أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

جند من السماء ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 جند من السماء ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
The Challenger

لـــواء
لـــواء
The Challenger



الـبلد : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Egypt110
التسجيل : 19/10/2011
عدد المساهمات : 4836
معدل النشاط : 4611
التقييم : 210
الدبـــابة : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11
الطـــائرة : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11
المروحية : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11

جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة 211


جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Empty

مُساهمةموضوع: جند من السماء ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة   جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Icon_m10الإثنين 12 أغسطس 2013 - 17:40

سيتم عرض الاجزاء تباعا و ساحاول الانتهاء من ذلك بسرعة كلما امكن ذلك

خالص تحياتى و تمنيانى باستفادة اكثر و قراءة متانية اكثر امتاعا

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

جند من السماء
من معرفة المصادر
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Gond_men_alsamaa
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Magnify-clip-rtl
غلاف الكتاب
محتويات

  • 1 إهــــــــــداء
  • 2 شكـــر وتقـديـــر
  • 3 الفصـل الأول شمعة أضاءت مصر كلها

    • 3.1 نوبـة صحيـان
    • 3.2 إسرائيل ونشوة الانتصار
    • 3.3 شمعة أضاءت مصر كلها










  • 4 الفصل الثاني الهزيمة أكبر مُعلم

    • 4.1 اصطياد القرش الإسرائيلي
    • 4.2 هم يبنون بارليف ونحن نبني حائط الصواريخ










  • 5 الفصل الثالث حرب الاستنزاف 500 يوم قتال

    • 5.1 السياسة الأمريكية فى خدمة إسرائيل
    • 5.2 العين بالعين .. والقصف بالقصف










  • 6 الفصل الرابع: تصعيـد إسرائيـل .. ورد مصر

    • 6.1 وأخيراً .. تحرك الدب السوفيتي
    • 6.2 صواريخنا تقطع الذراع الطويلة
    • 6.3 الجيش الإسرائيلي يترنح










  • 7 الفصل الخامس هدنة .. ثلاث سنوات
  • 8 الفصل السادس

    • 8.1 الطريق الى الحرب
    • 8.2 دقت طبول الحرب
    • 8.3 بشائر النصر القادم
    • 8.4 نبضات من قلب أكتوبر
    • 8.5 العد التنازلي للحرب
    • 8.6 هل فاجأناهم ؟ .. أم سبقناهم ؟










  • 9 الفصل السـابع عظيمــة يا مصــر

    • 9.1 اليوم المشهود 6 أكتوبر
    • 9.2 مقارنة القوات يوم 6 أكتوبر

      • 9.2.1 جمهورية مصر العربية

        • 9.2.1.1 القوات البرية
        • 9.2.1.2 القوات الجوية
        • 9.2.1.3 قوات الدفاع الجوي=
        • 9.2.1.4 القوات البحرية










      • 9.2.2 الجمهورية العربية السورية

        • 9.2.2.1 القوات البرية
        • 9.2.2.2 القوات الجوية
        • 9.2.2.3 القوات البحرية
        • 9.2.2.4 القوات البرية
        • 9.2.2.5 القوات الجوية
        • 9.2.2.6 القوات البحرية










      • 9.2.3 القوات المصرية المهاجمة علي جبهة القتال










    • 9.3 الخطط الإسرائيلية

      • 9.3.1 خطـة "برج الحمام"
      • 9.3.2 خطـة " القلب الشجاع "










    • 9.4 المرحلة الافتتاحية للحرب 6/7 أكتوبر

      • 9.4.1 الضربة الجوية










    • 9.5 مصر تعزف سيمفونية الحرب










  • 10 المصدر

إهــــــــــداء
بسم الله الرحمن الرحيم فليُقاتل في سَبيل الله الذين يَشرُونَ الحياةَ الدُنيا بالآخرةِ ، ومَن يُقاتِل في سَبيل الله فـُيقتَل أو يَغلِب فسَوف نؤتيـه أجراً عظيماً. (74) النساء (صدق الله العظيم)
إلي المصريين حقاً . الذين أدوا واجبهم ثم انصرفوا في صمت وأولهم الشهداء ..الذين قدموا أرواحهم ، ودمـاءهم ، وعرقهم فداء لتراب هذا الوطن . لا أجد ما أقوله لكم إلا قول عظيم من أحد أبناء مصر البسطاء:
هَـديل حَمَـام الحِمـا.... ترَاتيل أسـاميكـم ياننـّي عـين الوطـن ... قلبي يناديـــكم صلـّي الحَمَام وانجلا... صلـّي الحَمَام وانجلاالله يجازيكم
(كابتن غزالي)


شكـــر وتقـديـــر
أصدق آيـات الشكر والتقدير أقدمها ، لكل من ساهم في ظهور هذا الكتاب .. بداية من القادة الذين كانوا في مواقع تتيح لهم معرفة الكثير.. وقد حظيت منهم بشرف اللقاء مرات عديدة. وقراءة وثائقهم ، مما أتاح لي الوصول إلى حقيقة ما جري من أحداث . أيضا الزملاء من الضباط والصف رجال الصاعقة ، والمشاة ، والبحرية ، والمدفعية ، والطيارين الذين اشتركوا وساهموا في صناعة الأحداث، ومنهم عرفت أكبر قدر من الحقيقة التي أسعى لتقديمها للقارئ الكريم. والشكر واجب للمؤسسات التي قدمت المعلومات والوثائق التي أفادت الكتاب وهي


- أكاديمية ناصر العسكرية - الهيئة العامة للاستعلامات وأشكر الأستاذة/ سمر محمود حسن. والسيد/ أكرم حنفي محمود . وحمدي عبد الحميد. والسيد/محمد حسان، لما قاموا به من جهد في الإعداد والتنسيق والتصحيح. وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يكون علما ينتفع به. وفقنا الله جميعا لخدمة مصر دائما مقدمــة

"إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" كانت هذه الكلمات هي الصيحة التي أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 67. فكانت خير تعبير عن خطة مصر المستقبلية والتي تحولت إلى جهد وعرق استمر لسنوات، دفع فيه آلاف من شباب مصر أرواحهم ودماءهم رخيصة في قتال شرس مع العدو الصهيوني حتى تحقق لهم النصر. وثبت للعالم كله وأولهم العدو الإسرائيلي أن في مصر رجال لديهم من العزم والإصرار ما يجعلهم قادرين على حماية مصر ضد أي عدو.

ولأن النصر الإسرائيلي في حرب 67 كان أكبر بكثير مما يتوقعون، ولأن النصر لم يكن نتيجة جهد إسرائيل فقط، بل كان الجزء الأكبر منه تقصير وإهمال مصري، فقد صدقت إسرائيل كلها قادة وشعباً أن مصر لم تعد تقدر على فعل شيء سوى الاستسلام. كان انتصارهم كبيراً فحجب عن أعينهم حقيقة مصر وشعب مصر.

أفاق الرئيس عبد الناصر من الوهم الذي كان يعيشه كما قال هو. اكتشف حقائق بديهية كان أهمها وأولها أن القيادة السياسية لابد وأن تعمل بتنسيق وتناغم مع القوات المسلحة .. وأن السياسة عليها أن تحدد الأهداف بوضوح تام وتخطط استراتيجيا لها، ثم توفر للقوات المسلحة ما يجعلها تحقق هذه الأهداف بأعلى قدر من الكفاءة .. كما تيقن الرئيس عبد الناصر أن القوات المسلحة جزء من الشعب وأداة من أدوات الدولة وليست كيان مستقل عنها.

سنعرض في الكتاب ماذا حدث خلال أعظم وأروع ست سنوات في تاريخ مصر (1967- 1973) .. وسنعرض كيف استطاعت مصر أن تحقق خلال السنوات الست خلاف ما كان العالم كله يجمع عليه وهو أنه لن تقوم لمصر قائمة إلا بعد 20-30 عام. فمن بقايا قوات مسلحة مهزومة في نظر العالم أجمع تمكنت مصر بعد أيام فقط أن تواجه العدو الإسرائيلي في رأس العش جنوب بورفؤاد. وكانت هذه المعركة هي أول شمعة تضئ الظلام الذي حل على مصر منذ الخامس من يونيو. وتوالت بعدها شموع كثيرة ومعارك شرسة ظهر فيها المقاتل المصري بحق.

