جيش الدفاع الإسرائيلي تاريخه و نشأته
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
المقدمة:
لا يختلف إثنان على أن إسرائيل أكبر و أخطر عدو للدول العربية بدون أي
إستثناء، فالبُعْد الجغرافي عن إسرائيل لا يشكل أي وقاية من الخطر التي ثمتله هذه
الدولة على جميع العرب أينما كانوا، و مهما كانت حدودهم بعيدة عليها، و خير دليل على ذلك عمليات التجسس التي قام بها
الموساد الإسرائيلي على جميع صفقات السلاح التي عقدتها الجزائر، إذا كيف نفسر هذا
الإهتمام المفاجئ لإسرائيل بالجيش الجزائري؟
و لمذا يحاول الموساد التجسس على كل ما يشتريه الجيش الجزائري من أسلحة
حديثة؟ جغرافيا الجزائر بعيدة عن إسرائيل، و لاوجود لأي حدود برية أو بحرية بين
الدولتين، فلمذا إذا هذا الإهتمام و القلق؟ التفسير الأول هو أن إسرائيل تتجسس على كل الدول
العربية بدون أي تمييز لأن العرب مهما بعدت دولهم عن الحدود الإسرائيلية يشكلون
خطرا على أمنها (هذا عن الأقل حسب وجة نظر المحللين اليهود)، التفسير الثاني هو أن
القوات المسلحة الجزائرية تجاوزت الخطوط الحمراء التي إن بلغها أي جيش عربي وضع في
خانة المصادر المثيرة للقلق، و القوات المسلحة الجزائرية التي أخذت تكبر و تتطور نوعيا و عدديا في العشر سنين
الأخيرة، ستصبح مستقبلا إن إستمرت على هذا المنوال تضاهي جيش الدفاع الإسرائيلي و
هذا شيء لن تقبله إسرائيل أبدا.
من المؤكد إذا أن إسرائيل تفعل كل ما في وسعها لتبقى متفوقة عسكريا على أي
دولة عربية مهما كانت بعيدة عنها، و السبب هنا أن العرب يمتلكون إحتياطا بشريا
مهولا لا مجال للمقارنة بينه و بين الإحتياط البشري الإسرائيلي المتواضع، فبشريا
العرب متفوقون على اليهود، و مهما عملت إسرائيل لا يمكنها أن تقلص هذا الفارق البشري
الموجود بينها و بين ألذ أعدائها، لذلك تعمل الدولة العبرية على توسيع و زيادة تفوقها
التقني و اللوجيستيكي على العرب برمتهم، لكن علينا أن لا ننسا أن التفوق العددي
يمكن في بعض الحالات أن يسد الفرق التقني بين قوتين، لأن اللواء المدرع الواحد على
سبيل المثال يمكن شكل حركته و إبادته إذا توفرت ثلاث ألوية مشاة، أتذكر أن الفريق
سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق قال في شهادته على العصر
(الحصة بتثها قناة الجزيرة)
إقترحت
على الرئيس أنور السادات نقل 3 فرق مشاة من جبهة السناء إلى الثغرة التي فتحها جيش
الدفاع الإسرائيلي شرق القناة، و لو قبل الرئيس السادات هذه المناورة بالجيش لتم
سد الثغرة قبل ان تستفحل لأن الإسرائيليين كانوا يتوفرون على لواء مدرع واحد شرق
القناة أما أنا فأردت حشد 3 فرق لتحطيم لوائهم المدرع مع العلم أن اللواء المدرع
الواحد يمكن شل حركته و إبادته إذا وفرنا ضده 3 ألوية مشاة.
أنا شخصيا أوافق تماما ما قاله
الفريق الشاذلي و من غير المستبعد أن يكون اليهود قد فكروا مليا في هذه المفارقة
التي تستطيع قلب موازين القوة عن الأقل بريا، لذلك عمدت إسرائيل على بناء خط دفاع
ثان هو أسلحة الدمار الشمال (القنابل النووية) التي تعتبر سلاح ردع و تحذير للعرب،
و تشكل صمام أمان يجعل العرب يفكرون ألف مرة قبل المضي في تحرير فلسطين.
