لا توجد دراسة موثقة يمكنها حصر عدد الذين يدخلون *يوميا* علي غرف الدردشة
(الشات) علي شبكة الانترنت، وربما لن يوجد في المستقبل المنظور مثل هذه
الدراسة، لتشعب هذه الغرف واتساعها باتساع شبكة الانترنت نفسها، لاسيما
وإنها تدار بطريقة لامركزية.
ومع ذلك يمكن القول إن الذين يدخلون إلي هذه الغرف يوميا *خاصة* من الشباب
والفتيات تقدر أعدادهم بالملايين، ووسط هذا الكم الهائل من المصادر
البشرية، تنشط أجهزة المخابرات، و'نقاط تمركز' دولية لرصد وتحليل سيل
المعلومات المتدفق، بل والإيقاع بالمترددين علي هذه الغرف، خاصة أن
الأحاديث والحوارات تتم في حرية كاملة، لا تعرف عمليات التضييق وتآكل
مساحة الحرية والإقصاء السياسي التي تعودت عليها شعوب العالم الثالث
(بينها العديد من الدول العربية والإسلامية).
ووضح هذا الأسلوب عبر التأكيدات المتتابعة من عمالقة تكنولوجيا المعلومات
(عابرة الحدود) وها هو 'بيل جيتس'، رئيس شركة مايكروسوفت الأمريكية، قال
في مرات عديدة إن محاولات بعض حكومات العالم لتضييق الخناق علي المواقع
الإلكترونية المنتشرة علي شبكة 'الانترنت' لن تجدي نفعا لأن المعلومات
التي تحجب في مكان ما، يمكن قراءتها بكل سهولة في مكان آخر، أو من خلال
تبادلها عبر رسائل البريد الإلكتروني.
وفي ظل هذه الأجواء تآكلت حدود سيادة الدول، وانهارت حواجز كانت توصف (في
السابق) بالمحرمات والثوابت التي تعني أساسا بالحفاظ علي الأمن القومي،
ولم تفلح القيود الرقابية التي تفرض علي مواقع الانترنت التي تحتوي علي
مواد خارجة عن القيم والأخلاقيات الاجتماعية أو غير متناسقة مع سياسات
معينة لمختلف الحكومات، في الحد من النشاط التجسسي وعمليات تجنيد العملاء
التي تتم علي شبكة الانترنت.
ومن الناحية الفنية فإن الرقابة *المحدودة * التي يوفرها بعض مزودي خدمة
الإنترنت أمثال America Online والتي تسمح للآباء بالتحكم في نوعية جلسات
الدردشة، تم تطويرها عبر متخصصين داخل أجهزة المخابرات باستخدام وسائل
متقدمة لاقتحام خصوصية البشر والمعلومات، وهو أمر ارتبط ببدايات شبكة
الإنترنت منذ أن كانت مجرد وسيلة للربط بين شبكة وزارة الدفاع الأمريكية
التي تعرف ب APRAnet والعديد من شبكات الراديو والأقمار الصناعية، إلي أن
تم تطويرها من مجرد شبكة تجريبية مصممة لدعم الأبحاث العسكرية في أوقات
الحروب إلي أن بدأت في تقديم خدماتها للجمهور الامريكي، ثم للعالم.
وتشكل المحادثات التي تتم علي شبكة الانترنت إحدي أهم الركائز الإعلامية
للمخابرات ليس لأجهزة المخابرات الأمريكية *تزيد علي ال 15 جهازا * لكنها
أصبحت مصدرا لكل أجهزة المخابرات في العالم حيث إن ساعات الدردشة حتي وإن
كانت تدور حول موضوعات تافهة أو سطحية إلا أنها تشكل أهم المحاور التي
تركٌز عليها الأجهزة في استقطاب المعلومات.
وقد برعت إسرائيل * لها أكثر من 100 شركة متخصصة ومسجله في البورصات
الدولية في مجال تكنولوجيا المعلومات* في هذا المجال لأنه يمكٌنها ببساطة
من جمع و تقييم وتحليل وإيضاح وتفسير معلومات عن السلوك العربي، خاصة
الشباب الذين يشكلون أكثر من 70 % من السكان العرب، ويتم التركيز علي فئة
الشباب بمنطق انهم مندفعون في الكلام، وراغبون في التعرف علي الجنس الآخر.
