نتائج الحرب
الدمار والإصابات
سببت
الحرب العالمية الأولى دمارًا كبيرًا إذ مات نحو
10ملايين جندي نتيجة للحرب وهو رقم يزيد عن عدد الذين ماتوا خلال
المائة سنة السابقة للحرب وجرح نحو
21 مليون رجل.
أما الخسائر المالية فقد نجمت عن القوى التدميرية للأسلحة الجديدة خاصة المدافع الآلية وساهم القادة العسكريون في هذه المذابح لفشلهم في التَكيف مع الظروف المتغيرة للحرب.
خسرت كل من
ألمانيا وروسيا نحو
مليون وثلاثة أرباع المليون قتيل خلال
الحرب العالمية الأولى وهو أكثر مما عاناه أي قطر آخر وكانت نسبة الموتى في
فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي.
فلقد خسرت نحو
مليون وثلث المليون جندي؛ أي
16% من كل قواتها العاملة.
ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة بالحرب ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.
أما الخسائر المادية في
الحرب العالمية الأولى فكانت أكثر في
فرنسا وبلجيكا فقد خربت الجيوش المزارع والقرى بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.
النتائج الاقتصادية
كبدت
الحرب العالمية الأولى الأمم المتقاتلة نحو 337
بليون دولار أمريكي. وفي
سنة 1918م كانت الحرب تكلف
10 ملايين دولار كل
ساعة.
ورفعت الأمم المتحاربه ضرائب الدخل والضرائب الأخرى من أجل تمويل الحرب.
ولكن معظم الأموال جاءت من القروض التي أوجدت ديونا ضخمة واستدانت الحكومات من المواطنين ببيع سندات حربية واستدان
الحلفاء كثيراً من
الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك طبعت معظم الحكومات أوراقاً مالية إضافية لمواجهة حاجاتها ولكن الزيادة في النقود سببت تضخما ماليا قاسيا بعد الحرب.
سخرت دول
أوروبا مواردها في
الحرب العالمية الأولى وخرجت من الحرب منهكة ف
فرنسا على سبيل المثال فقدت عُشر قوتها العاملة ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار
أوروبا وظائف لهم وبالإضافة إلى ذلك خسرت
أوروبا كثيرا من منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب ورغم ذلك خرجت
الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.
النتائج السياسية
هزت
الحرب العالمية الأولى دعائم حكومات كثيرة وتصدت الحكومات الديمقراطية في
بريطانيا وفرنسا لضغط الحرب لكن أربع ملكيات سقطت وكانت أول ملكية تسقط هي ملكية
القيصر نيقولا الثاني في
روسيا عام 1917م وتخلى
القيصر ولهلم الثاني في ألمانيا والإمبراطور شارل من النمسا - المجر عن عرشيهما في
سنة 1918م وسقط
السلطان العثماني محمد السادس في
عام 1922م.
أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة في السنوات التي أعقبت
الحرب العالمية الأولى وتكون من أرض
النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات
النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من
إيطاليا وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا.
وتنازلت
روسيا وألمانيا عن أراضٍ
لبولندا وفنلندا وحصلت دول
البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من
روسيا ووضعت معظم الأراضي العربية في
الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة
فرنسا وبريطانيا.
وتكونت
تركيا من باقي
الإمبراطورية العثمانية ووضع قادة
أوروبا في حسابهم المجموعات القومية لإعادة رسم خريطة
أوروبا وبذلك رسخوا دواعي قضية القومية وأعطت
الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى في
أوروبا وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم حكومات شيوعية.
أوروبا والشرق الأوسط بعد الحرب
ابتهاج بانتهاء الحرب العالمية الأولى
حشد مبتهج يملأ شوارع إحدى المدن
الفرنسية في
11 نوفمبر 1918م النتائج الاجتماعية
أحدثت
الحرب العالمية الأولى تغييرات عدة في المجتمع فقد أثر موت كثير من الشباب على
فرنسا أكثر مما أثر على أي قطر آخر وانخفض سكان
فرنسا خلال
العشرينيات من القرن العشرين بسبب انخفاض المواليد واجتثت الحرب
الملايين من أبناء الشعب وهرب بعضهم من مناطق مزقتها الحرب ليجدوا بيوتهم ومزارعهم وقراهم خربة وصار بعضهم الآخر لاجئين نتيجة للتغيرات في الحكومات والحدود السياسية خاصة وسط وشرق
أوروبا.
فضل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد
الحرب العالمية الأولى ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم.
وملأت النساء الوظائف والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب وبدأ التباين بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية الأولى وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس.
وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق وأخيرا صاغت
الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة وفقدت الطبقات الوسطى والعليا الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما قبل الحرب وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض المفاهيم التي كانت راسخة لديهم مثال ذلك تغير الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة
الأوروبية على العالم كله وكل ذلك بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.
التسوية السلمية
النقاط الأربع عشرة
في
يناير 1918م اقترح
الرئيس ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة أي قبل انتهاء الحرب
بعشرة شهور بعضا من أهداف الحرب سميت
النقاط الأربع عشرة.
اعتقد
ولسون أن
النقاط الأربع عشرة قد تحقق تسوية سلمية عادلة سماها سلام بلا نصر.