كما ترون العرب يأرقون اليهود حتى و لو كانوا جغلاافيا بعيدون عنها، من
هنا يمكننا الجزم على أن جيش الدفاع الإسرائيلي ليس جيشا خارقا للعادة و لا جيشا
لا يقهر حتى و لو كان من حيث العدة أقوى من جميع الجيوش العربية، فلكل جيش نقاط
ضعف لا بد ان تستغل لقهره و لعل اكبر نقاط ضعف جيش الدفاع الإسرائيلي هو عدم
مقدرته على الدخول في حرب طويلة الأمد، لأن المجتمع الصهيوني بإسره مجتمع عسكري، و
قدرته الإحتياطية ضعيفة، و هو يعتمد بالدرجة الأولى على الوحدات الإحتياطية التي يتم
إستدعائها عند الضرورة عن طريق التجنيد الإجباري، فلو حدث و أن أعلنت إسرائيل حالة
الطوارئ، و قامت بإستدعاء جيش الإحتياط فإن الإحتياطيين ما هم إلا عمال و فلاحين و
أطباء و غيرهم مما يعني أن الإقتصاد الإسرائيلي كله سيتوقف بسبب قلة اليد العاملة
التي تحولت لقوات مسلحة محشودة في جبهة القتال، كل هذه الوقائع تأكد لنا صحة
الفرضية السابقة، و تبرر تخوف إسرائيل من النمو المستمر للطاقة البشرية العربية،
فمذا سيحدث لو إقترنت الطاقة البشرية العربية بتسليح جيد و متطور لقواتها المسلحة؟
أكيد ستكون نهاية إسرائيل، و هذا يفسر أيضا سبب تجسس اليهود على الجزائر و غيرها
من الدول العربية.
إنطلاقا من هنا، إن الخطر الداهم التي تمثله الدولة العبرية على الجزائر
بصفتها دولة عربية رائدة تمتلك من القوى البشرية و الطبيعية ما يأهلها لتكون قوة
ضاربة في المغرب العربي و شمال إفريقيا دفعني للقيام بالكثير من الدراسات و
الأبحاث على جيش الدفاع الإسرائيلي، و مختلف الأجهزة الأمنية العبرية، لكن ضلت كل أبحاثي سجينة رفوف مكتبي لأنني لم
أجد أي وسيلة لنشرها حتى عثرت مؤخرا على موقع الجيش العربي صدفة فلم أجد أفضل من
هذا الموقع لأنشر فيه هذه الأبحاث و الدراسات، و قد أعددت لكم اليوم هذه الدراسة المتواضعة عن تاريخ تأسيس جيش
الدفاع الإسرائيلي و مختلف المراحل الذي مر بها حتى يومنا هذا، في الأخير أعتذر
لكم عن الإطالة، و أرجوا أن تنال هذه الدراسة إعجابكم.
ملاحظة : نظرا لطول المقال قسمته إلى الجزاء التالية؛
1- تاريخ تأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي منذ نشأته حتى حرب 1948.
2- جيش الدفاع الإسرائيلي من 1948 حتى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
3- جيش الدفاع الإسرائيلي من 1956 حتى حرب 5 يونيه 1967.
4- جيش الدفاع الإسرائيلي من بداية حرب الإستنزاف حتى حرب 6 أكتوبر 1973.
5- جيش الدفاع الإسرائيلي من 1973 حتى يومنا هذا.
و سوف أنشر هذه الجزاء بصفة متتالية إن شاء الله.
الجـــــــــــــــــــــــــــزء الأول
تاريخ تأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي:
عام 1897 عقد يهود أوروبا مؤتمر بال في سويسرا، و قد تمخض عن هذا المؤتمر
الإعلان عن قيام المنظمة الصهيونية العالمية برئاسة تيودور هورتزل، و كان من بين
الأهداف الرئيسية لهذه المنظمة تأسيس وطن قومي يهودي في أرض الميعاد (فلسطين)، و
قد قامت هذه المنظمة بشراء الكثير من الأراضي الفلسطينية و بنت فيها مستوطنات خصصت
لإستقبال اليهود المهجرين و المهاجرين إليها، و من أكبر عمليات الإستيطان التي
قامت بها المنظمة الصهيونية العالمية بناء مدينة تل أبيب عام 1909 و التي أصبحت
فيما بعد و لا تزال عاصمة لدولة إسرائيل (للإفادة فقط تنقسم كلمة تل أبيب إلى
قسمان الأول تل و يعني الجبل و أبيب أو أفيف و يعني الربيع فكلمة تل أبيب باللغة
العربية تعني جبل الربيع).
