أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

العصبية في التاريخ الاسلامي

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 العصبية في التاريخ الاسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 13:55

العصبية في التاريخ الإسلامي

العرب قبل الإسلام
إعلم أن العرب كانت في الجاهلية قبائل بدوية متناحرة لا يجمع بينها رابط أو عصبية. حتى إذا جاءت الدعوة الإسلامية،
كانت القبائل العربية تنهض من حروب أهلية طويلة مضنية، بينما تعاني دولتي الحيرة والغساسنة من سيطرة الروم و الفرس عليهما و دخولهما في رحى الحرب بينهما. و عانت اليمن من احتلال الأحباش و الفرس. لقد كانت العرب تتطلع إلى الخلاص إلى معجزة توقف نزيف الدم المستمر و تخرجهم من دوامة الفقر و التفرق. هذه الحروب قد ساعدت في إخراج العرب إلى الجيل الأول و هيئت بيئة خصبة للإسلام. و هي أقرب ما يكون إلا ما
سميناه بالحرب الأهلية.



و رغم ما كان في العرب من خصال حميدة على غيرهم من الأمم كالكرم و الشجاعة فإن أحداً لم يكن و لا حتى يتوهم بأن تلك القبائل المتناحرة المتقاتلة ستجتمع يوماً ما تحت إمرة رجل واحد و تكون لهم عصبية واحدة. و هذا لأن جمع تلك القبائل البدوية ذات العصبيات المختلفة في دولة واحدة، أمر لا يمكن أن يكون بالقوة و الاستبداد. فقد حاول أحد أباطرة الروم غزو الجزيرة فهزم جيشه في الصحراء. و هُزِم الفرس أيضاً في ذي قار فلم يتجاوز حكمهم
الفرات. و حاول الأحباش بقيادة أبرهة احتلال مكة فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل،
ترميهم بحجارة من سِجِّيل، فجعلهم كعصفٍ مأكول. فلم تتمكن أي من تلك الأمم –على
قوتها و عظمتها– من احتلال جزيرة العرب فضلاً أن تتمكن من جمع قلوب أهلها على
عصبية واحدة.



و الحق يقال أنه لو لم يكن لنبينا محمد r معجزة إلا توحيد العرب على العصبية
الإسلامية، لكفت تلك على إثبات نبوته. و قد شهد الله على ذلك فقال ]وَ أَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[. ذلك أنه لو كان يدعوهم في سبيل الدنيا، فإن النفس تنزع للاختلاف طمعاً في مال أو منصب أو جاه. فيستحيل محو عداوات دامت مئات السنين. و يتعذر أن ينسى أولئك الأعراب أمجاد و حروب آبائهم. أما و قد دعاهم
للآخرة، فإن النفس تترفع عن حطام الدنيا كله في سبيل الأجر من الله عز و جل. و ما
عند الله خير و أبقى.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:04

المسلمون في العهد المكي

عانى المسلمون خلال ثلاثة عشرعاماً من الدعوة المكية الكثير من الأذى و التعذيب و القهر و الحصار و الجوع حتى
اشتدت عصبيتهم و قويت شوكتهم. و لذلك أصبحت عصبية المهاجرين فيما بعد أقوى من
عصبية الأنصار و باقي العرب.

و قد كان بإمكان رسول الله
r أن يدعو الله على من يعذبهم فيهلكهم الله
كما فعل بأقوام من قبلهم. إلا أن الله كان له حكمة عظيمة في عدم إهلاك قريش. و من
ذلك أنه أراد أن يشرع ما نسميه بفقه الاستضعاف، ليعلم الأجيال المسلمة القادمة
الصبر و الانتظار و عدم التعجل حتى تقوى عصبيتهم و يكثر عددهم و تشتد قوتهم. فيمر
رسول الله
r بعمار وأم عمار وهم يُعَذَّبون بمكة فيقول:
«صبراً يا آل ياسر، فإنَّ مصيركم إلى الجَنّة». ثبت في الصحيح عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ:
شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ. قُلْنَا لَهُ أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا
أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ
لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى
رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَ مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَ يُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَ
مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَ اللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ
إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ. وَ لَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

وقال سيد قطب: «ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية و إعداد في بيئة معينة لقوم معينين وسط ظروف
معينة. و من أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو على من يلوذون به، ليخلص من شخصه، و يتجرد من ذاته، و لا تعود ذاته و لا من يلوذون به محور الحياة في نظره، و دافع الحركة في حياته. و تربيته كذلك على ضبط أعصابه فلا
يندفع لأول مؤثر كما هي طبيعته، و لا يهتاج لأول مهيّج، ليتم الاعتدال في طبيعته و
حركته. و تربيته على أن يتبع مجتمعاً منظماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من
أمور حياته، و لا يتصرف إلا وفق ما تأمره مهما يكن مخالفاً لمألوفه و عادته. و قد
كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي لإنشاء المجتمع المسلم الخاضع لقيادة
موجهة».


ذو هذا لم يكن اجتهاد من أحد بل
كان أمراً من الله عز و جل. و لهذا فقد قال رسول الله
r لمن قال له من أصحابه: «كنا في عز و نحن مشركون فلما آمنا صرنا
أذلة»، «إني أُمِرْتُ بالعفو فلا تقاتلو..» الحديث. و عندما استأذنه أهل يثرب ليلة العقبة أن
يميلو على أهل مِنى فيقتلوهم، أجابـهم رسول الله
r: «إني لم أؤمر بـهذا»
و سنمر على هذا إن شاء الله في بحث الخوارج و البغاة. و لكن بحثنا سيكون رداً عن بعض الجهلة الذين يتوهمون أن كل فقه الاستضعاف و كل ما نستفيده من السيرة النبوية في العهد المدني، منسوخ لا فائدة
من ذكره! و يزعمون أن آية السيف في سورة التوبة نسخت كل آية سبقتها عن الجهاد أو
الصبر على أذى المشركين، أي أن عدد هذه الآيات المنسوخة يبلغ مائة و أربع عشرة
آية!
و هذا خطاً بالتأكيد لأن الحكم
يدور مع علته وجوداً و عدماً. قال السِّـيوطي في أقسام النَّسخ من الإتقان: «ما
أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف و القلة و الصبر و الصفح، ثم نسخ
بإيجاب القتال. و هذا في الحقيقة ليس نسخاً بل هو من قسم المنسأ كما قال تعالى
]أو ننسأها[ فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى
المسلمون، و في حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى». و قد ذكر الزركشي
قبله مثل ذلك. و تبعه في ذلك الزرقاني و رشيد رضا و سيد قطب. فيقول الأخير مثلاً:
«إن هذه النصوص التي يلتجئون إليها نصوص مرحلية تواجه واقعاً معيناً. و هذا الواقع
المعين قد يتكرر وقوعه في حياة الأمة المسلمة. و في هذه الحالة تطبق هذه النصوص
المرحلية، لأن واقعها يقرر أنـها في مثل تلك المرحلة التي واجهتها تلك النصوص بتلك
الأحكام. و لكن هنا ليس معناه أن هذه هي غاية المنى، و أن هذه هي نهاية خطوات هذا
الدين. إنما معناه أن على الأمة المسلمة أن تمضي قدماً في تحسين ظرفها، و في إزالة
العوائق من طريقها، حتى تتمكن في النهاية من تطبيق الأحكام النهائية الواردة في
سورة التوبة، و التي كانت تواجه واقعاً غير الواقع الذي واجهته النصوص المرحلية».