إن حرب الاستنزاف 1969 وقد استمرت أكثر من 500 يوم أصبحت في التاريخ صفحات مضيئة. تشهد على أن شعب مصر يمكن أن يقهر المستحيل فعلاً وليس مجازاً. فقد بدأت بمعارك المدفعية ثم تطورت إلى عمليات عبور لقناة السويس ومهاجمة العدو الإسرائيلي في خط بارليف، ثم مهاجمته في أعماق بعيدة عند إيلات والعريش. ثم لما ألقت إسرائيل بقواتها الجوية في حرب الاستنزاف لكسر إرادة مصر، تصدت لها القوات الجوية المصرية وهي مازالت في طور البناء فأوقعت بها خسائر لا يستهان بها، ثم جاءت قوات الدفاع الجوي في نهاية حرب الاستنزاف لتؤكد لإسرائيل أن قواتها الجوية التي تلقب بالذراع الطويلة يُمكن أن تقطع هذه الذراع فوق السماء المصريـة.

سنرى في مرحلة حرب الاستنزاف الدور الرائع الذي قامت به القيادة السياسية المصرية لدعم القوات المسلحة والجهد الخارق الذي بذلته لتوفير احتياجات القتال اللازم لها.

وسنرى دور العسكرية المصرية الحقيقي حين أصبح الهدف واضحاً. فبعد قتال شرس وعنيف مع العدو الإسرائيلي لأكثر من عام براً وبحراً وجواً، تم إجبار إسرائيل على أن تطلب من أمريكا الحليف التاريخي لها أن تقوم بمبادرة لوقف إطلاق النار والتي عرفت باسم مبادرة روجرز في أغسطس 1970.

ثم نتعرض لفترة التحضير لحرب أكتوبر 1973 وسنعرف أن وصف "أحد أهم المعارك في التاريخ" لم يطلق عليها من فراغ .. وأن مصر طوال ست سنوات كانت تدافع وتبنى قواتها المسلحة، وتخطط لاسترداد سيناء في وقت واحد .. وكانت إسرائيل تزيد الأمر صعوبة كل يوم حتى يدب اليأس في قلب مصر. فقناة السويس عسكرياً من أصعب الموانع المائية في العالم، فأنشأت الساتر الترابي على شرق القناة لتزيد صعوبة العبور ثم أنشأت النقاط الحصينة التي عرفت باسم خط بارليف الشهير. والتي كانت تدعى أنه غير قابل للاختراق. ثم أضافت مواسير نابالم لتحول سطح مياه القناة إلى نيران لا تنطفئ. لكن مصر لم تتردد في التجهيز للحرب، فكانت تنام وتصحو على أن النصر آت ولا ريب. وتحقق هذا فعلاً وسقط الخط الشهير بحصونه وجنوده في أيد جنود مصر الذين كانوا يملكون مع السلاح الإيمان والعزم والإصرار على قهر العدو الإسرائيلي.

ثم نعرض لملحمة التخطيط للعبور وكيف تم تدريب وحدات القوات المسلحة عليها ؟ وكيف تمت دراسة أدق التفاصيل التي تتعلق بعملية العبور؟ وكيف تم التغلب على صعوبات عديدة ؟ وكيف دارت المعارك بين قوات مصر المسلحة والعدو الإسرائيلي ؟ وسيتأكد لنا دور الطائرة والقوات الجوية في حروب مصر وإسرائيل التي بلغت خمس جولات، وأنها السلاح الحاسم الذي يرجح النصر بصورة كبيرة، لمن يستطيع أن يستخدم قواته الجوية بالصورة الصحيحة. سنشهد كيف تم بناء القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي وسط أصعب الظروف، وكيف شارك أبناء مصر جميعاً في بناء هذه القوات، حتى العمال والفلاحين الذين كان دورهم عظيماً ولا يقل عن دور الجنود. شاركوا في مرحلة البناء بالجهد والعرق بل واستشهد منهم الكثير جنباً إلى جنب مع الجنود المقاتلين في مرحلة بناء حائط الصواريخ في منطقة قناة السويس. كما شارك المدنيون في القتال أثناء حرب 1973 حين قاموا بالدفاع عن مدينة السويس وأجبروا العدو على الانسحاب منها واستشهد العديد من أفراد المقاومة المدنيين حتى لا تقع مدينة السويس في أيد العدو.

وسنعرض خلال فترة التحضير للمعركة وفترة القتال دور القيادة السياسية التي تولاها الرئيس أنور السادات بعد رحيل الرئيس عبد الناصر. كيف خطط للمعركة مصريا وعربياً ؟. كيف تعامل مع الاتحاد السوفيتي الحليف الأهم قبل وأثناء المعركة ؟ كيف شارك في خطة الخداع الرائعة التي أذهلت إسرائيل ؟ ثم كيف تدخل في مرحلة القتال؟ وبماذا انعكس دور القيادة السياسية إيجاباً وسلباً على حرب أكتوبر1973 ؟

كانت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر تختلف تماماً عن الجولات الثلاثة السابقة بين مصر وإسرائيل (1948-1956-1967). حيث كانت القوات المسلحة المصرية تجد نفسها مدفوعة إلى قتال مع العدو الإسرائيلي دون إعداد أو تخطيط، وإنما تنفيذاً لقرار سياسي لا يتوافق مع قدرة وكفاءة القوات المسلحة. فكان الطبيعي أن تنتصر إسرائيل في الجولات الثلاثة. لكن الموقف اختلف تماماً في حربي الاستنزاف وأكتوبر73 بما سمح بظهور قدرة القوات المسلحة. وهذا سيجعلنا نستعرض الصورة بشكل أكبر بما يوضح دور المقاتل المصري في مختلف الأسلحة (مشاة - بحرية - صاعقة - مهندسين ...الخ) في كافة المواقع وعلى مدار سنوات امتدت من يونيو67 وحتى أكتوبر1973.

وإن كنا سنعرض لبعض الأحداث والمواقف في مراحل القتال المختلفة بالتفصيل وبأسماء أصحابها من الشهداء والأبطال، فإننا لا ننسب الفضل لهؤلاء وإنما هم نموذج فقط يعبر عن مئات الآلاف من شعب مصر الذين قاتلوا وحاربوا وهزموا العدو الإسرائيلي بعد ست سنوات فقط وليس 20 عاماً كما كان يقول الجميع.

وسنعرض للمواقف المضيئة خلال حرب أكتوبر 1973 والتي رغم كل ما كتب عنها لم تنـل حقها من الدراسة والتحليل بالصورة الكافية خاصة في مصر. وأرجو أن يكون ما كتبته في هذا الكتاب جزء بسيط يساهم في إظهار الحقيقة التي تستحقها "أحد أهم المعارك في التاريخ" حرب أكتوبر 1973.