نتيجة لتزايد عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين و إرتفاع عدد النازحين
اليهود إليها، قررت الوكالة اليهودية عام 1909 تأسيس منظمة مكلفة بحفظ الأمن داخل
المستوطنات اليهودية إسمها (ها شومير) و
كان أعضاء هذا التنظيم الأمني يتقاضون أجورهم من الوكالة اليهودية (الجهاز
التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية).
تيودور هرتزل
مؤسس و أول رئيس للمنظمة الصهيونية العالمية
url=http://www.0zz0.com]
[/url]
عام 1920 إنتخب الإسرائيلي حاييم فايتسمان رئيسا للمنظمة الصهيونية
العالمية (حاييم فايتسمان سيصبح ما بين عام 1948 و 1952 أول رئيس لدولة إسرائيل)،
فقام ما بين عامي 1920 - 1921 بحث أعضاء ها شومير (الذي كان لا يزيد عددهم عن 100
شخص) على تكوين منظمة شبه عسكرية هي ( الهاجاناه).
حاييم فايتسمان
رئيس المنظمة الصهيونية العالمية من 1920 إلى 1948
و أول رئيس لدولة إسرائيل من 1948 إلى 1952
كان الهدف من تأسيس الهاجاناه الدفاع عن أرواح و ممتلكات اليهود في فلسطين
التي كانت حينها تحت الإنتداب البريطاني، تجدر الإشارة هنا أنه خلال الفترة
الفاصلة بين 1921 – 1929 كانت الأوضاع العامة الإسرائيلية جد مستقرة ، و كانت
منظمة الهاجاناه منظمة مدنية يديرها جهاز مدني بقيادة الإسرائيلي (إسرائيل جاليلي)،
و خلال هذه الفترة لم تقم منظمة الهاجاناه بأي عمل إستهدف الفلسطينيين، لكن أثناء
ثورة 1929البراق عام قامت الهاجاناه بأول
عملياتها العسكرية ضد العرب، و إستغلت وقوف سلطة الإنتداب البريطانية إلى جانبها لتنال
من الفلسطينيين، كما تحججت الهاجاناه بهذه الثورة لتزيد من إستيرادها للأسلحة، و
تقوم ببناء وُرَشْ لصناعة القنابل، و ترفع من عدد أعضائها، و بحلول عام 1936 أصبح
تعداد الهاجاناه 10.000 مقاتل و 40.000 إحتياطي
و أصبحت بالتالي ميلشيات شبه نظامي
بعدما كانت جماعات مسلحة قليلة التدريب و التسليح.
إن الإزدياد المستمر لتعداد منظمة
الهاجاناه و إنفتاحها لكل يهودي يستطيع حمل السلاح تسبب في ظهور جناح عسكري أخر
متفرع عن المنظمة الأم (الهاجاناه) ففي عام 1931 أسس الإسرائيلي أبراهام تيهومي
المنظمة العسكرية القومية (إرغون تسفائي لئومي) و بالتالي أصبح لليهود قوتان
عسكريتان الهاجاناه و الإرغون.
شعار منظمة الإرغون الإرهابية
مثلت منظمة الإرغون الجناح العسكري المتطرف داخل المنظمة الصهيونية
العالمية، و سبب إنشقاق الإرغون عن الهاجاناه هو رغبة المتشددين في الإسراع بإعلان
فلسطين دولة يهودية مستقلة من جهة، و الرغبة في رفع القيود التي فرضتها سلطة
الإنتداب البريطانية على الهاجاناه بعد ثورة البراق من جهة اخرى، و قد إستطاع
أبراهام تيهومي عام 1936 أن يتحصل على دعم عسكري كبير من الحكومة البولندية مقابل
ترحيل اليهود من بولندا إلى فلسطين. تجدر الإشارة هنا أن اليهود كانوا يشكلون
جالية كبيرة جدا في بولندا قبل الحرب العالمية الثانية، و في نفس الوقت كانوا يشكلون
أفقر طبقات المجتمع البولندي في تلك الفترة، و رأت الحكومة البولندية أن ألمانيا
النازية جد متعصبة على اليهود فقررت التخلص منهم حتى لا يكون اليهود سببا لنشوب
حرب مع هتلر، فقدت إتفاقية سرية مع أبراهام تيهومي تتلخص في ترحيل اليهود
البولنديين إلى فلسطينن مقابل تموين منظمة الإرغون بالأسلحة و الذخيرة.