و اعتبر علماء السلف أن المرحلة
الأخيرة للجهاد ناسخة لبقية المراحل. و هذا مروي عن كثير من السلف مثل ابن عباس، و
الضَّحَّاك، و مجاهد، و الحسن، و عِكرمة، و قتادة، و عطاء، ثم من تبعهم مثل ابن
تيميّة، و الشّوكاني، و القرطبي. و هذا لا يتعارض أبداً مع قول المتأخرين، لأن
الإختلاف هو على مصطلح و تعريف النسخ فحسب. فالنسخ عند المتأخرين معناه الإزالة
نهائياً، بينما عند السلف معناه أوسع إذ يشمل التقييد و البيان و التخصيص. و قد
أثبت ذلك إبن تيمية في شرحه لمفهوم النسخ عند السلف.
و إلا فالسلف لا يكلـِّفون
المستضعَف من المسلمين الذي حاله مشابهة لحال الرسول في مكة بالقتال. و إنما
الواجب عليه أن يجتهد لكي يصل إلى حال قوة يجاهد فيها الكفار. إذاً لقد اتفق
العلماء المتقدمون و المتأخرون على أن سورة التوبة لم تلغ أحكام الآيات التي
سبقتها بحيث لا يجوز العمل بها في أي حالةٍ من الحالات التي تمر بها الأمة
الإسلامية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:35

العصبية في العهد المدني

نجد أن الخزرج شاركوا في بدر
أكثر من الأوس و ذلك لكون أخوال أبو الرسول
r من بني النجار (طائفة من الخزرج)، ممّا يؤكّد على استمرار العصبية القبلية في الإسلام، و لو لم تكن ظاهرة لطغيان العصبية الدينية عليها. و خلال عشر
سنين من الدعوة المدنية توسّعت الدولة الإسلامية، و قويت دعائمها، و امتدت لتشمل
الجزيرة العربية بأكملها، و أسلم كلّ العرب. لكنّ الإسلام لم يستطع بــعــد
أن ينتزع العصبية القبلية (من بعض القبائل التي أسلمت حديثاً) و يحلّ محلّها
العصبية الإسلامية. و من هنا قلنا أن الدولة تحتاج إلى عشرة سنين في الجيل الأول
حتى تبسط قوتها و يستتب لها الأمر.
و من المُسَلَّم به أن أشدَّ المسلمين إيماناً –بشكل عام– هم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم من أسلم قبل الفتح،
ثم من أسلم بعده. و ذلك لأن من أسلم في مكة ببدء الدعوة و تحمل التعذيب الشديد، فإن
العصبية عنده صارت أقوى من غيره. عدا أن من المتعذر أن يكون قد أسلم نفاقاً. أما
من أسلم في المدينة قبل الهجرة فقد آمن رغم أن الإسلام ما يزال ضعيفاً، و لو أنه
لم يتحمل ذلك العذاب، فالنفاق مستبعد إلا ممن أسلم مضطراً خوفاً من أن يفقد مكانته
بين قومه كعبد الله بن أبي سلول. ثم أسلم أقوام كثر بعد الهجرة لما وجدوه أنه قد
صار للمسلمين دولة ترعاهم. و لما دارت تلك المعارك الطاحنة بين الكفار و المسلمين
كبدر و أحد و الخندق، كانت الكثير من القبائل تترقب و تنتظر من هو الغالب. فلما
انتصر الإسلام و فتحت مكة في السنة الثامنة للهجرة، جاء العرب يدخلون في دين الله
أفواجاً. و بذلك دخل كثير من الناس في الإسلام منجرفين مع التيار. و هؤلاء أغلبهم
من المؤلفة قلوبهم ممن كان إسلامهم ضعيفاً و العصبية الجاهلية ما تزال متمكنة من نفوسهم، فكان هؤلاء عامة المرتدين فيما بعد
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:41

حروب الردة

بعد وفاة الرسول r ارتدت معظم قبائل العرب
رغم اقتناع معظم المرتدين بأن الإسلام دين حق و ذلك تعصباً لقبائلهم.

فقد روى الطبري في تاريخه أن طلحة النميري قال لمسيلمة: «أشهد أنك كذاب وأن محمداً صادق. ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر» فقتل معه يوم عقرباء. أي أنهم عرفو أن الإسلام حق، و لكن لم
يرضو أن يقفو مع قريش ضد رجل من قبيلتهم و لو كان على باطل. ولذلك قال عنهم الطبري
بعد سرد عدة حوادث في هذا المعنى: «وكانوا قد علموا واستبان لهم (كذب مسيلمة)،
ولكن الشقاء غلب عليهم».

وترجع عوامل الردة في المناطق الأخرى، إلى عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر إسلامهم و بسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبليغ الدعوة، و طبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي، مما
جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة
مهينة، و استثقلو الصلاة و العبادات الأخرى. كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة
في تلك البلاد النائية و وسط نجد، حيث ترى القبائل أنها أضخم عدداً و عدة من قريش
وبالتالي فهي أولى بالزعامة. وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش. فمعظم
المرتدين كانو من ربيعة ذات العداء التقليدي لمضر التي منها قريش و عامة الصحابة.

فهذه العصبية القبلية التي بقيت نتيجة ضعف الإيمان و حداثة الإسلام، قد استغلها قادة المرتدين خير استغلال علماً
بأن أكثرهم لم يكن قد أسلم أصلاً. فقد خرج الأسود العنسي، على الرسول r بعد حجة الوداع في العام العاشر الهجري، كما جاء في الصحيح، و لم يُعرف أنه كان مسلماً حتى يقال إنه ارتد عن الإسلام. و كذلك
مسيلمة الكذاب، الذي قال: «إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته». و كذلك سجاح
التميمية، كانت نصرانية و لم تدخل الإسلام أصلا.

و قد اعتمدت الدولة الإسلامية على سند قوي من القبائل و الأفراد الذين ثبتوا على الإسلام، في قمع الردة. فقد
اعتمدت على أهل المدينة ومكة والطائف و ما حولها من قبائل، و من ثبت في قبيلته في
مراكز الردة، في تجهيز الجيوش للقضاء على المرتدين. و ما يردده بعض المستشرقون من
أن جميع العرب ارتدت إلا المدينة و مكة و الطائف، فهذا فيه مبالغة كبيرة. إذ ثبت
الكثير من قبائل العرب لكنهم بشكل عام كانو مبعثرين في الأرض و كثير منهم كان يخفي
إسلامه خوفاً من اضطهاد قومه. فلما جاءت طلائع الجيوش الإسلامية انضمو إليها.

و يغفل الكثير من المؤرخين دور الفرس في دعم المرتدين. و لولا تدخل بعض العناصر الأجنبية لصالح المرتدين لما
تجرءوا على الوقوف في وجه المسلمين مدة طويلة، حيث أن فارس قد أمدت المرتدين في
أرض تميم في البحرين بتسعة آلاف من المقاتلين، و كان عدد المرتدين ثلاثة آلاف و
عدد المسلمين أربعة آلاف.