وفي هذا السياق يجري تصنيف كل من له قدرة علي استعمال الإنترنت لسد فراغ
أو حاجة نفسية بأنه عميل مميز، باعتبار أن المواقع التي لها قدرة علي
إثارة الشباب هي التي تمنحهم مساحة أكبر من الحوار الذي يفتقدونه في
حياتهم اليومية، وهي النقطة التي ينطلق منها ضباط مخابرات متخصصون لتأسيس
نقطة اتصال مخابراتية متحركة بمساعدة وسائل اتصال أخري كالأقمار الصناعية
والمجموعات البريدية التي تخدم مواقع الدردشة.
وعبر الاستعانة بالعديد من الأخصائيين النفسيين والخبراء الأمنيين جري
تأسيس إدارات متخصصة في متابعة نشاط الانترنت، ورغم أن هذه العملية تم
الشروع فيها قبل فترة طويلة (20عاما) من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001
كتطور لمخابرات المعلومات، إلا أن الفترة التالية للهجمات شهدت اهتماما
أكثر بحركة المستفيدين من شبكة الانترنت في كل المجالات حتي أن واشنطن وتل
أبيب دخلتا في شراكة تجسسية هدفها تتبع نشاط الحركات والتنظيمات الموجودة
في جميع أنحاء العالم لاسيما أصحاب الجذور العربية والإسلامية.
واستمر المخطط في جمع عملاء شباب لخدمة المصالح الصهيو/أمريكية إلي أن
تأكدت أهميته بعد تسرب ملفات سرية لمجلة ' لوماجازين دي سراييل' الصادرة
في فرنسا حول نشاط المخابرات علي الانترنت حيث كشفت الوثائق التي انفردت
بها المجلة الفرنسية أن هناك شبكات مخابراتية يديرها متخصصون نفسيون
إسرائيليون (بتعاون امريكي) لاستقطاب شباب العالم الثالث وبالتحديد الشباب
المقيم فيما يسمي 'دول الطوق' المحيطة بإسرائيل، فضلا عن دول المحور
الجنوبي لأمريكا (فنزويلا، نيكاراغوا...).
وبحسب الوثائق فإن هذه المكاتب تستغل حالة الحرية والخصوصية التي يفتقدها
الشباب في حياتهم اليومية، لكنهم يجدونها علي غرف الدردشة وهي مسألة تبدو
سهلة بالنسبة لضباط المخابرات الذين ينشطون بشكل مكثف داخل مواقع الدردشة،
خاصة المناطق الأكثر حساسية في العالم، حتي في الحوارات ذات الميول
الجنسية فإنها تشكل وسيلة خطيرة لكشف الأغوار النفسية، ومن ثم كشف نقاط
ضعف من الصعب اكتشافها في الحوارات العادية، لذا يسهل تجنيد العملاء
انطلاقا من تلك الحوارات الخاصة!
وقد تم استغلال إدارات المخابرات المعنية بمتابعة ملف الانترنت أثناء فترة
التحضير للغزو العراقي في قراءة الشخصية العراقية واستقطاب أكبر عدد من
العراقيين بمختلف مستوياتهم، ومن ثم تحول العميل من مشروع يتوجب تجنيده
بشكل مباشر، إلي عميل جاهز يمكن إيجاده علي الخط، والاستفادة من حصيلة
أسراره الخاصة والعامة دون مجهود!
وتشير دراسة نشرتها مجلة ال'لوموند' الفرنسية إلي أن حرب المعلومات ساهمت
في أن نحو 58 % من المواقع التي ظهرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001
كانت لأجهزة مخابرات أمريكية وإسرائيلية، تليهما بريطانيا وألمانيا وفرنسا
وإيطاليا.
