لقد تطورت الحرب مع مرور الزمن فتطورت طبيعتها وأهدافها واستخداماتها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها. وفي العصر الحديث انتقلت ميادين الحرب من برية وبحرية إلى جوية باختراع الطائرات كوسائل نقل مدنية ووسائل حربية، وتنوعت أيضاً مهمات الطائرات الحربية وأنواعها، من الطائرات نقل للأفراد والمعدات والأسلحة إلى طائرات مقاتلة وقاذفة وإلى طائرات عمودية مقاتلة ومنها طائرات للنقل والانزال، فجنود المشاة أصبحوا يقاتلون مباشرة على اليابسه من خلال عمليات الإنزال وأيضا بعد إنزالهم على اليابسة مباشرة.
قوات الإنزال الجوي في التاريخ
في عام 1918م كادت أن تنفذ عملية إنزال المظليين من أفراد فرقة المشاة الأمريكية الأولى وراء الخطوط الجوية الالمانية، بعد حصول أحد ضباط القوة الجوية الامريكية واسمه (ميشيل) على موافقة (بيرشنغ) ولكن العملية ألغيت لانتهاء الحرب. ولم يحصل (شينولت) أيضاً في الولايات المتحدة على الدعم الرسمي لإنزال المظليين حيث عرض بين عامي 1925م- 1928م كيفية استعمال المظليين(1).
لقد كان للاتحاد السوفياتي السبق في استخدام الطائرات وإنزال المظليين فتحميل المعدات والآليات والجنود ليس بالأمر البسيط وكان آنذاك يحتاج إلى مطارات من أجل التحميل والتنزيل. فقد ظهر المظليون أولَ مرة عام 1930م قرب (فرونزا، وموسكو) في مناورات الجيش الأحمر وبعدها رياضة القفز بالمظلات في كل أنحاء روسيا حتى بلغ العدد حوالي مليونين.
إن مهمة وحدات المظليين الأولى كانت مهاجمة مؤخرات العدو ومضايقته وإزعاجه ومهاجمة نقاطه الحساسة، وفي عام 1934م أصبح لدى السوفييت فرقة كاملة من المظليين حيث تم نقلها في مناورة من موسكو إلى (فلاديفستوك). وفي عام 1936م تمّ إنزال كتيبتين من المظليين في (كييف) ومعهما (16) مدفعاً في مناورة استغرقت ثماني دقائق. وقد كانت مهمات المظليين في ذلك احتلال المضائق الجبلية ومنع تحرك القوات الاحتياطية على الجبهة وأيضاً تأمين رأس جسر على النهر المراد عبوره.
بدأ الألمان بفكرة الوحدات المنقولة جواً في عهد هتلر حيث أنشئت في عام 1936م وحدات من المظليين وفي عام 1938م أصبحت لديهم فرقة كاملة وفي عام 1941م أصبح لديهم فيلق من المظليين والقوات المنقولة جواً. وعمل الألمان على تطوير مهمة الوحدات المنقولة جواً لتتفق من الحرب الخاطفة من أجل شل الخصم استراتيجياً وبث الرعب في الخصم وتحقيق الحسم بصورة غير مباشرة. وقد نفذ الألمان أول عملية إنزال في 12 آذار 1938م حيث كلفوا بالاستيلاء على مطار (واجرام) في النمسا. فانزلت كتيبة مشاة وتبعها إنزال المعدات الثقيلة.
واستخدم المظليون في أيلول 1939م في هجومهم على بولندا (2) أما خطة الألمان في احتلال بريطانيا التي تسمى (خطة أسد البحر) عام 1941م فكانت تتضمن إنزال ثمانية آلاف جندي على سواحل بريطانيا.(3).
أما الحلفاء فقد استخدموا الوحدات المنقولة جواً في أيلول عام 1941م حيث تم تشكيل لواء مظليين في بريطانيا. ومن أهم عمليات الإنزال الجوي في الحرب العالمية الثانية: الإنزال على ساحل نورماندي. (4)
وأما بالنسبة للفرنسيين فنفذوا بين عامي 1948م و 1954م أكثر من مئتي عملية إنزال واستخدموا المظليين خلال احتلالهم للجزائر.(5).
