ويمكننا تلخيص نقاط عمل أجهزة المخابرات فى النقاط التالية
* أنها عمل يعتمد فى المقام
الأول على جمع المعلومات أيا كان نوعها ومهما كانت تافهة أو تبدو بسيطة
غير مؤثرة , فكل معلومة مهما كانت بساطتها هى معلومة بالغة الأهمية عندما
يتم توظيفها فى مكانها الصحيح ,
* تأتى بعد ذلك مرحلة فحص
المعلومات القادمة من سائر المصادر الداخلية والخارجية لمراجعتها والكشف
عن صحتها وتصنيفها بواسطة أقسام مختلفة فى أجهزة المخابرات
* بعدها تأتى مرحلة التجميع والتنسيق بين مختلف المعلومات وضمها إلى بعضها البعض للخروج بنتيجة أو معلومة جديدة يصل إليها رجال المخابرات بالتحليل العقلي للمعلومات وفقا قواعد معروفة وتبدو الحقائق التى تتوصل إليها الأجهزة كأنها ضرب من التنبؤ الخارق
ولهذا السبب فإن معيار التميز الذى يميز جهاز مخابرات عن آخر هو الرجال ,
وظل هذا العامل قائما بالرغم من التقدم التكنولوجى الساحق الذى ساد عالم
اليوم , وهو عامل مساعد نعم , لكن العامل الرئيسي براعة وحسن تدريب العنصر
البشري وسرعة تفاعله مع العمليات وفق ظروفها ,
وقد رأينا ما فعلته المخابرات المصرية ونجحت فيه ببراعة كاملة فى خداع أقوى
ثلاثة أجهزة مخابرات فى العالم , الأمريكية والإسرائيلية والسوفياتية
عندما حققت مفاجأة حرب أكتوبر كاملة رغم وجود تقدم تكنولوجى هائل بين
وسائل جهاز المخابرات المصري والوسائل التقنية الممنوحة من المخابرات
المركزية لإسرائيل وأخطرها خدمة مراقبة القمر الصناعى للحشود وتحركات
وحدات القتال , وهى حركة كان حتميا أن تظهر للقمر الصناعى الأمريكى قبل
بدء الحرب مما يقلب ميزان المعركة لصالح إسرائيل , فما كان من المخابرات المصرية
إلا أن قامت بالحصول على مسار القمر الصناعى الأمريكى وتحديد ساعات وجوده
فوق الجبهة وتم إصدار الأوامر لوحدات النقل باتباع خط سير مدروس بعناية
علمية عن طريق خبراء الرصد , بحيث لا تتحرك الوحدات إلا فى فترات غياب
القمر !
وهناك قسم يعد هو أخطر أقسام المخابرات
الذى يقوم بفحص وتمحيص المعلومات , فليس معنى وجود جاسوس أو عميل لجهاز
معين فى بلد أخرى يقوم بإرسال المعلومات فيقبلها جهاز مخابراته على علاتها
, بل إنها تخضع لغربلة وفحص شديد الدقة والأساس فى تلك العملية أن كل
معلومة مفترض فيها الخطأ وكل عميل يُـفترض فيه الشك أو خطأ التقدير
وقد رأينا ما فعلته معلومة واحدة مدسوسة من المخابرات البريطانية على المخابرات
اليابانية أدت إلى اتخاذها قرار نسف بيرل هاربر على نحو أدى فيما بعد لضرب
لهيروشيما ونجازاكى كرد فعل انتقامى من الولايات المتحدة لضحايا فى بيرل
هاربر
وعمل المخابرات بهذا التعريف معناه فحص المعلومات واستبعاد المدسوس والخاطئ منها وانتقاء الصحيح فقط ,
هو عمل يمكننا أن نقول بإطمئنان أن الحضارة الإسلامية سبقت إليه أجهزة المخابرات
الحديثة بعشر قرون على الأقل , وفى عصر كانت وسيلة التنقل فيه هى قوافل
الجمال ووسيلة التواصل هى الرسائل التى تظل شهورا قبل وصولها ووسائل
الإتصال فيه معدومة تقريبا , وفوق كل هذا كان العصر عصر صدق وحسن نية يصعب
أن يوجد فيه من يتخذ الشك كقاعدة والثقة هو الإستثناء وهى قاعدة أساسية
كما رأينا فى مجال المخابرات عملية فحص وتمحيص السنة النبوية
أكثر
ما يستفز المرء فى هذه الأيام , ما يتردد بين الفينة والأخرى من نظريات
وأفكار يحملها بعض الجهلة ليطعنوا فيها على صحة بعض الأحاديث الثابتة فى
السنة النبوية بمبررات مختلفة , فتارة يكون الطعن بعدم اتفاق الحديث مع
العقل , وتارة أخرى لتضاد الحديث مع القرآن أو مع حديث آخر ثابت ..
وداعى الإستفزاز هنا هو الشعور
الطبيعى بمدى حماقة الطاعنين إزاء إقرار صحة تلك الأحاديث الذى أتى من
علماء ورجال الحديث السابقين بعد جهد يفوق طاقة البشر ووفق قواعد يعجز
عنها علماء العصر الحالى رغم توافر التطور التقنى والتقدم التكنولوجى ,
فعلماء السلف الذين تكفلوا بتحقيق الحديث وبيانه , لم يتركوا شاردة ولا
واردة تخطر ببال إنس أو جن إلا ووضعوها بأذهانهم وهم يمارسون عملهم وهى
قدرة عقلية مذهلة على افتراض الإحتمالات لم نرها إلا بعصرنا الحالى مع
تقدم الحضارة البشرية ونشأة مجال المخابرات التى تقوم على معالجة القضايا الوطنية من أكبر إحتمال لأصغر رد فعل ولا تترك شيئا للظروف
وإزاء هذا الجهد الخرافي يستشعر المرء الكمد عندما يتصدى بعض المدعين فيهدموا فى لحظة واحدة كل هذا النتاج الفائق
ولنعرض لمراحل تحقيق السنة بشكل مبسط عارضين جهد علماء الحديث { المحدثون
} وطريقة تحقيقهم وتحريهم لصحة الحديث أو بيان حالته لنعرف أقل ما ينبغي
معرفته من فضل هؤلاء العمالقة الذين أقر بفضلهم وبراعتهم الأمم المخالفة
للإسلام من فرط الإنبهار ” 4 “