بينت مجزرة شارلي إيبدو أن هناك "فجوة أمنية" في عمق جهاز الأمن الفرنسي اقرت بها الحكومة الفرنسية ذاتها، وهذا الأمر يؤكد الخطأ الفادح الناتج عن تأزم العلاقات مع المغرب، خصوصا على مستوى التعاون القضائي و الأمني، بسبب حادثين مهمين: يتعلق الأول بحادث هجوم المعارض أديب على الجنرال بناني في أحد مستشفيات باريس و الثاني بحادث محاصرة أمنيين فرنسيين للسفارة المغربية بباريس و مطالبتهم بتسليم الحموشي، رئيس المخابرات المغربية، بسبب مزاعم بتورطه في تعذيب فرنسيين من أصل مغربي. اللافت هو هذا الربط بين الحدث و السبب: مجزرة شارلي إيبدو حدثت لأن المغرب علق جميع الإتفاقيات القضائية مع فرنسا. لهذا ارتأيت النبش في علاقة المغرب بأمن فرنسا خاصة في مجال الإرهاب و الهجرة السرية.
الإرهاب
وعي المغرب بأن مشاريع إرهابية تستهدفه ليس وليد اليوم بل تمت ترجمة هذا الوعي إلى ممارسة تزداد احترافية و حنكة خصوصا مع بروز تنظيم القاعدة و داعش. فمنذ تفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء إلى اليوم نجحت الأجهزة الأمنية ذات الصلة بمكافحة الجريمة الإرهابية في تفكيك حوالي 100 خلية إرهابية.هذه الخلايا الإرهابية لو مرت إلى تنفيذ مخططاتها لأدى ذلك إلى نتائج كارثية.
هذه الحنكة المغربية في محاربة الإرهاب ساهم فيها بشكل كبير انخراطه النشيط في مسارات دولية و إقليمية أهمها مسار التعاون بين بلدان غرب حــوض البحر الأبيض المتوســط المسمى بحوار 5+5. يشمل هذا المسار خمس بلدان أوروبية (إسبانيا و البرتغال و فرنسا و إيطاليا و مالطا) و خمس بلدان مغاربية (المغرب والجزائر و تونس وموريتانيا وليبيا). هذه البلدان أقرت بالتعاون وفق مبدأ شمولية وعدم تجزئة مسألة الأمن في المتوسط بهدف خدمة السلم والتعاون في المنطقة برمتها و جعلها فضاء أمن وتعاون واستقرار، مِمّا يتيح فرصا مهمة لتوسيع و تعميق علاقات التعاون بين الدول الأعضاء و يشكل إضافة ذات قيمة كبيرة للحوار بين المجموعة الأوروبية و الإتحاد المغاربي و للحوار العربي الأوروبي. و للإشارة فقط فإن بيانا منسوبا لوزارة الدفاع الفرنسية يقر بأن الاجتماع الأخير ل 5+5 فتح النقاش حول استراتيجية مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي و ينتظر أن يلعب فيه المغرب دورا حاسما.
لقد استوعبت فرنسا أن المغرب قد طور خبرات هائلة في تعقب الإرهاب و إفشال مخططاته و سارعت بعد مجزرة شارلي إيبدو ليس فقط إلى العمل لاستئناف التعاون بل إلى تعديل اتفاقية التعاون القضائي الفرنسية المغربية بهدف تقوية وثيرة تبادل المعلومات بين البلدين بالإضافة إلى إعادة تعيين قضاة تحقيق كجسر بين جهازي القضاء الفرنسي والمغربي.
و من جهة أخرى تسرب أن عملاء الاستخبارات الأوربية بصدد الضغط في إتجاه جعل التعاون الاستخباراتي على رأس الأولويات في العلاقات مع المغرب، لأن هذا الأخير سبق أن قدم في أحداث مشابهة لمجزرة "شارلي إيبدو" معلومات سرية جنبت العديد من البلدان الأوربية تفجيرات كانت هدفها مترو الأنفاق و سفارات أجنبية.
