ارتأيت ان نتوقف قليلا لمناقشة مساهمة سلاح الجو البريطاني في هذه الحرب. السبب اﻷول هو كون بريطانيا ثاني اهم مساهم في الحرب. و السبب الثاني هو ان هذه المشاركة كانت متميزة على مستوى العمليات و فيها الكثير من العبر.
اثناء النقاش الحاد بين جنرالات سلاح الجو الامريكي و طيران البحرية، كان قائد العمليات الجوية يقول دائما لأي طرف يعترض: اذا رأيت ان هذه المهمة اكبر من طاقتك، سوف اطلب من البريطان القيام بها. و فعلا، طوال الحرب الجوية، لم يعتذر البريطان عن اي طلب مهما صعب باستثناء حالتين. هذا الالتزام بالواجب صاحبه مشكلة كثرة الخسائر العسكرية في سلاح الجو الملكي في اول اسبوع من الحرب، و هو ما انعكس احراجا سياسيا للحكومة في لندن. فقد خسر الانجليز 5 طائرات تورنيدو (من اصل 45) اول اسبوع من الحرب، و تم خسارة افراد طواقمها العشرة قتلا او اسرا. و من ضمنهم كان قائد السرب Nigel Elsdon و عادت طائرتان بصعوبة بعد اصابتهما في الجو. ببساطة، كان سلاح الجو الامريكي عجيبا في حظه، و كان سلاح الجو البريطاني عجيبا في سوء حظه اول اسبوع.
احصائيا كانت الخسائر ضمن المتوقع، لكن المحرج كان ان نسبة الخسائر في التورنيدو هي الاعلى بين كل انواع الطائرات المشاركة في التحالف.
هذا الاحراج العلني، كان لا يقارن بالاحراج السري الذي حصل في ديسيمبر عندما ترك قائد سرب خطط المعركة في سيارته في لندن اثناء نزهة و سرقت السيارة مع الخطط!! وجدت الشرطة السيارة و لكن بدون الحاسوب. و بعد عدة ايام تم ارسال الحاسوب بالبريد لمركز شرطة. تمت محاكمة العميد و تم تجريده من مسؤولياته. و قدر الخبراء ان خطط الحرب لم تسرب و استمرت نفس الخطة.
في التدريب ركز الانجليز على الطيران على ارتفاع منخفض (50-70 متر) و كان تفسير الامريكان لذلك هو ان انظمة التشويش البريطانية ليست على مستوى الامريكية في محاربة السام.
في خطط الناتو لحرب محتملة مع الاتحاد السوفياتي، كانت مهمة البريطانيين هي قصف قواعد حلف وارسو كل 12-24 ساعة بقنابل JP-233 و كان التدريب على على القصف على ارتفاع منخفض. و يحسب للعراقيين انهم اشادوا مطاراتهم متحسبين من هكذا قصف، فالممرات كانت طويلة جدا، و كان هناك اكثر من مسار للهبوط و الاقلاع، و حتى ان بعض المطارات كان فيها مصانع لانتاج الخرسانة المسلحة لسرعة التصليح!
كانت تقديرات الاستخبارات الحربية البريطانية ان العراق يتبع الاسلوب السوفياتي في الاغراق الصاروخي مقارنة بالمدفعية المضادة. و هو ما تبين خطأه اثناء الحرب. و المشكلة الثانية هو ان القنبلة 233 العتيدة لم يتم التدرب عليها كفاية في بريطانيا بسبب قصر الممرات الجوية هناك! و اختلاف الارضية الرملية في العراق عن الصخرية في بريطانيا.
و بدأ التعديل التكتيكي، اولا تم ارسال الطائرات لتقصف معا بدل من التسلسل (الامر الذي كان يكشفها و يعزلها امام الدفاع الجوي العراقي). و لكن الخسائر بقيت عالية، و لم يكن امام احد القادة البريطانيين الا ان يقول: كان حظنا سيئا للغاية، و لكن الحظ السيء لا يستمر للابد. و حتى ان اﻷمر اثر على اعصاب الطيارين (و قد ارسل احدهم لبريطانيا للعلاج بعد انهيار نفسي اثر رؤية زميلين له اسرى على التفزيون العراقي).
و بنهاية اليوم السادس، تم تغيير العمليات. فلا يوجد طيران عراقي معاد و بالتالي لا داع لعمل مهمات خطيرة لتعطيل المطارات. و تم رفع ارتفاع الطيران لمدى متوسط و استخدام قنابل "غبية" و لكن كانت الدقة سيئة جدا. و عندما اقترحت القيادة العودة لقنابل 233 صاح قادة الاسراب الجوية احتجاجا. و خسر البريطانيون تورنيدو واحدة بعد ذلك الاسبوع الصعب و لم يستمر الحظ السيء للابد.
و بقي لغز سلاح الجو العراقي قائما. اين يذهب العراق بقواته (800 طائرة من ضمنها 41 ميغ 29 و 75 ميراج). لماذا تنازل العراق عن السيادة الجوية بسهولة (مقابل 17 طائرة تحالف و 50 طائرة عراقية اسقطت)؟ هل يظن ان الحرب قصيرة؟ هل يريد ان يركز على الطيران الامريكي في تركيا (عدد طائرات اقل). و كان العراق قد امن 594 مخبأ حصين بسمك اكثر من متر و ابواب وزنها 40 طن و كانت حتى مؤمنة من الاغراق المائي.
و لوهلة قفز الامريكان لاستنتاج مهول حول سبب تحفظ العراق في استخدام سلاحه الجوى. عمليات انتحارية ضد اسرائيل او الرياض بعدة مئات من الطائرات. و قد اثار الاقتراح الرعب لدى الامريكان بسبب ما يمثله من هزيمة نفسية للغرب - مثلما فعل الفيتناميون في الهجوم على سايغون - مقابل خسارة عسكرية اكيدة للطيران المهاجم. و تم قلب الاولويات في الاستهداف الجوي ليعود الطيران العراقي كأولوية في "جدول الضرب". و هو عنوان العمليات الجوية للاسبوع التالي.
المصدر: Crusade, By R. Atkinson