نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي
يشهد العصر الحالي تفجراً هائلاً في حجم المعلومات المتدفقة من مصادر عديدة وبلغات مختلفة، وتسعى المجلة من خلال هذا الباب إلى اختيار بعض الموضوعات التي تفيد القرّاء.
ما كاد العالم يشعر بشيء من استقرار العلاقات الدولية في ظل زوال الحرب الباردة، الذي كان من أهم ملامحها وقف سباق التسلُّح بين القوتين العظميين، حتى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها بناء درعها الدفاعي الصاروخي (NMD) بحجة كشف الصواريخ المعادية منذ لحظة إطلاقها وتدميرها من قواعد صاروخية أرضية، وهو ما حدا بعديد من الدول أن تعلن عن مواقفها إزاء المشروع، والتي تراوحت بين التأييد والرفض.
وهذه المقتطفات من الصحافة العالمية تعكس هذه الرؤى والمواقف، وفي الوقت نفسه، تشرح التفاصيل الفنية للمشروع.
"ولمزيد من التفاصيل راجع العدد 63 من هذه المجلة"
نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي
Janeصs Defence Weekly
18 أبريل 2001م
أرسى الرئيس الأمريكي جورج بوش قواعد مشروعه لإقامة نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي، مبدياً رغبة واضحة في نشر عدد محدود من الصواريخ البالستية الدفاعية لحماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها من تهديدات الصواريخ بعيدة المدى الآتية من دول مارقة كما تسميها الولايات المتحدة الأمريكية تذكر من بينها كوريا الشمالية وإيران. ومن المتوقع أن تتجاوز هذه المقدرات الصاروخية نظام الدفاع الصاروخي (NMD) الذي يهدف إلى كشف الصواريخ المعادية منذ لحظة إطلاقها وتدميرها من قواعد صاروخية أرضية ليشمل مكوّنات برية وبحرية، بل وفضائية في المستقبل. وحرصت الإدارة الأمريكية على طمأنة الجميع بقولها إن إدخال هذه الأنظمة الدفاعية الصاروخية ضمن الإطار الاستراتيجي العالمي لا يقلل من شأن القوى الدولية التي تسعى إلى الحد من انتشار الأسلحة، مشيرة بذلك إلى روسيا والصين، كما أنه لا يعرّض الأمن العالمي للخطر. ولا يزال هذا المشروع الدفاعي بحاجة إلى موافقة أعضاء الكونجرس عليه قبل أن يسري مفعوله، ولكن من الواضح أن الرئيس الأمريكي جورج بوش يرغب بشدة في إدخال مقدرة صاروخية مبدئية إلى الخدمة قبل انقضاء فترة رئاسته الأولى في أوائل عام 2005م.
ولتحقيق هذا المشروع، تدرس الإدارة الأمريكية مجموعة من الخيارات لم تكشف عن تفاصيلها، وإنما اكتفت بالقول إن هذا المشروع سيتألف من مكونات برية وبحرية وجوية لاعتراض الصواريخ في الجو لحماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها من التهديدات الصاروخية. ويتفق عديد من المسؤولين الأمريكيين على أن إدارة بوش تسعى إلى إدخال مقدرة صاروخية بالستية محدودة في إطار نظام الدفاع الصاروخي
(NMD)، مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه حالياً، على أن تعمل من أجل إدخال المكونات البحرية والفضائية مستقبلاً.
وكان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد أعلن في أواخر عهد رئاسته أنه لن يتخذ قراراً بشأن نظام الدفاع الصاروخي (NMD)، وأنه سيترك القرار في هذا الموضوع لمن سيخلفه في البيت الأبيض. وبتلك الخطوة فإن كلينتون لم يحسم الجدل الكبير الذي أحاط بالمشروع، وإنما تخلّص من مسئولية اتخاذ قرار بشأنه، خصوصاً بعد فشل آخر تجربتين على إطلاق الصواريخ الاعتراضية وتصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية الموجّهة للمشروع. والواقع أن إيقاف المشروع لم يقترن بوقف التجارب الأساسية المرتبطة بالتقنيات التطويرية التي يتطلبها. ويبدو أن تبنِّي المشروع مجدداً يأتي بعد أن وصلت هذه التجارب إلى النتائج المطلوبة، وهو مشروع يكلف ما لا يقل عن ستين مليار دولار حسب التقديرات الراهنة. ويتضمن المشروع نشر مائة صاروخ مضاد للصواريخ العابرة للقارات في ولاية (آلاسكا) في حدود عام 2005م.
وبالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي (NMD) ترى إدارة بوش أن إقامة مكونات بحرية مكمّلة للقواعد الأرضية وليست بديلاً عنها سوف تساهم في نجاح المشروع، من منطلق أن نشر رادارات أمامية في قواعد بحرية سوف تساعد على استمكان الهدف مبكراً ومتابعته وتمييزه، ومن ثم إرسال تلك المعلومات إلى القواعد الخلفية. ويؤكد المسؤولون الأمريكيون على ضرورة تلك الدفاعات البحرية التي يمكن تكثيفها في أوقات الأزمات وتقليلها عند زوال الخطر، كما تدرس الإدارة الأمريكية إمكانية تمويل مكونات فضائية تعمل بالليزر لدمجها ضمن المشروع بغرض ضرب الصواريخ من الفضاء، ولكن هذه المكونات الفضائية يأتي تنفيذها في مرحلة لاحقة تترواح ما بين عام 2020م إلى 2030م
أثار نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي تحفُّظ دول الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والصين، وتخشى هذه الدول من أن يؤدي نشر الولايات المتحدة الأمريكية لهذا النظام دون تنسيق دولي إلى وضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع فيطلق سباقاً محموماً للحصول على التقنية الجديدة الخاصة بالصواريخ.
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تهدئة روع الدول الأوروبية وروسيا والصين، بالتأكيد على أن الدفاع الصاروخي لا يقتصر على حماية الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما يمتد لحماية حلفائها وأصدقائها، إلاّ أن مثل هذه التصريحات لم تحد من رغبة الأوروبيين في إقامة نظام دفاع صاروخي خاص بقارتهم؛ بل إن روسيا التي كانت تعترض في البداية على إقامة نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي اقترحت إقامة نظام دفاع صاروخي أوروبي لحماية القارة.
وعلى الرغم من العقبات الفنية والمالية التي قد تعيق تطوير وتنفيذ برنامج الدفاع الصاروخي الأوروبي، إلاّ أن احتمالات تنفيذه تظل قائمة، وبخاصة في إطار حلف شمال الأطلسي الذي يمثّل المظلة الدفاعية المشتركة التي تجمع بين الدول الأوروبية. علاوة على ذلك، فإن عضوية الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف سوف تدفع بالمشروع الأوروبي قُدماً من حيث استفادة الدول الأوروبية من خبرة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الصواريخ. وفي نهاية المطاف فإن أمر مشروع الدول الأوروبية في إقامة نظام دفاعها الصاروخي سيبقى شأناً أوروبياً وليس نتيجة لضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، وهي وحدها التي تقرر مدى حاجتها إلى هذا النظام في ظل التهديدات الماثلة أمامها، وإمكانياتها المالية والفنية. ولكن ذلك لا يقلل من أهمية الدورين الأمريكي والروسي اللذين دفعا بمشروع نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي إلى رأس قائمة أولويات الحكومات الأوروبية، ولكن يظل السؤال مطروحاً: ما هو نوع النظام الصاروخي الذي ترغب فيه الدول الأوروبية؟ إن الوقت مازال مبكراً للإجابة على هذا السؤال، وبخاصة أن معظم الدول الأوروبية غير مستعدة حالياً للشروع في تنفيذ هذا المشروع.
وخلاصة القول، إن مجرد التفكير الأوروبي في إقامة نظام دفاع صاروخي يعني زيادة المخاوف من أن المشروع الأمريكي الجديد يزيد الهوة الفاصلة عسكرياً بين الأمريكيين وحلفائهم، لاسيما أن اتخاذ القرار ببدء المشروع الآن يوحي باستغلال العجز الروسي والعجز الأوروبي مالياً عن مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم التهديدات الصادرة عن موسكو بأن خرق اتفاقية 1972م يعني تجديد سباق التسلُّح، ومحاولة إحراج واشنطن بمزيد من الخطوات الأوروبية في اتجاه نظام دفاعها الصاروخي الخاص بها