تكتيكات المقاومة الفلسطينية
منذر جوابرة | 2014/07/20 | أخبار، مجتمع التدوينات
ربما يليق بنا أن نطلق تسمية العدوان بالحرب المتكافئة التي تدور الآن مع المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الإحتلال الغاشم عليها،
وربما يجدر بنا تسميتها بالحرب المتكافئة كنوع من الإرتقاء بمستوى إدارتها ومحاولة إضافة عناصر كثيرة وجديدة على الميدان بعد
أن أصبحت وحدها تقاتل وتضع الإحتلال في موقف التفكير، وليست بالمبالغة أن نقول أن المقاومة الآن تساهم بجزء كبير في إدارة
الأحداث بالوقت والزمن الذي تشاء أن تكون فيه.
هي حرب متكافئة باللغة الفلسطينية وبين المتفقين على مفهوم المقاومة، أما من الناحية المنطقية وأمام الرأي العالمي فنقول أن بيوت
الغزيين تُدك وتقصف، وميزان القوى العسكري ليس لنا أمام أعتى جيش من جيوش العالم كما يروج له، ولكن الإرادة ستسبق التسلح
وكل أشكال التكنولوجيا في العالم، وهذا هو الواقع.
في يد المقاومة العديد من الأوراق، وهي تعمل الآن على تتبع مراحل مدروسة تنتهج فيها المقاومة الإستراتيجية، والصبر
والمراقبة والتحليل، والإستفادة من الدروس والعبر، وعدم إعادة الأمور على نفس الوتيرة أو إعتماد خطة واحدة في إدارة هذه الحرب،
بل هناك خطوات مركبة تعتمد على " التغذية الراجعة " من الميدان ومما يقوم به الكيان المحتل على أرض الواقع، وعليه نجد أن المقاومة
الآن وتحديدا كتائب عز الدين القسام لديها القدرة على أسر أكثر من جندي من داخل المعسكر الإحتلالي والعودة به لغزة، إلا أنها تعمد
على لعبة العصا والجزرة، بحيث يعمل شباب المقاومة على الهدى والتروي، فالكيان المحتل الآن يناطح في طواحين الهواء " كدونكي شوت "
ليس في جعبته أهداف واضحة ومحددة، ومجرد مطالبته بوقف اطلاق الصواريخ يعمل على فتح شهية الضحك لكثرة ما في طلب
الاحتلال هذا من سذاجة وغباء، وكأنه يقول لهم سأحتل وأقتل وأضرب وممنوع عليكم الإعتراض. وهو يعلم جيداً أنه لا يقدر
على ذلك، ولكن أمام الرأي العام لمستوطني الكيان يريد أن يعمل ذلك.
وكما أسلفنا أنه في حالة أسر أي جندي صهيوني سيعمل على قلب المعركة وستفقد المقاومة كل زمام الأمور بسبب أن جزء من إدارة
المعركة الآن هي نفسية، وهنا تمارس المقاومة إعادة الكرة لملعب الكيان، يفكرون بنفس منطق العدو، ومن نفس الزاوية التي يفكر
بها، ومن هنا تبدأ الأمور بالتساوي، فالمعركة وإن كانت مجحفة بحق الفلسطينيين والمدنيين، وبما يمتلكه الكيان من آليات وتكنولوجيا،
فهي غير مناسبة لحالة غزة.
في ظل الكثافة السكانية، والمفاجآت التي تأتيهم من تحت الأرض لا من فوقها، وفي هذه الأثناء قليلاً ما نسمع عن إغتيالات أو قصف
للمقاومين أو منصات الصواريخ أو غيرها، وكلها إدعاءات إسرائيلية غير دقيقة، وما يحسم في مثل هذا الأمر هو الميدان، المساحة
التي تقف عليها يمكنك الحديث عنها، أما تلك فهي ليست من حقك.