الفصـل الأول شمعة أضاءت مصر كلها
دفعت مصر قيادة وشعباً ثمناً غالياً نتيجة لهزيمة 67. لكن ما أن صمتت المدافع وتوقفت النيران حتى فوجئ العالم كله بأغرب موقف في التاريخ.. أعلن الرئيس عبد الناصر تنحيه عن الحكم كرئيس للجمهورية وانسحابه من كافة المواقع التي يشغلها، وهذا أمر طبيعي من أي رئيس أو قائد ُهزم في معركة مع العدو. لكن الشعب المصري كان له رأى وفكر آخر لم يخطر على بال أحد.
ففي مشهد مثير ومذهل اندفعت الجماهير المصرية إلى الشوارع بعد الخطاب مباشرة تطالب الرئيس عبد الناصر بالبقاء كرئيس لمصر.. وشاهد العالم كله أغرب موقف في التاريخ حيث يتمسك شعب ويصر على بقاء قائد مهزوم !!! انتفضت أغلبية شعب مصر شباب ونساء وشيوخ، مؤيدين ورافضين، مساء التاسع وصباح العاشر من يونيو يعلنون رفضهم للهزيمة. كان الكل يشعر في قرارة نفسه أن تنحى عبد الناصر هو إثبات لهزيمة مصر، وهم جميعاً غير مصدقين أو مقتنعين أن مصر قد ُهزمت.. اندفعت الأسئلة، الكل يريد أن يعرف كيف ولماذا ُهزمنا ؟؟ كانت الصدمة كبيرة وقاسية، والانكسار هائلاً. لكن ظهر شيء عجيب ومحيّر في هذا الشعب. فمن جراحه التي مازالت تنزف انفجرت إرادة غير متوقعة ترفض الهزيمة أو تقبل الاستسلام. لم يسأل أحد عن مصير الأخ أو الزوج أو الأب الذي مازال في سيناء تحت رحمة النيران الإسرائيلية.
كان الموقف مذهل للجميع، وكان أول وأكثر من ُذهل هو الرئيس عبد الناصر الذي توقع أن يفعل به الشعب أي شيء.. إلا أن يتمسك به قائدا.. وبعيداً عن الذهول والعجب كان موقف الشعب المصري عبقرياً وبسيطاً في نفس الوقت. فالهزيمة الحقيقية أن نستسلم للعدو الإسرائيلي، والكارثة أن تسقط مصر الوطن. ولأن الشعب كله يرفض هذا فلم يجد في هذه اللحظة تعبيراً أوضح من تمسكه بقائده حتى ولو كان مهزوماً في تلك المعركة.
خرجت مصر بعد هزيمة 1967 تلملم أشلاءها وتمسح أحزانها، أصابع الاتهام عالمياً وعربياً تشير إليها بأنها أشعلت الحرب ونالت من إسرائيل ما تستحقه من هزيمة.. وانفجر شلال هادر من الحرب النفسية في الإعلام الغربي والإسرائيلي. حملة مكثفة مليئة بالسخرية والمهانة لمصر وجيش مصر.. أصبحت أحاديث وصور قادة إسرائيل تتصدر كل وسائل الإعلام في العالم. شرح مستفيض عن كيف كان إعداد الجيش الإسرائيلي ؟ وكيف كان التخطيط العبقري للحرب ؟ وكيف أنهم كانوا واثقين من النصر ؟ وكيف قاتلوا بشراسة ؟ - وهذا لم يحدث فلم يكن هناك معارك حقيقية - إضافة إلى صور وأحاديث للأسرى المصريين. كانت تلك الحملة المليئة بالإذلال تهدف إلى سحق الإرادة المصرية والخضوع أمام قوة العدو الإسرائيلي الذي ظهر أمام العالم أنه قوة لا تقهر.
وتحمل الرئيس جمال عبد الناصر عبء كبير من هذه الحملة، فقد تناسى الجميع أن الأزمة بدأت من سوريا بتلك المعلومات الكاذبة عن الحشود الإسرائيلية، وأن سوريا والأردن تخليا عن مصر أثناء القتال ولم يقدما إلا أقل القليل مما كان يجب أن يقدم.. كانت الشعوب العربية كلها تقريباً تقول إن الرئيس عبد الناصر أضاع الأمة العربية كلها. كان هذا الاتهام الظالم هو قدر مصر الذي لا مفر منه ، وأسقط العرب عجزهم وتقصيرهم على مصر . فالمغرب والكويت واليمن على بعد آلاف الأميال من أرض المعركة لكنهم جميعاً ُهزموا حين ُهزمت مصر رغم أنهم لم يشاركوا في قتال أو معركة مع العدو الإسرائيلي.
وبنظرة غير منحازة نجد أن الصراع العربي- الإسرائيلي كان محكوماً لصالح إسرائيل دون منازع حتى قبل أن تقوم الحرب في يونيو1967. فمنذ الجولة الأولى في الصراع عام 1948 قبل عشرين عاماً والفكر العربي لم يتغير ولو أقل القليل. فكر سياسي محدود، تغلب عليه المصالح الذاتية والنجاحات الشخصية، دون اعتبار للمصالح القومية أو للخطر الإسرائيلي الذي يهدد الجميع. فالاجتماعات التي تمت في مؤتمرات القمة بين القادة والرؤساء العرب لم تسفر عن أي تعاون حقيقي، والقيادة العسكرية العربية الموحدة التي أنشئت بقرار من الملوك والرؤساء العرب ولدت ميتة. فلم تفعل أي شيء يذكر لها خلال ثلاث سنوات قبل حرب 1967.
بل إن التقسيم الذي طغى على الدول العربية وجعل مجموعة منها تسمى بالدول الرجعية وأخرى تسمى بالدول التقدمية، جعل الاتهامات بخيانة قضية فلسطين هو الشغل الشاغل بينهم. وامتد الأمر إلى تدبير المؤامرات ضد بعضهم البعض وكانت أوضح صورها مؤامرة انفصال الوحدة المصرية السورية عام 1961. وإذا ما عدنا إلى كتاب المؤلف(صراع في السماء) عن تحليل حرب 1948 والموقف العربي فيها نجد أنه ينطبق تماماً على ما حدث في حرب1967. مع اختلاف الملوك والرؤساء في الحربين.
في المقابل كانت إسرائيل تعرف طريقها تماماً. الأهداف الصهيونية واضحة، تنفيذها يتوالى بصبر، جيل يسلم جيل، ويبنى فوق بناء السابقين. قيادات واعية بالعمل الجماعي الفرد يكمل بعمله الآخر. بعيداً عن التناحر والسقوط في شرك المصالح الشخصية الضيقة.
وإن كانت الحرب حدثاً مكروهاً ملئً بالأحزان والخسائر، تضيع فيه أرواح، وتهدر أموال. لكن "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" النساء- 19 أشرقت شمس 11 /6 /1967 على مصر بحال غير الحال. فالإرادة التي غابت طويلاً وتوارت ظهرت. والنظرة للأحداث والأمور اختلفت. وصوت الأفعال أصبح أعلى من صوت الكلمات والشعارات. أصبح الجميع على قلب رجل واحد. الهدف ساطع وهو استرداد سيناء وهزيمة الجيش الإسرائيلي. والوسيلة لتحقيق الهدف واضحة هي القتال، والقتال ، ثم القتال. الكل يفنى في العمل من أجل الوصول إلى الهدف. تقهقر أهل الثقة بل نقول فروا مذعورين، وتقدم أهل الكفاءة من رجال مصر، معاهدين أنفسهم على تحقيق النصر ومحو تلك الهزيمة أياً كانت تكاليف هذا النصر.
وكما قلنا أن الهزيمة كان لها فوائد، فقد تحولت نظرة معظم الملوك والرؤساء العرب للعدو الإسرائيلي. وتأكد لهم أن الشعارات والكلمات الرنانة عن عدم اعترافهم بإسرائيل، وأنها عصابات صهيونية لم يمنع إسرائيل أو يعطلها عن تحقيق أهدافها خططها. وحدث تحول في مواقف الدول العربية نحو الحرب التي لابد ستقع مع إسرائيل. وهو وإن كان تحول بقدر غير كافي، فالمعركة تحتاج الكثير، لكنه كان خطوة إلى الأمام بدلاً من الوقوف في نفس المكان.
كانت الفترة من1967 وحتى أكتوبر 1973 مليئة ومشحونة بأحداث جسام وجهود عظيمة. فلا نستطيع أن نتحدث عن حرب أكتوبر 73 مباشرة لأن حرب الاستنزاف 1969 كان لها فضل كبير وأثر بالغ في انتصار أكتوبر.. كما وأننا لو قفزنا إلى حرب الاستنزاف مباشرة سنخفى ونهمل أدواراً بطولية قام بها أبناء مصر جميعاً. لذا سنعرض للأحداث بداية من اليوم التالي لتنحي الرئيس عبد الناصر وتمسك الشعب به قائداً.


نوبـة صحيـان
بدأ الرئيس جمال عبد الناصر يوم 11 يونيو بإعادة تنظيم وبناء القوات المسلحة، واتخذ في سبيل تحقيق ذلك عدة قرارات، فقام بإعفاء المشير عبد الحكيم عامر من منصبه وتعيين الفريق أول/ محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة والفريق/ عبد المنعم رياض رئيساً للأركان، وقام بإعفاء قادة القوات الجوية والبحرية والبرية وبعض قادة آخرين. وكان هذا الاختيار موفقاً تماماً في ذلك التوقيت وتلك الظروف.
فالفريق أول/ محمد فوزي كان شخصية جادة لا يتهاون في العمل ومعروف بين الضباط بالشدة والانضباط العسكري وقد يصل إلى حد القسوة، وكان هذا مطلوباً بشدة بعد سريان الاستهتار وعدم الالتزام في القوات المسلحة التي قاربت علي الانهيار نتيجة لحرب اليمن، ولتوزيع بعض الضباط في أعمال مدنية وفى جهات خارج القوات المسلحة، ونتيجة لسياسة المشير/ عامر ورجال مكتبه المقربين.. كما أن الفريق/ عبد المنعم رياض كان من الضباط ذوى الثقافة والاطلاع، واسع الأفق وله نظرة علمية في تحليل المواقف، وهو ما كان يكمل به الفريق أول/ فوزي في أعمال التخطيط والتدريب والعمليات.
وتم تعيين الفريق طيار/ مدكور أبو العز قائداً للقوات الجوية بعد أن أودعت القيادة السابقة في السجن تمهيداً للمحاكمة العسكرية. وكان الفريق/ مدكور هو الرجل الثاني في القوات الجوية حتى عام 1963 ثم أصبح محافظاً لأسوان حتى عاد إلى القوات الجوية مرة أخرى قائداً لها في 11 يونيو 1967.
وجاءت القيادة الجديدة وأمام عينيها هدفان رئيسيان :- الأول : لم شمل القوات المبعثرة ومحاولة تجميعها في وحدات منتظمة وتمركزها في أماكن محددة، حتى يمكنها الدفاع كحد أدنى عن الضفة الغربية لقناة السويس على أن يتم هذا بأسرع ما يمكن. ويذكر للقيادة الجديدة أنها نجحت في هذا أيما نجاح. فمن قوات مبعثرة إلى فرق وألوية كاملة التنظيم والإعداد ولم يستغرق هذا إلا شهور.
الثاني : بث وإعادة الثقة للجندي والضابط والطيار المصري، بعد أن تحمل وحده عبء الهزيمة المعنوي، رغم أنه كان ضحية قرارات سياسية وعسكرية عشوائية مرتبكة وغير مدروسة. ولما وقعت الهزيمة نالت القوات المسلحة خاصة القوات الجوية القدر الأكبر من السخرية والانتقاد رغم بطولات الطيارين التي ذكرناها في (صراع في السماء) لكن الهزيمة وحجمها كانت لا تسمح بظهور تلك البطولات.