أهمية قوات الإنزال الجوي
إنّ قوات الإنزال الجوي لا تشكل إلا نسبة بسيطة من القوات المحاربة إلا أنّ لها قوة كبيرة في القتال من حيث السيطرة على الأماكن المهمة للعدو وتشتيت تجمعاته وإرباكه، وهذا يعود لعوامل متعددة، منها: المرونة العالية، والسرعة في الاقتحام، والقدرة الكبيرة على تجاوز خطوط العدو. ومن الواجب علينا أن نميز بين القوات المحمولة جواً والقوات المنقولة جواً فالقوات المحمولة جواً تحمل الجنود والمعدات وتنتقل من مطار إلى آخر، بينما القوات المنقولة جواً تحمل الجنود والمعدات من المطارات وتقوم بانزالهم جواً(6).
أقسام عمليات الإنزال الجوي
1- عمليات قصيرة ومدتها من عدة ساعات إلى ثلاثة أيام وتقوم بها وحدات فرعية من المظليين ومهمتها السيطرة على أماكن العدو المهمة في الخلف ومنع القوات الاحتياطية من الاقتراب من تلك المنطقة والمساعدة في ضرب مؤخرة العدو.
2- عمليات طويلة تستغرق أكثر من ثلاثة أيام وتقوم بها وحدات كبيرة من المظليين ومهمتها مثلاً: الاستيلاء على رأس جسر وضرب المطارات وتطويقها واقتحامها وأيضا ضرب أماكن صواريخ للعدو. (7).
الطائرات العمودية
ودورها في الإنزال الجوي
بعد اختراع الطائرات العمودية أصبح بالإمكان إنزال الآليات والمظليين بأقل الخسائر لأنها تنزل في معظم الأماكن على سطح اليابسة وتؤمن هذه الأماكن بسرعة(8).
ويتميز الإنزال بالطائرات العمودية بما يلي:
1- صد وتدمير الهجمات المعادية على الأرض مع الاستعانة بالطائرات المقاتلة في الجو كغطاء لتلك العمليات.
2- إمكانية انطلاق الحوامات مرة أخرى داخل تجمعات الخصم إذ اقتضت الضرورة والوصول لأهداف أخرى.
3- استخدام الطائرات العمودية في الاخلاء والإمداد والنجدة (9).
أهمية اختيار أماكن الإنزال
إنّ الهدف من القوات المنقولة جوا الحصول على نتائج يستحيل الحصول عليها بوسائل أخرى، وتعتمد هذه القوات في تحقيق ذلك على مبدأ المفاجأة والاستيلاء على النقاط الحصينة والقضاء على مقاومة الخصم.
إنّ عدم الدقة في اختيار أماكن الإنزال يؤدي لنتائج غير جيدة فالدقة في اختيار المكان لها أهمية كبرى وخاصة في تحقيق المفاجأة فإذا كان الاختيار سيئاً فسيؤدي لإصابة عدد كبير جدا من طائرات الانزال وإلى خسارة كبيرة أيضا في صفوف المظليين. ولذلك يجب أن يُختار مكان الانزال بعناية حتى لا تكون الخسائر كبيرة في الطائرات والآليات والأسلحة والمظليين. ولذلك من الواجب على قادة المظليين أن يدرسوا أماكن الإنزال بعناية فائقة وطبيعة قوات الخصم فيها وأن يقوموا بحساب الربح والخسائر في حالة المخاطرة.
إنّ اختيار الغابات أو أعالي الجبال أو المناطق المعمورة بالماء اصلح للإنزال من الأرض المكشوفة. ومن المستحسن في بعض الأحيان أنّ يكون الإنزال على مقربة من الهدف المراد السيطرة عليه أو القضاء عليه (10) ومن المستحسن أيضا أنّ تكون المساحة كافية تستوعب قوات الإنزال(11).
أهم العوائق
التي تواجه قوات الإنزال الجوي
1- قلة أعداد المظليين وهذا يعود لقلة المتطوعين من الجنود والضباط بسبب الخوف وضعف اللياقة البدنية وأيضا قلة حجم الأسطول الجوي المخصص للنقل.
2- صعوبة الظروف القتالية لقوات الانزال الجوي من حيث طبيعة الأرض التي ستنزل عليها والوقت والظروف الجوية السائدة وأيضا وجود قوات الخصم وعددها.
3- عدم وجود عدد كافٍ من الحوامات.