و نفهم مما روى البخاري من حديث
أبو بكر الصديق t عن المرتدين: لَمَّا
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
r، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ t،
وَ كَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ. فَقَالَ عُمَرُ
t:
«كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
r:
أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَ اللَّهُ فَمَنْ
قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ
عَلَى اللَّهِ»؟ فَقَالَ «وَ اللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ
فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ. وَ
اللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُو يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
r
لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا». قَالَ عُمَرُ
t:
«فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ
t
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ».
أن
قتاله لهم كان لإجبارهم على دفع الزكاة و بالتالي الخضوع للدولة الإسلامية و ليس
لإكراههم على الدخول في الإسلام. و الآيات في ذلك المعنى كثير منها:

]ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء...[.
]فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله و من اتبعني و قل للذين أوتوا الكتاب و
الأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا و إن تولوا فإنما عليك البلاغ و الله بصير
بالعباد[
(آل عمران:20). ]ما على الرسول إلا البلاغ و الله يعلم ما تبدون و ما تكتمون[ (المائدة:99). ]و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين[
(يونس:99). ]قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من
ضل فإنما يضل عليها و ما أنا عليكم بوكيل[
(يونس:108). ]و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر... [( الكهف:29). ]إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَكِنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[ (القصص:56). ]نحن أعلم بما يقولون و ما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن
من يخاف وعيد[.

و الدليل على ذلك ما ورد من قصة بزاخة إذ عقد مع المرتدين عقد سلام مهين للمرتدين: فقد جاء وفد بزاخة و غطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية و السلم المخزية فقالو: هذه
المجلية عرفناها فما المخزية؟ قال: «تنزع منكم الحلقة و الكراع و نغنم ما أصبنا
منكم و تردون علينا ما أصبتم منا و تُدَوَّنُ قتلانا و تكون قتلاكم في النار و تُترَكون
أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ اللهُ خليفة رسوله و المهاجرين و الأنصار
أمراً يعذرونكم به». فعرض أبو بكر ما قال على القوم فقام عمر بن الخطاب فقال: «قد
رأيت رأياً و سنشير عليك. أما ما ذكرت من الحرب المجلية و السلم المخزية فنعم ما
ذكرت، و أما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم و تدون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، و
أما ما ذكرت تدون قتلانا و تكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقُتِلَتْ على
أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات». فتبايع القوم على ما قال عمر.

و الدليل الآخر أنه أخذ منهم أسرى و لو أراد أن يخيرهم بين الإسلام و السيف إذاً لقتل الأسرى جميعاً و لكنه عمل
حسب فهمه للآية ]فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِدَاءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك و لو يشاء
الله لانتصر منهم و لكن ليبلو بعضكم ببعض و الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل
أعمالهم[
(محمد:4) (و هي آية ناسخة لآية السيف عند بعض من قال بالنسخ)، و فهمه للحديث
الشريف: «لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَ بِإِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ
يُرْجَمُ، أَوْ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ، أَوْ رَجُلٌ
يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ يُحَارِبُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ
أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ» (النسائي)

فالمرتد الذي يحارب الإسلام يُقْتَلُ أو يُصْلَبُ أو يُنْفى من الأرض (أو يسجن) و ليس القتل بالضرورة هو
العقوبة إذ الحكمة أن نوقف هذا المرتد عن إيذاء الإسلام.

فانتصار الجيش الإسلامي على المرتدين أثبت تفوق العصبية الإسلامية على العصبية القبلية و أدى هذا الانتصار إلى
تحطيم العصبية القبلية نهائياً و صهر الانتماء القبلي ببوتقة الدولة الإسلامية
الواحدة. فعاد العرب إلى الإسلام كلهم و توحدت كلمتهم و دخل الإيمان في قلوبهم.

و لا بد من الإشارة إلى أن الصديق t لم يشرك أحداً من المرتدين في الفتوح، بل
جردهم من السلاح، لأنه لم يأمنهم لحداثة عهدهم بالردة، و عقوبة لهم بإظهار الاستغناء عنهم. و لأن الصديق t
لم يشأ للمرتدين أن يكونو طلائع الفتح الإسلامي، فلا يعطون سكان المناطق المفتوحة
المثل السيئ للجندي المسلم. حتى جاء عمر t
في خلافته فأذن لمن أثبت حسن إسلامه منهم بالمشاركة في الفتوحات. و لعل أشهر هؤلاء
هو هو طليحة بن خويلد، بعد أن عاد إلى الإسلام و حسن إسلامه، شارك بنفسه في فتوحات
العراق في خلافة الفاروق، و أبلى بلاءً حسناً في الحرب مع الروم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:44

الفرس تحت الحكم الإسلامي

بعد توحيد العرب بدأت الفتوح
مباشرة و انهارت مباشرة دولة الفرس التي كانت في الجيل الثالث و سقطت بأكملها
بأيدي العرب و اجتاحت جيوشهم معظم دولة الروم.
كان الفرس يعيشون في ترف و بذخ
الجيل الثالث عندما أتى الفتح الإسلامي. و لذلك لم يدخل الإيمان في قلوب كثير منهم،
و ظلوا حاقدين على الدولة الإسلامية يحاولون تخريبها من الداخل. فبعد مقتل الخليفة
القوي عمر t على يد أبي لؤلؤة الفارسي (الذي يسميه
الشيعة المعاصرون بابا شجاع الدين)، كان للفرس أثرهم الكبير في فتنة عثمان و ما
تلاها من فتن كما سنرى.

هذا الحقد على العرب الفاتحين استمر عند الفرس حتى اليوم الحالي. يقول المفكر الإيراني المعاصر الإحقاقي: «إن
الصدمات التي واجهها كل من شعبي إيران و الروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين، و
المعاملة التي تلقوها من الأعراب البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام
العظيمة، أورثت في نفوسهم نزعة صدود عن العرب، و شريعة العرب، فطبيعة سكان البادية
الأوباش الخشنة، و ذلك الخراب و الدمار اللذين ألحقوهما بالمدن الجميلة، و الأراضي
العامرة، في الشرق و الغرب، و غارات عباد الشهوات العطاشى إلى عفة و ناموس
الدولتين الملكية و الإمبراطورية…الخ»

و هذا هو السبب الرئيسي لبغض الشيعة لعمر، و هو تحطيمه دولة فارس. ففي مدينة كاشان الفارسية في شارع الفيروزي هناك مزار مقام في ميدان فيروزي، هو مزار لقبر المجوسي أبو لؤلؤة قاتل سيدنا عمر.
و يسمون هذا المجوسي بـ (بابا شجاع الدين) و يقيمون التعزيات و اللطميات بذكرى موته،
و يزعمون أن الله يرفع عنهم الحساب في ذلك اليوم! و يدلّنا تسميته ببابا شجاع
الدين على أمرين: الأول أن هذا المجوسي الفارسي هو الأب الروحي للإثني عشرية.
الأمر الثاني أن تلقيبه بشجاع الدين يعني أن الديانة المجوسية هي الديانة الحقيقية
لهم. و ما المسألة إلا اختلاف أسماء!

و نجد السبب نفسه في تعظيمهم لأولاد الحسين دون أولاد الحسن، لأن أولاد الحسين أخوالهم الفرس من زوجته شهربانو بنت يزدجرد. و قد ذكر محمد علي أمير معزي الباحث الشيعي الإيراني بفخر «أن
المفاهيم الأساسية من الزرادشتية دخلت إلى التشيع حتى في بعض الجزئيات الصغيرة
(!). و أصبح زواج سيدنا حسين ببنت آخر ملوك آل ساسان رمزا لإيران القديمة، بحيث
أصبحت تلك الفتاة هي الأم الأولى لجميع أئمتهم. و قد انعقد بها عقد الاخوة بين
التشيع و إيران القديمة المجوسية». و كذا تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون الصحابة
حتى قالوا أنه يوحَى إليه لا لشي إلا أنه فارسي. و لهذا يروون في كتبهم عن علي بن
أبي طالب t أنه قال عن كسرى: «إن الله خلصه من عذاب
النار، و النار محرمة عليه».