وقد نجح الفريق/ مدكور أبو العز في إعادة الثقة إلى الطيارين حيث كان شخصية محبوبة للطيارين رغم جديته الشديدة في العمل وعدم تهاونه مع المخطئ. والأهم أنه كان يتمتع بمصداقية عالية بين الطيارين، وقدرة فائقة على بذل الجهد في العمل. فكان خير نموذجا للطيارين على اختلاف مستوياتهم.
كانت حرب67 مرآة واضحة لعدم تقدير المسئولية واللامبالاة في إعداد القوات المسلحة للحرب. فقد تراجعت أجهزة في الدولة عن أداء دورها مثل مجلس الدفاع الوطني، وانحرفت أخرى مثل المخابرات الحربية عن مهامها، كما أن سلطة المشير/عامر وقراراته كانت أعلى من أي أجهزة في الدولة حتى لو لم تكن تحت قيادته. فكان لزام إصدار قوانين جديدة وإلغاء قوانين قديمة وهذا ما تم فوراً.
وضحت وتحددت المسئوليات والصلاحيات لإعداد الدولة للحرب فمارس مجلس الوزراء مهامه، وظهر دور واختصاصات مجلس الدفاع الوطني، وتحددت قيادة القوات المسلحة ومنصب وزير الحربية والقائد العام.. كما تم إلغاء قيادة القوات البرية، وتم فصل القوات الجوية عن قوات الدفاع الجوي التي أصبح لها قيادة مستقلة، على أن تساهم وتشارك مع القوات الجوية في التصدي للعدو الإسرائيلي المتفوق جوياً بصورة كبيرة. وقد أعطى هذا القرار الفرصة للقوات الجوية كي تسرع في إعادة البناء ورفع الكفاءة القتالية لها.
كما عادت المخابرات الحربية إلى ممارسة مهمتها الطبيعية وأصبح واجبها الأول هو جمع وتحليل المعلومات عن العدو، وتأمين القوات المسلحة ضد أعمال التجسس التي يمارسها العدو على قواتنا حتى أدق وأصغر التفاصيل كما وضح أثناء حرب67. كما تراجعت موضوعات الأمن إلى حجمها الطبيعي بعد أن كان هدفها الأول هو الإيقاع بأكبر عدد من الضباط تحت ستار أنهم من أعداء الثورة ونظام الحكم.
وكان طبيعياً أن يعود الضباط والجنود المنتشرين في أجهزة الدولة المدنية إلى القوات المسلحة لأداء دورهم الطبيعي. وعادت أجهزة وهيئات إلى أماكنها بعد أن كانت تتبع للقوات المسلحة مثل الجمارك التي عادت إلى وزارة المالية ووحدات الزراعة في مديرية التحرير والتي عادت إلى وزارة الزراعة.
أصبحت القوات المسلحة على بداية الطريق الصحيح الذي لابد وأن يُمهد بجهد وعرق الرجال، وكان رجال القوات المسلحة على قدر المسئولية تماماً فلم يكتفوا بتقديم العرق والجهد، وإنما بذلوا الأرواح والدماء طوال ست سنوات، فكان لابد وأن يدين النصر لهم.
في أول اجتماع بين الرئيس عبد الناصر والفريق أول/ فوزي بعد أن أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة وكان موعد هذا الاجتماع مساء 11 يونيو، طرح الرئيس فكره السياسي ونظرته للأمور المستقبلية بصورة شديدة العمق والوضوح. وكانت في شكل توجيهات سياسية وعسكرية لقائد القوات المسلحة المصرية وهي


