قمت بلتنسيق
/ يشد المسرحان المتصلان، اللبناني والفلسطيني ومن ورائهما المسرح السوري، الانتباه الى انشطة ايران السياسية والأمنية والاستخباراتية، ويكادان يقصران الانتباه عليهما. وإذا كان الشك لا يتطرق الى حقيقة نشاط إيراني محموم في العراق، فما يعرف منه على نحو مفصل ودقيق، قليل. ومعظمه مصدره أميركي. والمصدر يتعمد إبقاء التفاصيل الأمنية في الظل. فلا يخرج الى العلن الإعلامي إلا ما يضطر الأفرقاء الى إعلانه، بعد إفضائه الى واقعة، مثل القبض على «عملاء» أو إطلاق سراح مخطوفين أو موقوفين. وفي هذا المعرض، أعلن خاطفو ستة بريطانيين، في أواخر آذار (مارس) المنصرم، عن خطفهم رهائنهم واحتجازهم، وعن قرب الإفراج عنهم من غير ان يمسهم أذى. وإعلان «هوية» الخاطفين السرية، وعزمهم على إطلاق رهائنهم، هما ختام مفاوضات طويلة أثمرت اخيراً الإفراج عن محتجزين بيد القوات الأميركية، بينهم عميل أمني من «حزب الله» اللبناني هو حسن دقدوق، على ما أذيع. وليس دقدوق، أو موظفو القنصلية الإيرانية بالموصل المحتجزون منذ نحو عامين، إلا الجزء الضئيل الظاهر من عمل سري أمني واستخباراتي وتمويلي وتهريبي ودعاوي، كثيف ومتبادل على جهتي الحدود العراقية - الإيرانية. ولعل مسألة معسكر أشرف، حيث يقيم منذ نيف وعقدين ثلاثة الى أربعة آلاف إيراني وإيرانية من «مجاهدين خلق»، وعمليات الأهوازيين (العرب الإيرانيين)، العسكرية والإرهابية على الجهة الشرقية من الحدود المشتركة، وجها قضية أمنية مشتركة منذ احتدام العلاقات بين الجارين، وانفجارها «حوادث» دامية.
ولكن تعاقب حوادث متفاوتة الخطورة والثقل، في غضون أسابيع قليلة وفي بلدان أخرى بعيدة من الحدود الإيرانية، ويتصل بعضها بالشاغل الفلسطيني وروافده، ينبه الى عرض الدائرة الأمنية الإقليمية التي تنشط السياسة الإيرانية فيها. وأولى الحوادث هذه هي قصف إسرائيل قافلة من 3 شاحنات، محملة صواريخ «فروغ» مصدرها إيران، بشمال السودان، غير بعيد من الحدود المصرية - السودانية. والقصف الإسرائيلي كشف عن خط تموين عسكري معقد يصل موانئ إيرانية بسيناء المصرية، بوابة غزة و «حماس». وتَسترُ خط التموين بعصابات التهريب وقوافله الإفريقية والبدوية، ليس إلا بعضاً من ضرورات العمل المهني والأمني. فالحدود اللبنانية - الإسرائيلية، في مرحلة سيطرة «حزب الله» على جهتها اللبنانية علناً ثم في مرحلة سيطرته عليها سراً منذ حربه في صيف 2006، لا تصلح إلا لتهريب بعض السلاح الخفيف، وخطط العمليات، وبعض المعلومات، الى الحشيشة طبعاً وأولاً. وسبق لبواخر ومراكب قاصدة الميناءين السوريين ان رُصدت محملة بالـ «فروغ» في أعالي البحر، في أوقات متفرقة. وكان المركب الذي فتشته البحرية الأميركية، ورسا بقبرص وفتشته السلطات القبرصية وأوقفته، وصادرت أسلحة حملها من ميناء وسيط، كان المركب يتولى نقلها الى لبنان، أحدث فصل معلن من فصول المدد العسكري الإيراني الى الوكالة المحلية.
وما بقي مضمراً في الواقعة السودانية أماطت الستر عنه محكمة البدايات الجزائية بصنعاء في أوائل نيسان (ابريل) الجاري. فاليمنيون الثلاثة الضالعون في «التخابر» مع السفارة الإيرانية في العاصمة اليمنية، الى عدن ودمشق ومدن إيرانية، اتهمتهم المحكمة بتزويد ديبلوماسي إيراني معلومات عن قوات خفر السواحل اليمنية والإماراتية، غير بعيد من مضيق هرمز، والجيبوتية، في القرن الأفريقي، والأميركية. ولميناء عدن، حيث كانت فاتحة عمليات «القاعدة» وهجماتها على القوات البحرية الأميركية عشية 11 ايلول (سبتمبر) 2001، مكانة خاصة في التجسس الإيراني الخارجي والداخلي. فمن طريق الرصد المحلي بلغ طهران تفريغ 50 دبابة بميناء عدن، في طريقها الى محافظة صعدة. ومحطات الرصد ومراحله تطابق خط الرحلة المفترضة التي قامت بها سفينة الإمداد الإيرانية قبل ان تفرغ حمولتها إلى «حماس» على شاطئ البحر الأحمر، حيث المراقبة الإسرائيلية قوية ودائمة.
