ينسى الكثير من المتابعين لعاصفة الصحراء ان انزال المارينز من الشواطئ كان من الخيارات التي تم مناقشتها مرارا و تكرارا لدرجة ان المتابعين من كلا المعسكرين توقع حصوله. و حتى اول ايام الحرب كان الجميع ينظر لسواحل الكويت منظرا انزالا دراماتيكيا. و كان العراقيون مستعدين لهجوم من هذا النوع بل و يتمنوه بسبب صعوبة تنفيذة و ارتفاع احتمال الخسائر على الطرف المهاجم. و قد حضر العراق تحصينات جدية على سواحل الكويت و اسندها بالالغام و وضع 3 وحدات في المنطقة لدفع القوات المهاجمة لو اضطر الامر. و يمكن اعتبار عدم وقوع اي جهد رئيس من هذا المحور من المفاجئات الاستراتيجية التي اتى بها المخطط الامريكي.
كانت قوات البحرية موجودة و لكن كان هناك تعليمات صارمة بعدم تجاوز خط 50 كم جنوب حدود الكويت الجنوبية في العمليات حتى لا يتم استفزاز العراق لعمل ضربة استباقية و بدء الحرب قبل جهوزية الامريكان. و تم العمل على خطة (رمح الصحراء Desert Saber) لعمل انزال للمارينز على ميناء الشعيبية يتزامن مع الهجوم البري. و بعد ايام من الالحاح وافق شوراتزكوف على دراسة الخطة و ذهب بالمروحية ليجتمع بالقيادة البحرية على متن احدى حاملات الطائرات في الثاني من فبراير.
الاخبار التي عند البحرية لم تكن سارة على الاطلاق. فالانزال البحري يحتاج المعطيات التالي:
1- تنظيف ممر بحري من الخليج العربي للساحل الكويتي من الالغام
2- يجب حماية كاسحات الالغام البحرية عند العمل قرب ساحل الكويت مما يتطلب ضرب الساحل الكويتي من الجو بقوة و من مدافع السفن.
الخطوة الثاني تحتاج حوالي اسبوع بينما كسح الالغام بطلب 18 يوما!
3- يجب ضرب الشاطئ مرة اخرى بالمدفعية لتليين الدفاعات العراقية التي قد تشكل مشكلة امام قوات الانزال و هو ما يحتاج 5 ايام اضافية.
اي ان البحرية تحتاج 28 يوما للتحضير قبل اول انزال على الشاطئ الكويتي. و بالتالي لو وافق شواتزكوف على العملية، سيحتاج ان يؤخر الهجوم البري لأول مارس. و هذا طبعا بفرض ان كسح الالغام سيتم بدون مشاكل.
بعد الحرب كان الرأي السائد ان الخاصرة الضعيفة للبحرية هي الالغام البحرية. فكاسحات الالغام كانت - حسب شوارتزكوف- قديمة، و بطيئة، و غير فعالة. و كانت مشاكل الامريكان في الموضوع تعود الا ان تقسيم الواجبات في الحرب القادمة مع روسيا ستكون ان ياتي الامريكان بالسفن الكبيرة اما باقي دول الناتو فمن واجبها التعامل مع الالغام. و كان هناك عدم اهتمام بما قد تشكله دولة من العالم الثالث من خطر في هذا المجال. و قد عبر اكثر من ضابط من دول صديقه عن قلقه من اسلوب ادارة الامريكان لهذا الموضوع.
كانت تقديرات المخابرات الامريكي ان العراق يملك بين الف و الفين لغم بحري. معظمها عبارة عن الغام تشتغل عند الاتصال معها - من مخلفات الحرب العالمية الاولى. و قد رصد العديد منها بعد ان جرفها التيار. و لكن كان هناك الغام تنفجر بتأثير الحقل المغناطيسي للسفن او حتى من صوت دوران المحرك في الماء. و لا يعرف احد اين زرع العراق هذه الالغام بسبب تشدد شوارتزكوف في عدم الدخول في المياه القريب من الحدود الكويتية لا بحرا و لا في الجو.