1- "ضرورة الصمود العسكري بسرعة أمام العدو.
2- السرعة في تماسك الشعب والحكومة مع القوات المسلحة وهنا بين الرئيس نيته في تولى رئاسة مجلس الوزراء، واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي حتى يباشر أمور الدولة والشعب معا. وأنه سوف يركز مجهوده على إعادة بناء القوات المسلحة على أسس جديدة.
3- قال أنه سوف يسير مع الاقتراحات الدبلوماسية طالما أنها تسعى إلى انسحاب إسرائيل عن الأراضي العربية، كأسلوب زمني يتفق مع أمور تكتيكية. منها أننا لا نستطيع مواجهة العدو عسكرياً الآن. وأظهر الرئيس قناعته بأن استرداد الأرض لا يتم إلا بالقوة. والقوة تحتاج إلى سلاح حديث، وإلى تنظيم وتدريب متواصل عنيف. ومن هنا جاءت الحاجة إلى الدعم الروسي.
4- بالنسبة للوطن العربي أبدى الرئيس ضرورة التعاون والارتباط الوثيق بالدول العربية جميعاً، وقال أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يصح أن تكون مصر هي الطرف الوحيد فيه.
5- أما من ناحية الاتحاد السوفيتي فيجب توطيد الصداقة والتعاون معه، كما يجب إشعاره بأنه شريك في الهزيمة حتى يتحمل عبء دعمنا بالأسلحة والمعدات والخبراء والمدربين. ثم استطرد الرئيس قائلاً : ليس أمامي باب مفتوح في هذا الشأن سوى باب الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية معه، ويجب علينا أن نفتح هذا الباب على مصراعيه كي يفتح لنا هو ترسانة أسلحته الحديثة إذ يجب أن تكون نوعية وحجم الدعم مختلفاً عما كان عليه الحال قبل 1967.
6- وعن الواجب العسكري للقوات المسلحة قال الرئيس عبد الناصر طالما أن الشعب رفض الهزيمة، فقد أصبح لزاماً أن نسترد الأرض والسيادة بالقوة وتحرير الأرض، ثم أضاف : من الضروري الدخول مع إسرائيل في صراع سياسي وعسكري عربي حسب قدرتنا، صحيح أنها سوف تستغل تفوقها بأن تقوم هي بالفعل بينما نكتفي نحن برد الفعل، لكن هذا لن يستمر إلا لحين. نبدأ بإعادة مقدرتنا الدفاعية وبالتدريج نقوم نحن بالعمل ضدها أولاً وننتظر ردا للفعل".
كانت توجيهات الرئيس عبد الناصر إلى الفريق أول/ فوزي بمثابة استراتيجية محددة للعمل في الأيام القادمة. موضحاً دور القوات المسلحة بمهمة تحرير الأرض، ثم الدور الدبلوماسي المصري، والتعاون المصري- السوفيتي ثم المصري- العربي. وكان على مصر أن تخطط وتعمل في ظل أوضاع جديدة أصبحت أمراً واقعاً وحقائق قائمة.
أولها : كان احتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية، يجعلها تتحدث من مركز القوة ولابد وأن تجني ثمار النصر العسكري. ورسخ في فكر إسرائيل أنه طالما هي الطرف الأقوى فهي التي تملي الشروط على العرب، وليس أمامهم إلا قبول هذه الشروط أو العودة للحرب. وهم غير قادرين عليها الآن أو في المستقبل القريب.
ثانيهما : أن الدعم الأمريكي سياسياً وعسكرياً لإسرائيل قد أصبح سافراً وبحدود عالية لضمان تفوق إسرائيل في مواجهة كل العرب، وأنه لا يبدو في الأفق أي مؤشر على تقليل أو تحجيم هذا الدعم لإسرائيل.
وعلى الفور نزل هذا الفكر السياسي والتوجيهات الاستراتيجية والعسكرية إلى أرض الواقع لكي يتحول إلى دراسة للعدو، وتقدير موقف، وخطط عمل من مستوى قيادة القوات المسلحة حتى مستوى الجندي المقاتل.
كان أول خطوة يجب أن تقوم بها مصر في أسرع وقت، هو كيف سيتم إعادة تسليح القوات المسلحة المصرية ؟ ولم يكن هناك خيار سوى الاتجاه إلى روسيا، وإن كان هذا سيجعل مصر أكثر خضوعاً لها. لكن لم يكن هناك مخرج آخر في هذا الموقف.
ودون تردد تحركت القيادة السياسية المصرية فوصل إلى مصر وفد سوفيتي برئاسة الرئيس بودجورنى ومعه خبراء عسكريون سوفيت على رأسهم المارشال زخاروف رئيس أركان حرب القوات المسلحة السوفيتية في 21/6/1967، وبدأت المباحثات في اليوم التالي مباشرة وضمت القيادة السياسية والعسكرية المصرية مع الوفد السوفيتي.
كانت هذه المباحثات هي الركيزة الأولى التي قام عليها التعاون المصري - السوفيتي لإعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية. "وأهمية تلك الجلسة الأولى من المباحثات الرسمية ترجع إلى أنها كانت بداية مرحلة جديدة في العلاقات المصرية السوفيتية، أدت بالتالي إلى تغير تدريجي في سياسة مصر بالنسبة لعدم الانحياز وكان التواجد السوفيتي يزداد كلما ازداد الدعم الأمريكي للاحتلال العسكري الإسرائيلي.
وخلال مباحثات عبد الناصر - بودجورنى يومي 22 ، 23 يونية طلب الرئيس عبد الناصر تحقيق التوازن العسكري بين مصر وإسرائيل، مما يستلزم دعم قواتنا بالأسلحة والخبراء السوفيت وخاصة في مجال الدفاع الجوي. وأوضح للجانب السوفيتي أن ضربة العدو في حرب يونيو قد أثرت على معنويات قواتنا المسلحة بدرجة كبيرة. لذلك فإن الإسراع في تعويض الأسلحة التي فقدناها أمر حيوي تماما.ً سيؤثر كثيراً وبشكل إيجابي على معنويات ضباط وجنود الجيش - عند هذه النقطة علق زخاروف بكلمات موجعة ومهينة لكن الرئيس عبد الناصر لم يعلق -.
وبالنسبة للقوات الجوية أبرز عبد الناصر للجانب السوفيتي، أنه وصل إلى مصر بعد المعركة مباشرة 25 طائرة ميج21 ، 93 طائرة ميج17، وتم الاتفاق على إرسال 40 طائرة ميج21. ومن الناحية الفنية فإن طائرات الميج مداها قصير إذا ما قورنت بطائرات الميراج والمستير التي تملكها إسرائيل والتي يمكن أن تصل إلى العمق المصري، بينما طائراتنا لا تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل. لذلك طلب عبد الناصر نوعاً جديداً من الطائرات المقاتلة القاذفة بعيدة المدى حتى لا تبقى إسرائيل متفوقة وقادرة على ضربنا بينما نحن لا نستطيع الرد عليها - لم يتحقق هذا الطلب حتى انتهاء حرب 1973 رغم تكرار طلبه في كل اجتماع مع السوفيت - وطلب عبد الناصر أيضاً تزويد مصر بصفة عاجلة وبطريق الجو وليس البحر بعدد من طائرات الميج21 لكي تشترك فوراً في الدفاع الجوي عن الجمهورية حيث يوجد لدينا طيارون بدون طائرات.
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة 180px-Gond_1_1
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Magnify-clip-rtl
الطائرة المصرية حلوان-300 (الأسرع من الصوت)
ولابد في هذه اللحظة أن نتحدث عن مشروع إنتاج طائرة مقاتلة مصرية بالاشتراك مع الهند. فمنذ عام 1964 شرعت مصر والهند في إنتاج الطائرة (حلوان- 300) كمقاتلة أسرع من الصوت, وبدأ العمل في مصانع الطائرات المصرية بحلوان. وظل المشروع يتقدم بنجاح مطرد في الدراسات والتصميم، حتى تم إنتاج النموذج الكامل في عام 1966.
وبدأ تجربة الطائرة في الجو بسرعات متوسطة، ثم تطورت حتى وصلت الطائرة إلى سرعة الصوت. وكان هذا نجاحا مذهلا، كان يمكن أن يكون بداية لتحقيق سياسة مختلفة في التسليح المصري. لكن بعد يونيو67 وبضغط من روسيا، تم تصفية المشروع وتحولت مصانع الطائرات المصرية إلى الإنتاج المدني ( غسالات ملابس وثلاجات).