عام 1940 توفي رئيس منظمة الإرغون الإسرائيلي جابوتنسكي، فإنشق الإسرائيلي أبراهام شتيرن عن منظمة الإرغون
و أسيس منظمة عسكرية جديدة هي (لحمي حيروت
إسرائيل) باللغة العربية المحاربون من أجل حرية إسرائيل، و أصبح داخل المنظمة
الصهيونية العالمية بحلول 1940 ثلاث تنظيمات شبه عسكرية تسعى كلها لبناء دولة
يهودية في فلسطين هي الهاجاناه و الإرغون و الشتيرن.
أثناء الحرب العالمية الثانية، و
نتيجة لحملة التصفية التي قادها الزعيم النازي أدولف هتلر ضد اليهود، شكلت
الهاجاناه في 19 مايو 1941 فرقة صاعقة تابعة تنظيميا للجيش الملكي البريطاني حملت
إسم بلوغوت ماحتس بالإختصار البلماخ و تعني باللغة العربية القوة الضاربة، و خاضت فرقة
البلماخ الكثير من المعارك ضد ألمانيا
النازية، خصوصا في جبهة أفريقيا (1941-1943) جبهة إطاليا (1943-1945) جبهة
نورماديا (1944-1945)، كما قامت فرقة البلماخ بقتال جيش حكومة فيشي في سوريا، و من
بين أبرز أعضاء هذه الفرقة الجنرال موشيه دايان بطل حرب 5 يونيه 1967و الجنرال
حاييم برليف صاحب فكرة خط برليف، و إسحاق رابين رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي
أثناء حرب 5 يونيه و رئيس وزراء دولة
إسرائيل فيما بعد.
عكس منظمة الهاجاناه؛ قررت منظمة الإرغون و الشتيرن إستغلال الوضع العسكري
البريطاني الصعب قصد تحرير كل فلسطين من الإنتداب البريطاني و إعلان قيام دولة
إسرائيل، و كان هذا القرار أحد الأسباب الرئيسية التي أدت لإنهيار هاتين المنظمتين
لاحقا و إنفراد قيادة الهاجاناه بتولي تأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي.
مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت منظمة الهاجاناه بمهاجمة المواقع
البريطانية، و نسف خطوط السكك الحديد، و مارست شتى أنواع التخريب و التنكيل لتدفع
ببريطانيا لإنهاء الإنتداب على فلسطينو يتسنى لها إعلان قيام الدولة الإسرائيلية
من جهة، و لدفع العرب العزل لمغادرة أراضيهم مما سيكسب اليهود مستقبلا رقعة
جغرافية كبيرة يتسنى لهم بناء دولة فيها؛ كما قامت منطمة الشتيرن بإغتيال الكونت
بارنادوت المفوض الأممي السامي في فلسطين.
في 14 مايو 1948 أعلن دافيد بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) قيام دولة إسرائيل، و 12 يوما بعد الإعلان عن
قيام دولة إسرائيل (أي في 26 مايو 1948) أعلن بن غوريون عن تشكيل جيش الدفاع
الإسرائيلي الذي لم يكن سوى إمتدادا للمنظمة الإرهابية الهاجاناه، و الإرغون، و
الشتيرن.