قال لله تعالى عن الذين يرفضون
أن يأتي رسول الهدى من بين العرب و يحسدون آل إبراهيم على ما أتاهم الله: ]أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ
الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا {53} أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا {54}
فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ
سَعِيرًا {55} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ
الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا {56}[ (سورة النساء).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:46

فتح الشام و مصر
كان الروم يستعبدون سكان الشام و مصر و شمال إفريقيا و هؤلاء السكان كانوا ينتقلون من الجيل الرابع
إلى الجيل الأول، و يتطلعون للخلاص من حكامهم الروم. و من المشهور في التاريخ ما كان من
الاستقبال الحافل الذي استقبل به أهلُ الشام عمرَ و ما كان من أن سموه "الفاروق"
و تعني بالسريانية "المنقذ". و قد قدم سكان تلك المناطق المساعدات
الكثيرة للجيوش الإسلامية الفاتحة. و فتح أهل حمص أبواب مدينتهم لخالد بن الوليد t بلا قتال. و قدم الأقباط لجيش عَمْرِ بن العاص t خدمات جليلة ليعينهم على طرد الروم من مصر.
لذلك وجد الإسلام بيئة خصبة في تلك المناطق خاصة بالشام حيث بلغت العصبية
الإسلامية تحت حكم بني أمية ذروتها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 14:54

المعلوم المتواتر من تاريخ الخلفاء الراشدين

رأيت أن أنقُل هذا البحث من منهاج السنّة، إذ كتبه إبن تيمية حتى يكون من السّهل على من لا يعرف بعلم الأسانيد
و الروايات، أن يعرِف الصحيح من الباطل. و ذلك أن كلّ ما سيَرِده هنا هو من
الثابتِ المتواتر عند المؤرِّخين. و المتواتر هو الذي رواه جمعٌ غفيرٌ كبيرٌ من
الناس بحيث يستحيل اتّفاقهم على الكذب. فكل ما عارض هذا فهو مردود. يقول شيخ
الإسلام رحمه الله:

من المعلوم المتواتر عند الخاصة
و العامة، الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات و السِّـيَر، أن أبا بكر t لم يطلب الخلافة لا برغبة و لا برهبة، و لا بذل فيها ما يرغب الناس به، و لا شَهَرَ عليهم سيفاً يرهبهم به، و لا كانت له
قبيلة و لا أموال تنصره و تقيمه في ذلك كما جرت عادة الملوك أن أقاربهم و مواليهم
يعاونونهم، و لا طلبها أيضا بلسانه، و لا قال بايعوني. بل أمَرَ بمبايعة عمر و أبي
عبيدة. و من تَخَلَّفَ عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه و لا أكرَهَه على المبايعة،
و لا مَنَعَه حقاً له، و لا حَرَّكَ عليهم ساكناً. و هذا غاية في عدم إكراه الناس
على المبايعة. ثمَّ إن المسلمين بايعوه و دخلو في طاعته، و الذين بايعوه هم الذين
بايعو رسول الله r تحت الشجرة، و هم السابقون الأولون من
المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضو عنه، و هم أهل
الإيمان و الهجرة و الجهاد. و لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة. و أما علي و
سائر بني هاشم، فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه. لكن تخلّف فإنه كان يريد الإمرة
لنفسه رضي الله عنهم أجمعين.

ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم
المرتدين و المشركين. و لم يقاتل مسلمين، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل
الرَّدَّة. و أخذ يزيد الإسلام فتوحاً. و شرع في قتال فارس و الروم، و مات و
المسلمون محاصرو دمشق. و خرج منها أزهد مما دخل فيها، لم يستأثر عنهم بشيء و لا
أمر له قرابة.

ثم وُلـِّيَ عليهم عمر بن الخطاب، ففـَتحَ الأمصار و قهَرَ الكفار و أعزَّ أهل الإيمان، و أذلَّ أهل النفاق
و العدوان، و نشَرَ الإسلام و الدِّين، و بَسَط العدل في العالمين، و وَضَعَ ديوان
الخَرَاج و العطاء لأهل الدين، و مَصَرَ الأمصار للمسلمين، و خَرَج منها أزهد ممّا
دخل فيها. لم يتلوَّث لهم بمالٍ و لا وَلَّى أحداً من أقاربه ولايةً. فهذا أمرٌ
يعرفه كلًّ أحد
و أما عثمان فإنه بنى على أمرٍ قد استقرَّ قبله بسكينةٍ و حُلمٍ و هُدى و رحمةٍ و كرمٍ. و لم يكن فيه قوّة
عمر و لا سياسته، و لا فيه كمال عدله و زهده. فطمع فيه بعض الطّمّع و توسعو في الدنيا. و أدْخلَ من أقاربه في الولاية و المال. و دخلت بسبب أقاربه في الولايات و الأموال أمورٌ أُنكِرت عليه، فتولـَّدَ من رغبةِ
بعض الناس في الدنيا، و ضعف خوفهم من الله و منه، و من ضعفه هو، و ما حصل من
أقاربه في الولاية و المال، ما أوجب الفتنة. حتى قتل مظلوماً شهيداً.

و تولَّى عليٌّ على إثر ذلك والفتنة قائمةٌ، و هو عند كثير منهم متلطِّخ بدم عثمان، و الله يعلم براءته مما
نسبه إليه الكاذبون عليه، المبغضون لغيره من الصحابة. فإنّ علياً لم يُعِن على قتل
عثمان و لا رَضي به كما ثبت عنه. و هو الصّادق أنه قال ذلك. فلم تصْفَ له قلوب
كثيرٍ منهم، و لا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه، و لا اقتضى رأيه أن يكـُفَّ عن
القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر. بل اقتضى رأيه القتال و ظنّ أنه به تحصل
الطاعة و الجماعة. فما زاد الأمر إلا شِدَّةً، و جانِبِه إلا ضعفاً، و جانب من
حاربه إلا قوةً، و الأُمَّة إلا افتراقا. حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يَكـُفَّ
عنه من قاتله، كما كان في أول الأمر يُطلب منه الكفّ.

و ضَعُفت خلافة النبوة ضعفاً أوجَبَ أن تصيرَ مُلكاً. فأقامها معاوية مُلكاً برحمةٍ و حِلمٍ، كما في الحديث
المأثور «تكون نُبُوَّة وَ رَحْمَة، ثُمَّ تكون خلافة نبوة و رحمة، ثم يكون مُلك و رحمة، ثم يكون
مُلك
». و لم يتولّ أحدٌ من الملوك خيراً من معاوية. فهو خير ملوك الإسلام. و سيرته خيرٌ من سيرة سائر
الملوك بعده. و عليٌ آخر الخلفاء الراشدين الذين هم ولايتهم خلافة نبوة و رحمة. و
كلٌّ من الخلفاء الأربعة –رضي الله عنهم– يشهد له بأنه من أفضل أولياء الله
المتقين. بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد النبيين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأربعاء 25 فبراير 2009 - 15:05

فتنة مقتل عثمان

لم يكن لقتلة عثمان t أية عصبية تجمعهم. بل لم يجمعهم إلا طمع
بالدنيا أو كره للحق، و لو أن بعضهم كان ينقم على فضل قريش والأنصار، و يتطلع لنيل
شيء من تلك السابقة. فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير t، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة.
و هم حثالة الناس متفقون على
الشر كما يصفهم ابن سعد. و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون كما ينعتهم ابن تيمية.