وعن الدفاع الجوي في مرحلة إعادة البناء، كان الرئيس عبد الناصر يفضل أن يكون ذلك في إطار دفاع مشترك أي مصري/سوفيتي، وبذلك يشترك ضباطنا وجنودنا في الدفاع الجوي مما يكسبهم الخبرة من الكوادر السوفيتية، وكان رأى بودجورنى أنه من الأنسب أن يكون الدفاع الجوي مصرياً على أن تقدم له مساعدات سوفيتية.
واستمر عبد الناصر في حديثه قائلاً : "إننا إذا كنا نطلب منكم أن تكونوا معنا في وقت الحرب. فيجب أن نكون نحن معكم في وقت الحرب ووقت السلم. وأمامنا الآن أيام صعبة يتعذر أن نتغلب عليها وحدنا.. ولأن النضال يستهدف هذه المرة تحرير أراضينا بقوة السلاح، فإنه يتحتم علينا أن نتفق مع الاتحاد السوفيتي. ونحن على استعداد لتقديم تسهيلات لسفن أسطولكم من بورسعيد إلى السلوم. وبالطبع فإننا سوف نستمع إلى أشخاص هنا في مصر يقولوا لنا: أنتم أخرجتم الإنجليز من الباب وأدخلتم السوفيت من النافذة. ولكن كل هذا يهون ويمكن تحمله في سبيل تحرير أرضنا".
أقف عند كلمات الماريشال/ زخاروف والتي لم يرد عليها الرئيس عبد الناصر والذي كان أهم سمة في شخصيته هي الاعتزاز بالنفس أمام الأجانب. كان يمكنه الرد بأن القوات الألمانية وصلت حتى موسكو في الحرب العالمية الثانية وُهزم الجيش السوفيتي، لكن نهاية الحرب كانت النصر السوفيتي على ألمانيا. لكن الرئيس عبد الناصر ابتلع كلمات زخاروف وآثر عدم الرد عليها. فمصر وجيش مصر أكبر بكثير من كلمات زخاروف. ويوضح هذا الموقف التحول الكبير في فكر الرئيس عبد الناصر ونظرته الشاملة للأمور.
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة 180px-Gond_1_2
جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Magnify-clip-rtl
الرئيس عبد الناصر يعلن رفض مصر شعباً وجيشاً للهزيمة
كانت روسيا تجنى ثمار ما قامت به بدفع مصر إلى الحرب، فالمطالب السوفيتية تم الاستجابة لها، وأهم هذه المطالب كان تواجد الخبراء السوفيت في الوحدات المصرية واستخدام السفن السوفيتية للموانئ المصرية. كان الرئيس عبد الناصر واضحاً ومحدداً في حواره مع السوفيت وبنظرة محايدة في كلمات عبد الناصر نرى أنه لم يكن أمام عينيه سوى شيء واحد.. استرداد الأرض وهزيمة العدو الإسرائيلي، مستعداً في سبيل تحقيق هذا إلى التحالف مع الشيطان كما قالها تشرشل في الحرب العالمية الثانية. كان يوظف السياسة لصالح الجانب العسكري حتى لو أدى ذلك إلى تحول عن مبدأ عدم الانحياز الذي ناضل عبد الناصر من أجله كثيراً. لم يكن أمام عبد الناصر أي منفذ أو مصدر يحصل منه على السلاح سوى روسيا.
كان الرئيس عبد الناصر مقتنعاً تماماً أن إسرائيل لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضي التي احتلتها في 67 إلا بالقوة المسلحة، أو يستسلم العرب لشروط إسرائيل المستحيلة.وفى حوار دار بين الرئيس عبد الناصر مع الفريق/ رياض بعد أيام من انتهاء الحرب طلب فيه الأخير أن لا يقبل حتى عودة الأراضي كلها بالجهود الدبلوماسية دون معركة مثل ما حدث في عام 1956. حتى لا تحرم القوات المسلحة المصرية من رد اعتبارها.
فرد عليه الرئيس: "لو عرضوا على كل الأراضي حا أوافق يا عبد المنعم. لكن ما تخافش ما حدش حيعرض علينا أي أرض. وأنا متأكد إن مفيش عمل سياسي حايحقق نتيجة بدون عمل عسكري".. عاد الرئيس عبد الناصر وأكد هذا في اجتماع مع قادة القوات المسلحة يوم 25/11 / 1967 "دعوني أقول لكم بعض الحقائق. فإذا نظرتم إلى ما يفعله الإسرائيليون في المناطق المحتلة سيتضح لكم أنهم لا يعتزمون الجلاء عن هذه المناطق إلا إذا أرغموا على ذلك، وأرجوكم أن تتذكروا ما سبق أن قلته : إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وليس هذا بلاغة قول لكني أعنيه تماماً ثم اسمعوا هذا : لقد طلبت من روسيا أن تزودنا بمعدات العبور، وقلت إني أريدها كقرض أو صفقة، والواقع أنني لو كنت مكان أشكول أو دايان لفعلت مثل ما يفعلان، أنهما يريدان التوسع، ويظنان أن الفرصة مواتية للتوسع، بل أرى أنهما لا يستطيعان الانسحاب حتى لو أرادا ذلك لأنهما غذيا شعبهما بآمال ووعود كثيرة. وما يقولانه الآن سيتحول لا محالة إلى سياسة رسمية وسيجدان نفسيهما ملتزمين بها، فلستم بحاجة إلى توجيه أي اهتمام لأي شيء يمكن أن أقوله في البحث عن الحل السلمي".
إسرائيل ونشوة الانتصار
بذلت إسرائيل الكثير ولسنوات عديدة في التخطيط والإعداد لحرب 67 حتى حققت انتصارها المدوي على ثلاث دول عربية محيطة بها. لكن الجهد والإعداد من جانب إسرائيل لم يكن يعطيها النصر بهذا الحجم إلا بالتقصير والإهمال والتفكك العربي سياسياً وعسكرياً. وقد حجب دوى هذا النصر الكثير عن فكر وأعين قادة إسرائيل خاصة العسكريين، الذين أصبحوا نجوم في كافة وسائل إعلام إسرائيل وأمريكيا وأوروبا.
اقتنعت إسرائيل شعباً وجيشاً وصدقت أنها خاضت معارك رهيبة وشرسة حتى استطاعت أن تقضى على جيوش ثلاث دول عربية وتحتل أراضي تبلغ مساحتها ثلاث أضعاف مساحة إسرائيل. وأغفلوا تماماً أن هذه الجيوش كانت شديدة التواضع من ناحية القدرة القتالية. كما أغفلوا أن الفرقة والتشتت كانت هي الغالبة بين الجيوش الثلاثة فلم يدعم أو يساعد أحدها الآخر طوال القتال، فانهزموا بسهولة واضحة للجميع.
كما أغفلوا دور تدمير الطائرات المصرية من اللحظات الأولى للمعركة، وأثر هذا على المعارك التي دارت بين القوات البرية المصرية والإسرائيلية.. لقد قاتلت بعض الوحدات المصرية قتال تعطيلي للعدو، وفور حدوث خسائر في القوات الإسرائيلية يتم دفع الطيران الإسرائيلي لمهاجمة تلك الوحدات المصرية، حتى يسهل تقدم القوات الإسرائيلية.. ثم اشتطت في مبالغتها فادعت بأن مدرعاتها الرهيبة قد أرست قواعد وتكتيكات جديدة ستغير في العلم العسكري وفى التكتيكات الكبرى لاستخدام المدرعات التي كانت سائدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وكانت إسرائيل من فرط نشوة الانتصار غير الطبيعي الذي تحقق على مصر بصفة خاصة متأكدة بأن نظام الرئيس عبد الناصر سوف يسقط، وإذا لم يسقط فهو لا يستطيع الدخول في مواجهة عسكرية معها إلا بعد 20 عاماً. ونتيجة للإلحاح الإعلامي المستمر عن قدرة جيش إسرائيل، فقد صدق كثير من المحللين العسكريين مقولات القادة الإسرائيليين، حتى أن الجنرال الفرنسي اندريه بوفر صرح وتنبأ بأن أمام العرب جيل كامل حتى يفيقوا من الهزيمة.
كان الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه إسرائيل حكومة وشعباً، جيشاً وقادة، هو أنها صدقت بأن النصر الذي أحرزته في يونيو67 يعود إلى تفوق الجندي والضابط الإسرائيلي كنوعية بشرية على الجندي والضابط المصري.. وهذا ما ركز عليه الإعلام الإسرائيلي محاولاً ترسيخه لدى مصر شعباً وجيشاً كي نقتنع بأننا لا نقدر على التصدي لجيش إسرائيل، مهما كان لدينا من سلاح. لهذا كان الحوار مع الأسرى المصريين يتم صنعه إعلامياً بمهارة وحرفية حتى يتأكد لمـن يشاهده أن جندي إسرائيل (سوبرمان ) لا يستطيع أحد التصدي ل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
The Challenger

