إن توقيع عقد متيو، في 23 ديسمبر ( 2002 ) ، يعد تتويجاً لجهد جماعي طوال سنوات عديدة . وكان أحد العوامل التي أتاحت توحيد الصناعة الأوروبية للصواريخ توحيداً فيدرالياً ، وكان هو ذلك الجنين الذي سيعطي دفاعاً مضاداً للصواريخ. وثمة برامج أخرى، متطورة على الصعيد نفسه ، تحاول كذلك التصدي لتهديد يتطور باستمرار.
الصاروخ ستورم شادو :
إنه أول صاروخ جوال من تصميم أوروبي تماماً ، وقد بدأ برنامج الصاروخ "سكالب إي جي -ستورم شادو" في العام 1996 لدى كل من المملكة المتحدة وفرنسا على أساس الدروس المستخلصة من حرب الخليج. ودفتر الشروط كان يحدد مواصفات هذا الصاروخ بأنه صاروخ سري (بفضل شكله الذي لا تكشفه الرادارات ونظام الملاحة فيه على ارتفاع منخفض جداً)، وقدرته على الخرق ناجمة من بلوغه سرعة كبيرة وزاوية اصطدام مرتفعة . وتتيح حشوة الصاروخ التعامل مع أهداف مقسّاة ومحصنة بالطمر تحت الأرض ، كالغرف المحصنة تحت الأرض.
تتحقق دقة إصابة الهدف في نهاية طيران الصاروخ بوساطة نظام توجيه يستخدم حاسوباً للاستطلاع (بمقارنة الصور التي يمر فوقها ويقرؤها مع الصور المسجلة في الذاكرة)، وجهاز استشعار يعمل بالتصوير بالأشعة تحت الحمراء . والهدف من صنع الصاروخ ، كان الحد من أخطار الأضرار الجانبية . ومن ناحية ثانية ، ولما كان الرأي العام الغربي لا يتحمل فكرة خسارة طيار أثناء تنفيذ المهمة ، فإن الصاروخ يتوجه توجهاً ذاتياً ، ومستقلاً عن وسائط التوجيه الخارجية.
المخطط الزمني
لتطوير الصاروخ ستورم شادو
كان يتوقع أن يبدأ إنتاج الدفعات الأولى المخصصة للجيش البريطاني في خريف 2002 ، بينما يجب أن تصبر فرنسا حتى الربيع المقبل ليدخل هذا الصاروخ الخدمة على متن الطائرة ميراج 2000 . والمقصود بذلك أحد ثلاثة برامج فيدرالية ، قامت على أساسها في 18 ديسمبر 2001 الشركة الجديدة "مبدا" MBDA ، المؤلفة بالشراكة بين الشركات التالية: EADS التي تمتلك 37.5% من الأسهم) ، و BAe سيستم (تمتلك 37.5 % أيضاً من الأسهم ) و(فاينميكانيكا) (وتمتلك ال 25% من الأسهم وهي المتبقاة)، والحقوق متساوية للشركات الثلاث. وشركة الدفاع الأوروبي التي تندرج "مبدا" فيها على نطاق واسع تتيح لأوروبا أن تضاهي الولايات المتحدة على صعيد التسلح؛ فهي تحتل المرتبة الثانية من ناحية مصنعي الصواريخ الموجهة في العالم، بعد شركة رايتون الأمريكية ، لكنها تقع قبل كل من لوكهيد مارتين وبوينغ.
الصاروخ سكالب إي جي -ستورم شادو لا يمثل إلا واحداً من آخر تطويرات شركة "مبدا"، ضمن تشكيلة من المنتجات التي تتألف من أكثر من أربعين برنامجاً ، منها، برنامجان آخران يمثلان المجال التقاني . وتلك هي حال( متيور) وهو نظام صاروخ جو جو بعيد المدى BVRAAM مخصص للاستخدام مستقبلاً في سيناريوهات القتال الجوي الأكثر تعقيداً .
التصدي لانتشار الأسلحة:
إن انتشار الصواريخ البالستية البدائية الطراز مثل، "سكود" والمستخدمة في بعض البلدان غير المستقرة ، والواقعة جنوب أوروبا وجنوبها الشرقي، يمثل تهديداً لها ، وهذا حتى قبل أن ينشب النزاع العراقي الأخير. وإن هذا الطراز من الصواريخ المزود بحشوات نووية أو كيماوية والقادر على اجتياز مسافة 3000كم بل أكثر ، يمثل اليوم 85% من ترسانة البلدان المسماة ببلدان الانتشار ، وقد أسهم ذلك في زعزعة التوازن الذي ساد في أيام الحرب الباردة . والصاروخ متيور هو الرد على ذلك النوع من التهديد.
