الجديد في عالم القنابل
بسم الله الرحمن الرحيم
هل بدأنا عصراً تصير فيه القنبلة الذرية والهيدروجينية من كلاسيكيات القول؟
وهل هو عصر تقوّم فيه الدول الضعيفة بأنها لا تملك إلاّ قنابل نووية أو
هيدروجينية فقط؟
قد يبدو طرح السؤالين بحد ذاتهما مستغرباً؛ إذ هل هناك قنابل مرعبة أكثر من
القنابل الهيدروجينية والنووية؟ وأي عاقل يقبل بأنه يمكن تصوّر عصر تصبح فيه
القنبلة النووية علامة ضعف عسكري لمن يملكها؟!
ونجيب بأنه على الرغم من غرابة السؤالين السابقين، فإنهما في الواقع مما يتم
تداوله وطرحه على ساحة السباق، لتطوير القنابل واختراع أنواع جديدة منها لا
تخطر على بال، وكل نوع يجعل بشكل أو بآخر القنابل النووية والهيدروجينية
وأمثالهما نعمة، قياساً بما تحمله القنابل الجديدة من قوة وتدمير؛ والمقلق أن
هذه القنابل الجديدة لم تعد في حيّز التصورات، بل هي في وارد التطبيق
والاستعمال، ولا يمر يوم إلاّ ويتحدثون فيه عن جديد في هذه القنابل التي
أوشكت أن تقلب مفاهيم التسلُّح العالمي وتجعل ما هو موجود من الأسلحة الآن
مجرد قنابل تصلح للمتاحف، ولنا أن نستعرض بعض هذه القنابل الجديدة.
قنبلة أشعة غاما
الولايات المتحدة عاكفة منذ سنوات على اختراع قنبلة مرعبة، هي قنبلة أشعة
غاما التي تنتج طاقة تفجيرية ضخمة باستخدام الذرة، ولكن من دون حصول انشطار
نووي، ويمكن لجرام واحد من هذه العبوة الجديدة أن يختزن طاقة تفوق ما ينتجه
(50) كيلوجراماً من مادة "تي إن تي" شديدة الانفجار، وقد ضمّنت وزارة الدفاع
الأمريكية قنبلة أشعة غاما قائمة التقنيات العسكرية الحيوية التي تعتمدها
لتطوير أسلحتها والتخطيط لمستقبل الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتمد نظرية قنبلة أشعة غاما على أن ذرات بعض العناصر يمكن أن تتواجد في
حالة طاقة عالية، وهي تتبدد ببطء من خلال إطلاق أشعة غاما، وقد أثبت علماء
أمريكيون في جامعة تكساس في عام 1999م، أن من الممكن إحداث ذلك التأثير
اصطناعياً من خلال إطلاق الأشعة السينية (أشعة إكس) على متجازئ عنصر يُسمّى
"هافنيوم"، ولكن المشكلة الحالية في هذا المجال تتمثل في عدم وجود كميات
كافية من عنصر ال "هافنيوم"، إذ لا يتم إنتاجه حالياً إلاّ بكميات ضئيلة،
ولكن يمكن خلال السنوات العشر القادمة وعلى ضوء الجهود البحثية الحالية إنتاج
كميات مقبولة منه، بيد أنه سيكون مرتفع الثمن، مثله مثل اليورانيوم، أي أن
الحصول على كيلو جرام من الهافنيوم سيكلِّف آلاف الدولارات، وقد تبلغ التكلفة
ضعف الحصول على كيلوجرام من اليورانيوم، ولكن بالإمكان استخدام أي كمية من
الهافنيوم على النقيض من اليورانيوم الذي توجد حاجة لكمية كبيرة منه لتحقيق
انشطار نووي.
وحتى نهاية عام 2004م كانت أبحاث العلماء الأمريكيين بشأن قنبلة أشعة غاما
ماتزال في مراحلها الأوّلية، مع تأكيدات العلماء الأمريكيين بأن إنتاج هذه
القنبلة لن يتحقق قبل مرور سنوات عديدة، ومع ذلك أعرب الخبراء عن قلقهم
الشديد من هذه القنبلة والأبحاث الجارية حولها، وصدرت ردود فعل دولية تعبّر
عن هذا القلق، من ذلك مثلاً البيان الذي أصدره المعهد المستقل للبحث العلمي
في جنيف بتاريخ 4-11-2004م، وأوضح فيه أن الدول التي لا تملك هذه القنبلة لن
تستطيع خوض حروب ضد تلك التي تملكها، وبالتالي فإن الدول التي لا تملكها
ستسعى إلى امتلاكها أو اللجوء إلى امتلاك القنبلة النووية كحل بديل، وفي جميع
الأحوال فإن قنبلة أشعة غاما سوف تتسبب في اندلاع سباق تسلّح شديد.
قنبلة الترويع الصوتي
أو القنبلة moab، وبحسب تقديرات الخبراء فإن هذه القنبلة في جيلها الأول قد
تم تصنيعها ووضعها قيد الاستخدام، وقد أُجريت التجارب النهائية عليها من
قِبَل سلاح الجو الأمريكي أواسط عام 2003م.