لـــواء
لـــواء
The Challenger



الـبلد : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Egypt110
التسجيل : 19/10/2011
عدد المساهمات : 4836
معدل النشاط : 4611
التقييم : 210
الدبـــابة : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11
الطـــائرة : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11
المروحية : جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Unknow11

جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة 211


جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Empty

مُساهمةموضوع: رد: جند من السماء ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة   جند من السماء  ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة Icon_m10الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 12:07

شمعة أضاءت مصر كلها
بدأت مصر بعد وقف إطلاق النار مباشرة وعلى الفور، في محاولة إنشاء خط دفاعي متماسك على الضفة الغربية لقناة السويس، بما توفر لها من بقايا وحدات ومعدات وأسلحة وذخيرة. فتم تجميع هذه الوحدات وإعادة تنظيمها، ثم توزيعها في مواقع متناثرة في محاولة لتشكيل خط دفاعي مناسب يمتد من بورسعيد شمالاً وحتى السويس جنوباً بطول 150كم. وكان الاعتماد في هذا الخط الدفاعي على وحدات المشاة والصاعقة وبدعم من المدفعية، ثم تم توفير بعض الألوية من المدرعات تمركزت في العمق.
وقد تطلب هذا الخط جهداً غير عادي من الأفراد لتجهيز المواقع الدفاعية، خاصة أعمال الحفر وإقامة الموانع وحقول الألغام والتجهيزات الهندسية. لكن في خلال 40يوماً استطاعت مصر أن تلتقط أنفاسها وأصبح هناك دفاع متماسك على الضفة الغربية للقناة. وتعين اللواء/ أحمد إسماعيل قائداً للجبهة ومعه العميد/ محمد الجمسى رئيساً للأركان. وعملا ليل نهار حتى أصبح النطاق الدفاعي مكتملاً بداية من عام 1968.
في المقابل على الضفة الشرقية للقناة احتلت إسرائيل سيناء بالكامل عدا جزء صغير شرق وجنوب مدينة بور فؤاد. وبدأت في إنشاء الخط الدفاعي الإسرائيلي مرتكزة على ناتج الرمل من أعمال تطهير قناة السويس وكان ارتفاعه 4-6 متر. فقامت بإنشاء نقط دفاعية على طول القناة في كل منها فصيلة (30فرد) بفواصل 7-10كم بين النقاط. ثم بدأت هذه النقاط في تحصين مواقعها بالموانع والأسلاك الشائكة وحقول الألغام.. وفي تعلية الساتر الترابي حتى وصل إلى ارتفاع 20متر وعرض القمة 2-3 متر. واكتمل1970. وتم بناء الحصون والدشم التي تمركزت فيها القوات الإسرائيلية وهو ما عرف باسم (خط بارليف). ثم تمركز خلف هذا الخط احتياطيات بوحدات مكونة من سرايا وكتائب مشاة ومدرعات على أعماق مختلفة ويدعمها كتائب مدفعية ثقيلة وهاون.
كانت التوجيهات السياسية والعسكرية المصرية للقوات المسلحة بالالتزام بوقف إطلاق النار، إلا إذا حاول العدو القيام بأي أعمال عدوانية. لكن العدو الإسرائيلي بما كان فيه من صلف وغرور، بدأ منذ الأسبوع الأول في محاولة لاستفزاز القوات المصرية، لزرع اليأس في الضباط والجنود المصريين.. خاصة وقد أصبحت المسافة الفاصلة بين جيش مصر وجيش إسرائيل 200 متر هي عرض قناة السويس. فحاول بعض أفراد العدو النزول إلى مياه القناة للاستحمام لكن الوحدات المصرية بادرتهم على الفور بإطلاق النيران فلم تتكرر محاولتهم مرة ثانية.
كما وضعوا على الساتر الترابي مكبرات صوت كانت تذيع أغاني مستفزة وخطب تم إذاعتها قبل يونيو67، مع توجيه الشتائم والبذاءات إلى جنودنا باللغة العربية. وفى المساء يقومون بوضع مشاعل مضيئة على الساتر بشكل (48-56- 67). وأحيانا كان الجنود المصريون يقومون بإطلاق النيران عليهم فيتوقف الاستفزاز لفترة ثم يعود مرة أخرى. وهكذا أصبح القرار 234 الصادر من مجلس الأمن في 8 يونيو1967 الخاص بإيقاف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل غير ساري، لأن مصر قررت أنها ستقاتل.
نشطت أعمال الاستطلاع المصري فور توقف القتال مع العدو، حتى تتبين القيادة العسكرية المصرية ما هو حجم قوات العدو المواجهة ؟ تشكيلها ؟ أماكن تمركزها ؟. فأرسلت بدوريات خلف خطوط العدو قام بها ضباط وجنود عظماء كل ما يميزهم أنهم مصريون حقا.(*) شأنهم شأن آخرين سنذكرهم لاحقاً من مختلف أسلحة القوات المسلحة (بحرية - جوية - مشاة - مهندسين عسكريين - مدرعات - دفاع جوي) بل سينضم إليهم مدنيون قاتلوا بالسلاح، وآخرون أعطوا في موقعهم بإخلاص لتحقيق النصر.
كانت الكتيبة 103 صاعقة تتمركز في بورسعيد لحماية مطار الجميل ضد أي إسقاط إسرائيلي على المطار أو على بورسعيد.. وفى 14 يونيو تم دفع دورية 2 فرد وقيادة الملازم/عبد الوهاب الزهيرى إلى بحيرة البردويل بواسطة لنش صيد. على أن يعود سيراً على الأقدام من طريق العريش – القنطرة، لاستطلاع قوات العدو على المحور الشمالي. واستغرقت المهمة ثلاثة أيام وتم اكتشافه في اليوم الثالث من العدو الإسرائيلي لكنه استطاع العودة بالدورية سالماً ومعه المعلومات التي تحصل عليها.
وبعده بيوم واحد تم دفع الملازم أول/رفعت الزعفراني من الكتيبة إلى البردويل لتجميع الشاردين من قواتنا المسلحة وإعادتهم إلى مصر بواسطة اللنشات البحرية. وأمضى هناك 13 يوماً ثم عاد إلى الكتيبة بمحصول وافر من المعلومات.. ونحن لا نروى هذه الوقائع على سبيل الحكي، وإنما لنثبت قولنا بأن مصر بعد 10 يونيو قد أصبحت على حال غير الحال.. فبعد 4 أيام فقط من الهزيمة نرسل بدورية لجمع المعلومات واستطلاع أماكن العدو !!! ونحن الذين قضينا سنوات قبلها لم نرسل فيها دورية واحدة. لقد دقت ساعة العمل الوطني وهبّ المصريون وكلهم أمل في النصر وسنرى ويثبت ذلك فيما هو قادم من أحداث ومواقف.
توقف الجيش الإسرائيلي بعد حرب67 عند مدينة القنطرة شرق. لكن وبعد عدة أيام بدأ في استطلاع الطريق شرق القناة المؤدي إلى مدينة بورفؤاد، وكان طريق ضيق محدود من الغرب بقناة السويس ومن الشرق بأرض سبخيه تعرف باسم سهل الطينة، ولكن عناصر الاستطلاع المصري كانت تراقب وتتابع أعمال العدو من الضفة الغربية. وضحت نية العدو في أنه يجهز للتقدم للاستيلاء على مدينة بورفؤاد وبذلك تصبح بورسعيد أيضاً في مرمى نيرانه. وفى صباح 30 يونيو تم تكليف فصيلة (30 فرد) من الكتيبة 43 صاعقة، بقيادة الملازم أول/ فتحي عبد الله ومعه الملازم أول/ محمد جابر الجزار باحتلال موقع شرق القناة جنوب مدينة بورفؤاد يعرف باسم رأس العش. ويعاونه من الغرب سرية هاون (6 مدفع) بقيادة الملازم أول/ نادر عبد الله. كما تم تكليف الكتيبة 103 صاعقة بعمل كمائن من الضفة الغربية في المنطقة بين رأس العش والكاب والتينه لتدمير العدو ومهاجمته من الغرب..
تقدم العدو على الطريق شرق القناة قبل غروب شمس 30 يونيو بقوة قدرها سرية دبابات (10 دبابات) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية في عربات نصف جنزير، بغرض الاشتباك ليلاً مع قواتنا اعتماداً على أنها أفضل وأكفأ في القتال الليلي.. وبدأ الاشتباك مع موقع الفصيلة المصرية في رأس العش في السابعة مساء بقصف من الدبابات ومدفعية الهاون الإسرائيلية، واستمر هذا القصف لمدة ساعتين. ولم يحقق أي خسائر في قواتنا، بفضل الحفر البرميلية التي قام بحفرها أفراد الفصيلة فور وصولهم إلى شرق القناة. وفى العاشرة مساءًً تقدم العدو نحو مواجهة الفصيلة التي التزم أفرادها بحبس النيران حتى وصل العدو إلى مسافة 200 – 300 متر . وفى تلك اللحظة انطلق رقيب الفصيلة البطل/ حسنى سلامه بالقاذف أر.بي.جى. مدمرا الدبابة الأولى وموجها تعليماته لباقي أفراد الفصيلة.
واستمر القتال حتى الرابعة فجرا، حاول العدو خلالها الهجوم أكثر من مره بالمواجهة أو الالتفاف من يسار الفصيلة، لكن باءت جميع هجماته بالفشل. وذلك لأنه لم يستطيع المناورة بالدبابات والعربات نصف جنزير، لأن الأرض السبخية عن يمينه والقناة عن يساره بأمتار قليلة. كما وأن أفراد الصاعقة كانت تحتل مواقعها الدفاعية بصورة جيدة. فأمكنها التشبث بالأرض وإيقاع خسائر كبيرة في الأفراد، بلغت 40 قتيل ومثلهم من الجرحى وتدمير 5 دبابات و3 عربات مجنزرة. فلم يكن أمام العدو الإسرائيلي إلا الانسحاب. وقد استشهد من القوات المصرية الملازم أول/ محمد جابر الجزار ومعه 10 شهداء من أفراد الفصيلة بعد أداء بطولي رائع.