و كان عددهم ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف من أهل البصرة و الكوفة و مصر. و لم يجمعهم شيء إلا طاعة عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بإبن السوداء لعنه الله. و هو الذي أراد أن يخرب الإسلام كما
فعل بولص اليهودي بالنصرانية. فحرض الناس على عثمان t إما بإثارة الشبهات حوله، أو بشهودٍ زور على وِلاته، أو بكتب مزورة و شهاداتٍ زائفة. فتجمّع معه هؤلاء الفُجّار، فذهبو إلى المدينة غِيلةً و هم
يزعمون أنهم يريدون الحج، فلمّا وصلو داهمو المدينة و حاصرو عثمان و طلبو منه أن
يعزل نفسه أو يقتلوه. و اغتنمو غيبة كثيرٍ من أهل المدينة في موسم الحج، و غيبتهم
في الثغور و الأمصار، و لم يكن في المتبقين من أهل الدينة ما يقابل عدد الخوارج،
فخشي عثمان إن قاتلهم أن تكون مجزرةٌ للصحابة بسببه.



وأشار المغيرة بن الأخنس على عثمان بخلع نفسه. فردَّ ابن عمر عليه، و نصح عثمان بأن لا يخلع نفسه، و قال له:
«فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمّصكه الله، فتكون سُنة: كلما كره قوم خليفتهم أو
أميرهم قتلوه». و بعد أن قطع عليه الفجرة الماء، دخل عليه عبد الله بن سبأ و ضربه
فتشجّع القتلة. فأخذ الغافقي حديدة و نزل بها على عثمان t فضربه بها و رَكَسَ المصحف برجله. فطار المصحف و استدار و رجع في حضن عثمان و سال الدم فنزل عند قوله تعالى: ]فـَسَــيَكفيكـَهُمُ الله[،
هنا أرادت نائلة زوجة عثمان أن تحميه فرفع سودان السيف يريد أن يضرب عثمان، فوضعت
يدها لتحميه فقطع أصابعها فولت صارخة تطلب النجدة، فضربها في مؤخرتها، و ضرب عثمان
على كتفه فشقه. ثم نزل عليه بخنجر فضربه تسع ضربات و هو يقول: «ثلاثٌ لله، و سِتٌ
لما في الصدور». ثم قام قتيرة فوقف عليه بالسيف، ثم اتكأ على السيف فأدخله في
صدره. ثم قام أشقاهم و أخذ يقفز على صدره حتى كسّر أضلاعه. هنا قام غلمان عثمان
بالدفاع عنه، و استطاعو أن يقتلو كلاً من سودان و قتيرة، لكن أهل الفتنة قتلو
الغلمان جميعاً، و تركو جثثهم داخل الدار.

وهناك رواية أصح أخرجها الطبري في تاريخه وابن سعد في طبقاته قال: أخبرنا إسماعيل بن
إبراهيم (بن علية، ثقة ثبت) عن إبن عون (ثقة ثبت) عن الحسن (البصري، ثقة ثبت) قال:
أنبأني وثّاب –وكان فيمن أدركه عتق أمير المؤمنين عمر، وكان بين يدي عثمان، ورأيت
بحلقه أثر طعنتين كأنهما كبتان طعنهما يومئذ يوم الدار، دار عثمان– قال: بعثني
عثمان، فدعوت له الأشتر، فجاء. –قال إبن عون أظنه قال: "فطرحت لأمير المؤمنين
وسادة وله وسادة"–. فقال: «يا أشتر، ما يريد الناس مني؟». قال: «ثلاث ليس لك
من إحداهن بد». قال: «ما هن؟». قال: «يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول هذا
أمركم فاختارو له من شئتم، وبين أن تقص من نفسك. فإن أبيت هاتين فإن القوم
قاتلوك». قال: «أما من إحداهن بد؟». قال: «لا، ما من إحداهن بد». قال: «أما أن
أخلع لهم أمرهم، فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله. والله لأن أقدم فتضرب عنقي،
أحب إلي من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض. وأما أن أقص من نفسي، فو الله لقد
علمت أن صاحِبيّ بين يديّ قد كانا يُعاقبان. وما يقوم بُدٌّ في القصاص. وأما أن تقتلوني: فو الله لئن قتلتموني لا
تتحابون بعدي أبداً، ولا تصلون بعدي جميعاً أبداً، ولا تقاتلون بعدي عدوّاً جميعاً
أبداً». ثم قام فانطلق فمكثا. فقلنا لعل الناس. فجاء رويجل كأنه ذئب، فاطلع من باب
ثم رجع. فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاً حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ
بلحيته. فقال بها حتى سمع وقع أضراسه. فقال: «ما أغنى معاوية. ما أغنى عنك ابن
عامر. ما أغنت كتبك». فقال: «أرسل لي لحيتي يا ابن أخي. أرسل لي لحيتي يا ابن
أخي». قال (وثاب): فأنا رأيت استعداء رجل من القوم يعينه، فقام إليه بمشقص حتى وجأ
به في رأسه. ثم تغاوو والله عليه حتى قتلوه رحمه الله.

هذه هي الرواية المشهورة، وهناك روايات أخرى تثبت أن عبد الله بن سبأ قد
خنق عثمان t وظن أنه قد قتله، قبل أن يطعنه باقي القتلة. إذ أن المنافقين كانو مترددين في قتله
مهابة منهم له رضوان الله عليه. لكن الشخص الذي زور خطابًا على لسان عثمان t إلى عامله على مصر بقتل و صلب وفد مصر، و زوّر خطاباً على لسان علي t
إلى وفد مصر يأمرهم بالعودة إلى المدينة. إن هذا الشخص الذي مزق الحقد أحشاءه، ما
كان ليرضى بضياع ثمرة جهوده –وهي قتل عثمان– بعد أن أصبح بينه و بين هدفه مسافة
قريبة. لذا فإن هذا التردد الذي أصاب المنافقين حين دخلو على عثمان t، ما كان ليرضي اليهودي ابن السوداء (عبد
اللّه بن سبأ المسمي نفسه جبلة) الذي كان من ضمن الجيش القادم من مصر. فتقدم بنفسه
لقتل عثمان رضوان الله عليه.

أورد ابن حجر من طريق كنانة مولى صفية بنت حيي قال: «قد خرج من الدار أربعة نفر من قريش مضروبين محمولين، كانو يدرؤون عن عثمان». فذكر الحسن بن علي و عبد الله بن الزبير و ابن حاطب و مروان بن
الحكم. قلت: «فهل تدمّى (أي تلطخ و تلوث) محمد بن أبي بكر من دمه بشيء؟». قال:
«معاذ الله! دخل عليه فقال له عثمان: لست بصاحبي. و كلمه بكلام فخرج و لم يرز (أي
لم يُصِب) من دمه بشيء». قلت: «فمن قتله؟». قال: «رجل من أهل مصر يقال له جبلة،
فجعل يقول: «أنا قاتل نعثل» (يقصد عثمان). قلت: «فأين عثمان يومئذ؟». قال: «في
الدار». و قال كنانة كذلك: «رأيت قاتل عثمان في الدار رجلاً أسود من أهل مصر يقال
له جبلة، باسط يديه، يقول: أنا قاتل نعثل». و عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري
قال: «دخل عليه رجل من بني سدوس يقال له الموت الأسود، فخنقه. و خنقه قبل أن يضرب
بالسيف، فقال: و الله ما رأيت شيئاً ألين من خناقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل
الجان تردد في جسده».