ولما كان الصاروخ متيور مزوداً بمحرك نفاث استاتيّ (في المقابل ، الصاروخ سكالب يتم الدفع فيه بمحرك نفاث عَنَفِيّ TRI60-30 فهو سليل برنامج صواريخ جو أرض متوسطة المدىASMP أطلقته فرنسا في العام 1978 ، والصاروخ متيور يشارك فيه جميع أعضاء نادي الطيران الأوروبي، وقد أتاح أخيراً تشكيل شركة (مبدا) بالاشتراك مع (ماترا) BAe ديناميكس وتم بذلك الإفادة من الأنشطة الصاروخية لكل من آلنيا ماركوني سيستمز و EADS ايروسباسيال ماترا للصواريخ. وعدا ذلك ، أتاح البرنامج تشكيل شركة جوانت فنتور انميز بين مبدا (بنسبة 40%) وشركائها الاسبانيين (إيندرا بنسبة 40% ) و ادزكازا (بنسبة 10% ) وإيزار (بنسبة 10%).
ومن خلال المدى الذي يفوق 100 كم وسرعة تتجاوز 4 ماك (4 أضعاف سرعة الصوت) ، فإن الصاروخ متيور يضمن توجيهه بوساطة رأس باحث مزود برادار إيجابي ، على أساس التقانات المتقدمة المستخدمة في برامج الصواريخ آستر وميكا اللذين تنتجهما شركة "مبدا" . وسيتلاءم الصاروخ مع الطائرات المقاتلة رافال وغريبن وإيروفايتر-تيفون وطائرات أخرى من جيل جديد ليشكل أفضل توليفة بين الإطلاق من المسافة المأمونة والقدرة على التدمير من أجل ضمان أفضل لظروف سلامة الطائرة وطاقمها. وقد اختير لتسليح جيش الجو البريطاني ، وعلاوة على ذلك فقد وقع الاختيار عليه في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واسبانيا والسويد.
البرنامج الفدرالي الثالث هو الصاروخ آسترFSAF سطح جو المستقبلي، وهو نظام مضاد للصواريخ ، ومن خلاله تم تطوير النظام أرض جو المتوسط المدى samp/t والنظام سطح جو SAAM. والنظام آستر بلوك 1 الذي بدأته فرنسا وإيطاليا وبريطانيا في أغسطس 1999 ، قد تحدد صاروخه منذ العام 1989 من قبل عدة شركات فرنسية وإيطالية.
في العام 2001 ، أطلقت "مبدا" ، على أسس خاصة بها ، دراسات لوسيلة نقل آستر بلوك2 قادرة على أن تعترض في الأعالي الشاهقة في الجو صواريخ يبلغ مداها 1500 كم. وهذه الدراسات دعمت بعد ذلك باعتمادات شركة DGA.
والهدف من الصاروخ الجديد، تحدد بعد إعادة النظر بأبعاد طبقة جهاز التسارع، وبعد إلغاء جهاز الدفع في أثناء الطيران التجوالي.
صاروخ بنموذجين:
كما تنتج شركة "مبدا" الصاروخ ميكا المخصص للجيش البري (مع نموذج بحري يُطلق عمودياً ، هو الصاروخ (ف ل ميكا)، وهو حل وسط بين صاروخ جو جو متوسط المدى وصاروخ سطح جو قصير المدى)، والصاروخ آسرام ASRAAM وهو صاروخ متقدم جو جو قصير المدى) ويستخدم استخداماً عملياتياً في القوى الجوية الملكية البريطانية ، وهو قادر على الاشتباك ضد أي هدف جوي يقع ضمن مجال رؤية الطيار (بوساطة منظار التسديد المركب على خوذة الطيار أو رادار المتن)، ويمكن إطلاقه من أية طائرة قادرة على إطلاق الصواريخ سايدويندرAIM-9 و IM-120 .
