيل» يعتبر أحد أساتذة القانون الدولي المصريين أنها
تنصرف إلى إقامة حلف عسكري أميركي إسرائيلي «في مواجهة جمهورية مصر
العربية ذاتها، وبعيداً عن أوهام الشراكة الأميركية الكاملة»[3] ولعل هذا
ما أثار غضب رئيس الوزراء المصري فخاطب وزير خارجية أميركا سايروس فانس
بقوله «لقد كانت مفاجأة كبرى أن عملنا اليوم بالمذكرة المقترحة لاتفاق بين
الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل فيما يتعلق بمعاهدة السلام بين مصر
وإسرائيل. إننا لم نستشر إطلاقاً في مضمون المذكرة المقترحة الذي يؤثر
مباشرة على موقفنا بالنسبة لتنفيذ المعاهدة. إن محتويات مشروع المذكرة لهو
مصدر قلق بالغ للحكومة المصرية». وفي الرسالة الثانية، في اليوم التالي،
قال خليل «إن حكومة مصر تحتفظ بحقها في عدم قبول أية قرارات أو أفعال
تعتبرها موجهة ضد مصر، وأود أن أوضح أن محتويات المذكرة المقترحة ستكون
لها آثار مباشرة على معاهدة السلام.. وأخذاً لذلك في الحسبان، فإنني أود
أن أحيطكم علماً بعميق خيبة أملنا في قبول الولايات المتحدة الدخول في
اتفاق نعتبره موجهاً ضد مصر».
إن غضب رئيس الوزراء المصري كما عبرت عنه رسالتان ضد هذه المذكرة ليس
مفتعلاً ولا مبالغاً فيه، فقد كانت في مضمونها ونصوصها وموادها خطيرة ضد
مصر، يكفي أن نقرأ منها الجزء الآتي:
«تتعهد الولايات المتحدة بتقديم التأييد الذي تراه واجباً لسائر الإجراءات
الملائمة التي تتخذها إسرائيل لأغراض مواجهة الانتهاكات الصريحة والمثبتة
لمعاهدة السلام. وإذا كان بصفة خاصة من شأن هذا الانتهاك لمعاهدة السلام
أن يمس بأمن إسرائيل، على نحو ما قد يتحقق بمناسبة الحصار البحري المعوق
لاستخدامها الممرات المائية أو الدولية أو انتهاك أحكام معاهدة السلام
الخاصة بتقييد التسليح أو الهجوم المسلح ضد إسرائيل، فإن الولايات المتحدة
سوف تنظر بعين العجلة في سائر الإجراءات الواجب الاضطلاع بها لأغراض وضع
حد لهذا الانتهاك، وعلى نحو ما يحققه تقوية الوجود الأميركي في المنطقة
وإمداد إسرائيل بالمعونات العاجلة ومباشرة الحقوق البحرية».
إن هذا النص وحده كافٍ تماماً لنعت هذه المذكرة بأنها تقيم تحالفاً
عسكرياً بين طرفيها ضد مصر. فما بالنا والمذكرة متعددة البنود، التي ربما
تفسر سلوك مصر تجاه الكيان الصهيوني منذ توقيع معاهدة الصلح إلى اليوم حيث
كانت «أساساً شديد الأهمية في الأمن القومي لإسرائيل»، بحسب اعتراف الكاتب
الإسرائيلي ألوف بن في «هآرتس» في 27 مارس/ آذار الماضي.
الغريب هنا هو رد فعل الرئيس السادات على هذا «التحالف المستقبلي بين
الولايات المتحدة وإسرائيل ضد مصر» بحسب تعبير بطرس غالي، الذي أضاف أن
السادات «لم يبد، كما توقعت، أي اهتمام» عندما أبلغه مصطفى خليل بالالتزام
الذي تعهدت به أميركا لإسرائيل[4].
إذاً، لقد لدغ العرب من هذا الجحر أكثر من مرة، فهل يمكن ألا يقعوا في فخ
«الخصم الحكم» مرة أخرى؟ نطرح السؤال وفي الأجواء رائحة ما يسمى «رؤية
باراك أوباما» للتسوية التي نرجو ألا تُخفي تعهداتٍ أخرى لعدو العرب على
حساب العرب.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10214