4- صعوبة اختيار أماكن الإنزال. وهذه من أصعب المشكلات التي تواجه القادة فاختيار المكان غير المناسب يؤدي للقضاء على قوات الإنزال الجوي.
5- عدم توفر المعلومات الكافية عن الهدف. وهذه المعلومات تتعلق بطبيعة الهدف وجنود الخصم وأسلحتهم ودفاعاتهم.
6- الظروف الجوية وتقلباتها سواء أثناء عملية النقل أو الانزال.
7- التهديدات المباشرة لطائرات النقل أثناء الطيران. ولذلك يجب أن ترافق طائرات الإنزال مقاتلة من أجل حمايتها أثناء التحليق وأثناء الإنزال.
8- هجمات العدو أثناء الإنزال، وتعتبر هذه المرحلة من المراحل الصعبة حيث يتعرض المظليون فيها للاصابة والآليات والمعدات للعطب.
9- صعوبة التأمين الفني والطبي والإداري لقوات الإنزال. ولذلك يفضل أنّ يكون عند المظليين الخبرة في الإسعافات الأولية وإصلاح الأعطال(12).
مميزات المظليين:
فهم العنصر الرئيسي في القتال وفي تحقيق المفاجآت وفي حصول المفاجآت غير المتوقعة لهم أيضا. وعلى كل يجب أنّ يتميز المظلي بما يلي:
1- أن يصيب الهدف بدقة من البنادق والرشاشات.
2- أن تكون عنده القدرة الفنية في الاستطلاع واستعمال المدافع وقيادة الآليات واصلاحها.
3- أن تكون عنده الخبرة الكافية في أعمال التفجير والنسف للأهداف.
4- إجادة السباحة من أجل اقتحام المواقع المائية وتهيئة الوقت لقواته من أجل عبور المنطقة.
5- التدريب النظري والعملي.
6- أنّ يكون ذا قوة بدنية عالية وأن يتصف بالصبر وتحمل الصعاب.
7- أنّ يجيد ألعاب الدفاع عن النفس(13) وأَضيف أيضاً.
8- أنّ يكون مدربا نفسيا على ظروف القتال والإصابة والتعرض للأسر وتحمل ذلك.
ملاحظات جديرة بالاهتمام
1- يجب مراعاة أنّ قوات الإنزال لن تبقى لمدة طويلة وأن يقدم لها الدعم باستمرار.
2- أن يكون الإنزال قريبا من الهدف.
3- مراعاة الأحوال الجوية خلال الإنزال وبعده.
4- أنّ يكون هناك عزل جوي للمنطقة قبل الإنزال والعمل على إسكات المدفعية الارضية.
5- اختيار الوقت المناسب ليلا أو نهارا.
6- عدم الإنزال من ارتفاعات عالية حتى نتلاشى الضربات الدفاعية للخصم وحتى لا يقل اثر المفاجأة.
7- أن نلجأ إلى اختيار أفضل الأراضي وأوسعها للانزال.
8- التفوق الجوي فلا يجوز أن نجري إنزال المظليين وبالتالي لا يكون عندنا طيران كافٍ لمساعدتهم إذا لزم الأمر.
9- أن نكلف المظليين بواجبات أساسية حسب الحاجة.
10- التنسيق المستمر ما بين القوات البرية والجوية (14).
الخلاصة:
لقد رافق عمليات إنزال المظليين التطور في وسائل النقل وفي المعدات والأسلحة إذ أصبحت تمتاز المعدات والأسلحة بخفة الوزن من أجل سرعة نقلها ومن أجل نقل أكثر كمية منها، وقد أصبحت المدافع الخاصة تصنع من الألمنيوم، وتعد أكبر طائرة عمودية للنقل هي الطائرة (12 -MI) روسية الصنع اذ رفعت حمولات حوالي أربعين طناً (15).
وأرى أيضا أنّ تقوم قوات الإنزال الجوي بأعمال أخرى، منها:
التعاون مع العملاء.
العمل على تلغيم المناطق المشتبه فيها للإنزال.
القيام بعمليات استطلاعية فلا يجوز الإنزال بدون معرفة طبيعة الأرض وبمدى تقبل المظليين للإنزال ليلا أو نهاراً.
اجراء تدريبات تشبيهية على الهدف.
ولذلك تعتبر قوات الإنزال الجوي من أهم عناصر القوات المسلحة سواء في الاقتحام أو السيطرة على مكان ما.