ويدور بصعدة قتال أهلي داخلي، شطر منه إقليمي وطائفي، بين طائفة من الزيديين، تُنسب الى عائلة الحوثي، ومرجعُها وولداه روابطهم قوية بإيران الخمينية وسياستها، وبين القوات اليمنية المسلحة والقبائل المحلية، الشافعية في معظمها. ويتفق حكم القضاء الجزائي اليمني في مسألة التخابر والتجسس مع ظهور نشاط «القاعدة» المتعاظم والمتجدد، وثبات تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية الوطنية في وقائع النشاط هذا، وفي الواقعتين الأخيرتين اللتين أصابتا سواحاً من كوريا الجنوبية ثم فريق التحقيق الكوري في الحادثة السابقة، على وجه الخصوص. وهو يتفق كذلك مع انفجار ما يسميه المراسلون انفجار الحرب السادسة، أو الجولة السادسة من حرب أهلية ومذهبية يمنية، ترهص ربما بحروب مثلها على الساحل الشرقي لشبه جزيرة العرب. وتنشب الجولة السادسة بعد إخفاق وساطة قطرية بين الجماعة الزيدية الحوثية، وظهيرها الإيراني، وبين صنعاء. وهي تكاد تكون لصيقة، زمناً، بإرجاء الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الانتخابات النيابية سنتين كاملتين، وبتعاظم الأزمة السياسية والاجتماعية بجنوب اليمن العدني و «الاشتراكي» سابقاً.
ويتبادل الطرفان المتقاتلان التهمة بـضلوع دول إقلــيمية فاعلة في الـقتال، وبتجنيد قوى أهلـية منـظمة وزجــها فيه. فــيعزو زيــديو صــعدة الحوثيون انفجار القتال الى تسلل مئات من «القاعدة» الى المحافظة، وإعــدادهم هجمات إرهابية على من تسميهم القبائل المحلية «عملاء إيران». ولم يكد القتال يندلع، في الثاني من نيسان، في مديرية غمر، حتى سيطرت القوات الحوثية المدربة على مقر وزارة الاتصالات المحلي (على مثال «لبناني» خميني؟)، وحاصرت مقر المديرية الإداري وقيادة حرس الحدود اليمنية - السعودية القريبة. ونشرت القوات الحوثية القناصة في المواضع المطلة على الطرق، وحفرت الخنادق على أطراف معاقلها. وهذا كذلك قريب من نهج في القتال الداخلي والأهلي ينزع الى التحصن في ديرة بلدية ومحلية تحتمي بتجانس سكانها، وبتعبئتهم كلاً وجميعاً على العدو الأهلي و «دولته».
وتمهد لمثل هذه الحرب أعوام طويلة من الإعداد «الإيديولوجي»، والاستدخال والتسلل بواسطة «طلبة العلم»، وأئمة المساجد، والزيجات المختلطة، والزيارات، والإقامة الطويلة، والمعونات المتفرقة، التي تتخللها كلها، على هذا القدر أو ذاك، تدريبات عسكرية في ميادين كثيرة. ولا يشك المراقب، ولو من بعد ومن طريق الصحف، في التمهيد الحوثي المديد لإنشاء المعزل الأهلي والأمني في الجبال الوعرة والقريبة من حدود اليمن الشمالية. ولا يشك، من وجه آخر، في استيعاب الجماعة الحوثية دروس «نظيرها» اللبناني السياسية. فالمعازل المذهبية في دولة متصدعة ومتنازعة هي خير مسرح تخاض عليه حرب «مظلومية»، يسقط فيها عدد كبير من «الشهداء المظلومين»، على عدو أهلي أو إقليمي، أو أهلي - إقليمي معاً، «ظالم». ولا يعصم اليمن، وهو تطل شواطئه على بحر العرب وعلى البحر الأحمر، وهما شريانا نقل حيويان وبوابتان قاريتان على جنوب آسيا وشرق أفريقيا، لا يعصم اليمن بعده من فلسطين وإسرائيل ودول «الطوق». فالطرق الإقليمية يسعها كلها الوصول الى «فلسطين»، إن لم يسعها المرور بها، على مثال مجرب ولد العشرات من النزاعات الأهلية الى اليوم. والتظاهرات الصغيرة والخاطفة في زواريب المنامة أو جبانات الأرض الحرم، هوامش على