ثمة تقانة أخرى يجري تطويرها لدى شركة (مبدا) بالتعاون مع شركة LFK لمصلحة الجيش البري والبحرية لإنتاج : صاروخ قصير المدى موجه بالألياف البصرية. ومرحلة ما قبل التطوير التي انتهت في صيف العام 2002 يجب أن تثبت أن التوجيه بالألياف البصرية يتيح إكساب الصواريخ القدرات العملياتية المأمولة والتحقق، خصوصاً من كفاءات المعدات الجديدة : حاوية الإطلاق ، ومحرك الإطلاق بقوة متزايدة، وجهاز بسط الألياف البصرية، والشكل الانسيابي الجديد (لزيادة المدى)، وهندسة الأجنحة المبتكرة، وميكانيكية فتح تلك الأجنحة.
تقوم العقيدة الفرنسية في مجال الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل على التوازن بين الوقاية من الانتشار ورد الفعل الانتقامي (حتى استخدام السلاح النووي). وفي فترة ما، ظهرت فكرة إضافة عنصر جديد إلى مكونات الدفاع المضاد للصواريخ للدفاع عن الأراضي والسكان في 19 دولة أعضاء في حلف شمالي الأطلسي إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية والردع النووي.
النظام EADS-LV وهو النظام المثالي للاعتراض في أوروبا سيرمز إليه بعبارة أكسوغوارد ، وهو خطة قائمة على التقانات الأوروبية ، وستوزع صواريخ هذا النظام على قاعدة أو قاعدتين للإطلاق ، وقد حُسّن هذا الصاروخ لحماية مجموع أراضي القارة الأوروبية من تهديد الصواريخ المتوسطة المدى (3000 إلى 6000 كم) بسبب قرب البلدان نسبياً من البلدان التي تنتشر فيها أسلحة الدمار الشامل.
وحسب النظام EADS-LV ، قد يسهم الإنذار الفضائي في سياسة ردع من خلال إتاحة تحديد موقع الأراضي التي يطلق منها أحد الصواريخ وبالتالي تحديد هوية الفاعل الذي يعرض نفسه عندئذ إلى ردود أفعال انتقامية متوقعة . ويجب بلوغ أدنى سرعة ممكنة في نهاية اندفاع الصاروخ (نحو 6000 م-ثا) لاعتراض الهدف على ارتفاع 100 250 كم وعلى بعد 2500 كم من نقطة إطلاقه، بشرط أن تتمكن وسيلة كشف متقدمة من إطلاق الإنذار قبل نحو 600 ثانية. غير أن الجدير بالملاحظة هو أنه يكفي وجود جهاز التقاط يتمتع بحقل عمل واسع للتصدي للتهديد البعيد المدى ، لأن الصواريخ تترك بصمة واضحة من الأشعة تحت الحمراء.
الجدير بالملاحظة أخيراً، أن التعاون هو الكلمة الفصل على صعيد الصواريخ. وبينما يتبلور شكله في أوروبا ، يتواصل كذلك عبر المحيط الأطلسي. وجرى مؤخراً نشران جديدان مضادان للصواريخ ، وقد شكلت أمريكا بهما بداية للدفاع الأوروبي الذي ما زال جنيناً في مراحل عمره الأولى : وهو الموقع الراداري للإنذار المبكر (فايلندال) ، الواقع في شمالي الجزر البريطانية (الذي حدثته واشنطن مؤخرا) ، وعلى الأرجح وبانتظار الاتفاق مع الدانمارك ، سيقام الموقع (توليه) في جزيرة غرينلاند . والمرحلة المقبلة ستكون ، منطقياً ، هي أن تطلب واشنطن من البلدين المذكورين إمكان نشر صوامع أرضية للاعتراض أيضاً . وقد تتمكن هذه الصوامع من حماية جزء من أراضي البلدان الموقعة على اتفاق الاتحاد الجمركي المسمى بنلوكس، الذي يضم بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ ، وحماية جزء أيضاً من الأراضي الفرنسية ضد الهجمات القادمة من الشرق الأوسط. وثمة تساؤلات حول العديد من النقاط، منها: التحكم في مثل تلك القدرة ، وفاعليتها وأخطارها... وتتطلب الإجابة اتخاذ مواقف ذات علاقة بالمبادرة الأمريكية . ويمكن لكل بلد أن يقرر ويشارك أو لا يشارك في بناء دفاع لا يمكن إلا أن يكون دفاعاً مشتركاً يشارك فيه الجميع.
المصدر :مجله الحرس الوطنى