و اعلم –رعاك الله– أن كلّ من اشترك في حصار عثمان أو حرّض القتلة عليه بغرض قتله أو ظاهرهم و كثّر جمعهم، فإنه مجرم قاتِل، و حكمه أن يـُقتل قصَاصَاً، و رسول الله r يقول «من شَرَكَ في دمٍ حرامٍ بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله». فهذا من شارك بنصف كلمة، فما بالك بمن ساهم بالقتل؟
و كذلك قوله r عن طريق معاوية: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ
أَنْ يَغْفِرَهُ إِلا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»،
وجاء من طريق أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قوله r: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَ أَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُو فِي دَمِ
مُؤْمِنٍ، لأَكَبَّهُمُ اللهُ فِي النَّارِ». لذا فقد كان ابن عباس يرى أنه ليس لقاتل النفس
المؤمنة من توبة، كما رواه مسلم «عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ
لابْنِ عَبَّاسٍ أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ:
لا. قَالَ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ ]وَ الذِينَ لا يَدْعُونَ
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلا بِالْحَقِّ[
إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ
مَدَنِيَّةٌ ]وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا
فِيها وَ غَضِبَ اللهُ عَليهِ وَ لَعَنهُ و أعدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً[».

و سئل ابن عباس t عمن قتل مؤمناً متعمداً،
ثم تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدى. فقال ابن عباس: «وَ أَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ؟!
سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ r
يَقُولُ: "يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، يَقُولُ:
أيْ ربِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي". وَ اللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا الله ثم مَا
نَسَخَهَا». وفي الحديث الصحيح: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا، أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

و كان مقتل عثمان t في سنة 35 بعد الهجرة، ثم تلتها فتنٌ عظيمة،
كما تنبئ بذلك رسول الله r
بقوله: «تَدُورُ رَحَى الإِسْلامِ لِخَمْسٍ وَ ثَلاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَ ثَلاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَ
ثَلاثِينَ». و قد ثبت
يقيناً أن أحداً من الصحابة لم يرض بما حلّ لعثمان t، فضلاً أن يكون قد أعان على قتله. فقد ثبت عن الحسن البصري رحمه الله –و هو شاهد عيان كان عمره وقتها أربع عشرة سنة– عندما سُئِل «أكان فيمن قتل
عثمان أحد من المهاجرين و الأنصار؟». فقال: «لا! كانو أعلاجاً من أهل مصر». و كذلك
الثابت الصحيح عن قيس بن أبي حازم أن الذين قتلو عثمان ليس فيهم من الصحابة أحد. و
لكن عثمان أمرهم بعدم القتال و شدّد عليهم في ذلك.

و سبب منع عثمان t الصحابة من قتال أتباع إبن سبأ، فلعمه بأنه
مقتول مظلوم، لا شك فيه. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه: «إنك تقتل
مظلوماً فاصبر»، فقال: «أصبر». فلما أحاطو به علم أنه مقتول، و أن الذي قاله النبي
r له حق كما قال، لا بد من أن يكون. ثم عَلِم
أنه قد وعده من نفسه الصبر، فصبر كما وعد. و كان عنده: أن من طلب الانتصار لنفسه و
الذب عنها، فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر، فهذا وجه.

و وجه آخر: و هو أنه قد علم أن في الصحابة –رضي الله عنهم– قلة عدد، و أن الذين يريدون قتله كثيرٌ عددهم. فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم.
لأنه راعٍ، و الراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل ما أمكنه. و مع ذلك فقد علم أنه
مقتول فصانهم بنفسه، و هذا وجه.

و وجه آخر: هو أنه لما علم أنها فتنة، و أن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق، فلم يختر
لأصحابه أن يسلو في الفتنة السيف، و هذا إنما إشفاقاً منه عليهم هم، فصانهم عن
جميع هذا. و هكذا كانت أحوالهم في إصلاح دينهم بفساد دنياهم و نحن:

نـُرَقـِّعُ دُنيانا بتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى و لا ما نرقـع
و انتقم الله لعثمان من قتلته
شرّ انتقامٍ، و كفاه إياهم، فلم يمت منهم أحد ميتة طبيعية، إنما كلهم ماتو قتلاً.
أخرج أحمد بإسناد صحيح عن عَمْرة بنت أرطأة العدوية قالت: «خرجتُ مع عائشة سنة قتل
عثمان إلى مكة، فمررنا بالمدينة و رأينا المصحف الذي قـُتِل و هو في حُجره. فكانت
أول قطرة من دمه على هذه الآية]فـَسَــيَكفيكـَهُمُ الله[.
قالت عمرة: فما مات منهم رجل سوياً».
و عن ابن سيرين قال: كنت أطوف
بالكعبة فإذا رجل يقول: «اللهم اغفر لي، و ما أظن أن تغفر لي!». قلت: «يا عبد
الله. ما سمعت أحداً يقول ما تقول!». قال: «كنت أعطيت الله عهداً إن قدرت أن ألطم
وجه عثمان إلا لطمته. فلما قتل و وضع على سريره في البيت، و الناس يجيئون فيصلون
عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة، فرفعت الثوب عن وجهه فلطمت وجهه و سجيته
و قد يبست يميني». قال محمد بن سيرين: «رأيتها يابسة كأنها عود».

و عن قتادة أن رجلاً من بني سدوس
قال: كنت فيمن قتل عثمان، فما منهم رجل إلا أصابته عقوبة غيري. قال قتادة: «فما
مات حتى عَمي». و قال الحسن البصري (و هو شاهد على ذلك الحادث): «ما علمت أحداً
أشرك في دم عثمان t و لا أعان عليه، إلا قـُـتِـل». و في رواية
أخرى: «لم يدع الله الفَسَـقة (قتلة عثمان)، حتى قتلهم بكل أرض».

]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ
دُونِه!ِ[. ليتنا جميعاً نكون كخيري ابني آدم القائل: ]لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ
يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي، مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ، إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[. فكن عبد الله المقتول، و لا تكن عبد الله
القاتل.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tsh1

عمـــيد
عمـــيد
tsh1



الـبلد : العصبية في التاريخ الاسلامي 01210
العمر : 41
التسجيل : 20/08/2007
عدد المساهمات : 1754
معدل النشاط : 411
التقييم : 56
الدبـــابة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
الطـــائرة : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11
المروحية : العصبية في التاريخ الاسلامي Unknow11

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty10

العصبية في التاريخ الاسلامي Empty

مُساهمةموضوع: رد: العصبية في التاريخ الاسلامي   العصبية في التاريخ الاسلامي Icon_m10الأحد 1 مارس 2009 - 14:36

موقعة الجمل

بعدما قـُتِل عثمان، بايع
الصحابة علياً t يوم الجمعة سنة خمس و ثلاثين. و عندما جاء
المهاجرون و الأنصار لعليٍّ فقالو: «امدد يدك نبايعك»، دفعهم. فعاودوه و دفعهم. ثم
عاودوه فقال: «دعوني و التمسو غيري. و اعلمو أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. و
إن تركتموني فأنا كأحدكم. و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. و أنا لكم
وزيراً خير لكم مني أميراً». و مشى إلى طلحة و الزبير فعرضها عليهما فقال: «من شاء
منكما بايعته». فقالا: «لا. الناس بك أرضى». و أخيراً قال لهم: «فإن أبيتم فإنّ
بيعتي لا تكون سرَّاً، و لا تكون إلا عن رضا المسلمين. و لكن أخرج إلى المسجد فمن
شاء أن يبايعني فليبايعني». فبايعه جمع من الصحابة ممن كان في المدينة و منهم طلحة
و الزّبير. و رُغم أكثر الصحابة كانو قد تفرّقو بالأمصار ليعلمو الناس، فغياب
البعض لا يطعن في خلافته بأي حال.