ومن الضفة الغربية وعلى بعد 200 متر من العدو كانت الكمائن تستكمل ملحمة القتال ضد العدو الإسرائيلي. كان هناك أربعة نقاط في المسافة بين رأس العش وحتى القنطرة. كان كل كمين في تلك النقاط الأربعة يتكون من ضابط ومعه 3-4 فرد صاعقة بتسليح رشاش + قنابل يدوية + ألغام + قاذف أر. بي.جى مضاد للدبابات. كان قادة هذه الكمائن هم :
1- نقيب/ محيي نوح
2- ملازم أول/ رفعت الزعفراني
3- ملازم/ عبد الوهاب الزهيرى
4- ملازم/ خليل جمعه
استمر قتال هذه الكمائن ضد العدو الإسرائيلي من ليلة بدء المعركة 30يونيو/1 يوليو وحتى 4 يوليو. حاول العدو خلالها أكثر من مرة أن يتقدم ولكن هذه الكمائن أوقعت خسائر عالية فيه. ففي الثالثة صباح يوم 1 يوليو تمكن كمين الملازم/ عبدالوهاب الزهيرى من تدمير عربة منسحبة بالقاذف أر.بي.جى. ثم العودة إلى الغرب، ثم تمكن هذا الكمين من تدمير 3 عربات أخرى بنفس الأسلوب كانت متقدمة إلى رأس العش.
أما كمائن الملازم أول/ رفعت الزعفراني والملازم/ خليل جمعة فكانت تتبع أسلوب آخر. فقامت بزرع الألغام على طريق تقدم العدو ومراقبة تحركه من الضفة الغربية. وأسفر هذا عن تدمير ثلاث عربات ثم مهاجمة الناجين من العربات من الضفة الغربية. وتم الحصول على رشاشات وأجهزة لاسلكية ووثائق من تلك العربات، كان من بينها أوراق بها عناوين في كفر الدوار والإسماعيلية, تسلمتها المخابرات الحربية المصرية وكانت خيطا هاما للوصول إلى بعض عملاء لإسرائيل.
أما الكمين الرابع فقد تمركز النقيب/ محيي نوح فوق صهريج للمياه مما أتاح له فرصة كشف العدو واستطاع تدمير أربع عربات وإيقاع خسائر كبيرة في الأفراد. وإن كان قادة الكمائن هم الذين هاجموا العدو الإسرائيلي من الشرق ومن الغرب إلا أن أفراد كل كمين كانوا خير سند ومعين لضباطهم مثال الجندي فكري طاحون الذي أصيب أثناء المعركة لكنه أصر على البقاء مع قائده قائلاً "أنا جيت مع سيادتك وحافضل هنا لغاية ما نخلص المهمة" والعريف حلمي عبد الجليل الذي أصيب أيضا والجندي محمود سعد الجلاد.
لم يجد العدو مخرج من هذا المأزق إلا أن يدفع بطائراته التي قامت بمهاجمة المنطقة من القنطرة وحتى بورسعيد بكثافة وعشوائية رداً على الخسائر العالية التي وقعت في أفراده ومعداته فهاجم صهريج المياه وفندق في بورسعيد وجامع وأتوبيس ركاب مدني على الطريق. وللأسف كانت الخسائر كلها في الأفراد المدنيين من ركاب الأتوبيس، حيث استطاع أفراد الكمائن استغلال الأرض بصورة رائعة في الحماية من الهجمات الجوية.
وعن هذه المعركة يقول إسحاق رابين "وفى قطاع الساحل الضيق أقام المصريون موقعاً على بعد 10-12كم من بورفؤاد ودعوا المراقبين الدوليين ليروا ويشاهدوا بأن هذه المنطقة واقعة تحت سيطرتهم. وقد خاضت وحدات استطلاع إسرائيلية قتالاً مريراً في المنطقة التي تدعى "الرش" - يقصد رأس العش - في الوقت الذي كانوا فيه مكشوفين للجانب الآخر من القناة والواقع تحت السيطرة المصرية. وقررت رغم صعوبة الظروف تعديل الخط ليصل حتى مداخل بورفؤاد.. وفى شهر تموز 1967 وفى إحدى المعارك الضارية في هذه الواجهة تورطت قواتنا في وضع خطير، وأردت استخدام سلاح الجو. فبحثت عن وزير الدفاع وكان مشغولاً بحفريات أثرية ولم أستطع العثور عليه. وكان الوقت ضيقاً، وزاد وضع قواتنا خطورة فأمرت سلاح الجو أن يقوم بإسكات المواقع المصرية في الجانب الغربي للقناة التي كانت تطلق نيران مكثفة.
وانتهت معركة رأس العش ولم يحاول العدو أن يتقدم إليها مرة أخرى. وظلت هذه المنطقة وحتى مدينة بورفؤاد أرض مصرية. ولكن كان لهذه المعركة آثار كبيرة ودروس مستفادة لابد وأن نقف عند بعض منها.
 كانت هذه المعركة هي المواجهة الأولى والحقيقية بعد يونيو67 بين الضابط والجندي المصري والعدو الإسرائيلي.. فقد كان هناك آلاف من الضباط والجنود المصريين منهم الذين قاموا بمعركة رأس العش، قامت حرب يونيو وانتهت وهم لم يقاتلوا أو يشاهدوا إسرائيلي واحد، ورغم ذلك كان محسوب عليهم أنهم جيش مهزوم.. لهذا كان أثر هذه المعركة على مصر عظيماً وعلى الضباط والجنود أعظم.
 ثبت من هذه المعركة أن الحرب الإعلامية والنفسية التي كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تشنها على مصر بغية ترسيخ الاستسلام واليأس على الجانب المصري كانت تقوم على أكذوبة ووهم. وأن الجندي الإسرائيلي ليس هو ( السوبرمان) وأن الجيش الإسرائيلي ليس هو (الجيش الذي لا يقهر).
 أوضحت هذه المعركة أن استخدام الأرض وتجهيز المواقع الدفاعية جيداً يمكن أن يكون عاملاً حيوياً في صمود القوات ضد العدو الذي يفوقها عدداً وعدة. فقد خطط قائد الفصيلة دفاعه بحيث استطاعت فصيلة المشاة التصدي لهجوم سرية الدبابات المدعمة بمشاة ميكانيكي على عربات نصف جنزير رغم فارق الإمكانيات والقدرات القتالية بين الدبابة وفرد المشاة.
 كان في معركة رأس العش درس واضح تماماً لكن إسرائيل - ولحسن حظنا - لم تتوقف أمامه أو تتنبه له، وكان هذا الدرس هو أحد أسباب انتصار مصر الكبير في حرب 1973. فبعد حرب يونيو67 وقعت إسرائيل كلها في وهم الاعتقاد بأن الجندي الإسرائيلي كنوعية بشر أفضل من الجندي المصري ويتفوق عليه في كل شيء خاصة في القتال الليلي.. ورغم أن هذا الوهم قد سقط في معركة رأس العش وفى معارك بعدها إلا أن إسرائيل ظلت تتمسك بهذا الوهم حتى حرب أكتوبر1973 التي قال قادتها بعدها إن أكبر مفاجأة لهم كانت هي الجندي المصري.
 أثبتت معركة رأس العش أن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح.. فبمقارنة بسيطة بين القوات المصرية والإسرائيلية نجد هذه المقولة واضحة تماماً. فالدبابة الإسرائيلية التي كانت تهاجم لديها مدفع رئيسي يقذف الدانة من على بعد 1.5-2كم. ولديها رشاش يطلق نيرانه من على بعد 2000 متر من الهدف، إضافة إلى الدرع الذي يحمى طاقم الدبابة.. يقابله المقاتل المصري في العراء بسلاحه الشخصي وبقنبلة يدوية وقاذف صاروخي مضاد للدبابات أر. بي.جي يطلق طلقة واحدة من على بعد 300-500 متر. لهذا فلابد وأن يكون الفرد الذي يتصدى للدبابة والعربة المدرعة متمركزاً في الأرض بصورة جيدة وعلى قدر كبير من الكفاءة القتالية والثقة بالنفس والإصرار وهذا ما كان عليه ضباط وجنود مصر.
هذه مقارنة بقدرات المعدات والأسلحة.. وبنظرة أخرى على حجم القوات التي تصدت للعدو نجد أن مجموع من شارك في هذه المعركة من القوات المصرية هو 7 ضابط وما لا يزيد عن 60 جندي. تمكنت هذه القوة من إيقاف تقدم العدو إلى مدينة بورفؤاد من الفترة مساء 30 يونيو وحتى4 يوليو1967. برغم مدرعاته المدعمة بالطيران، والتي حاولت أكثر من مرة لكن الفشل كان نصيبها في كل مرة.
كان لمعركة رأس العش أثر غريب مر كأمر عادي لكنه بالغ الدلالة.. فقد كانت الكمائن التي تعمل في الضفة الغربية تهاجم العدو الإسرائيلي في الشرق وحولها قرى ريفية وفلاحين مصريين، كانوا يتابعون الكمائن المصرية وهي تدمر مدرعات ومجنزرات العدو الإسرائيلي بالهتاف والتصفيق. وما أن انتهت المعركة حتى خرج المئات من الأهالي على طول القناة، يحملون أفراد الكمائن ويهتفون لهم ويتسابق الجميع في تقديم كل ما لديهم من مأكولات ومشروبات وحلوى احتفالاً وتقديراً لضباط وجنود مصر.
حقاً إنها معركة بطولية تسجل في تاريخ القوات المسلحة المصرية قام بها أفراد قال لهم اللواء/ أحمد إسماعيل قائد الجبهة بعد المعركة "إن مصر كلها مدينة لكم بالكثير".

 
المصدر مقدما حتى يمكن المتابعة فى حالة عدم استكمال الموضوع


http://www.marefa.org/sources/index.php/%D8%AC%D9%86%D8%AF_%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

جند من السماء ----- اللواء طيار ا.ح محمد زكى عكاشة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» اللواء طيار محمد ذكي عكاشة " في ذمة الله "
» انفراااااااااااد : حوار مع نسر النسور اللواء طيار / محمد زكي عكاشة
» اللواء محمد عكاشة يكشف أكذوبة صاحب الضربة الجوية الأولى اقرأ أيضا اللواء محمد عكاشة يكشف أكذوبة صاح
» اللواء محمد عكاشة للمؤرخ: اليهود هيحاربونا هيحاربونا
» رد اللواء طيار محمد زكى عكاشه على هيكل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019