وتُعدّ هذه القنبلة أضخم قنبلة أنتجتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يصل
وزنها إلى (21) ألف رطل، وتحمل (18) ألف رطل من المتفجرات، وقد تم تصميمها
للوصول إلى أكبر مستوى من صدمة الانفجار في الهجوم الجوي على الأهداف
الأرضية، وتدمير القوات المعادية المنتشرة فوق مساحة واسعة من الأرض، وهي
ليست مخصصة لاختراق الأرض ومهاجمة المواقع المحصنة أو المدفونة في عمق الأرض،
إنما الهدف منها هو إحداث صدمة وترويع، لما لهذين العنصرين من أهمية في
التأثير المعنوي على القوات المعادية، فهي تعطي صوت انفجار هائل وقت الصدمة،
ويخرج عامود ضخم من الدخان يشبه الفطر المشروم، مما يسبب الرعب ويضعف معنويات
القوات المعادية.
وهذه القنبلة moab مزوّدة بنظام لتحديد الموقع العالمي gps، وتعتبر أكبر
قنبلة تقليدية أُنتجت حتى الآن، فقد كانت قنبلة bu-82 تُعدّ أكبر القنابل، إذ
يصل وزنها إلى (15) ألف رطل، فجاءت قنبلة moab لتجعلها في المرتبة الثانية.
وقد تم عام 2003م إسقاط القنبلة moab من طائرة mc-13oh للنقل العسكري، ولم
تتعد نسبة الخطأ (13) متراً، ويمكن استخدام هذه القنبلة الضخمة من طائرات
C-17 الاستراتيجية للنقل العسكري، وسوف يتم استخدامها كما هو مقرر من
القاذفات الاستراتيجية من طراز b-2، و b052، و b-1.
قنبلة الماسح
وتعني مسح العوامل الكيميائية والبيولوجية، ولم يتم حتى الآن تحديد اسم نهائي
لها، وهي في الواقع رأس حربي للأسلحة التي تُلقى من الجو، وهدف هذه القنبلة
هو اختراق منشآت تخزين وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ثم تقوم
بمعادلة العوامل الكيميائية والبيولوجية دون أن تنشر هذه العوامل في الجو.
وتقوم البحرية الأمريكية حالياً بتطوير هذه القنبلة التي قلنا إنها رأس حربي،
ويشمل التطوير أن يلائم هذا الرأس استخدامه في (30) نوعاً من المقذوفات
المستخدمة في الجيش الأمريكي، وأن يكون بالإمكان تركيبه في القنابل الموجهة
من طراز jdam، أو الصواريخ بعيدة المدى التي تُطلق من منطقة أمان، مثل صواريخ
jsow أو صواريخ الضرب المشترك jassm؛ ومن المتوقع أيضاً أن تكون البحرية
الأمريكية قد انتهت من تصنيع قنابل محرقة من هذا النوع شديدة الانفجار، تحمل
نوعين من الحمولة تنبعث على التوالي بمجرد اختراق القنبلة للمنشأة.
وتتكون الحمولة الأولى من فتيلات تحتوي على مواد شديدة الانفجار، تقوم
باختراق الخزّانات والمستودعات الحاوية للمواد الكيميائية والبيولوجية،
والقنبلة الثانية تحوي (135) كيلوجراماً من المواد التي تقوم بعملية التفاعل
لمعادلة المواد الكيميائية والبيولوجية.
القنبلة E-Bomb
وهو التسمية المستخدمة لعدة مصطلحات تصبّ في المعنى نفسه، مثل: القنبلة
الخفيّة، والقنبلة القذرة، وقنبلة الفقراء، والمعنى في النهاية هو "القنبلة
الكهرومغناطيسية"، والتي يُقال إنها لم تستخدم بعد في أرض أية معركة، ولكن لا
أحد يستطيع الجزم بذلك، لأنها قنبلة تعمل بدون صوت، ولا دخان، ولا رائحة، ولا
تخلِّف أي أثر من الآثار التي تنجم عن أنواع القنابل الأخرى، وهي لم تعد من
ضروب الخيال العلمي، بل صارت حقيقة، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك
قنابل من هذا النوع مركَّبة على صواريخ وعلى طائرات بطيار وبدون طيار. وتجري
فرنسا تجارب حول هذه القنابل بمساعدة المختبرات الجامعية (ليموج ليل)، ومعاهد
الهندسة، ولكنها لم تقر بعد برامج التصنيع والتطوير عليها.
وبحسب الصحافة الغربية فإن السويد واستراليا اشترتا من روسيا في عام 1998م
قنابل صغيرة من هذا النوع على سبيل التجربة، وهو ما يعني أن روسيا جادة في
تطوير هذه القنابل وتصنيعها. وفي أغسطس 2002م لمَّح وزير الدفاع الأمريكي
(دونالد رامسفيلد) بإمكانية استخدام القنابل e-bomb في الحرب على العراق،
علماً بأن القيادة الأمريكية لم تخف وجود ميزانية خاصة لتطوير القنابل
الكهرومغناطيسية، ولكن بدون ذكر أي تفاصيل. ومنذ نهايات القرن الماضي تقوم
عدة مختبرات مموّلة من الجيش الأمريكي بتطوير برامج هذه القنبلة، وفي عام
1996م قامت القوات الجوية الأمريكية بإجراء تجربة حيّة في كاليفورنيا
باستخدام قنبلة كهرومغناطيسية ضد حوّامة متطورة، فتم تعطيل معظم الأجهزة
الإلكترونية والكهربائية في الحوّامة.
وهكذا يقف العالم على عتبات ظهور سلاح جديد يتمثّل في القنبلة
الكهرومغناطيسية، أو القنبلة الإلكترونية بحسب تسمية آخرين لها.