و على أية حال فلو كانت نظرية
النص و التعيين –التي يزعمها الإمامية– ثابتة و معروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز
للإمام أن يدفع الثوار و ينتظر كلمة المهاجرين و الأنصار متخلياً عن فرضٍ من فروض
الله. كما لا يجوز له أن يقول: «أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً» كما هو ثابت
من أوثق كتبهم: نهج البلاغة!


لما مضت أربعة أشهر على بيعة
علي، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن
عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة. و اجتمع طلحة
و الزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة –رضي الله عنهم أجمعين– بعد نظر طويل
على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان t، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل
ذلك حديث الحوأب. ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش ليلاً على منطقة يقال لها
الحوأب، عند مياه بني عامر، فنبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: ماء الحوأب.
قالت: ما أظنني إلا راجعة. فقال الزبير: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات
بينهم. قالت إن رسول الله r
قال لها ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب». و عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r
لنسائه: «ليت
شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب. يُقتل عن يمينها و عن
يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت»، أي بعدما كادت تـُقتل.



كان جيش مكة قد وصل خلال تلك
الفترة إلى البصرة، فأرسل عثمان بن حنيف t –و هو والي البصرة من قبل علي– إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان
الجواب: «إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزو حرم رسول الله r، و أحدثو فيه الأحداث، و آوو فيه المحدِثين،
و استوجبو فيه لعنة الله و لعنة رسوله، مع ما نالو من قتل أمير المسلمين بلا ترة و
لا عذر، فاستحلو الدم الحرام فسفكوه، و انتهبو المال الحرام، و أحلو البلد الحرام
و الشهر الحرام. فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، و ما فيه الناس
وراءنا، و ما ينبغي لهم أن يأتو في إصلاح هذا. و قرأت ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو
إصلاح بين الناس[».



لكن الأمور ساءت و خرجت عن حد
السيطرة لعدة أمور، فنشب قتال بين جيش طلحة و الزبير و بين قتلة عثمان (الذين كانو
من البصرة) و عشائرهم التي دافعت عنهم، و انهزم قتلة عثمان شر هزيمة، و سلّمتهم
عشائرهم كلهم (إلا واحداً) للقصاص و كانو حوالي 600 رجل. و لكن هذه العملية تسببت
في قتل الكثير من المسلمين الذين حاولو الدفاع عن القتلة لمجرد أنهم من عشائرهم. و
هنا نجد أن تأثير العصبية القبلية الجاهلية قد عاد يقوى عند تلك القبائل التي
أسلمت في آخر عهد الرسول r،
ثم استقرت في الأمصار بعيدة عن مركز الدولة. و هذا هو السبب الذي دعى علياً لتأخير
القصاص من قتلة عثمان، حتى تهدئ النفوس، و يوطد مركز الخلافة و يتقدم أولياء عثمان
(أي معاوية و بقية بني أمية) بالدعوى عنده على معيّنين، فيحكم لهم بعد إقامة
البيّنة عليهم، فلا يستطيع أحدٌ أن يدافع عنهم إذا ثبتت التهمة.



أما أن تكون المطالبة بذلك
الشكل، فإنه يوتّر الموقف و سيؤدي لقتل الكثير من الأبرياء. فهنا أدرك علي خطورة
الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية. فاستنفر أهل
المدينة للخروج معه، فاجتمع معه حوالي سبعمئة رجل، و اعتزل أكثر الصحابة هذه
الفتنة. فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى
جنده مائتا رجل فبلغو تسعمئة رجل. و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى
العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و
أصر على الخروج. و سيأتي معنا ندمه على ذلك.



و قد جاءت روايات لتبين أن علي
خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل. و هذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من
المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام، و لم يخرج
في أعقاب أصحاب الجمل. فلمّا سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة و أدت إلى
خروج عامله عنها، قرّر تغيير وجهة السير. فأرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، و هما
محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري –والي
الكوفة لعلي– التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيه. ثم أرسل عبد
الله بن عباس و أتبعه ابنه الحسن و عمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين.



و روى البخاري في صحيحه: لما
بعث علي عماراً و الحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها
زوجته في الدنيا و الآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. و روى كذلك عن أبي
مريم قال: لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة، بعث علي عمار بن ياسر و
الحسن بن علي، فقدما إلى الكوفة فصعدا الْمِنْبَر. فقال عمار: «إِنَّ عَائِشَةَ
قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَ وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ r فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ لَكِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ
هِيَ».



قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث
أن عماراً كان صادق اللهجة و كان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد
لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من حرب». و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار t عن عائشة t مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل، و هو أنهم قد
خرجو للإصلاح بين الناس.



و إنما جعل الله هذه الفتنة
ليري الناس أن المرأة مهما علا مركزها و بلغ تقواها و رجاحة عقلها فإنها لا تصلح
للحكم. فقد روى البخاري: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ
بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ
فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ». قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ r أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُو
عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَ لَّو أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».



و في ذلك ردٌّ بليغ على من أجاز
تولّي المرأة الولايات العامة، و حصر النهي بالخلافة. فإن عائشة t لم تتولّى أيّة ولاية، بل و لا حتى قيادة
الجيش العسكرية، و لكن وجودها في الجيش كان العامل الأكثر تأثيراً على الناس
لانضمامهم له. و إذا انطبق هذا الحديث على أم المؤمنين عائشة t و هي خير نساء هذه الأمة و أفقههن و أحبهن
إلى رسول الله r، فمن باب الأولى أن ينطبق على من هم أدنى
منها. و من أفضل من أم المؤمنين عائشة t
و هي أرجح نساء رسول الله r
عقلاً و هي بنت الصديق التي نشأت في بيته؟ أخرج البخاري: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ
النَّبِيِّ r كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ
تَعْرِفُهُ إِلاَ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ». و أخرج أيضاً أن النَّبِيِّ
r قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ
الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام». و أخرج مسلم في صحيحه: عَنْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r
بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ؟». قَال:َ «عَائِشَةُ». قُلْتُ: «مِنَ الرِّجَالِ». قَالَ «أَبُوهَا». أي أبي بكر الصديق. قُلْتُ: «ثُمَّ
مَنْ؟». قَالَ: «عُمَرُ».



على أية حال فقد قدم على علي
وفد الكوفة بذي قار فقال لهم: «يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم
جموعهم، و قد دعوتكم لتشهدو معنا إخواننا من أهل البصرة. فإن رجعو فذاك الذي
نريده، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بالظلم. و لن ندع أمراً فيه الإصلاح
إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى».



فسار الجيشين حتى التقيا،
فاجتمع طلحة و الزبير و علي، فوضّح لهم وجهة نظره فاقتنعو بها، و قّررو ضمّ جيشهم
إلى جيشه. فلمّا رآى ذلك، نادى في الناس أن لا يلحق بهم قتلة عثمان لأنه يريد أن
يفتك بهم بعدما قوي جيشه. و اطمأنت نفوس الناس و سكنت، و اجتمع كل فريق بأصحابه من
الجيشين، و رجعت عائشة إلى البصرة. فلمّا أمسو بعث علي عبد الله بن العباس إليهم،
و بعثو إليه محمد بن طليحة السجاد و بات الناس بخير ليلة، و بات قتلة عثمان (و
معهم عبد الله بن سبأ) بشرِّ ليلة، و باتو يتشاورون ثم أجمعو على أن
يثيرو الحرب من الغلس. فنهضو قبل طلوع الفجر و هم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل
فريق إلى السيوف، و ثارت الفتنة. وقال جيش البصرة طرقتنا أهل الكوفة ليلاً و
بيّتونا و غدرو بنا، و ظنو أن هذا عن تدبيرٍ و علمٍ من أصحاب علي. و بلغ الأمر علي
فقال: ما للناس؟! فقالو بيتنا أهل البصرة. فثار كل فريق لسلاحه و لبسو اللاّمة و
ركبو الخيول. و لم يدري أحد بسبب تلك الشرارة الشيطانية التي أشعلت النار بين
الفريقين بعدما نامو تلك الليلة في خير حال.