ومنذ تأسيس جهاز المخابرات الإسرائيلية 'الموساد' فقد حاول قادة الكيان
الصهيوني أن يجعلوا منه أفضل الأجهزة في العالم، كون بقاء إسرائيل مرتبطا
بدوره وظلت التقاليد الراسخة لمدرسة المخابرات الصهيونية تعتمد في تجنيد
العملاء وتدريبهم في جميع الاختصاصات لمدة عامين عبر مدارس مستقلة في تل
أبيب والقدس وتلقينهم معلومات حول السياسة الدولية، وسياسة و اقتصاد
إسرائيل، والوسائل والتجهيزات الحديثة لإنجاز مهمة الاستخبارات والاطلاع
علي تجارب المخابرات الأجنبية، والأهم هو إتقان الدارسين للغة العربية،
وقد ساهمت عدة عوامل ربما كان أهمها زرع عملاء تابعين للمخابرات المصرية،
ثم الكشف عن شبكات تجسس صهيونية في دول الجوار في تأسيس كلية لتدريس الأمن
مهمتها صياغة عقيدة الأمن الإسرائيلية ودراسة المعطيات وتحليلها وتنفيذ
أسلوب المحاكاة الذي تحدث عنه (في وقت سابق) عميل المخابرات الأمريكية
'مايلز كوبلاند' في كتابه 'لعبة الأمم' حول قيام رؤساء أقسام في الجهاز
بتقمص شخصيات عربية للتنبوء بالمواقف التي سوف تتخذها حيال قضية معينه!
ويحتل علم النفس مكانة متقدمة في جهاز المخابرات الصهيوني خاصة عند تجنيد
عملاء جدد، إذ يتم مراعاة نقاط الضعف في العميل الجديد، حيث يتم دراسة
السمات الشخصية والمزاجية لهذا الشخص قبل الشروع في تدريبه، والتركيز علي
الإغراءات المالية وتأثير العاطفة سواء في الانتقام أو الأيديولوجية، فضلا
عن الدور الذي يلعبه الجنس، وتتستر المخابرات الإسرائيلية تحت غطاء لجان
المشتريات، وشركات السياحة، و الطيران ومكاتب الملاحة، ومؤسسات البناء
والأعمال والشركات الصناعية والمنظمات التجارية والتنسيق مع الدول
الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في تنظيم أنشطة التجسس.
حيث صورة العربي في مدرسة المخابرات الصهيونية شخص يقدم العواطف والمشاعر
علي لغة العقل ..ينسي ويغفر سريعا..لديه ميول قوية لتجاهل الوقائع،
والإسهاب في الأوهام و الخداع..إرهابي.. غدٌار..عدواني..جبان..حاقد..يمتاز
بالوحشية و الابتزاز، والأغرب أن الصهاينة يرون أن العرب يقبعون في ادني
سلم التطور البشري لأنه ليس لديهم إحساس بالتمييز العرقي بسبب العقيدة
الإسلامية التي تسوي بين مختلف أعراقهم و وانتماءاتهم طالما انهم يدينون
بالإسلام.
وتمارس المخابرات الصهيونية مهامها عبر عدة مؤسسات متداخلة/متشابكة فهناك
مهمتها 'تنسيق و تخطيط المعلومات..تجميع البيانات السرية تمهيدا
لاستغلالها عبر شعبة السيطرة و المراقبة الإقليمية وإدارة العمليات
السياسية للتنسيق والتعاون مع أجهزة المخابرات الدولية..هيئات شئون الكادر
الوظيفي والمالية و الأمن وشئون التدريبات والتنظيم، والتحقيقات، ثم إدارة
العمليات التكتيكية، التي تضم عدة أقسام لمتابعة عمل شبكات التجسس
الصهيونية في العالم'.
وتبقي الإشارة لمثال دال علي حقيقة هذه الحرب حيث إن ضابط المخابرات
الإسرائيلي الشهير' أدون وردان' هو نفسه 'دانيال دوميليو' الذي أطلق
موقع'شباب حر' الذي وصل عدد المترددين عليه إلي أكثر من 10 مليون زائر في
العام الأول لإطلاقه إلي أن كشفت صحيفة الصنداي عن شخصية صاحبه، فتوقف لكن
بعدما عبر فيها ملايين الشباب وفئات أخري عن غضبهم تجاه حكوماتهم وكشفوا
عن أسرار اقتصادية، وسياسية..وعسكرية اعتقدوا أنها تفيد الإنسانية، لكنها
لم تفد سوي العدو والعدو فقط!!!