المقاومة الآن، وبالتحديد سياسياً تبحث عن تعاطف دولي، وهذا من حقها، مثلما الكيان المحتل يبحث عن تعاطف ودعم دولي، أيضاً
من حق المقاومة أن تشق هذا الطريق في هذا الإتجاه، لا سيما أن جزء من المعركة هي تجييش الرأي العالمي في ظل تواطؤ الموقف
الرسمي والحكومات أوروبياً وعربياً وفلسطينياً أيضاً، وسيطرة أمريكا على مجريات الأمور وفقاً لحاجات وإعتبارات إسرائيلية،
وفي ظل هذه الحيثيات ستبقى الحرب بين المد والجزر ( حامي، بارد )، من أجل أن تبقى الأوراق في يد المقاومة وتستطيع
إستخدام ( الجوكر ) في وقت الأزمات، وهو أن تدخل لأسر جنود في حالة الشعور بفقد السيطرة ميدانياً.
التطورات العسكرية - ان صح التعبير - التي فاجأتنا فيها المقاومة بالفترة الأخيرة تقدم منجزاً تاريخياً لفكر المقاومة التي تعتمد
في بناء قوتها ذاتياً من خلال صناعة الرصاص والسلاح والصواريخ، ومؤخرا طائرة بدون طيار، وهذه صفات وحقائق ومراحل
عبقرية في نهج المقاومة أن تصل لمثل هذه الصناعات في زمن قياسي وفي ظروف تحت الحصار ويمنع عنها كل أنواع الحياة،
هذه معادلة مهمة على الإحتلال أن يستوعب كم يحب هذا الشعب الحياة بنفس القدر الذي يحب به الموت في سبيل الحرية وتحدي كل المستحيلات.
وفرق الضفادع البشرية المدربة والتي قامت بالفعل على تنفيذ مهمات لها داخل أراضي فلسطين المحتلة واستعداد المقاومة
للبقاء لآخر قطرة دم، فإما ينسحب محققاً هدفه، أو الإستشهاد ولا حل ثالث.
إن الجرأة التي يدعيها الإحتلال بالإجتياح البري لغزة ليست بعيدة، ودرجة إحتمالها كبيرة، ولكن مجرد فعلها سيكلف الكيان بعضاً من
كرامته وجنوده وهزيمته التي سيتردد صداها عالمياً أكثر منها محلياً، وسسيعزز قوة المقاومة أكثر فأكثر، ودائما لا أثق بأخلاق جيش
الإحتلال، وسيدفعه إرباكه إلى القيام ببعض المجازر، والقتل العشوائي، لكن كل هذا لا يعني شيئاً للفلسطينيين لسبب بسيط أن الموت
لهم بالمرصاد كل يوم، وفي أيام غير الحرب المباشر يموت أعداداً أكثر بكثير من أيام الحروب، ولإعادة الإعتبار ورسم سياسات قوة
جديد في المنطقة ستقوم المقاومة بالقتال بشراسة محتدمة الضمير وهي معركة إثبات الذات من خلال منطق القوة. ولطالما فرض الكيان
حربه البرية على غزة أو إجتاحها فستفتح أبواب جهنم عليه.
ولن نستبعد أن نسمع أخباراً تفيد أن هناك مجموعة من المقاتلين موجودة في تل أبيب أو حيفا، أو أن بعض المقاومين ظهروا من
خلف الجيش ومن تحت الأرض، هذه المعركة هي معركة أرضية بامتياز، وهي ما تحت الأرض بالتحديد، سيعاني منها الإحتلال كثيراً
وستسقط من خلالها حكومتهم الصهيونية، وتعيد ترتيب أوراقها من جديد.
وفي حال حدوث ذلك، فإن المعركة الباردة ستنتقل على الضفة الغربية والقدس والداخل، وسيستشرس الإستيطان، وسيعاملوا سلطة أوسلو
بكل أشكال الإهانة والقمع، سيحاولا تعويض خسارتهم وهزيمتهم النفسية في الضفة الغربية، وهي آخر المعاقل التي تشكل خطرا
إن كان سياسياً أو ميدانياً على الإحتلال لهشاشة الفلسطينيين في الضفة مما فعلته أوسلو عبر كل هذه المرحلة في وأد الحراك الشبابي
والثوري من أجل المنجز السياسي الذي لم يتحقق منذ واحد وعشرون عاماً ولن يتحقق.
المصدر