التكوين الأولي لجيش الدفاع الإسرائيلي :
بمجرد إعلانهم عن قيام دولة إسرائيل أدرك اليهود أن العرب لن يبقوا مكتوفي
الأيدي أمام ما تقوم به منظمة الهاجاناه و
الإرغون و الشتيرن من تعد سافل على الفلسطينيين، و كان رئيس الوزراء الإسرائيلي
دافيد بن غوريون يدرك تماما أن وصول الجيوش العربية لتحرير فلسطين مسألة وقت فقط،
لذلك قام بإستدعاء فرقة البلماخ التي شاركت في الحرب العالمية الثانية لتكون نواة لجيش
إسرائيلي قوي يستطيع مواجهة أي هجوم عربي، كما ألحق بهذه الفرقة كل اعضاء منظمة
الهاجاناه و منظمة الإرجون و شتيرن و شكل جيشا نظاميا قوامه 100 الف جندي (بينما
لم يستطع العرب أن يحشدوا اكثر من 45 ألف جندي خلال حرب 1948) و وضع على رأس هذا
الجيش الجنرال يعقوب دوري. و حتى يضمن دافيد بن غوريون الوحدة القيادية للجيش
الإسرائيلي الجديد قرر حل جميع الميلشيات و التنظيمات العسكرية و الشبه عسكرية و
إلحاقها مباشرة بجيش الدفاع الإسرائيلي.
دافيد بن غوريون
أول رئيس وزراء إسرائيلي
من 1948 إلى 1955
خلال الفترة الممتدة بين 1947 – 1948 إستطاع الجنرال يعقوب دوري بناء أول
لواء مشاة إسرائيلي هو لواء غيفعاتي، كما كان متوفر لديه فرقة البلماخ التي شاركت
في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة لفيلق قصاصي الأثر التي كانت مهمتهم تقفي أثر
البدو الرحل في صحراء النقب، كما أسس أيضا وحدة الشكيد التي إركتبت جرائم حرب
فظيعة خلال حرب 05 يونيه 1967.
الجنرال يعقوب دودي
أول رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي
من 1948 على 1949
عموما إستطاع بن غوريون و رئيس أركان جيشه الجنرال يعقوب دوري تأسيس جيشا
عصريا أفضل تسليحا و أحسن تدريبا من الجيوش العربية منذ الوهلة الأولى لتأسيس دولة
إسرائيل، مستغلين الضروف السياسية و العسكرية الصعبة التي كانت تعاني منها أغلبية
الدول العربية؛ بحيث كان جيش الدفاع الإسرائيلي يتكون من فرقة صاعقة ( فرقة
البلماخ التي شاركت في الحرب العالمية الثانية) و لواء مشاة (لواء غيفعاتي) و فيلق
قصاصي الأثر و وحدة الشكيد كما كان لديه قوة إحتياط كبيرة جدا تتكون من جميع
اليهود الذي تتراوح أعمارهم بين 18 و 50 سنة.
لم يستطع العرب دخول فلسطين و تحريرها من دولة اليهود التي بدأت ملامحها
تتجسد منذ 1945 بسبب التواجد العسكري البريطاني، بينما إستغل اليهود وجود القوات
المسلحة البريطانية للإغارة على القرى و المدن الفلسطينية و إحتلالها و طرد العرب
منها أو إبادتهم. تجدر الإشارة هنا أن حرب 1948 بدأ اليهود يستعدون لها منذ نهاية
الحرب العالمية الثانية يعني أن اليهود إستغلوا الفترة الممتدة بين 1945 – 1948
لتطوير قدراتهم العسكرية بأتم معنى الكلمة، بينما كان العرب يتخبطون في مشاكل
الإنقسام و الإستعمار. و عند نهاية الإنتداب البريطاني على فلسطين في 14 مايو 1948
كان الجيش الإسرائيلي قد إحتل 30 بالمائة من الأراضي التي صنفها تقسيم الأمم
المتحدة لفلسطين منطقة تابعة للدولة الفلسطينية العربية.
حرب النكبة العربية و حرب
الإستقلال الإسرائيلي :
في 14 مايو 1948 إنتهت فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين، و بدأت قواتها
المسلحة بمغادرة المنطقة تاركة ورائها فراغا إداريا و عسكريا إستعد له اليهود خير
الإستعداد بينما بقي العرب يراوحون مكانهم و تأخروا كثيرا في إعلان قيام الدولة
الفلسطينية الذي لم يتم حتى شهر نوفمبر عام 1988 بالجزائر.