وفي
نوفمبر 1918م وافقت
ألمانيا على هدنة وتوقعت
ألمانيا أن تتم التسوية على أساس
النقاط الأربع عشرة وعالجت ثماني نقاط منها تسويات خاصة سياسية وإقليمية وأما باقيها فقد وضعت كمبادئ عامة لمنع حروب مستقبلية واقترحت آخر النقاط تنظيما دوليا سمي فيما بعد
عصبة الأمم لتدعيم السلام.
مؤتمر باريس للسلام
اجتمع ممثلو القوى المنتصرة في
يناير 1919م في
باريس لوضع أسس التسوية السلمية جاءوا من
32 قطرا.
وأعدت اللجان مقترحات تفصيلية لمؤتمر
باريس للسلام لكن القرارات وضعها رؤساء أربع حكومات سموا الأربعة الكبار وكان الأربعة الكبار هم:
ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو أورلاندو. الأربعة الكبار المجتمعون وهم من اليسار
فيتوريو أورلاندو رئيس وزراء إيطاليا وديفيد لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا والرئيس الأمريكي ودرو ولسون.
تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في النقاط الأربع عشرة فقد ضحى الحلفاء الأوروبيون الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض أما ولسون فقد ركز جهوده على إيجاد عصبة الأمم واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا.
وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من الحلفاء بغزوها وإثر شكوك كبيرة وقع ممثلو ألمانيا على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.
وبالإضافة إلى
معاهدة فرساي مع
ألمانيا وقع صانعو السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى فوقعت
معاهدة سان جرمان مع
النمسا في
سبتمبر 1919م ومعاهدة نويي مع
بلغاريا في
يونيو 1920م ومعاهدة تريانون مع
المجر في
يونيو 1920م ومعاهدة سيفر مع
الإمبراطورية العثمانية في
أغسطس 1920م.
نصوص المعاهدات التي أنهت الحرب
حرمت المعاهدات دولاً من أراض وأسلحة وطالبتها بدفع تعويضات أما
ألمانيا فقد عوقبت بشدة وتضمن بند في
معاهدة فرساي إرغام
ألمانيا على أن تقبل مسؤوليتها بوصفها المتسببة في الحرب.
وبموجب
معاهدة فرساي تنازلت
ألمانيا عن أراض في
بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت مستعمراتها فيما وراء البحار وحصلت
فرنسا على حقول الفحم الحجري في
وادي السار التابع
لألمانيا لمدة
خمس عشرة سنة وكان على
ألمانيا أن تدفع نفقات جيش
للحلفاء يحتل الضفة الغربية من
نهر الراين لمدة
خمس عشرة سنة وطلبت بعض البنود من
ألمانيا أن تعيد إلى
الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى.
ولم يستقر الرأي على مجموع التعويضات حتى
سنة 1921م وتسلمت
ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو
33 مليار دولار أمريكي.
أما
معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة
النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة واعترفت المعاهدات باستقلال
تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم
يوغوسلافيا.
وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها
إيطاليا ورومانيا أراضي كانت تابعة
للنمسا ـ المجر.
أما
معاهدة سيفر فقد انتزعت
مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من
الإمبراطورية العثمانية وتخلت
بلغاريا عن أراض
لليونان ورومانيا وكان على
ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.
عالم ما بعد الحرب
وجد صانعو السلام أنه من المستحيل أن يرضوا آمال كل أمة ورغبات كل مجموعة قومية فلقد أغضبت التسويات القوى المنتصرة والمهزومة على حد سواء وأخذ صانعو السلام في اعتبارهم رغبات المجموعات القومية وهم يرسمون حدودا جديدة.
ورغم ذلك فإن المطالب القومية لم تتحقق في كثير من القضايا مثال ذلك أخذت
رومانيا مجموعة
مجرية كبيرة من السكان كذلك كان في أجزاء من
تشيكوسلوفاكيا وبولندا ألمان كثيرون وكان من شأن هذه التسويات أن تزيد من الخلافات بين الأقطار وبالإضافة إلى ذلك فإن الأقطار
العربية كانت مستاءة لأنها لم تحصل على استقلالها.
لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان الاقتصادي إلا قليلا مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في
النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها لقد فقدت كثيرًا من سكانها ومواردها وأسواقها وطالب السكان
الألمان في
النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع
ألمانيا ولكن صانعي السلام لم يريدوا
لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.
دخلت
بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول
الحلفاء رضى فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على البحار لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود
ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر شيوعي في حرب أهلية في
روسيا وبنجاح
فرنسا في فرض شروط قاسية على
ألمانيا عدوها التقليدي.
ولكنها لم تنجح في تأمين حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة
بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو
ألماني وأخيرًا حصلت
إيطاليا على أراض أقل مما وعدت به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.
في
الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام ورفض الموافقة على
معاهدة فرساي وعارض بذلك
الرئيس ولسون كانت المعاهدة تجعل
الولايات المتحدة عضوا في
عصبة الأمم.
ولم يكن كثير من
الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات المترتبة على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم فلقد خشوا أن تقحم
عصبة الأمم بلدهم في منازعات
أوروبية.
اما
المانيافلقد وضعت
معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته
ألمانيا وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة
ألمانيا بعد الحرب وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها
أدولف هتلر الذي وعد بتجاهل
معاهدة فرساي والانتقام لهزيمة
ألمانيا بعد
الحرب العالمية الأولى وفي
سنة 1939م غزت
ألمانيا بولندا وبدأت
الحرب العالمية الثانية بالفعل.
النهاية