و تبارز الفرسان و جالت
الشجعان، فنشبت الحرب، و تواقف الفريقان، و كان أمر الله قدراً مقدوراً. وقامت
الحرب على قدمٍ و ساق، و تبارز الفرسان، و قد اجتمع مع كل طرفٍ حوالي عشرة آلاف
مقاتل. فإنا لله و إنا إليه راجعون. و أصحاب ابن سبأ قبحه الله لا يفترون عن
القتل، ومنادي علي ينادي: «ألا كفو ألا كفو».



هنا ذهب كعب بن سور بالخبر إلى
أم المؤمنين بالبصرة، فقال لها: «أدركي الناس قد تقاتلو». فوضع لها الهودج فوق
الجمل، فجلست فيه و غطي بالدروع، و ذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال
عندما يشاهدونها. فلما وصلت، أعطت عائشة المصحف لكعب و قالت له: «خلِّ البعير و تقدم،
و ارفع كتاب الله و ادعهم إليه». فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركو
كعباً يفعل ما طُلب منه، فلما قام كعب و رفع المصحف و أخذ ينادي، تناولته النبال
فقتلوه.



ثم أخذو بالضرب نحو الجمل، بغية
قتل عائشة لكن الله نجاها، فأخذت تنادي: «أوقفو القتال»، و أخذ علي ينادي و هو من
خلف الجيش: «أوقفو القتال»، و قادة الفتنة مستمرين. فقامت أم المؤمنين بالدعاء
عليهم قائلة: «اللهم العن قتلة عثمان». فبدأ الجيش ينادي معها. و كان علي جالس في
آخر جيشه يبكي ما أصاب المسلمين، فسمع ذلك فصار يلعن قتلة عثمان كذلك. فارتفعت
أصوات الدعاء في المعسكرين بلعن قتلة عثمان، و قتلة عثمان مستمرين بالقتال. ثم
أخذو –لعنهم الله– يرشقون جمل أم المؤمنين بالنبال، و علي يصرخ فيهم أن كفو عن
الجمل، لكنهم لا يطيعونه. فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به.



ثم قال عبد الله بن بديل
لعائشة: «يا أم المؤمنين. أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلتُ ما تأمريني،
فقلتِ الزم علياً؟». فسكتت. فقال: «اعقرو الجمل». فعقروه. قال: «فنزلت أنا و أخوها
محمد، و احتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي. فأمر به علي فأدخل في بيت عبد
الله بن بديل».



هنا علي t أصدر الأوامر بأن «لا تلحقو هارباً، و لا تأخذو سبياً». فثار أهل
الفتنة و قالو: «تُحِلُّ لنا دمائهم، و لا تحل لنا نسائهم و أموالهم؟». فقال علي:
«أيكم يريد عائشة في سهمه؟». فسكتو. فنادى: «لا تقتلو جريحاً، و لا تقتلو مُدبراً،
و من أغلق بابه و ألقى سلاحه، فهو آمن». بعدها علي ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل
الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها، فقال لها: «غفر الله لكِ»، قالت: «و لك.
ما أردت إلا الإصلاح بين الناس».



و الذي نريد أن نقوله هنا أن
موقعة الجمل لم تعبر لا عن صراع مذهبي، و لا صراع عقائدي، و لا حتَّى صراع عصبي. و
إنما كانت فتنة أراد كل طرف فيها أن يصل إلى الحق حسب مفهومه. لذلك قال الإمام
الذهبي «قد عرف الجميع، العالم و الجاهل، ان طلحة والزبير و عائشة –رضي
الله عنهم– لم يخرجو للقتال أبداً، و إنما وقع القتال بسبب ترامي غوغاء من
الطرفين». فإن ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة –مع
اجتهادهم فيها و تأوّلهم– حزنهم الشديد و ندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن
الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، و تأثّر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل
إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال.



و الحقيقة أن أغلب من شَهِدَ
المعركة من الصحابة لم يشترك بالقتال فيها. فعلي بن أبي طالب t جلس وراء الجيش يبكي حال المسلمين. قال
الحسن بن علي t: «لقد رأيت عليا يوم الجمل يلوذ بي وهو
يقول: يا حسن! ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة». وهذا الزبير بن العوام t يقول: «إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نُحَدَّثُ
عنها». فقال مولاه: «أتسمّيها فتنةٌ و تقاتل فيها؟!». قال: «ويحك، إنَّا نبصر و لا
نبصر. ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدميّ فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبلٌ
أنا فيه أم مدبر».



و لمّا رآه علياً ناداه،
فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما فقال له علي: «أتذكر يوما أتانا رسول الله r و أنا أناجيك؟ فقال: أتناجيه! و الله ليقاتلنك
يوماً و هو لك ظالم!»
فتذكر الزبير ذلك الحديث، فضرب وجه دابته فانصرف، و عزم على العودة إلى المدينة.
فعرض له ابنه عبد الله فقال: «مالك؟». قال: «ذكرّني علي حديثاً سمعته من رسول الله
r و إني راجع»، فقال له ابنه: «و هل جئت
للقتال؟! إنما جئت تصلح بين الناس، و يصلح الله هذا الأمر». لكنه بعد أن ابتعد على
ساحة المعركة، لحق به أحد الأشقياء فقتله غدراً و هو يصلّي، ثم عاد إلى علي و هو
يظن أنه يكافئه. لكن علي ذكر حديثاً سمعه من رسول الله r: «بَشِّرْ قَاتِلَ اِبْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ». فعلم ذلك الشقي أن علياً قاتله، فهرب،
فلحقه المسلمون، فقتل نفسه و انتحر.



و كذلك طلحة t، لم يشارك بالقتال و إنما جلس في آخر الجيش
يبكي على ما أصاب المسلمين، فأصابه سهمٌ غادر، فنزف حتى مات. قال الإمام الشعبي:
«لمّا قُتِل طلحة و رآه علي مقتولاً، جعل –أي علي– يمسح التراب عن وجهه و يقول:
عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مُجدّلاً تحت نجوم السماء. ثم قال: إلى الله أشكو
عجزي و بجري. و بكى عليه هو و أصحابه، و قال: يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين
سنة». و هذه أم المؤمنين عائشة t،
تقول: «إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال، و
لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً».



ثم انظر ما كان من حزن
عليٍ t على طلحة و الزبير (رضي الله عنهما) و انظر
إلى قوله: «فينا و اللّه أهل بدر نزلت هذه الآية: ]و َنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
إخواناً على سرر متقابلين[».
و سئل علي عن أهل الجمل قيل: «أمشركون هم؟». قال: «من الشرك فرو». قيل: «أمنافقون
هم؟». قال: «إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً». قيل: «فما هم؟». قال:
«إخواننا بغو علينا، فقاتلونا فقاتلناهم. و قد فاؤو، و قد قبلنا
منهم». و على أية حال فالعدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل كان ضئيلاً جداً، حيث كان
كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

العصبية في التاريخ الاسلامي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» العصبية في التاريخ القديم
» الاتفاق الاسلامي
» داء العصبية
» قراء العالم الاسلامي
» فهرس المنتدى الاسلامي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف :: مواضيع عامة-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019