في مواجهة هذا، كان للبحرية كاسحتان الغام جدد مصممتان للمياه العميقة و 3 قوارب و 6 مروحيات. و لم يكن اي من هذه المرتبات قادر على كشف الغام على عمق اقل من 10 متر. و اضيف لذلك 5 كاسحات بريطانية، و 3 من بلجيكا و بضعة سفن من السعودية.
كان تنظيف المياه من الالغام يمر ب 3 مراحل.
1- تطير مروحية فوق القاطع و تجر معها ما يشبه الشفرة تحت سطح الماء لقطع اي اتصال للغم بالقاع و بالتالي يطفو و يسهل التعامل معه.
2- تطير مروحية بمصدر اشعة مغناطيسية و الصوتية تشبه الخارجة عن السفن لخداع اللغم لينفجر.
3- تقوم سفن الكسح بمسح المنطقة مرة اخرى لكشف اي لغم نجى من الاجراءات السابقة.
كانت العملية طويلة و النتائج غير مضمونة، حيث ان تغير حرارة المياه، و التيارات، و حتى ذكاء تصميمات الالغام تمنع الاجراءات السابقة من تفجير كل شيء. فبعض الالغام مبرمج ليسمح بمرور عدة سفن قبل ان ينفجر. و كانت حسابات البحرية ان مسحين على منطقة ملغومة بمساحة 50 كم مربع يكفي لجعل نسبة الامان 60% فقط.
و ليست هذه المشكلة الوحيدة التي ترافق الانزال البري. فالعراق يملك الكثير من صواريخ (دودة القز Silkworm) ارض بحر و صواريخ Exocet الجو بحر. و كان من غير المسبعد ارسال طائرات عراقية في مهمات انتحارية. و كان من المطلوب ضرب كل عمارة مرتفعة على الشاطىئ قبل عمل اي انزال و الا ستكون نسبة الخسائر المحتملة مرتفعة. و كان شواتزكوف من انصار مدرسة (تحرير الكويت دون تدمير الكويت). اضافة الا ان قصف مناطق قرب مصفاة الشعيبية - فيها محطة غاز - قد تؤدي لكارثة.
دار شوارتكوف يكرسيه و واجه مدير العمليات البرية Walter Boomer. و سأله السؤال المتوقع: هل تستطيع الهجوم برا بدون مساعدة الانزال البحري؟
صمت الجنرال لثلاثين ثانية كاملة قبل ان يجيب. كان يعتمد في ان فرقتي المارينز سوف يدخلون الكويت من الجنوب مع اسناد مدفعي و على الارض و لوجستي من البحرية. و ان 3 فرق للجيش العراقي ستكون مشغولة في التعامل مع ذلك الهجوم. و هو سيحتاج لمزيد من التموين بسبب عدم توفر الدعم من البحر قبل دخول الكويت. و لكن امام كل هذا كان لا يمكن ان يقبل تأخير الهجوم لعدة اسابيع بشكل قد يكشف المفاجأة. اضافة الا ان الهجوم فيه خطورة غير مبررة على القوات. و كان الجواب: نعم. و لكن بشرط ان تبقي البحرية ضغطها ووجودها على العراقيين ليبقوا يظنون ان الهجوم قادم من هناك. و لو كان هناك مشاكل في الهجوم البري ممكن فتح تلك الجبهة عند الضرورة.
كان هذا القرار صحيحا 100% من جانب شوارتزكوف. و هو يمثل جانبا مهما في القيادة احيانا (تجنب الخسائر غير الضرورية) احيانا في مقابل (قبول خسائر للهدف الاكبر). و في ضوء تطور الاحداث سوف يتأكد شوارتزكوف ان عدم وضع مصير الهجوم في يد كاسحات الالغام كان قرارا سليما. فقط كان مستواهم (و مدى سوء حظهم) اسوأ مما توقع.
R. Atkinson - Crusade