و مؤخرا صرحت رشيدة داتي أن "فرنسا مدينة للمغرب بسبب أمن أوروبا" و اضافت أنه في "غياب تسوية الوضع الأمني في منطقة الساحل، وضغوط الهجرة الناجمة عنه، فإن الضرورة تقتضي أن تعتمد المفوضية الأوروبية الجديدة بشكل أكبر على المغرب وخبرته في مواجهة هذه التحديات، خاصة في ظل عدم إمكانية الإتحاد الأوروبي مواجهتها وحده". و في ذات السياق، أبرز رئيس بعثة المغرب لدى الإتحاد الأوروبي الرهانات الأمنية الجديدة التي تتهدد منطقتي المتوسط والساحل، موضحا أنها مستمرة في التوسع من منطقة القرن الأفريقي إلى خليج غينيا بسبب ما سماه "الإستراتيجيات المجزأة والضيقة والمعتمة التي تعتمدها الجزائر، والتي زادت من تفاقم التهريب وتضاعف التهديدات الأمنية".
الهجرة السرية
هذا المجال لا يقل أهمية عن المجال الأول حيث أن الدور الكبير الذي يلعبه المغرب كدركي و قاعة إنتظار للمهاجرين السريين يعطي لأوربا متسع للوقت و من المسافة لتدبير الظاهرة بما يخدم مصالحها. مقابل ذلك يستفيذ المغرب من شراكات اوربية تدعمه في هذا الدور. و نظرا لأهمية هذه المسألة على مستوى التعاون الأمني بين المغرب و الدول الأوروبية بما فيهما فرنسا، فقد اصبحت موضوعا للعناية من لدن الجهات العليا بحيث هناك رؤية ملكية بهذا الصدد تنبني على خمس ركائز وهي" احترام حقوق الإنسان للمهاجرين، وتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتشجيع الهجرة القانونية، وضمان حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، وكذا التسوية الاستثنائية للمهاجرين غير الشرعيين".
و قد تمت ترجمة هذه الرؤية إلى إستراتيجية من خمسة مجالات تهم الجانب القانوني باصدار قانون جديد ينظم دخول وإقامة الأجانب، والجانب المؤسساتي بتأسيس مديرية الهجرة ومراقبة الحدود ومرصد الهجرة، وكذا التدخلات الوقائية وحماية ضحايا الهجرة السرية الذين تستغلهم المافيات بسبب وضعهم الهش و الغير المستقر. و تجدر الأشارة بهذا الخصوص إلى ما صرح به سفير المغرب في فيينا من أن "التعاون مع الاتحاد الأوروبي يركز على تحسين أساليب تعزيز الهجرة الشرعية والتدبير الأفضل لتدفقات الهجرة، من خلال تعزيز مراقبة الحدود و وضع اللمسات الأخيرة على مشروع اتفاق إعادة القبول بين الاتحاد الأوروبي والمغرب".
مما لاشك فيه أن تعامل الأجهزة الأمنية مع مسائل و تحديات الهجرة السرية قد أضاف لرصيدها تجربة و حرفية أكثر فيما يتعلق بالمخططات السرية و السلوكات الغير المتوقعة التي يقدم عليها المهاجرين السريين و شبكات تهريب البشر، و كلها أنشطة غير قانونية تستلزم تتبع المعلومة المرنبطة بها و تمحيصها و استباق الأحداث لإفشالها و تجنب مآسي الغرق الجماعي و تهديد الأمن الحدودي للدول الأوربية.
و ختاما فإن سؤالا ملحا يتبادر إلى الذهن، بالعلاقة مع الموضوع، و هو: لماذا لا يلوح المغرب بأوراقه القوية للدفاع عن حقوق المواطنين البسطاء، خصوصا إخواننا المهاجرين عندما يتعرضون لسوء كما حدث للمعقولي الذي ذبحه فرنسي بدم بارد و لم يحرك ساكنا لدى السلطات المغربية، بل لم تكلف نفسها عناء حضور جنازته و لو ممثلة بأصغر موظف لديها. للأسف و كما قاله حسن أوريد في مقال سابق على هسبريس:". .غياب مسؤولينا بعث برسالة مؤلمة مفادها أن هناك من هم أكثر إنسانية في حياتهم ومماتهم، تحظى جنازاتهم بالحفل المهيب، وتُلقى بحضرته الخطب العصماء، ويتسابق العلية من كل المعتقدات على حضوره للتدليل على سماحتهم وتسامحهم، ثم هناك من هم "أقل إنسانية"، أمثال المعقولي، الذين لا يأبه بهم أحد".
المصدر
http://www.allpress.pro/ecrivains/289015