بمجرد إنتهاء الإنتداب البريطاني أعلن اليهود على قيام دولة إسرائيل و كرد
فعل على ذلك قررت جامعة الدول العربية إرسال جيوشها لتحرير الأراضي الفلسطينية التي
منحتها الأمم المتحدة لليهود بموجب قرار التقسيمن و كانت جامعة الدول العربية عام
1947 قد خصصت مبلغ مليون جنيه إسترليني لتمويل الجيوش العربية التي ستشارك في
تحرير فلسطين، كما حظرت خطة عسكرية (خطة دالت)، و تم تشكيل لجنة عسكرية تقنية
بقيادة اللواء إسماعيل صفوت، و تم اتفاق على ان لا تدخل الجيوش العربية لفلسطين
قبل الإنسحاب البريطاني المقرر يوم 15 مايو 1948.
في 15 مايو 1948 أي بعد 24 ساعة من الإعلان عن قيام دولة إسرائيل و بداية
جلاء القوات البريطانية، تحرك الجيش المصري و دخل صحراء النقب و إحتل مستوطنت
داروم و نيرم، و تحركت ثلاث ألوية أردنية من الناحية الشرقية و عبرت نهر الأردن
متجهة نحو القدس، و هاجمت القوات السورية بلدة السمخ جنوب طبريا المحتلة من طرف
اليهود، كما قامت القوات اللبنانية بالزحف على إسرائيل من الشمال و قامت بتحرير
قريتي المالكية و القَدَسْ.
خلال الأيام الأولى لحرب 1948 إستطاعت القوات المسلحة العربية إحراز
إنتصارات عسكرية حاسمة على اليهود بالرغم من قلة عددها و سلاحها، و في 16 مايو أي بعد يوم واحد من بداية زحفها
وصلت الألوية الأردنية لمشارف مدينة القدس مما دفع باليهود لمهاجمة مدينة القدس
القديمة إلا أن الجيش الأردني هزم الهاجاناه شر هزيمة في معركة باب الواد و أبقى
مدينة القدس تحت الحماية العربية. كان الإنتصار العربي سيكون ساحقا لو إستطاع
الطيران المصري المشاركة في حرب 1948 لكن كانت بريطانيا لم تنهي إنسحابها من
فلسطين لحطة نشوب الحرب، و لم يكن للهاجاناه سلاح جوي، فقام الطيران البريطاني
بالدفاع عن الوحدات الإسرائيلية من أي غارة حاول الطيران المصري القيام بها، و قد
أكد الفريق الشاذلي ذلك خلال شهادته على العصر بصفته ضابط شارك في حرب 1948.
بسبب الهزائم المتكررة للهاجاناه و الإرغون و الشتيرن، تدخلت الأمم
المتحدة و فرضت وقف لإطلاق النار مدته أربع أسابيع دخل حيز التنفيذ في 11 يونيه 1948،
و قد إستغل اليهود هذه الهدنة لإعادة تنطيم صفوفهم و إستيراد المزيد من السلاح، مع
العلم أن الأمم المتحدة فرضت حظرا أمميا على بيع السلاح لجميع الأطراف المتصارعة،
و بينما لم يجد العرب من يمونهم حتى بالذخيرة، إستطاع اليهود بفضل اللوبي الصهيوني
في أمريكا و بريطانيا شراء احدث انواع الأسلحة بما فيها المدرعات.
في 10 يوليو 1948 إنتهت الهدنة و تجدد القتال للمرة الثانية، و في هذه
المرة بدأت الكفة ترجح لصالح الجيش الإسرائيلي الذي إستطاع إحتلال مدينة اللد و
إستعاد حيفا و حاصر الجيش المصري في الفلوجة، و في 19 من نفس الشهر عقد العرب و
اليهود الهدنة الثانية التي كانت بمثابة إعتراف عربي بهزيمتهم في حرب 1948.
عرفت هذه الحرب بحرب النكبة عند العرب لأنهم هزموا أمام اليهود، و لم
يستطيعو تحرير فلسطين، و سمى اليهود هذه الحرب بحرب الإستقلال لأنها رسخت دولتهم
الجديدة بين الدول، أضافت إليهم زيادة على الأراضي التي منحها لهم قرار التقسيم
الأممي، 50 بالمائة من الأراضي التي كانت ستؤول للفلسطينيون حسب نفس القرار
الأممي. و قد شكلت نقطة البداية لجيش الدفاع الإسرائيلي الذي أخذ في النمو و
التطور حتى أصبح
المشير أحمد فؤاد