الدولة الإيرانية محددات القوة وعوامل الضعف
هذه الدراسة صدرت ضمن سلسلة (دوليات) التي يصدرها المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة سنة 2010، ويقع في 120 صفحة من القطع المتوسط، وقد أعد الدراسة الأستاذ شفيق علام.
تهدف الدراسة لبحث مفهوم القوة في الفكر السياسي وما هي مظاهرها وكيف يمكن قياسها؟ ومن ثم تطبيق ذلك على الدولة الإيرانية بتحديد نقاط قوتها ونقاط ضعفها، والدراسة تتناول الفترة من 2001 إلى 2010.
بعد مقدمة نظرية عن القوة والعلاقات الدولية يلتزم الباحث خمسة مؤشرات لقوة الدول اقترحها راي كلاين يمكن قياسها كمياً، هي: الكتلة الحيوية (الأرض- السكان)، القوة الاقتصادية، القوة العسكرية، الهدف الاستراتيجي، الإرادة الوطنية.
وينبه الباحث على نقطة في غاية الأهمية وهي أن القوة صناعة وإرادة، فبعض الدول قد تتساوى في مصادر القوة كالسكان والموارد والإقليم لكنها تتفاوت في القدرة على إنتاج القوة وإرادتها.
بعد هذه المقدمة النظرية يدلف الباحث لفحص المؤشرات الخمسة في حالة إيران، ففي مؤشر الكتلة الحرجة، تناول موقعها الجغرافي وميزاته الجيوبوليتيكية التي تمنحها قوة، ويرتبط بهذا دراسة حالة حدود إيران مع دول الجوار وأنها إحدى نقاط ضعف إيران لوجود عدد من نقاط النزاع والخلاف فيها مما قد ينذر بنشوب صراعات مستقبلية فيها.
ويتناول هذا المؤشر خصائص الوجود السكاني في إيران من ناحية التعليم والصحة والعمل، ويخلص إلى أن إيران دولة مختلطة عرقيا ولغويا ومذهبيا، وهذا يعد مؤشر ضعف، خاصة وجود هذه العرقيات في الأطراف ووجود امتداد لها خارج إيران، ويعتقد الباحث أنها أكثر نقاط ضعف إيران. أما مؤشر القوة الاقتصادية ولا يقصد به مجرد حيازة الدولة لموارد وثروات، بقدر ما هو حسن إدارة تلك الموارد بما يحقق مصالح الدولة، ومؤشر القوة الاقتصادية يظهر من مؤشرات فرعية: إجمالي ناتج الدولة، متوسط دخل الفرد، القاعدة الصناعية، معدل النمو، حجم إنتاج واحتياط الطاقة، نسبة الأرض المزروعة بالنسبة للسكان.
ورغم قوة مؤشرات إجمالي ناتج الدولة والصناعة والطاقة إلا أن متوسط دخل الفرد أقل من متوسط نظيره في دول الجوار (السعودية، تركيا، إسرائيل)، ولم تحقق زيادة الأرض المزروعة زيادة في إنتاج الحبوب تواكب زيادة السكان.
وفي مؤشر القوة العسكرية والذي هو أهم المؤشرات، فإيران عندها أكبر جيوش المنطقة، حيث يبلغ تعداد أفراده 523 ألفاً، أما عن تسليح إيران فالمعلومات شحيحة ولكن تبدل مصدر السلاح من الغرب وأمريكا تحديدا بعد سقوط الشاه لروسيا والصين وأوروبا الشرقية جعل هناك خللاً في الترسانة العسكرية الإيرانية مقارنة بدول الجوار، وحتى مع لجوء إيران للتصنيع العسكري فلا تزال الفجوة واسعة ولم يحقق التصنيع العسكري الإيراني نفسه في سوق السلاح.
أما المشروع النووي فإيران تسعى جادة لتصبح دولة نووية لكن لا يوجد معلومات مؤكدة عن مدى اقتراب إيران من هدفها.
وفي مؤشر القدرة الاتصالية لإيران، ويقصد به قوة التكنولوجيا والاتصالات من خلال عدد خطوط الهاتف الثابت والمتنقل، وعدد مستخدمي الإنترنت وامتلاك الدولة للأقمار الصناعية، نجد أن إيران لديها تفوق جيد في هذا المجال.
وفي مؤشر الإرادة القومية والتي تتجسد في القيادة السياسية والأهداف الإستراتيجية وحجم القاعدة العلمية، ويدل عليها نسبة الضرائب من الدخل، ونسبة الإنفاق على البحث العلمي وتوفر مستلزمات الحياة للمواطن ونسبة الصادرات، وإيران تعاني في بعضها قصوراً كبيراً.
وفي مؤشر القدرة الدبلوماسية ويتمثل في حجم التمثيل الدبلوماسي للدول في إيران، وحجم التمثيل الدبلوماسي الإيراني في دول العالم.
ففي إيران 91 بعثة دبلوماسية مما يمثل ضَعفا مقارنة بدولة مثل مصر لديها 161 بعثة دبلوماسية، ولإيران 131 بعثة دبلوماسية في الخارج مما يحقق لها حضوراً قوياً ونشطاً.
وفي المؤشر السياسي والأخير، ويدل عليه مستوى الحريات، والمشاركة بالانتخابات ومعدل كفاءة الحكومة وفاعلية البرلمان من حيث التمثيل والمحاسبة واستقرار الدولة.
وتتميز إيران بكثافة المشاركة الانتخابية مع تدني نزاهة الانتخابات، أما استقرار الدولة وكفاءة الحكومة فهي ذات منزلة متدنية جدا في بيانات الأمم المتحدة، أما الحريات فهي تشكو بشدة في إيران.
الخلاصة: تتميز إيران بقوة في البعد الجغرافي والديمغرافي مع وجود نقاط ضعف خطرة، القوة الاقتصادية أهم مظاهر قوة إيران، وفي القوة العسكرية فهي كبيرة الحجم مع ضعف التجهيز، لكن سعيها للسلاح النووي والكيماوي هو ما يخلق الجدل والقلق، وقدراتها الاتصالية جيدة، أما مؤشرات الإرادة القومية فهي متباينة، فعلى صعيد السياسة ضعيفة بسبب القمع والفساد، وعلى صعيد الأهداف الاستراتيجية فهي قوية، أما القدرة الدبلوماسية الخارجية خصوصا فهي قوية، أما وضعها السياسي فهو ضعيف.
وبعد هذا الاستعراض للدارسة المهمة، يتبين لنا أن إيران لا تتميز بقوة زائدة عن الدول العربية، بل قد تكون دول الخليج أكثر تسليحاً وأحسن!!
وهذا يؤشر على أن قوة إيران الحقيقية هي في وجود إرادة سياسية لتنفيذ أهداف استراتيجية وتسخير القدرات الاقتصادية والجيوبولوتيكية لذلك، وأكبر أداة لذلك هي صناعة الحلفاء خلف خطوط العدو واللعب على التناقضات للوصول لأغراضها، وهي نقطة غابت عن الدراسة رغم أنها قد تكون أكبر نقاط قوة إيران في تحريك حلفائها في الدول الأخرى كما حدث في العراق اليمن ولبنان وسوريا ودول الخليج، فهل تدرك الدول العربية أن ما ينقصها هو الإرادة السياسية؟
http://alburhan.com/main/articles.aspx?article_no=5122#.VJ3c7eRTA